• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

لماذا حركوا الأرض؟ (4)

ياسر فتحي وحسن علية

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/8/2011 ميلادي - 4/9/1432 هجري

الزيارات: 14268

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لماذا حركوا الأرض؟ (4)

 

السؤال المحير هو: لماذا خالف هؤلاء عقيدة بني جلدتهم؟ ونصوص الإنجيل والتوراة التي تدل دلالة واضحة على ثبات الأرض ودوران الشمس حولها؟ ولم يكن تحت أيديهم من البراهين القاطعة أو الأدلة العقلية الناصعة التي يمكن أن تُؤَول لها تلك النصوص؟


هذا من جهة، ومن جهة أخرى: قد وُجِد من علماء دينهم من يقيم عليهم الحجة الرسالية – مما بين أيديهم من نصوص الإنجيل والتوراة – على ثبات الأرض ودوران الشمس حولها، مع أن أيديهم كانت خالية الوفاض من أي دليل مادي محسوس يصدق مقولتهم، ومن الشواهد على ذلك ما كتبه الكاردينال Bellarmine بلارمين إلى الأب باولو أنطونيو فوسكاريني PaoloAntonioFoscarini، محاولاً ثني عزمه عن القول بهذه النظرية، ومبيناً له بأدب وتوقير زائد خطورة هذا القول، ومدى إضراره بإيمانه بنصوص الكتاب المقدس، وما اتفق عليه باباوات الكنيسة الكاثوليكية في تفسير هذه النصوص، بالإضافة إلى معارضة أقوال علماء زمانهم بعلوم الطبيعة، ومعارضة أقوال سليمان عليه السلام في نسبة الشروق والغروب والحركة إلى الشمس، مع أن سليمان عليه السلام كان ممكَّناً في الأرض، وكان يوحى إليه من عند الله سبحانه وتعالى، وأوتي من العلم ما يمكنه من معرفة الحقيقة على ما هي عليه، فقد كان أعلى مقاماً ومنزلة من جميع هؤلاء التي يتكلمون في العلوم الإنسانية والكونية، ولهذا فليس من المحتمل أنه كان يتكلم بشيء يناقض الحقائق الكونية.

[مأخوذ بتصرف من CardinalBellarmine'sLettertoFoscarini (April 12,1615)].

لكن هذا الاستغراب والتعجب لا يدوم طويلاً إذا انكشف السر، وانزاح الستار عمن وراء هذه الحركة الخبيثة، لقد اكتشف الباحثون في العصر الحديث أن جاليليو كان أحد العملاء السريين لجمعية فينيسية سرية، تعمل في الخفاء.

 

كان المحرك لجاليليو هو باولو ساربي Paolo Sarpi (1552-1623م)، والذي بدأ حياته راهباً، ثم برع في الرياضيات واللغات الشرقية، ثم اتُّهم بالزندقة من قِبَل الكنيسة الكاثوليكية في روما، كما حاولت الكنيسة اغتياله لكنها فشلت في ذلك، فقد كان ملحداً منكراً لوجود الله تعالى، وكان لوطياً، وهو المؤسس الحقيقي للعصرانية وحركة التنوير الفلسفية، وأحد كهنة أخوية الصليب الوردي، والماسونية، كان باولو ساربي هو الشخصية المؤثرة في الحزب الفينيسي آنذاك، والذي استطاع من خلال نفوذه وأعماله الشريرة أن يشعل حرب الثلاثين عاماً بين الكاثوليك والبروتستانت، والتي حصدت نصف سكان ألمانيا وثلث سكان أوروبا، كما أنه كان سبباً في اغتيال الملك هنري الرابع ملك فرنسا، لأنه كان يعارض خطط ساربي، وكان يراه ملحداً منكراً لوجود الله تعالى، وقد تمكن ساربي وأتباعه من تجنيد جيوردانو برونو وجاليليو للعمل لحساب هذا الحزب، استطاع ساربي أن يأتي بجاليليو ويضمن له مقعد الأستاذية في جامعة بادوا، مع كون جاليليو لم يكن يحمل الشهادة التي تؤهله لذلك، ومن هنا كان ساربي صاحب النعمة على جاليليو، إذ كان الأخير في حاجة ماسة إلى المال وقتئذ، كان هناك تطابق في وجهات النظر العلمية بين ساربي وجاليليو، حتى فيما يتعلق بالسحر، والذي كان أحد أهم اهتمامات ساربي، وساربي هذا هو صاحب فكرة استخدام التليسكوب الجديد، والتي أوحى بها إلى جاليليو، والذي لم يكن فلكياً أصلاً، كانت نتائج استخدام التلسكوب طبقاً لتوجيهات ساربي سبباً في شهرة جاليليو في أوساط العلميين وغيرهم في أوروبا كلها، وكأنه عالمها الأوحد، فأصبح أهم وأكثر أعضاء الحزب الفينيسي تأثيراً بعد ساربي ومساعده، لكن ساربي يؤكد بأن هذه المشاهدات والأرصاد التي سجلها جاليليو كانت من دير Servite لباولو ساربي حيث دارت بينهما المناقشات والحوارات العلمية حول هذه الملاحظات والأرصاد، والحقيقة أن كثيراً مما كان يقوله جاليليو ويعتقده – مما سبق أن ذكرناه في ثنايا هذا البحث - كان متأثراً فيه بفكر ساربي، كان ساربي هو الذي طلب منه أن يكتب رسالة في الحركة، وبذا يظهر أن جاليليو في معظم أبحاثه في قوانين الحركة كان مدفوعاً من قِبَل ساربي، ولأهداف ساربي، ولما مات ساربي ولم يكن جاليليو قد وفى بوعوده، طالبه ميكانزيو Micanzio بذلك، فاستجاب جاليليو وكتب: "علمان جديدان" في مسألة الدوران، و"الميكانيكا والحركة الداخلية" في قوانين الحركة.

 

من أكثر العوامل التي مكنت هؤلاء من السيطرة على جاليليو: شخصية جاليليو الماجنة، وميوله إلى الفسق والتحرر من الدين والأخلاق، لقد كان جاليليو عاشقاً للنساء، والعلاقات المحرمة، فها هو يعشق امرأة متزوجة، وهي معرضة عنه لا تلقي له بالاً، حتى كتب فيها شعراً، يشبهها فيه بنيرون الطاغية وهو يرى روما تحترق، كانت لغته في الشعر بذيئة ماجنة، يكثر فيها من الشتم والسب والمجون والبذاءة، كما يصفه بذلك جوزيف برتراند في كتابه "مؤسسي علم الفلك الحديث" ص (184-186)، ومن هنا تم استدراج جاليليو للعمل لحساب هذه الجمعية الخبيثة عن طريق إشباع رغباته الجنسية، وولعه بالمتعة واللذة المحرمة، حيث يقول برتراند ص (193): "عند قدومه إلى بادوا تبعته فتاة فينيسية، والذي كان فريسة لحبها، وكانت علاقتهما علنية، وهذه وضعية غير قانونية، فتم إعلام البرلمان بذلك، فلم يصدقوا ذلك، واعتبروا الوشاة أخطؤوا، و لما ثبت لديهم بأن جاليليو ليس وحيداً قاموا بمضاعفة راتبه حتى يتمكن من الإنفاق "، هذه سيرة أنبيائهم! فهلا قرأتم سيرة أنبيائنا!.

 

قد يظن البعض أن هؤلاء قد نذروا أنفسهم لإسعاد البشرية، حيث تفانوا في السعي نحو ما يجلب لهم السعادة، ويبعدهم عن أسباب الشقاء والتعاسة، فلم يلتفتوا إلى أنفسهم وإشباع رغباتها، بل زهدوا في كل متع الدنيا، وودعوا الراحة والدعة؛ لأجل إسعاد البشر، وإنقاذهم من أسباب التلف والهلاك، قد امتلأت قلوبهم بالرحمة والشفقة على الخلق، لم تستطع أعينهم أن ترى طفلاً مشرداً، بسبب فتك الفقر والجوع والأمراض بأبويه، أو أن يروا المرضى تعتصرهم الآلام، لو كان هذا حقاً، فهل أجد إجابة على هذا السؤال:

لماذا تخلى جاليليو عن ابنه الذكر الوحيد لكي يذهب إلى غير رجعة مع أمه المومس، فلا تراه عينه بعدها أبداً؟! لماذا رضيت نفسه أن يلقي بابنتيه في أحد الأديرة، ولم يكن ليشغل باله بعد ذلك في تفقد أحوالهما، بل لما استغاثت به إحداهما لكي يبعث إليها بما يقيها من البرد لم تجد منه أذناً صاغية؟؟؟!!!!!

 

ومن القرائن التي تؤكد صلة جاليليو بهذه الجمعية استخدامه للشفرة في اكتشافاته العلمية، فقد كان نشر المكتشفات العلمية الحديثة في زمانه أمراً طبعياً، حتى يحوز الشهرة والمكانة العلمية بين علماء عصره، لكن لما كانت مكتشفات جاليليو لحساب هذه الجمعية، ولدعم معتقداتها الوثنية، فقد كان يستخدم نوعاً من التشفير في نشر هذه المكتشفات، مثل ما عبر مرة عن بعض اكتشافاته بقوله:

(Smaismn milne poeta pocta leumi bune lructavinas, haec immature a me jam frustra leguntur oy)

انظر: "مؤسسي علم الفلك الحديث" ص (211-212)

 

كذلك مما يؤكد أن جاليليو كان مدفوعاً لإثبات هذه النظرية ميكانيكياً؛ أنه لم تكن ثمت حاجة بشرية معاصرة ملحة للبحث في هذه المسائل الرياضية التي بحثها، بقدر ما كانوا بحاجة ماسة لتطوير علم الطب، أو غيره من العلوم التي تخفف من حدة الآلام التي يعاني منها البشر بسبب المرض أو الجهل أو الفقر، بغض النظر عما كان مجتمعهم بحاجة ماسة جداً إليه من تصحيح المسار العقدي، وتنقية النصرانية مما شابها من أصول الشرك والوثنية، وتقويم ما اعتراها من قصور شديد في التصور والسلوك، ونفي التثليث والبنوة عن مقام الألوهية، ومن ثم فإن هذه النظريات وما ترتب عليها أنتجت عالماً مادياً بحتاً، ملحداً لا يريد أن يعرف ربه، وأثمرت حضارة بعيدة كل البعد عن متطلبات الإنسان الروحية والبدنية، وفي هذا المعنى يقول ألكسيس كاريل [توفي سنة (1944)] في كتابه "الإنسان ذلك المجهول" ص (287): "إننا لا نستطيع تجديد أنفسنا وبيئتنا قبل أن نغير عاداتنا في التفكير، لقد عانى المجتمع العصري منذ نشأ من خطأ عقلي، خطأ ما زال يتكرر باستمرار منذ عصر النهضة، لقد صاغت التكنولوجيا الإنسان لا تبعاً لروح العلم، ولكن تبعاً لآراء ميتافيزيقية، وها قد حان الوقت لكي نتخلى عن هذه المذاهب، ...، فإن الغلطة المسؤولة عما نعانيه، إنما جاءت من ترجمة فكرة لطيفة لجاليليو، فقد فصل جاليليو الصفات الأولية للأشياء، وهي: الأبعاد والوزن، التي يمكن قياسها بسهولة، عن صفاتها الثانوية، وهي: الشكل واللون والرائحة، التي لا يمكن قياسها، ففصل الكم عن النوع، ولقد جلب الكم المعبر عنه باللغة الحسابية العلم للإنسانية، بينما أهمل النوع، ولقد كان تجريد الأشياء من صفاتها الأولية أمراً مشروعاً، ولكن التغاضي عن الصفات الثانوية لم يكن كذلك، فالأشياء غير القابلة للقياس في الإنسان أكثر أهمية من تلك التي يمكن قياسها، ...، ولقد دفعت هذه الغلطة الحضارة إلى سلوك طريق أدى إلى فوز العلم وانحلال الإنسان". وقال في موضع آخر ص (37): "فلو أن جاليليو أو نيوتن أو لافوازييه وجهوا قواهم العقلية نحو دراسة الجسم والوجدان لكان من المحتمل أن يختلف عالمنا عما هو عليه الآن". وقال أيضاً ص (41): "ولقد أدى تطبيق الاكتشافات العلمية إلى تغيير العوالم المادية والعقلية، وهذه التغييرات تحدث فينا تأثيراً عميقاً، وتأثيرها التعس إنما هو نتيجة لأنها عملت دون أدنى تفكير في طبيعتنا، ولقد أدى جهلنا بأنفسنا إلى تزويد علوم الميكانيكا والكيمياء بالقوة التي مكنتها من تعديل أشكال حياة أسلافنا كيفما اتفق".

 

هذه الجمعية الفينيسية التي كان ينتمي إليها هؤلاء الثلاثة، كان هدفها الأول هو هدم دين التوحيد الذي أنزله الله على رسله، وألا يُعبد الله تعالى على وجه الأرض، والعودة بالبشرية إلى الوثنية المحضة.

 

فإن قيل: فما الدافع لها لذلك؟

فيقال: كانت فينيسيا هي الوريث الثقافي والديني للإمبراطورية الرومانية الوثنية القديمة، وكان حكام فينيسيا يرون أنفسهم أنهم آلهة الأولمبياد، كما أنها كانت معبراً ومنفذاً لأوروبا إلى الشرق كله، فكانت بمثابة الدولة المهيمنة على أوروبا، فلما تبين لدول أوروبا الكبرى خطر هذه الدولة عليهم لعدة حوادث وقعت منها تبين فيها عداوتها للنصرانية، مثل ما وقع منها إبان الحروب الصليبية حيث تسببوا في إفشال إحدى الحملات الموجهة إلى صلاح الدين الأيوبي، ومثل معاونتهم للعثمانيين في حروبهم ضد النصارى في أوروبا، لذا قرروا محاربتها والقضاء عليها، ولذلك أنشؤوا تحالف كامبراي Cambrai [فرنسا وإسبانيا وألمانيا وسويسرا وهنجاريا] للقضاء على فينيسيا، وتم لهم ذلك في عام (1509) تقريباً، وعندئذ بدأت الحرب الفينيسية على دول هذا التحالف انطلاقاً من إنجلترا.

ولتنفيذ هذا الغرض أنشأ الفينيسيون عدة أخويات أو جمعيات، منها أخوية الصليب الوردي، ومنها الماسونية، وغيرهما مما استعملتها كآلات لتنفيذ مخططاتها.

 

ولهذا الغرض أيضاً أنشأت جامعة بادوا في فينيسيا، والتي تخرج منها عدد كبير من أساطين النهضة الأوروبية الحديثة، والتي روجت للفلسفة الوثنية لأرسطو الذي يرى: أن الخالق ليس له علاقة بنمو الكون والخلق المستمر، والذي يرى: أنه ليس هناك مبادئ أخلاقية، وإنما الأخلاق ما تعارف عليه الناس أياً كان، وعلى هذا فليس هناك صواب وخطأ، والذي يرى: أن من الناس من خُلق ليَحكم ويسود، ومنهم من خلق ليُحكم ويقاد كالبهائم، فالناس ليسوا سواسية، وإنما أسياد وعبيد.


يمكن تقسيم أنشط الفترات التي عملت فيها هذه الجمعية الفينيسية إلى ثلاث فترات: الأولى في أوائل القرن السادس عشر، والثانية: في أوائل القرن السابع عشر، والثالثة: في أوائل القرن الثامن عشر.

 

في أوائل القرن الخامس عشر: كانت هناك ثلاث شخصيات محورية، هي:

Pietro Pomponazzi, Gasparo Contarini, and Francesco Zorzi

تعلم جاسبارو كونتاريني على يد بيترو بومبونازي، ومن ثم كانت معظم العمليات بعد ذلك بإدارة كونتاريني، كونتاريني كان هو الباعث لفكرة البروتستانتية، وحرك من أجلها مارتن لوثر، وجون كالفين، من أجل هدم العقيدة الكاثوليكية.

 

كان كونتاريني عضواً في المجلس الثلاثي، الذي يعتبر الهيئة الحاكمة العليا في فينيسيا، كما قضى ثلاث سنوات في الفاتيكان سفيراً لفينيسيا، ثم كاردينالاً في كلية الكاردينالات بروما، ثم مبعوثاً لبابا الفاتيكان إلى ألمانيا لحل المشكلات الناجمة عن انشقاق اللوثريين عن الكنيسة الكاثوليكية، والتفاوض معهم، استطاع فيها أن يؤثر على مجريات الأحداث لصالح فينيسيا، هكذا منهجهم في الشر يتعاملون مع أعدائهم بخبث ودهاء حتى كأنهم أخلص المخلصين لهم، وحتى يحوزوا ثقتهم التامة.

 

بعث كونتاريني سنة (1529) فرانسيسكو جورجي إلى إنجلترا لكي يمهد لتدمير هذه الدول الخمس التي تآمرت على فينيسيا، وتم اختيار إنجلترا بالذات لعدة أسباب استراتيجية، بدأ جورجي عمله كمستشار جنسي لدى الملك هنري الثامن، محاولاً إقناعه بطلاق كاثرين بنت ملك إسبانيا، متذرعاً بتفسير بعض النصوص من التوراة، متوصلاً بذلك إلى قطع وشيجة المصاهرة بين هنري وبين ملك إسبانيا، ونتيجة عمل جورجي أنشأ هنري الثامن الكنيسة الإنجليكانية في إنجلترا، والتي أنشأت القاعدة للحرب الدينية، كل ذلك من أجل خلق روح العداوة بين إنجلترا وإسبانيا، وتمهيداً لإثارة الحرب بينهما، لأنهم كانوا يرون أن إنجلترا هي المفتاح لتدمير إسبانيا عدوهم اللدود، قام جورجي في إنجلترا بإنشاء أخوية الصليب الوردي، والماسونية، وتم إنشاء البرلمان الإنجليزي على هيئة مجلس الشيوخ ومجلس النواب، آخذاً بذلك الصبغة الفينيسية للحكم، لإحكام السيطرة الفينيسية على إنجلترا.

 

الفترة الثانية: في أوائل القرن السابع عشر، كانت هناك أيضاً ثلاث شخصيات مهمة:

Paolo Sarpi and his right-hand man Fulgenzio Micanzio, the case officers for Galileo Galilei.

باولو ساربي، وذراعه الأيمن: ميكانزيو، ووكيلهم: جاليليو، وقد سبق الحديث عنهم.

ثم تابعت المدرسة الفينيسية نشاطها عن طريق روبرت فلود، وفرانسيس بيكون، وتوماس هوبز [الأعضاء في أخوية الصليب الوردي].

 

الفترة الثالثة: في أوائل القرن الثامن عشر، كانت هناك أيضاً ثلاث شخصيات مهمة:

Antonio Conti and Giammaria Ortes in the early 1700s. This was the group that created the Newton myth

 

أنطونيو كونتي، وجياماريا أورتس، واللذان لعبا دوراً في إيجاد أسطورة نيوتن، وسيأتي الحديث عنهم لاحقاً. انظر:

VENICE'S WAR AGAINST WESTERN CIVILIZATION VeniceTheMethodologyofEvil TheVenetianTakeoverofEngland: A 200-YearProject

[Les Fondateurs De La Astronomie Moderne Joseph Bertrand]

 

ولا يفوتني قبل الانتقال إلى نيوتن أن نذكر باختصار حقيقة أهم جمعية اعتمد عليها الفينيسيون، ألا وهي أخوية الصليب الوردي:

أخوية الصليب الوردي Rosicrucian: جماعة دينية وثنية، عقيدتها خليط من الصوفية الباطنية النصرانية، والوثنية المصرية القديمة، والوثنية الهرمسية، والوثنية الفيثاغورية والأرسطية والأفلاطونية اليونانية، وقيل بأنها تنشر تعاليم الأخوية البيضاء الكبيرة التي أنشأها الفرعون تحتمس الثالث (1504-1447 قبل الميلاد)، ودعا إليها إخناتون الداعي إلى عبادة الشمس، وقد تلقى فيثاغورس تعاليم هذه الأخوية وأسرارها على أيدي كهنة مصر، ونقلها بدوره إلى اليونان، ثم نقل الفيلسوف آرنولد أسرار هذه الأخوية إلى فرنسا، ثم انتشرت في ألمانيا، وإنجلترا، وهولندا، وفي أواخر القرن التاسع عشر وفي أماكن سرية من هضبة التيبت وجبال الهملايا كانت هناك الأخوية البيضاء الكبرى التي تضم السادة الحكماء المشرفين على تطور الجنس البشري – هكذا زعموا - تنتظر الأوان المناسب لكي تُطلِع عدداً من التلامذة المختارين على نصوص من أقدم نصوص الحكمة المدوَّنة في العالم، حين رأوا أن عددًا من الناس بات مستعدًّا لاقتبالها.

فهم يرون أن التطور الإنساني على مستوى الكرة الأرضية تقوده "أخوية" من البشر المتطورين الذين بلغوا كمال الحياة الأرضية وطوَّروا في أنفسهم قدرات وملكات معرفية يتعذر علينا تصورها ونحن من التطور على ما نحن عليه؛ وهم على اتصال وثيق فيما بينهم وعلى اطِّلاع تامٍّ على قضايا العالم الذي يوجِّهونه، طبقًا للخطة الإلهية، بحكمة ودراية لانهائيتين، هكذا زعم ملحدهم.

وهي تمجد النساء، واهتم أعضاؤها قديماً بعلم الكيمياء الذي يبحث في تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب، وأوجدوا علاقة بين كيمياء المعادن وعلم السحر والتنجيم، كما حاولوا السيطرة على علم الطب، وتعتبر أصلاً من أصول الماسونية المعاصرة.

 

ويعتقد بأن مؤسسها هو Rosenkreutz (1378-1484م)، والذي تلقى علومه المتعلقة بهذه الوثنية من خلال رحلته إلى المشرق، وما تعلمه فيها من علوم السحر، وتحضير الأرواح، وقيل بأن أول تأسيس لأخوية الصليب الوردي كان سنة (1598) وقيل سنة (1616)، لكن جذورها العقائدية والتاريخية ممتدة عبر الوثنيات القديمة.


وقد أثرت فيها فلسفات كيمياويي القرون الوسطى مثل Paracelsus(1493-1541م)، واسمه الحقيقي: فيليب، ويقال بأنه مؤسس هذه الأخوية، كان طبيباً، أحدث ثورة في عالم الطب، حيث أدخل الكيمياء والمعادن في علاج المرضى، مستعيناً في ذلك بالتنجيم، كان معاصراً لنيكولا كوبرنيك ومارتن لوثر وليوناردو دافنشي، ولم يكن بأقل منهم تأثيراً في تغيير العالم الحديث، لا سيما في علم الطب، وقد ربط الكيمياء بالسحر والتنجيم، وكان قد طاف العالم باحثاً عن سره الأعظم، ووصل إلى الشرق الأقصى، وكان مقرباً من خان التتر، لأنه كان ساحراً منجماً، وكان أبوه هو الأستاذ الأكبر لفرسان الهيكل، كما أنه أخذ اسمه هذا من الطبيب الروماني الذي عاش في القرن الثاني الميلادي، ويدعى Celsus الذي كان وثنياً طاعناً في النصرانية وفي المسيح عليه السلام، وهكذا سمى فيليب نفسه: Paracelsus يعني: مشابه Celsus تخليداً لذكراه، وتتميماً لمسيرته.

 

وهذه الأخوية منظمة سرية للغاية، لم يكشف أعضاؤها السريون عن هويتهم، أو عن تعاليمهم الباطنية، وهم يؤكدون على عزوبة أعضائها، وعزوفهم عن الزواج، ولا جرم في ذلك إذ كان الزواج سنة المرسلين، وفطرة أتباعهم، الذين هم أعدي أعدائهم، كانوا بداية يفضلون السحر الأسود للوصول إلى غاياتهم، لكن منذ عهد باولو ساربي استخدموا إلى جانب السحر: العلم والعلماء [في محاولة لاحتواء حركة الاكتشاف العلمي الوليدة في أوروبا] مثل جاليليو وإسحاق نيوتن، ومن سبقهم ومن تلاهم لتحقيق مآربهم، وكانوا لهم بمثابة عملاء سريين، ولهذا كانوا حريصين على إنشاء الجمعية الملكية العلمية في إنجلترا سنة (1660)، فقد كان بعض مؤسسي الجمعية الملكية ورؤسائها ينتمون إلى هذه الأخوة، مثل روبرت بويل RobertBoyle، وجون ويكينـز JohnWilkins، وإلياس أشمول EliasAshmole، وإسحاق نيوتن IsaacNewton، وغيرهم، أسسوا هذه الجمعية العلمية لتخدم أغراضهم الخبيثة، لكي تحدث انشقاقاً جذرياً بين الروح والمادة، بين الدين والعلم، ولا مانع في البداية من تطويع الدين للعلم، ثم هدم الدين بعد ذلك، وسبب ذلك أن السحر كان تحريمه معلوماً لدى النصارى، بينما النظريات العلمية الحديثة فلن يشك أحد في مصداقيتها، ومن ثم في مصداقية ما دلت عليه، ومن ثم في مصداقية العاملين في مجال البحث العلمي، فمهما قالوا بعد ذلك فلن يشك أحد في نواياهم ولا في تجردهم ونزاهتهم.


ومن مقاصدهم: محاولة إيجاد مصالحة بين ما يسمى بعلم اللاهوت، وما يسمونه هم بالعلم التجريـبي، وهو ما سمي لاحقاً بالإعجاز العلمي، وهي تطويع نصوص الإنجيل والتوراة لأفكارهم الخبيثة التي يصبغونها بصبغة العلم، إذ يدعون بأن التوراة والإنجيل لا يفهمها أغلب البشر حتى أهل الاختصاص منهم، وإنما يفهمها بعض علماء الدين منهم، وعلماء الرياضيات الموهوبون، واهتموا اهتماماً خاصاً بعلم الفلك والنجوم، والقوانين الطبيعية عندهم هي التي تحكم كل العوالم سواء روحية أم مادية، وهم الذين عمدوا لإحياء النظرية الفيثاغورية فيما يسمى بالنظام الشمسي، ويعتبرون الكنيسة أعدى أعدائهم، وقد عملوا على إسقاط سلطتها الدنيوية، كذلك عملوا على إسقاط الملكيات، واستبدالها بحكومات ديمقراطية، يتم انتخابهم ممن تلقوا تعليماً مدنياً حديثاً، تمت صياغته على أيدي خبرائهم.

هذه الأخوية تشبه إلى حد كبير الماسونية في أن لها ظاهر وباطن، ظاهر ينخدع به السذج والبسطاء من الدعوة إلى الفضائل التي يتطلع البشر إلى اكتسابها، وباطن لا يطلع عليه إلا من كان مؤهلاً للاطلاع عليه من قِبَلهم.

 

الوردة والصليب هما رمزان للأنثى والذكر، وقال بعضهم بأنهما يرمزان لعملية الإخصاب بين الذكر والأنثى، وقالوا بأن الوردة رمز لإلهة الحب، وكذا الصليب المتساوي الأضلاع رمز هيروغليفي للطب العالمي، وقيل: رمز الصليب له دلالة خاصة بهم: فالخطّ الأفقي منهيمثل الجسد البشري (أي القسم الماديّ للإنسان)، والخطّ العموديّ منه يمثلالروح التي في الجسد (أي الجانب الروحي في الإنسان)، والوردة التي في وسطهعند التقاء الخطين المذكورين، هي رمز الذات الإنسانية التي تتفتّح مع كلّولادة.

THE ROSE CROSS A Historical and Philosophical View "The Rosicrucian Cosmo-Conception "

 

ومما ينبغي الإشارة إليه في هذا الموطن أن أحد كهنة هذه الديانة الوثنية قد تجرأ على نشر أحد أسرارها، مما كان سبباً في الحكم عليه بالقتل من قبل هذه الأخوية، فقد قام باسكال بيفيرلي راندولف Pascal Beverly Randolph بتأليف كتاب في السحر الجنسي A Treatise on Sexual Magick مبيناً فيه كيف يمكن التوصل إلى استخدام الشياطين في تنفيذ أعمالهم الشريرة عن طريق تقديم المرأة قرباناً للشيطان، مفصلاً ذلك بطريقة شيطانية مريدة، وهو بذلك يبين كيفية إجراء الطقس الجنسي التعبدي للشيطان، ويُنَظِّر فيه الجانب العقدي لهذا الطقس الجنسي، وطرق التحضير لإجراء ذلك الطقس الوثني، بحيث يخرجه لدى مريديه من كونه قضاء شهوة محرمة إلى نوع من أنواع الصلوات، الذي يقدمها عابد الشيطان لشيطانه الذي يعبده من دون الله، إذ يشترط الشيطان عليهم أن يتجردوا من حظ النفس في هذا الاتصال الجنسي مع هذه المرأة، حتى تنتفي شهوته تماماً، ويرقى به إلى حال الكمال المزعوم والاتحاد مع معبوده، وهو هنا الشيطان، وتصبح المرأة حينئذ في هذه الحالة ملكاً تاماً للشيطان يستمتع بها من خلال الذكر، كما رُوي في الأثر عن مجاهد: أن الشيطان يلتف على إحليله فيجامع معه، أو من خلال تلبس الشيطان بعابده وحضوره عليه في هذه الحال، فإن لم يستجب لمطالب معبوده فإنه يهدده بجعل الولد بينهما مشوهاً بدنياً أو عقلياً.

 

ومن هنا يظهر السبب الذي لأجله عُظمت المرأة في هذه الوثنية، فقد أمر الشيطان أولياءه بتعظيمها، وتبجيلها، بل وعبادتها، أو قل عبادة فرجها، كما يسميه بعضهم الكأس المقدسة، وبعد هذا العرض الموجز السريع؛ فإذا كنتَ ممن كان له قلب حي، أو ألقى سمعه وهو شاهد بقلبه، متدبر بعقله؛ فحينئذ سوف تفهم ما أراد الله - عز وجل - بقوله: ﴿ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً * لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً ﴾ [النساء (117و118)].

 

كذلك مما يؤكد اتصالهم بالشياطين وثقتهم بهم والأخذ عنهم:

ما يقوله بيير بورل (1620-1671م) في كتابه "منطق جديد يثبت تعدد العوالم" ص(56) يقول: "إذا كان هنالك مخلوق يعرف عين الحقيقة بالنسبة لتعدد العوالم ويمكنه الإجابة الكاملة على هذا السؤال: فإنهم الشياطين، ولكن كيف يمكننا الحصول على أقوالهم حول هذا الموضوع، إن ذلك من خلال وسائل الاتصال بهم، إنه أكيد فإن هذه pans, syluains والآلهة الأخرى التي كانت تظهر قديماً  للناس كانوا شياطين محبوبين، وفي قصة الساحر fauste قال بأن الشياطين تتجول بين النجوم خلال ثمانية أيام وإنهم يصعدون 47 ألف lieues (المسافة تساوي 188000 كيلو متر) وإنهم يرون الأرض ومدنها من هذه المسافات الشاسعة ...".

[Discours nouveau prouvant la pluralité des mondes [Texte imprimé] : que les astres sont des terres habitées et la terre une estoile, qu'elle est hors du centre du monde dans le troisiesme ciel et se tourne devant le soleil qui est fixe, et autres choses très curieuses / par Pierre Borel . Genève : [s.n.], 1657]

 

ويحسن قبل أن نفارق الكلام على هذه الديانة الخبيثة أن نذكر شيئاً من عقيدتهم في الخالق:

فهم يرونه كما رآه فلاسفتهم، ويعبرون عما يسميه الفلاسفة "واجب الوجود" بقولهم: "إنه مبدأ كلِّي الحضور، أزلي، غير محدود، سرمدي، يستحيل تذهُّنه، لأنه يتعالى عن ملكة التصوُّر البشري وليس من شأن أيِّ تعبير أو تشبيه بشريين إلا أن يقلِّصه. فهو يتخطى مجال الفكر ومداه. هناك، إذن، حقٌّ واحد مطلق، سابق على كلِّ موجود، متجلٍّ ومحدود؛ وهذه العلَّة اللانهائية والأزلية هي الأصل الذي لا أصل له لكلِّ ما كان، وما هو كائن، وما سيكون أبدًا. يَرمُز إلى هذه الكينونة: من جهة: الفراغ المجرد المطلق الذي يعجز أيُّ فكر بشري عن سبره أو تكوين أيِّ تصور عنه أو تذهُّنه مجرَّدًا؛ ومن جهة أخرى، الحركة المجرَّدة المطلقة (المحرِّك الساكن بحسب تعبير أرسطو) التي تمثل الوعي الطليق غير المحدود. عن هذه الأحدية أو الكينونة المطلقة يحدث أول تمايز ينطوي على أول ثنائية، هي ثنائية الروح والمادة"، وهم لا يرون له نهاية في التصور والإدراك، بل يقولون: "إن تصورات الإنسان عن الألوهة تتطور بتطور فكره وتفتُّحه" ويقولون أيضاً: " قاعدة الأخوَّة الشاملة، تشدِّد أن "الواحد الذي ما له ثانٍ" موجود في كلِّ موجود، بما يجعله قادرًا على تخطِّي أية درجة راهنة في المعرفة أو أيِّ كمال نسبي في الحياة والسلوك. ويقتضي ذلك أن حضور هذه "الذات العليا" في كلِّ صورة إنسانية يعني أن بوسع كلِّ إنسان أن يتخطى ذات يوم أيَّ معتقد ضيِّق أو أيَّ مسلك شائن وأن يحقق الخلاص والحرية الروحية" فهم أهل الحلول والاتحاد، ويقول قائلهم الحلولي: "من هنا على كل معتقِد بـ"إله شخصي" مفارِق ألا ينسى أن كلَّ إنسان إله "بالقوة"، وقبس صاف من نور المطلق، وشعاع سماوي صادر عن المبدأ الأول، وأن يُبقي في ذهنه أن "إلهه" في الداخل أيضًا وليس في الخارج وحسب!"، ويقول أيضاً: " الروح والمادة: حقيقتان مستقلتان من حيث الظاهر؛ لكنهما من حيث الباطن: وجهان للمطلق أو مظهران له؛ وهما أول تمايز عن المبدأ الأصلي وأساس فعل التجلِّي الكوني"، ويقول أيضاً: " كلُّ إنسان، من حيث ماهيَّته، كائن إلهي، وهو ينطوي في ذاته، بالقوَّة على كلِّ القدرات والملكات التي تتصف بها الألوهة؛ وتتفتح هذه القدرات وتلك الملكات تدريجيًّا، وصولاً إلى كمال للوعي وسعة متناميين لا حدَّ لهما".

 

ومنهم القائل بوحدة الوجود الذي هو من أقبح العقائد على الإطلاق، ولتستمع إلى مقالتهم تلك إذ تقول: "إن ثلاثتهم [الله والنفس والإنسان] [تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً] من حيث الأصل والأزلية، مثلهم كمثل الكون وكلِّ ما فيه، واحد مع الوحدة المطلقة أو الجوهر الإلهي الذي لا يرقى إليه علم" ويقولون أيضاً: "الله مبدأ كلِّي السريان ولانهائي، كيف يكون للإنسان وحده ألا يكون متشرباً للاهوت، قائماً به وفيه؟"، ويقولون أيضاً: "إن لاهوتنا ليس في فردوس ولا في شجرة، لا في جبل ولا في مبنى خاص، إنما هو في كلِّ مكان، في كلِّ ذرة من ذرات الكون، منظوره وغير منظوره، فوق وحول وفي كلِّ ذرة وكلِّ جزيء مرئيين".

 

ولهذا فهم يؤكدون على دراسة المبادئ الإلهية الكبرى المهيمنة على الكون الأزلي - في تصورهم- والمسيِّرة له، إذ إن دينهم هذا يتناول، بالدرجة الأولى، النواميس الكونية التي تحكم ظواهر الطبيعة، إذ يرون أن المنظومات الشمسية التي تتألف منها المجرَّات والكون إجمالاً تعبيرات عن الحق الأسمى؛ ويشكل كلٌّ منها نظامًا مستقلاً، لكنه متأصل في المطلق غير المتجلِّي أبداً، هكذا قال ملحدهم.

 

ولهذا لم تنفصل دراسة الرياضيات والفيزياء والفلك يوماً عن هذه العقيدة الوثنية؛ إذ يقول قائلهم: "ففي بلاد الإغريق، وارثة حكمة مصر، كانت الفلسفة والعلم والدين تُعلَّم ككلٍّ واحد لا يتجزأ، وكان مريدو الأسرار الصغرى في هياكل ذلفس وإلفسِس وساموثراكي وفي أكاديمية أفلاطون، وقبلئذٍ في مدرسة فيثاغورس في كروتونا، يدرسون الرياضيات والفيزياء وعلم النجوم، إلى جانب التعاليم الخاصة بطبيعة الألوهة والفيض والكوسمولوجيا ونواميس الطبيعة والبنية الباطنية للإنسان. أما "صفوة الصفوة" منهم، المؤهَّلة لولوج الأسرار الكبرى، فكانت تركز جهودها على تفتيح ملكاتها وقواها الباطنة في سبيل التحقق بالمعرفة والحكمة عبر التأمل الباطني وغيره من الرياضات السِّرَّانية".

وممن كان من معلمي الأسرار وممن حمل لواء التعليم الباطني: فيثاغورس وأفلاطون وأفلوطين ثم غلاة الصوفية والفلاسفة الإشراقيون ممن ينتمون لملة الإسلام مثل: الحلاج وابن عربي وابن سينا والسهروردي وأمثالهم.

 

وقد ذكروا أن من عوامل عدم انتشار هذه التعاليم الباطنية: تدمير مكتبة الإسكندرية القديمة عام (391) على يد بعض النصارى وبتحريض من الكنيسة آنذاك، وانقطاع الاتصال بين الشرق والغرب لعدة عوامل، وإحياء تعاليم أرسطو.

لكن كان لجمعية الصليب الوردي أكبر الأثر في انتشار هذه التعاليم الوثنية من جديد.

وهم لا يرون كل دين وشرعة نزلت من عند الله تعالى إلا مجرد أضلولة وعدواً للتقدم وحاجزاً في سبيل سعي الإنسان نحو السعادة. أما الثيوصوفيا -أعني: هذه العقيدة- فهي باشتمالها على العلم والدين جميعاً: دين علمي وعلم ديني، يقول س. بريوشينكين في كتابه "أسرار الفيزياء الفلكية والميثولوجيا القديمة" ص (433): "فقد أدى تقدم العلم والفلسلفة إلى تبدل جذري في العقائد والرؤى، وسقوط السيادة المطلقة للعقائد المسيحية واليهودية، هذا السقوط الذي اختصره الفيلسوف الألماني نيتشه بقوله: "مات الإله". اهـ، ويقول ص (439): "إن أزمة نظام القيم الإنسانية التي أحدثها انهيار العقيدة الدينية، قد أرغم الحضارة على أن تدفع ببدائل ما، وقد ظهر أن الإلحاد والنفعية هما أكثر الأيديولوجيات قدرة على الحياة".

 

وهم يقولون أيضاً بنظرية التطور وتناسخ الأرواح، فيقول قائلهم: "فالعالِم الغيبي يدرك -بالكشف الروحي والوعي الصافي- أن العوالم غير المنظورة تنطوي على العوامل السببية لكلِّ الموجودات ولكلِّ ما يولِّد في دائرة الوجود الظاهر كلَّ ما يقبل الإدراك بالحواس. تعلِّمنا هذه العقيدة أن على العقول الأولى، حتى تصير "آلهة" كلِّية الوعي، إذا جاز التعبير، أن تمر بالمرحلة البشرية ذلك أن على كلِّ كيان أن يفوز بحق الألوهية بنفسه عبر خبرته الذاتية"، ويقولون أيضاً: "إن العناصر نصف العاقلة وغير العاقلة الدنيا ستصير يومًا في عِداد البشر. وما امتياز العاقلة البشرية بالفطنة إلا برهان عالِم الغيب أن الإنسان حصَّل المعرفة والفطنة عبر الدورة البشرية" ويقول أيضاً: "يتم تفتح هذه القدرات وتلك الملكات الكامنة عبر سيرورة "التقمُّص" (أو "العَوْد للتجسُّد")، بحيث تعاود النفس التجسد باستمرار، في أزمنة مختلفة وأمكنة متباينة وظروف متنوعة، كي تغتني بخبراتها، مارَّة بين كلِّ تجسد وآخر بفترة من الراحة الذهنية في العوالم ما فوق الجسمانية اللطيفة لكي "تهضم" هذه الخبرات وتتمثل خلاصتها".

منهم من يسمي هذه العقيدة ثيوصوفيا، وكلمة ثيوصوفيا مشتقة من الكلمتين اليونانيتين ثيوس theos التي تعني "إله" وصوفيا sophia التي تعني "حكمة"؛ فالكلمة بمجملها تعني "حكمة الآلهة" أو "الحكمة الإلهية". والثيوصوفيا عندهم هي الحكمة المتراكمة عبر العصور، بدون أن يختص بها عصر دون عصر أو أمة دون أخرى.

وقد تبادلت الأدوارَ أسماءٌ مختلفة تحمل في طياتها نفس هذه العقيدة، مثل: فرسان المعبد، أو فرسان الهيكل، والطبقة المستنيرة، والكلية الخفية، والفجر الذهبي، والماسونية، وغيرها.

 

وقد اطلع شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني رحمه الله تعالى على معتقد هؤلاء إذ يقول في وصفهم [(2/91-93) مجموع الفتاوى]: "فلما كان منتهى الفلاسفة الصابئية وأعلى علمهم: هو الوجود المطلق، وكان أصل التجهم وتعطيل صفات الرب إنما هو مأخوذ عن الصابئة، وكان هؤلاء الاتحادية في الأصل جهمية، وأنه بما فيهم من النصرانية المشاركة للصابئة صار بينهم وبين الصابئة نسب صار معبودهم وإلههم هو الوجود المطلق، وزعموا أن ذلك هو الله، مضاهاة لما عليه خلق من قدماء الفلاسفة من تعطيل الصانع وإثبات الوجود المطلق؛ حتى يصح قول فرعون: ﴿ وما ربُّ العالمين ﴾، وإن كان الفلاسفة المسلمون لا يوافقون على ذلك بل يقرون بالرب الذي صدر عنه العالم، لكنهم بتعظيمهم للوجود المطلق صاروا متفقين متقاربين، ومن تأمل كلام النصير الطوسي الصابئ الفيلسوف، وكلام الصدر القونوي النصراني الاتحادي الفيلسوف، وكلام الإسماعيلية في البلاغ الأكبر والناموس الأعظم، الذي يقول فيه: أقرب الناس إلينا الفلاسفة ليس بيننا وبينهم خلاف إلا في واجب الوجود، فإنهم يقرون به، ونحن ننكره. عرف ما بين هؤلاء من المناسبة، وكذلك المراسلة التي بين الصدر والنصير، في إثبات النصير لواجب الوجود على طريقة الصابئة الفلاسفة، وجعل الصدر ذلك هو الوجود المطلق لا المعين، وأنه هو الله، علم حقيقة ما قلته، وعلم وجه اتفاقهم على الضلال والكفر، وأن النصير أقرب من حيث اعترافه بالرب الصانع المتميز عن الخلق، لكنه أكفر من جهة بعده عن النبوة والشرائع والعبادات، وأن الصدر أقرب من جهة تعظيمه للعبادات والنبوات والتأله على طريقة النصارى، لكنه أكفر من حيث أن معبوده لا حقيقة له، وإنما يعبد الوجود المطلق الذي لا حقيقة له في الخارج، ولهذا كان الصدر أكفر قولاً وأقل كفراً في عمله، والنصير أكفر عملاً وأقل كفراً في قوله، وكلاهما كافر في قوله وعمله، ولهذا يظهر للعقلاء من عموم المسلمين من كلام الصدر أنه إفك وزور وغرور، مخالف لما جاء به الرسول، كما يظهر لهم من أفعال النصير أنه مروق وإعراض عما جاء به الرسول، ولهذا كان النصير أقرب إلى العلماء لأن في كلامه ما هو حق، كما أن الصدر أقرب إلى العباد لأن في فعاله ما هو عبادة".

وقد أطال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في الرد على أهل الحلول والاتحاد وأهل وحدة الوجود، وبيان مخازيهم، وفضح معتقدهم الخبيث، انظر المجلد الثاني بأكمله من مجموع الفتاوى.

 

(لتحميل المادة كاملة اضغط: هنا)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لماذا حركوا الأرض؟ (1)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (2)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (3)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (5)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (6)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (7)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (8)
  • تجري بنا وتدور ونراها في سكون
  • مفاتح التأريخ الكوني في القرآن

مختارات من الشبكة

  • لماذا حركوا الأرض؟ (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تدبر معاني حروف الجر في القرآن الكريم (6) (على الأرض / في الأرض)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلام رب الأرض في الأرض(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • وصف الأرض في ديوان "طيف أميرة " للشاعر سامي أبو بدر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • آيات وإعجاز (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • آيات الماء في الأرض(مقالة - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)
  • العلم والأرضون السبع(مقالة - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب