الصلاة راحة المؤمن

الصلاة راحة المؤمن

أنت يا بني وأنت يا بنيتي، تعلمان أن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، كما أنكما تعلمان كما درستما في حصص التربية الإسلامية في المدرسة أن الصلاة عماد الدين، وأن من أقامها فقد أقام الدين، وأن من هدمها فقد هدم الدين، وأنها كما أخبرنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم أول ما يحاسبنا عليه ربنا، فإن صلحت صلاتنا صلح سائر أعمالنا، وإن فسدت فسدت أعمالنا.

وأنت أيها الابن الحبيب، وأنت أيتها الابنة الحبيبة، تذكران حينما ذهبتما إلى المسجد أول مرة مع الأب أو الأم، أو الجد والجدة، تذكران كيف يقف المصلون في صفوف مستقيمة، يركعون ويسجدون في وقت واحد في جمال وخشوع.

وفي الصف الكل سواء لا فرق بين كبير صغير ولا غنى وفقير، ولا بين أسود وأبيض، كل المصلين يناجون ربهم، ويقولون: يا ربنا، نعلم أنك أنت الكبير، وأنت الله الأكبر، ولم نجد كبيرًا سواك نعبده، ونسأله الهداية والصراط المستقيم.

وقبل أن أحدثك يا بني عن الإعجاز العلمي للصلاة، أسألك سؤالاً أرجو أن تجيب عليه بوضوح:

ما هو الإسلام؟

إسلامنا يا بني طريق مستقيم له حدود فلا تتخطاها، ومحارم فلا تَقربها، وكتاب فاحفظه، وداع يدعونا إلى الله فأجب دعوته، والآن هات ورقة وقلمًا، وارسم ما جاء في هذا الحديث حتى تعرف طريق الإسلام: ورد في حديث النواس بن سمعان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ضرب الله مثلاً صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعًا ولا تعوجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه، فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق الصراط واعظ في قلب كل مسلم)؛ (رواه أحمد في مسنده عن النواس بن سمعان، وأخرجه الترمذي والنسائي).

واعلم يا فتى أن للصلاة أركانًا وواجبات وسُننًا:

للصلاة يا بني أركان وواجبات وسنن، والركن لا يسقط عمدًا، ولا سهوًا، ولا جهلاً، فعلى سبيل المثال من لم يكبر تكبيرة الإحرام - سواء متعمدًا أو ناسيًا أو جاهلاً - لا تصح صلاته، والواجب ما كان في الصلاة، وتبطل بترك واحد منها عمدًا، وتسقط سهوًا، ويسجد له، وتسقط جهلاً ويسجد له، وعلى سبيل المثال من لم يكبر لغير الإحرام لا تبطل صلاته، وسنن الصلاة أقوال وأفعال، ولا تبطل الصلاة بترك شيء منها، ولو عمدًا، ويباح السجود لتركه سهوًا، فلا يكون واجبًا ولا مستحبًّا.

وأركان الصلاة المفروضة أربعة عشر ذكرت في الواضح على فقه الإمام أحمد، وهي:

1- القيام في الفرض لا في النفل على القادر.

2- تكبيرة الإحرام.

3- قراءة الفاتحة لمن يحفظها مرتبة تامة.

4- الركوع.

5- الرفع من الركوع.

6- الاعتدال قائمًا.

7- السجود.

8- الرفع من السجود.

9- الجلوس بين السجدتين.

10- الطمأنينة، وهي سكون الأعضاء.

11- التشهد الأخير.

12- الجلوس للتشهد الأخير والجلوس للتسليمتين.

13- التسليمتان والمراد السلام الذي يخرج به من الصلاة.

14- ترتيب الأركان على النحو السابق ذكره.

وواجبات الصلاة ثمانية، وهي في المرجع السابق: التكبير لغير الإحرام، وقول: سمع الله لمن حمده للإمام والمنفرد، وقول: ربنا ولك الحمد للإمام والمأموم والمنفرد، وقول: سبحان ربي العظيم في الركوع، وقول: سبحان ربي الأعلى في السجود، وقول: رب اغفر بين السجدتين، والجلوس للتشهد الأول.

أما سنن الصلاة، فقد ذكر العلماء منها إحدى عشرة سنة قولية، وخمسًا وأربعين سنة فعلية؛ (راجع كتب السنة من مثل الواضح في فقه الإمام أحمد)، والقعود.. إلخ.

صلاتك يا بني حماية لظهرك:

هيئات الصلاة:

في البداية سأذكركم يا أبنائي بهيئات الصلاة، ومنها:

1- هيئة اليدين: رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام، بحيث تكونان مبسوطتان وأصابعهما مضمومتان، وكذا حالهما عند الركوع وعند الرفع من الركوع، وحطهما عقب ذلك، ووضع اليمين على الشمال، وجع اليدين تحت السرة، وأحسب يا بني أن الرياضيين قد أخذوا البدايات في ألعابهم من تلك الهيئة.

2- النظر إلى موضع السجود، وجعل رأس المصلى حياله، فلا يخفضه ولا يرفعه، وأحسب أن هذا مدعاة للتركيز في الصلاة، وهذا عين ما يفعله من يمارسون الرياضة البدنية من التركيز في اللعبات حتى يحققوا فيها.

3- الجهر بتكبيرة الإحرام، ودائمًا ما يبدأ اللاعبون بصيحة.

ولا يغفل على أي مدرب للرياضة ما في هيئات الصلاة من كمال وتمام للحركة، بما يفيد الجسم فيما يتعلق بحركات اليدين والرجلين، والرأس والجنبين والقيام.

سأذكر لك يا بني ما توصل إليه العلم الحديث حول الفائدة التي يحصل عليها المحافظون على صلاتهم منذ الصغر، وأنقل إليك أولاً الحقيقة التي ذكرها الدكتور محمد وليد الشعراني - (استشاري جراحة المفاصل والعظام بدولة قطر) - حيث يقول: "إذا بدأ الإنسان في تليين أسفل ظهره في سن مبكرة، واستمر في هذا التمرين وحافظ عليه أثناء الكبر، فإن فرصته في الإصابة بالآلام الشديدة والانزلاقات الغضروفية في أسفل الظهر، ستتقلص بشكل كبير.

بحث عن الأثر الطبي للصلاة:

أُجرِي بحث على 188 من البالغين قُسِّموا إلى ثلاث فئات:

• 78 من المسلمين الذين التزموا بالصلاة قبل سن العاشرة ثم كانوا على صلاتهم يحافظون.

• 50 من المسلمين بدؤوا الصلاة بعد سن الثالثة عشرة.

• 60 من غير المسلمين.

وسئل هؤلاء عما يحسون به من آلام أسفل الظهر، وكانت النتيجة كالتالي:

ونرى من الدراسة أنه لكيلا يصيبك ألم أسفل الظهر، فما عليك إلا أن تبدأ الصلاة منذ سن السابعة، وهنا يتجلى وجه من وجوه الإعجاز العلمي في السنة، فقد روى الحاكم وأبو داود عن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع).

والحديث يدعوك يا بني إلى أن تتعلم أحكام الصلاة من نعومة أظافرك؛ حتى تتعود المحافظة على عليها، وتتربى على طاعة الله، وحتى تحافظ على جسدك سليمًا وأنت شاب بالغ، وحينما تصبح شيخًا كبيرًا.

ولكي تعرف نعمة الصلاة بالنسبة للمسلم اعلم يا فتى ويا فتاة أن الدراسات التي قامت بها دائرة الصحة والتغذية الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية - أظهرت أن 60-80 % من الأمريكيين مصابون بآلام أسفل الظهر في فترة من حياتهم، وفى أي وقت يوجد 30 % من الأمريكيين ممن يشتكون ألَمَ أسفل الظهر، وهذا يعني أن هناك ثلاثة من كل عشرة أشخاص لديهم حاليًّا ألم في أسفل الظهر.

وهنا سأهديك هدية قيمة، والهدية هي حديث الرسول الذي رواه الطبراني عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أدِّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب آل البيت، وتلاوة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه).

والآن يبني ويا ابنتي، هل تحبون النبي؟ وما علامة حبكم للرسول؟ وهل تتعلمون تلاوة القرآن؟ وهل ما تحفظون منه أكثر ما تحفظون من الأغاني ذات المعاني الهابطة؟

بالتأكيد حبكم لله أكبر من حبكم لأنفسكم، والقرآن عندكم أغلى من كل شيء.

الصلاة يا بني كفاءة لدورة الدم في الدماغ:

هنا سألخص لكم يا أبنائي ما كتبه الدكتور عبدالله محمد نصرت عن أثر الصلاة على الدورة الدموية بالدماغ: وتبدأ الدراسة بملاحظة هامة، وهي أن كثيرًا من المسلمين الكبار في السن الذين حافظوا على صلاتهم من الصغر يحتفظون ببنيان قوي.

فرق بين الرياضة البدنية وهيئات الصلاة:

ولا تعدل أي رياضة بدنية رياضة الصلاة.

في الرياضة البدنية:

1- ينحسر تدفق الدم إلى المخ، وذلك لأنها تسرق الدم بشكل مباشر لتغذية العضلات، ويكون ذلك على حساب المخ بالطبع.

2- تنخفض معدلات ثاني أكسيد الكربون في الدم، نتيجة تسارع عملية التنفس أثناء ممارسة الرياضة البدنية، مما يؤدي إلى مزيد من تباطؤ سريان الدم إلى المخ؛ حيث إن نسبة ثاني أكسيد الكربون في الدم تعتبر أحد أهم العوامل التي تتحكم في تدفق الدم إلى الدماغ.

3- ترتفع درجة الحرارة، وتسهم كذلك في الإضرار بنصيب المخ من الدم المتدفق إليه.

في حركات الصلاة الإسلامية:

يسهم السجود لله بكل اقتدار في رفع رصيد المخ من الدم:

1- يزداد سريان الدم إلى المخ أثناء الركوع، ثم بدرجة أكثر إبداعًا أثناء السجود، وذلك بفعل ميل الرأس إلى أسفل.

2- يؤدي انطواء الجسم على نفسه أثناء السجود إلى توجيه الدم من الأطراف السفلية إلى الأعضاء الداخلية والمخ.

3- تزداد معدلات ثاني أكسيد الكربون في الدم بشكل وظيفي أثناء ميل الرأس إلى أسفل؛ مما يساعد على إضافة المزيد من تدفق الدم إلى المخ المتدفق إليه.

4- يساعد تكرار ميل الرأس إلى أسفل أثناء الركوع والسجود، ثم ارتفاعه أثناء القيام والجلوس، ثم الوقوف - على المحافظة على نظام التوازن التلقائي للدورة الدموية بالمخ، وفي بداية السجود يقل تدفق الدم إلى المخ بفعل جهاز التحكم التلقائي للمخ، الأمر الذي يحفز الأوعية الدموية الاحتياطية للعمل؛ كي تستوعب الدم المتدفق إلى المخ، ويحدث هذا بفضل التأني في السجود.

5- الركوع يسبق السجود؛ حيث يتهيأ المخ لتدفق الدم إلى الدماغ الذي يحدث أثناء السجود، وفائدة ذلك أيضًا في تحقيق استفادة الأوعية الدموية المخية الاحتياطية من جراء السجود.