• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

حلقات مفقودة في بناء النهضة

حلقات مفقودة في بناء النهضة
د. صفية الودغيري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/11/2017 ميلادي - 15/2/1439 هجري

الزيارات: 4044

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حلقات مفقودة في بناء النهضة


إن أبرزَ مِيراثٍ للإنسانية هو اكتشافُها لحَلقاتها المفقودة في بناء حضارتها، وإقامة قواعدها وسواري نهضتِها، وربط أبنائها بالضمير الأخلاقيِّ الصَّاحي في كل زمان ومكان، وشدُّ عَضُدهم بشَحْذِ عزائمهم، ووصل وِثاقهم بثوابتهم الدينية، وأصولِهم الثقافية؛ فلا قيمةَ لأي إنجاز باهر، أو تقدُّم ظاهر، وقد قطَع الوصلَ الممدود بين الأصل والفرع، وفصَل الدين عن المعرفة والعلم، وجعَل الهُوَّة تتَّسِع بين ممارسة الأخلاق وممارسة الثقافة، فأيُّ خطأ أو رُعُونة تقع في تلك الممارسات هي كفيلةٌ بأن تجعل حياة الإنسان شاقةً عسيرة، وتجعل عملَه وسَعْيه وإنتاجَه هباءً منثورًا تَذْرُوه الرياح وتعصف به.

 

الاحتكام إلى سلطة الدين والأخلاق ومواكبة العصر:

إن تفوُّق الإنسان رهينٌ بتلك الممارسات الواعية التي تساير رَكْب الحضارة والتقدُّم، مع التخطيط الدقيق العملي، الساعي إلى الارتقاء بمستوى الالتزامِ بالأخلاق والقِيَم، وتطبيق أحكام الشريعة والدين، والارتقاء بالفعل الإنسانيِّ إلى مستوى الحضارة، دون أن يفقِدَ خصائصه الإنسانية؛ ذلك أن بناءَ الحضارة الإسلامية يقوم على أساس يُقوِّي تلك الخصائص، ويسمو بالثقافة الإسلامية، ويُبرِز معالِمَها المشرقة، التي تسعي في صميمها وجوهرِها إلى تكريم الإنسان؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70]..


وغايتُها أن تبثَّ الوعي الحضاريَّ والثقافي والديني لدى الشعوب، وتُطهِّر أبناءها من رواسب الجهل والضعف والفساد والانحلال.

 

وإنجازًا لهذا المَقصَدِ الحميد؛ نجدُ نخبةً مِن العلماء العاملين في مَيدان الإصلاح والتجديد قد اجتهدوا في وَصْل أبناء الأمة بهذه الحَلْقة المفقودة؛ ومِن هؤلاء نجد الشيخ محمد المختار بن اباه[1]، الذي كان يحثُّ المغاربة - بعد استقلالهم عن الاستعمار الفَرنسي - على بناءِ حضارةٍ فكرية إسلامية، ترتكز على أُسُس البناء الحضارية الصحيحة، عن طريق الأخذ بأسباب المظاهر المادية المدعمة بسلطة الدين والأخلاق.

 

وفي هذا الشأن يقول في مقالته "الطريق الضيقة": "إن بناء استقلال أمَّة لا يتم فقط بتشييد القصور، وتعبيد الطرُق، وإصلاح الجهاز الإداري والقضائي، فكل هذه المظاهر المادية ضروريةٌ، لكنها لا تُغنِي شيئًا إن لم تكن حياة المجتمع مدعمةً بعادات وتقاليدَ مستمدَّة من سلطة الدين والأخلاق، وإن هذه العادات والتقاليد الدينية والخلقية، لا تثبت في الروح، ولا تطمئن إليها النفس، إلا إذا كانت منسجمة مع العقل الإنسانيِّ من جهة، ومع الحاجيات الضرورية للمجتمع من جهة أخرى"[2].

 

كما دعاهم إلى مكافحة "الجمود والجحود" الذي اكتسحَتْ موجتُه الشعوبَ الإسلامية منذ عدة قرون، وكانت مُخلَّفاتُها سببًا في تسرُّب الاستعمار إلى بلادها، وأن يركنوا بتقاليدهم "للجمود" الذي يخلُّ بحريَّة الفكر، ويضع مِن رتبة العقل، وألا يَميلوا إلى "الجحود" الذي يُنكِر مغزى الروح وفائدة الوجود الإنساني[3].

 

وغايتُه أن يُحذِّرهم مِن خطورة الاستعمار الجديد على الأمة الإسلامية، فإن ارتفعت سيطرتُه السياسية، فسيطرتُه الرُّوحية والفكرية لم ترتَفِع، وإن تحرَّرت من أسلحته العسكرية الغاشمة، فهي لم تتحرَّر بعدُ مِن أسلحته المادية، ووسائله الأشد خطورة والأقوى تأثيرًا في الهدم وفساد التفكير، وانحراف الأجيال الناشئة عن المنهج الصحيح في فهم الإسلام وما يمَسُّ العوائد والأخلاق.

 

وقد اختصر أسلحتها في الهدم في سلاحين؛ هما[4]:

أولًا: محو اللغة العربية، وإحلال لغة المستعمِر محلَّها.

ثانيًا: تشويهُ دين الإسلام، وإيهام ضَعَفة العقول من المسلمين أن مبادئ هذا الدين تتنافى مع العلم والترقِّي.

 

وقد كشف عن بعض مخططات الاستعمار في فرض سيطرته الفكرية داخل العالم الإسلامي، فقال: "عرَف الاستعمار أن العصر الذهبيَّ للعلم الإسلاميِّ قد انمحى ونُسي، وأن الجمود قد أوثق الحياةَ الفكرية في العالم الإسلامي منذ عدة قرون؛ فاستغلَّ هذا الضعف وحمَلَ على أعدائه المسلمين ليُفرِّقهم، فنظر إلى مَن تصلب في الجمود، وقال له: أحسنت، اذهب الوراء، فطريقك هي المُثلى، ومال إلى الشباب، فقال له: انظر إلى هذه الخرافات التي يعتنقها آباؤك، والتي ليست من الحقِّ في شيء، فنظر الشباب في الأمر وفكَّر، فوجد عقله لا يصدِّق الآباء، ورأى في الإفرنجية بِزَّة ودَعَة، فتحيَّر هُنَيْهة، ثم استسلم إلى التفرنج الصريح، ولم يكن سبب استسلامه إلا جهله التام بالإسلام ومبادئه الرئيسية وبالحضارة الإسلامية، واستسلم الشباب للحضارة المادية، فلا يؤمن إلا بها، ولا تطمئنُّ نفسه إلا لما تجده عن طريق "العلم"، ويرى أن العقل لا يصدِّق سوى ما أتى به العلم العصريُّ الذي نِلْنَا اليوم من فضله هذه الحياةَ الراقية المزدهرة، وعاب على الإسلام كلَّ ما خالف مبادئ الحضارة المادية، فظنَّ أن الإسلام لا يُساير العلم، وأن نظامَه غيرُ ديمقراطي، وأنه منشأ الجمود، ولو كان المتهم نظر إلى الأشياء في أناةٍ وتُؤَدة، لَميَّز بين الإسلام وبين الخرافات التي أُلصِقت به، ولعَلِم أنه هو المثل الأعلى للديمقراطية والعدل"[5].

 

لهذا يجب على كتَّاب الأمة الإسلامية ومُفكِّريها أن يعتَنوا بتطهير العقل مِن مُخلَّفات "الجمود" و"الجحود" الملاحَظ اليوم، أما اقتصارهم على دراسة الكتب التي أُلِّفت في عصور الانحطاط الفكريِّ للعالم الإسلامي، وعزوفهم عن كل ما هو جديد، ووقف جهودهم على حفظِ ما مضى، ودراسة ما انحسر من المعرفة - فسيجعلهم في هُوَّة سحيقة تفصلهم عن كل ما استجدَّ وحدث؛ ليظلُّوا هم في وادٍ والحياة الجديدة في وادٍ، ويَحْيَون بأرواحهم وأفكارهم وأقلامهم في تاريخ العصور السالفة، لا يُنتِجون في زمانهم ومكانهم إلا مزيدًا مِن الجهل والانكماش والتعصب، الذي جعل كثيرًا مِن الشباب المثقف يَحِيد عن منهاجهم وأسلوبهم في تقديم الثقافة الإسلامية ودراستها، بعد أن خلَعوا عنها إشراقها ونضارتها، ونزعوا عنها حُلَّتها الجديدة، وعناصرَها الحية المتجددة والمنسجمة مع زمانها ومكانها.

 

كما يجب على علماء الأمة أن يعمَلوا قدر ما يستطيعون وفوق ما يستطيعون؛ لينشروا العلم والمعرفة، ويجتهدوا في النظر والتحقيق فيما حلَّ واستحدث، ويُساهِموا في حلِّ مشكلات العصر، وأن يخرُجوا مِن مخابئهم، ويبعثوا نسيمَ الحياة الجديدة في دروسهم وخُطَبهم ومواعظهم، ويُوقظوا أقلامهم مِن سُباتِها العميق، ويرفعوا أعلامها كي تنشر الحق، وتنير تآليفهم ومصنفاتهم بأفكار نيِّرة، وأن يَلِجُوا مُعْتَرك الحياة الجديدة، وينزلوا إلى المجتمعات الشعبية ويشاركوا عوامَّ الناس في أحاديثهم، وأن يُزيِّنوا مجالسهم بما حباهم الله به من علم، ويهتموا بقضايا الشباب، ويمنحوهم ما يكفيهم مِن وقت للإصغاء إلى همومهم، والاعتناء بحلِّ مشكلاتهم اليومية، وأن يجدُّوا في النهوض بالثقافة الإسلامية، ويَهَبُوها ما تستحقه من عكوف ودراسة وبحث؛ ليُعيدوا إليها إشراقها ونصاعتها وريادتها.

 

لنَسُدْ كما سُدْنا بالأمسِ:

لن تعودَ اليومَ مُقوِّماتُنا أعلى وأجلى مما كانَتْ عليه، إلا إذا تهيَّأت لنا أسباب الالتفاف حول المبدأ الذي به سُدْنا بالأمس، وبه التأم شَمْلُنا، حين كُنَّا به أمةً عظيمة امتدَّت أجنحتُها في مختلف الربوع والبِقاع، وضمَّت إليها مجموعة من البلدان والأقطار، ومزجت بين ألوان أجناسها ولغات شعوبِها، حتى صار الجميع شعبًا واحدًا وقطرًا واحدًا، تتجاوب أرواح سكَّانه في توافقٍ ووئام، ويَطِنُّ دويُّه في الآذان، فيَستفِيق الغافي والشارد والغارق في نوم سبات.

 

ولن نسودَ اليوم كما سُدْنا بالأمس، وتسود مآثرنا كما سادت مآثر أجدادنا، إلا إذا أنجَزْنا ما أنجَزوه، وحقَّقنا روعة التآلف والانسجام والوحدة التي كانوا بها أمةً عظيمة، ونربِّي جيلًا صالحًا متين الدين والأخلاق.

 

وقد نبَّه إلى هذا قديمًا الشيخ محمد المختار السوسي في مقالته "لنكن مسلمين أولًا"؛ لترسيخ دعائم الاستقلال الحقيقيِّ عن أي استعمار، "وذلك بأن نُنشئ أبناءً صالحين في كل مَيدان، صالحين للنظام، صالحين لأسباب الرقي، صالحين لاقتباس ما لا نهوضَ إلا به، فمتى ساد الصلاح كلَّ ناحيةٍ مِن نواحي أعمال الأمة، فلا بد أن تكون في مقدِّمة الأمم"[6].

 

ولن نَسُودَ اليوم كما سُدْنا بالأمس، إلا إذا كنا على أتمِّ الاستعداد لخَلْق ذاك التجاوُبِ الذي تربِطُه اللغة والدين والدمُ؛ فلا قيمة لأيِّ تقدُّم مع فقدان تلك الروعة التي متى استولَت على الأفئدة تصهرها، لتُشكِّل منها كتلةً واحدة ذات إحساس واحد، ولها مُتَّجَه واحد، ومبدأ واحد، وغاية واحدة تربط بين أبنائها، ولها قِبْلة واحدة، وربٌّ واحد، ورسول قد زرَع في جنباتها الوَحدةَ والتضامن والتآخي، ونشَر بينها التعاون على البرِّ والتقوى، وتوارُث تلك العظمة التي تتجلى عند المرابطين والموحدين، "الذين ضحوا في وقت المحنة تلك التضحية الباهرة؛ ليكونَ الشعب مسلمًا، والإسلام عند عارفه مثال الإنسانية الكاملة، بعلمها ونُظُمها وحياتها الواقعية، وقوانينها التي تستمد دائمًا من العدل والحرية الشخصية ومِن المصالح العامة؛ فبذلك صار الإسلام صالحًا لكل زمان ولكل مكان، ولا تخفى هذه الحقائق إلا عن الذين جهلوا الإسلام ولم يدرسوه، ولا كلَّفوا أنفسهم بالالتفات إليه ولو أدنى التفات"[7].

 

ولن نسودَ اليوم كما سُدْنا بالأمس، إلا إذا كان منا المخلصون الموحِّدون، والمرابطون العاملون بصدق وحبٍّ، والمجاهدون في سبيل بعثِ تلك الفورة من النشاط الراكدة في نفوس أبنائها، والمُجدُّون في إحياء تلك الغَيْرة الدينية واللُّغوية والدموية؛ حتى تتجاذَب إليها القلوب وتتآلف، فتقوَى تلك العظمةُ وتتجدد، وتتطهر عروقها وشرايينها من دمها الآسِن، وتتحرَّر من رواسب الاستعمار الغاشم الذي حاول أن "يفتح مغاليق شتى عن أصناف شتى مِن مكايده، ثم حاول بكل ما يملكه من لباقة وخلابة وزخرفة وتمويه، أن ينفثَ سمومه في الروح التي يرِثُها الابن المسلم عن آبائه، فما ترَك مِن تعاليم الإلحاد، ولا مِن التشكيك في مبادئ الإسلام، ولا مِن مفسدات الأخلاق، إلا عرضها عرضًا أمام النَّشء بكل مصابرة ومثابرة، فلم يترُكْ لا مدرسة ولا مسرحًا ولا زاوية من زوايا الحياة التي لا بد أن يلمَّ بها النشء، إلا زرع فيها ما يمكن أن يجتثَّ جذور تعاليم الإسلام السامية من العقول"[8].

 

وهذا من أشدِّ أنواع الاستعمار وأخطر أصنافه؛ لأنه ينتشر بسرعةٍ، ويمتدُّ امتداد النار في الهشيم، ويفصلُ أبناء أمَّتِنا عن لُغَتِهم وقواعدها، ويفصلهم عن دينهم ومعتقدِهم الصحيح؛ ليجتثَّهم من جذورهم، ويخلع عنهم هُوِيَّتَهم الأصلية.

 

وقد حذَّر الشيخ محمد المختار السوسي من هذا الصِّنف من الاستعمار بعد استقلال المغرب، وسماه "باستعمار العقول والأفكار"، فقال: "وبعد، فإن الاستعمار أصناف؛ فأدناها استعمار الأرض، وأشدُّها استعمار العقول والأفكار، فقد وُفِّقنا إلى زحزحة استعمار الأرض السهل، وبقي أن نزحزح استعمار العقول والأفكار عن ثُلَّة قليلة من أبنائنا، فيجب أن نعرِض أمامهم ما جهِلوه عن دين الإسلام، وعن مبادئ الحق، وعن مغازِيه في الحياة؛ فإن بعض مَن تأثروا بما دسَّ إليهم حَسَنُو النية، ويُدرِكون بسرعة.

 

وأرى أن هذا مِن أوجب الواجبات على نخبة من شبابنا جمعوا بين الثقافتين، ودرسوا الإسلام حقَّ الدراسة؛ فهم وحدَهم الذين يُمكِن لهم أن يأخذوا بأيدي أولادِنا هؤلاء بملاطفة، حتى إذا أدركوا وفهِموا، فإذ ذاك تسير الأمة كلُّها في صفٍّ واحد في تفكيرها وفي مُثُلها العليا"[9].

 

حلقة الوصل بين القديم والحديث:

لا قيمةَ لأي تقدُّم مع فِقدان حَلْقة الوصل بين طائفة العلماء والمجتمع والواقع الذي نشؤوا فيه، والثقافة التي تنهَضُ بمجتمعاتهم، وتُقيم صَرْح الحضارة على أساس متينٍ مِن قواعد العلوم وأركان المعارف والفنون، وتسعى لتؤلِّف بين الثقافة العربية الإسلامية العميقة المتجذِّرة في نفوس أبنائها وبين الثقافة الأوروبية العلمية الدقيقة، للانفتاحِ على حضارات أخرى، وعلومٍ متعدِّدة المشارب والروافد، فلا يتسنَّى لأي أمةٍ أن تنهض إلا بإيجاد هذه الحَلْقة المفقودة، ولا يمكن لها أن ترتقي وتتقدَّم وهي تسير في اتجاه واحد، وتسلك طريقًا واحدًا، وتركن إلى القديم البالي، وتَكِعُّ راجعة إلى البدايات، وتتخلَّف عن ركب الريادة والابتكار والإبداع، وتطوير مجالات العلوم والفنون، وتقفُ عند تكرار ما قاله الأسلاف في زمانهم وعصرهم، وتبني أحكامها على ما قد أسسوه وقعَّدوه لحل مشكلاتهم، وكأنه لا اجتهاد بعد اجتهادهم، ولا نوازلَ قد نزلت بالأمة بعد نوازلهم، في حين قد صار لِزامًا عليهم الانتفاع بما سبق مع التوفيق بين القديم والحديث، والجمع بين الثابت من التراث والمتغير منه.

 

ولا يتسنَّى لأي أمة أن ترتقي وتتقدم وتنهض، وأكثرُ أبنائها ممن تثقَّفوا ودرسوا وتعلموا، وتخرَّجوا في معاهدها وجامعاتها ومؤسساتها التعليمية - قد انقسموا إلى: طائفةٍ تثقفت بثقافة أجنبية بَحْتة، فهي جاهلة بكل ما يتعلق بالثقافة العربية الإسلامية وتراثها، وطائفةٍ أخرى قد تزوَّدت بثقافة عربية إسلامية بحتة، وهي غافلة عن كل ما يستجدُّ في عصرها الحديث، وأهملت كثيرًا من الآراء والنظريات في مختلف العلوم والفنون.

 

وقد تحدَّث الأستاذ أحمد أمين عن هاتين الطائفتين، فقال: "إن أكثر مَن عندنا قومٌ تثقفوا ثقافة عربية إسلامية بحتة، وهم جاهلون كلَّ الجهل بما يجري في العصر الحديث؛ من آراء ونظريات في العلم والأدب والفلسفة، لا يسمعون بكانت وبرجسون، ولا بأدباء أوربا وشعرائها، ولا بعلمائها وأبحاثهم، اللهم إلا أسماء تُذكَر في المجلات والجرائد والكتب الخفيفة، لا تغني فتيلًا ولا تستوجب علمًا، وطائفة أخرى تثقَّفت ثقافةً أجنبية بحتة، يعرفون آخر ما وصلت إليه نظريات العلم في الطبيعة والكيمياء والرياضة، ويتتبَّعون تطورات الأدب الأوروبيِّ الحديث وما أنتج من كتب وروايات وأشعار، ويعلمون نشوء الآراء الفلسفية وارتقاءها إلى عصرنا، ولكنهم يجهَلون الثقافة العربية الإسلامية كلَّ الجهل، فإن حدَّثتهم عن جرير والفرزدق والأخطل، أشاحوا بوجوههم وأعرَضوا عنك كأنك تتكلم في عالَم غير عالَمنا، وإن ذكرتَ الكندي والفارابي وابن سينا، قالوا: إن هي إلا أسماءٌ سميتموها، ما لنا بها من علم، وماذا نحصل مِن هؤلاء إلا على جُمَل غامضة، ومعانٍ عميقة، لا تفيد علمًا، ولا تَبعث حياةً"[10].

 

ولا يتسنَّى لأي أمة أن ترتقيَ وتتقدَّم وتنهض، وأبناؤها لم يستطيعوا أن يفهَموا رُوح العصر ولا لغتَه ولا أسلوبه، ولم يجِدُّوا في وصل تلك الحَلْقة المفقودة التي تشمَل العلماءَ الذين جمعوا بين الثقافة العربيَّة الإسلامية العميقة، وبين الثقافة الأوربيَّة العلمية الدقيقة.



[1] من كبار علماء وفقهاء موريتانيا، مواليد 1924م، في مدينة أبو تلميت بموريتانيا، وقد حصل عام 1975م على دكتوراه الدولة مِن جامعة السوربون في باريس، حول موضوع (تاريخ أدب التشريع الإسلامي في موريتانيا)، وقد شغل عدة وظائف؛ منها: رئيس مجلس أمناء جامعة شنقيط العصرية، وأستاذ محاضر في دار الحديث الحسنية للدراسات الإسلامية العليا بالرباط، ومُكلَّف بمهمَّة في الديوان الملكي المغربي، ومستشار الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جُدَّة، ومُمثِّل إقليمي لليونسكو في كلٍّ من تونس والرباط، ووزير التربية الوطنية في أول حكومة موريتانية، ووزير الصحة في الحكومة الموريتانية عامي 1957 - 1959م، وعضو مراسل في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وعضو في اللجنة العلمية لجائزة جلالة الملك محمد السادس للدراسات الإسلامية في المملكة المغربية وغيرها، وحاز على عدة أوسمة شرف؛ ومن مؤلفاته: في موكب السيرة النبوية، وتاريخ القراءات في المشرق والمغرب، وتاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب، والشعر والشعراء في موريتانيا، ومدخل إلى أصول الفقه المالكي، ومدخل إلى أصول الدين، وتاريخ التشريع الإسلامي في موريتانيا.

[2] "الطريق الضيقة"؛ لمحمد المختار بن اباه - مجلة دعوة الحق: العدد الثالث - السنة الثانية (جمادى الأولى 1378 هـ - دجنبر 1958م )، ص 36.

[3] المقالة نفسها، ص 36 بتصرف.

[4] المقالة نفسها، ص 36 بتصرف.

[5] المقالة نفسها، ص 37.

[6] "لنكن مسلمين أولًا"؛ لمحمد المختار السوسي - مجلة دعوة الحق: العدد الثاني - السنة الأولى (ذو الحجة 1376 هـ - غشت 1957م)، ص 14، بتصرف.

[7] المقالة نفسها، ص 14.

[8] المقالة نفسها، ص 6.

[9] "لنكن مسلمين أولًا"؛ لمحمد المختار السوسي، ص 6.

[10] "حلقة مفقودة" - مجلة الرسالة/ العدد 1 - بتاريخ: 15 - 01 - 1933م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحداثة وطريق النهضة
  • معوقات النهضة
  • يوم رجل النهضة
  • دراسة وتحليل في سبيل النهضة العربية
  • النهضة العربية

مختارات من الشبكة

  • خاطرة من وحي: حلقات البصل والبطاطا(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حلقات مفقودة: ثلاثية سردية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حلقات إذاعية "الحج والتزكية": (11) إبراهيم عليه السلام وبناء البيت العتيق(مقالة - موقع أ.د.سليمان بن قاسم بن محمد العيد)
  • درر من تفسير القرطبي: سلسلة حلقات قدمت في إذاعة القرآن الكريم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حلقات تعليمية للتعرف على الإسلام بمشاركة 130 طفلا بلغاريا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • اترك أثرا إيجابيا (10) حلقات مختصرة في أهمية ترك الأثر الإيجابي على الآخرين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • اترك أثرا إيجابيا: عشر حلقات مختصرة في أهمية ترك الأثر الإيجابي على الآخرين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الدمع الحلال: قصة قصيرة مستوحاة من إحدى حلقات برنامج "جبر الخواطر" (PDF)(كتاب - حضارة الكلمة)
  • دور الآباء في إنجاح حلقات التحفيظ(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حلقات دراسية إسلامية في مقاطعة مندوزا بالأرجنتين(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب