• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ما حكم أخذ الأجر على الضمان؟
    د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري
  •  
    {فبما رحمة من الله لنت لهم}
    د. خالد النجار
  •  
    عقيدة الدروز
    سالم محمد أحمد
  •  
    ذكر الله سبب من أسباب صلاة الله عليك
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حقوق المرأة (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    حبه صلى الله عليه وسلم لاستماع القرآن من غيره
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    إشارات في نهاية عام فات (خطبة)
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    المدخل الميسر لعلم المواريث
    رمزي صالح محمد
  •  
    إكرام الله شرف عظيم
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    {كل يوم هو في شأن}
    أسامة بن زيد بن سليمان الدريهم
  •  
    مراتب الفضل والرحمة في الجزاء الرباني على الحسنة ...
    عبدالقادر دغوتي
  •  
    من مائدة العقيدة: وجوب محبة الرسول صلى الله عليه ...
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    بطلان القول بعرض السنة على القرآن
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    بيان ما يتعلق بعلوم بعض الأنبياء عليهم السلام
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    الدورات القرآنية... موسم صناعة النور في زمن ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم التوكل على غير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / التاريخ
علامة باركود

أصحاب السبت (خطبة)

أصحاب السبت (خطبة)
الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/2/2019 ميلادي - 13/6/1440 هجري

الزيارات: 40344

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أصحاب السبت

 

الْخُطْبَةُ الْأُولَى

عِبَاد اللهِ، إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ اعْتَدُوا فِي السَّبْتِ اعَتْدُوا عَلَى حُكْمِ اللهِ مُتَظَاهِرِينَ بِالطَّاعَةِ وَهُمْ عَاصُونَ، وَحَسَبُوا أَنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ خِدَاعَ اللهِ بِأَنَّهُمْ طَائِعُونَ مَعَ أَنَّهُمْ بِعِلْمِهِ عَاصُونَ، وَصَدَرَ حُكْمُ اللَّهِ عَلَيهُمْ بِخُبْثُ طَوِيَتِهِمْ، وَسُوءِ فِعَالهُمْ: ﴿ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [البقرة: 65].

 

عِبَاد اللهِ، لَقَدْ ذَكَرَ اللهُ لَنَا فِي الْقُرْآنِ خَبَرَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ فِي مَوَاضِعِ مِنْ كِتَابِهِ، فَقَالِ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [البقرة: 65]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [الأعراف: 164 - 166]، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ لَمْ يَبِقَ حُوتٌ إِلَّا خَرَجَ حَتَّى يخرجن مِنْ كَثْرَتِهِنَّ خَرَاطِيمِهِنَّ مِنَ الْمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبِ السَّبْتُ غَاصَتْ فِي الْبَحْرِ، وَلَمْ يَرَ مِنهُنَّ شَيْءٌ حَتَّى لَا يَعْرِضُ لَهَا أَهْلُ الصَّيْدِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانُهُ: ﴿ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ ﴾ [الأعراف: 163].

 

فَاشْتَهَى بَعْضُهُمِ السَّمَكَ، فَجَعَلَ يَحْتَفِرُ الْحَفِيرَةَ، وَيَجْعَلُ لَهَا نَهْرًا إِلَى الْبَحْرِ؛ حَيْثُ كَانُوا يَنْصَبُونَ الْحَبَائِلَ وَالشّصُوصَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ أَقْبَلَ الْمَوْجِ بِالْحِيتَانِ يَضْرِبُهَا حَتَّى يَلْقِيْهَا فِي الْحَفِيرَةِ، فَيُرِيدُ الْحُوتُ أَنْ يَخْرُجَ فَلَا يُطِيقَ مِنْ أَجَلِ قِلَّةِ الْمَاءِ، فَيَمْكُثُ، فَإذاَ كَانَ يَوْمُ الْأحَدِ جَاءَ فَأخْذُهُ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَشَوِي السَّمَكَ، فَيَجِدُ جَارُهُ ريحَهُ، فَيَخْبَرُهُ فَيُصْنَعُ مِثْلَمَا صَنْعُ جَارُهُ.

 

فَفَعَلُوا ذَلِكَ زَمَانًا فَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَلَمْ يَنْزَلْ عَلَيهُمْ عُقُوبَةٌ، فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ، وَتَجَرَّؤوا عَلَى الذَّنْبِ، وَقَالُوا: مَا نَرَى السَّبْتَ إِلَّا أُحِلَّ لَنَا الْعَمَلُ فِيهِ، فَلمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ صَارَ أهْلُ الْقَرْيَةِ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صنْف ثَبَتُوا عَلَى دِينِهِمْ وَأَمَانِهِمْ، فَأَمْسَكَ وَنَهَى عَنِ الصَّيْدِ. وَصنْف أَمْسَكَ وَلَمْ يَنْهِ. وَصنْف انْتَهَكَ حُرُمَاتِ اللهِ.

 

وَإِنَّ الْقَومَ اجْتَمَعُوا فَتَنَاقَشُوا بِالْمَسْأَلَةِ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا؛ فَقَالَ فَرِيقٌ مِنهُمْ: إِنَّمَا حُرِمَتْ عَلَيكُمْ يَوْمُ السَّبْتِ أَنْ تَأْكُلُوهَا، فَصِيدُوهَا يَوْمَ السَّبْتِ، وَكُلُوهَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ.

 

فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لَا نَأْخُذُهَا وَلَا نَقْرَبُهَا، فَقَامَتْ الْفَرِقَةُ الْمُؤْمِنَةُ تَنْهَاهُمْ، وَتَقُولُ: الله الله، نُحَذِّرُكُمْ بَأْسَ اللهِ.

 

وَأَمَا الْفَرِقَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ فَكُفَّتْ أَيْدِيهَا، وَأَمْسَكَتْ أَلَسِنَتَهَا، وَأَمَّا الْفَرِقَةُ الْخَبِيثَةُ فَوَثَبْتِ عَلَى السَّمَكِ تَأْخُذُهُ بِاحْتِيَالٍ، وَمَكْرٍ، وَخَدِيعَةٍ، لَقَدْ نَصَحَهُمْ أَهْلُ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ مِنْ قَوْمِهِمْ، لَكِنْ لَمْ يَنْفَعْ نُصْحُهُمْ حَتَّى اَسْتَنْكِرَ بَعْضُهُمْ اسْتِمْرَارَهُمْ فِي النُّصْحِ، وَطَلَبُوا مِنهُمْ الْكَفَ عَنِ النُّصْحِ، فَلَمْ تَعُدْ مِنْ وَجِهَةِ نَظَرِهِمْ جَدْوَى مِنَ الْوَعْظِ لَهُمْ، وَلَمْ تَعدْ هُنَاكَ جَدْوَى لِتَحْذِيرِهِمْ بَعْدَمَا كَتَبَ اللهُ عَلَيهُمْ الْهَلَاكَ أَوِ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا اِقْتَرَفُوهُ مِنَ اِنْتِهَاكِ لِحُرُمَاتِ اللهِ.

 

وَلَكِن أَهْل الْعِلْمِ وَالْخَيْرِ بَيَّنُوا الْعِلَّةَ فِي اسْتِمْرَارِ النُّصْحِ، كَمَا حَكَى اللهُ عَنهُمْ بِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 164]، فَهُوَ وَاجِبٌ للهِ نُؤَدِّيهِ أَلَا وَهُوَ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالتَّخْوِيفُ مِنَ انْتِهَاكِ حُرُمَاتِهِ، وَلنُبَلغَ إِلَى اللهِ عُذْرِنَا، وَيَعْلَمُ أَنْ قَدْ أَدَّينَا وَاجِبُنَا. ثُمَّ لَعَلَّ النُّصْحُ يُؤثِّرُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْقُلُوبِ الْعَاصِيةِ فَيُثِيرُ فِيهَا الْخَوْفُ مِنَ اللهِ وَالتَّقْوَى، لَكِن الْقُلُوب الْقَاسِيَة الْمُحْتَالَة لَمْ يُجْدِ مَعَهَا نُصْحٌ، وَلَمْ يَنْفَعْ مَعهَا تَقْرِيعٌ وَتَخْوِيفٌ، فَكَانَتِ النِّهَايَةُ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيهُمْ، وَسَخطَ، وَمَسخهُمْ إِلَى قِرَدَةٍ وَخَنَازِيرَ.

 

قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: (وَالْقَومُ إِنَّمَا اصْطَادُوا لَهَا مُحْتَالِينَ مُسْتَحِلِينَ بِنَوْعِ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَلَمْ يَأْكَلْ حَتَّى خَرَجَ يَوْمُ السَّبْتِ تَأْوِيلًا مِنهُمْ أَنَّ الْمُحْرِمَ هُوَ الْأُكْلُ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْلَالُ تَأْوِيلٍ، وَاِحْتِيَالٌ ظَاهِرهُ ظَاهِرُ الْاِتِّقَاءِ، وَحَقِيقَتُهُ حَقِيقَةُ الْاِعْتِدَاءِ، وَلِهَذَا - وَاللهُ أَعْلَمُ - مُسِخُوا قِرَدَةً، لِأَنَّ صُورَةَ الْقِرْدِ فِيهَا شَبَهٌ مِنْ صُورَةِ الْإِنْسَانِ، وَفِي بَعْضِ مَا يُذْكَرُ مِنْ أَوصَافِهِ شَبَهٌ مِنْهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لَهُ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ، فَلَمَّا مَسَخَ أُولَئِكَ الْمُعْتَدُونَ دِينَ اللهِ بِحَيْثُ لَمْ يَتَمَسَّكُوا إِلَّا بِمَا يُشْبَهُ الدِّينُ فِي بَعْضِ ظَاهِرِهِ دُونَ حَقِيقَتِهِ مَسَخَهُمُ اللهُ قِرَدَةً يَشْبَهُونَهُمْ فِي بَعْضِ ظَاهِرِهِمْ دُونَ الْحَقِيقَةِ جَزَاءً وِفَاقًا).

 

كَمَا قَالَ أَيُّوب السِّخْتِيَانِيُّ: (لَوْ أَتَوا الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ كَانَ أَهْوَنُ عَلَيَّ؛ كَانَتْ عُقُوبَتُهُمْ أَغْلَظَ مِنْ عُقُوبَةِ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ مَنْ أَكَلَ الرِّبَا وَالصَّيْد الْمُحْرِم عَالِمًا بِأَنَّهُ حَرَامٌ، فَقَد اقْتَرَنَ بِمَعْصِيَتِهِ اعْتِرَافه بِالتَّحْرِيمِ، وَهُوَ إِيمَانٌ بِاللهِ وَآيَاتِهِ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَرَجَاءِ مَغْفِرَتِهِ، وَإِمْكَانِ التَّوْبَةِ مَا قَدْ يُفْضِي بِهِ إِلَى خَيْرٍ، وَمِنْ أَكْلِهِ مُسْتَحِلًا بِنَوْعِ اِحْتِيَالٍ تَأَوَّلَ فِيهِ، فَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الْحَرَامِ، وَقَد اقْتَرَنَ بِهِ اعْتِقَادُهُ الْفَاسِد فِي حِلِّ الْحَرَامِ).

 

وَذَلِكَ قَدْ يُفْضِي بِهِ إِلَى شَرٍّ طَوِيلٍ، وَلِهَذَا حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا اِرْتَكَبَ الْيَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: (فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَزْجَرَةٌ عَظِيمَةٌ لِلِمُتَعَاطِينَ لِلْحِيَلِ عَلَى الْمَنَاهِي الشَّرْعِيَّةِ مِمَّنْ يَتَلَبَّسُ بِعِلْمِ الْفِقْهِ وَلَيْسَ بِفَقِيهٍ; إِذِ الْفَقِيهِ مَنْ يَخْشَى اللهَ تَعَالَى فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَالتَّحْلِيلِ بِاسْتِعَارَةِ الْمُحَلِّلِ لِلْمُطَلَّقَاتِ وَالْخُلْعِ لِحَلّ مَا لزِم مِنَ الْمُطْلِقَاتِ الْمُعَلّقَاتِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عَظَائِمِ وَمَصَائِبِ لَو اعْتمدَ بَعْضُهَا مَخْلُوقٌ فِي حَقِّ مَخْلُوقٍ؛ لِكَانَ فِي نِهَايَةِ الْقُبْحِ، فَكَيْفَ فِي حَقِّ مَنْ يَعْلَمُ السِّرُّ وَأَخْفَى).

 

ثُمَّ مِمَّا يَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبُ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ الَّتِي احْتَالَهَا أَصْحَابُ السَّبْتِ فِي الصَّيْدِ قَدِ اسْتَحَلَّهَا طَوَائِفٌ مِنَ الْمُفْتِينَ حَتَّى تَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى بَعْضِ الْحِيلَةِ، فَقَالُوا: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا نَصَبَ شَبَكَةً، أَوْ شَصًّا قَبْلَ أَنْ يَحْرُمَ؛ ليَقَعَ فِيهِ الصَّيْدُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ، ثُمَّ أَخَذَهُ بَعْدَ حِلِّهِ لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ، وَهَذِهِ بِعَيْنِهَا حِيلَةُ أَصْحَابِ السَّبْتِ، وَفِي ذَلِكَ تَصْدِيقُ قَوْلِهِ -سُبْحَانهُ وَتَعَالَى-: ﴿ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ﴾. وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ كَانَ قَبْلِكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمْوهُ». قَالَوا: يَا رَسُولَ اللهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمِنْ؟»، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا تَأَمَّلَهُ اللَّبِيبُ عَلِمَ أَنَّهُ يَدِلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْحِيَلَ مِنْ أَعَظْمِ الْمُحْرِمَاتِ فِي دَيْنِ اللهِ تَعَالَى، وَهَذَا الْحَديثُ أَصْلٌ فِي إِبْطَالِ الْحِيَلِ. وَبِهِ اِحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ عَلَى ذلِكَ. اهـ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

عباد الله، وَمَا أَكْثَر الْحِيل عِنْدَمَا يَلْتَوِي الْقَلْبُ، وَتَقِلُّ التَّقْوَى، وَيُرَادُ التَّفَلُّتُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، إِنَّ الَّذِي يَحْمِي الْمُؤْمِنُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ هُوَ الْخَوْفِ مِنَ اللهِ، وَمَا مِنْ نِظَامٍ تَحْرُسُهُ الْقُوَّةُ الْمَادِيَّةُ وَالْحِرَاسَةُ الظَّاهِرِيَّةُ يستطيعُ أَنْ يُحَقِّقَ النَّجَاح الْكَامِل، وَلَنْ تَسْتَطِيعَ الدُّولُ أَنْ تَضَعَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ فَرْدٍ حَارِسًا يُلَاحِقُهُ لِتَنْفِيذِ الْأحكام وَصِيَانَتِهِ؛ مَا لَمْ تَكُنْ خِشْيَةُ اللهِ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، وَمُرَاقَبَتِهِمْ لَهُ فِي السِّرِ وَالْعَلَنِ..

 

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: (وَهَلْ أَصَابَ الطَّائِفَةَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمَسْخُ إِلَّا بِاحْتِيَالِهِمْ عَلَى أَمْرِ اللهِ، إِنَّمَا ذَاكَ إِذَا اسْتَحَلُّوا هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالتَّأْوِيلَاتِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنَّهُمْ لَوِ اسْتَحَلُّوهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الرَّسُولَ حَرَّمَهَا كَانُوا كُفَّارًا، وَلَمْ يَكُونُوا مِنْ أُمَّتِهِ، وَلَوْ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِأَنَّهَا حَرَامٌ لَأَوْشَكَ أَنْ لَا يُعَاقَبُوا بِالْمَسْخِ كَسَائِرِ الَّذِينَ لَمْ يَزَالُوا يَفْعَلُونَ هَذِهِ الْمَعَاصِي، وَلَمَّا قِيلَ فِيهِمْ: يَسْتَحِلُّونَ فَإِنَّ الْمُسْتَحِلَّ لِلشَّيْءِ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُهُ مُعْتَقِدًا حِلّهُ، وَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 66]، مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَفْعَلُونَ مِثْلَ فِعَالِهِمْ، وَقَالُوا: نَكَالًا عُقُوبَةً لِمَا قَبْلَهَا وَعِبْرَةً لِمَا بَعْدَهَا، كَمَا قَالَ فِي السَّارِقِ: ﴿ نَكَالًا مِنَ اللهِ ﴾ [المائدة: 38]، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالنَّكَالِ الْعِبْرَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ: ﴿ جَزَاءً بِمَا كَسَبَا ﴾، فَإِذَا كَانَ اللهُ سُبْحَانهُ قَدْ نَكَلَ بِعُقُوبَةَ هَؤُلَاءِ سَائِر مَنْ بَعْدَهُمْ وَوَعَظَ بِهَا الْمُتَّقِينَ، فَحَقِيقٌ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْذَرَ اسْتِحْلَالَ مَحَارِمِ اللهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَشَدِّ أَسْبَابِ الْعُقُوبَةِ؛ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْخَطَايَا وَالْمَعَاصِي). وَانْتَهَى كَلَامُهُ -رَحِمَهُ اللهُ-. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّا خَافَكَ وَتَقَاكَ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين)
  • أصحاب السبت
  • تفسير: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت)
  • تفسير: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين)
  • تفسير: (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت …)
  • تفسير: (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون)
  • أصحاب السبت (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • كتاب أسماء الصحابة الرواة لابن حزم (ت 456هـ / 1064م)(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • فائدة في فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحاب موسى وعيسى عليهما السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فلنكن من أصحاب الهمم أصحاب المعالي والقمم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أصحاب النور في الآخرة هم أصحاب نور الوحيين في الدنيا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة أصحاب أيلة الذين اعتدوا في السبت(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • حديث: أدركت بضعة عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يقفون المولي(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت كل من أصحاب الفضيلة(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • أصحاب الكهف لطائف وفوائد (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 27/1/1447هـ - الساعة: 14:48
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب