دواء القلوب، المقرب لحضرة علام الغيوب (17)

دواء القلوب، المقرب لحضرة علام الغيوب (17)

اعْلَم أن الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن ويرغب في الآخرة، وروى الدارقطني في الأفراد عن أنس مرفوعاً: إذا أراد الله بقوم عاهة نظر إلى أهل المساجد فصرفها عنهم، وفي حديث آخر عنه - صلى الله عليه وسلم - "يقول الله وعزتي وجلالي إني لأهم بأهل الأرض عذاباً فإذا نظرت إلى عمار بيوتي وإلى المتحابين في وإلى المستغفرين بالأسحار صرفت ذلك عنهم" وروى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية فإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة والمساجد" وقال ابن ميمون: الذي أدركت عليه أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وهم يقولون إن المساجد بيوت الله في الأرض وإنه حق على الله أن يكرم من زاره فالمتقدم إلى طاعة الله راغب في مرضاته هو الزاهد في ضده من الدنيا ولهوها الزائلة عن قريب فإن من أحب شيئاً كره ضده.

وقال ابن عباس عند قوله تعالى: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴾ [سورة الزلزلة: 1، 2] أي تحركت من أسفلها وأخرجت ما في جوفها من الأموات والدفائن وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ [الزلزلة: 4] قال "أتدرون ما أخبارها قالوا الله ورسوله أعلم قال: فإن أخبارها أن تشهد على عبد وأمة بكل عمل على ظهرها" وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "تحفظوا من الأرض فإنها أمكم وإنه ليس من أحد عمل عليها خيراً أو شراً إلا وهي مخبرة به" أخرجه الطبراني.

وأتي عبد الله بن عمر على عبد الله بن مسعود فقال: يا أبا عبد الرحمن ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد - صلى الله عليه وسلم - في أدناه وطرفه في الجنة وعن يمينه جواد وعن يساره جواد وعليها رجال يدعون من مر بهم هلم لك هلم لك فمن أخذ بهم في تلك الطرق انتهت به إلى النار ومن استقام على الطريق الأعظم انتهى به إلى الجنة ثم تلا ابن مسعود ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [سورة الأنعام: 153]، وقال أيضاً عبد الله بن مسعود: ليس عام إلا والذي بعده شر منه لا أقول عام أمطر من عام ولا عام أخصب من عام ولا أمير أخير من أمير لكن ذهاب علمائكم وخياركم ثم يحدث قوم يقيسون الأمور بآرائهم فيهدم الإسلام ويثلم.

وقال أبو إدريس الخولاني: قلت: يا رسول الله هل بعد هذا الخير شر؟ قال: "نعم قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي فقلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت: فما تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت: فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة قال: تعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت كذلك" وعن أبي مسعود قال: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير وينشأ فيها الصغير تجري على الناس يتخذونها سنة إذا غيرت قيل هذا منكر، وفي بعض الروايات: إذا غيرت قيل غير سنة.

وقال حذيفة - رضي الله عنه -: أخوف ما أخاف على الناس اثنتان أن يؤثروا ما يرون على ما يعلمون وأن يضلوا وهم لا يشعرون قال سفيان هو صاحب البدعة قلت هو أعظم من ذلك، وقال محمد بن وضاح: الخير بعد الأنبياء ينقص والشر يزداد، وقال أيضاً: إنما هلكت بنو إسرائيل على يدي قرائهم وستهلك هذه الأمة على يدي قرائهم وفقهائهم، وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ويتبعوا السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم.

وعن الحسن رحمه الله قال: أدركت عشرة آلاف من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لو رأوكم لقالوا ما هؤلاء إلا مجانين ولو رأيتموهم لقلتم هؤلاء مجانين ولو رأوا خياركم لقالوا ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب ولو رأوا شراركم لقالوا ما لهؤلاء عند الله من خلاق. وقال: يقال تخرج الفتن من عند أصحاب الكتب وإليهم تعود. قال ابن وضاح: ويقال ويبعث الله ريحاً حمراء من قبل المشرق فيفر الناس إلى مساجدهم وإلى علمائهم فيجدونهم قد مسخوا قردة وخنازير.