• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

العام والخاص والمطلق والمقيد (دراسة أصولية فقهية) (3)

محمود محمد عراقي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/2/2012 ميلادي - 20/3/1433 هجري

الزيارات: 30439

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العام والخاص والمطلق والمقيد

(دراسة أصولية فقهية)

الفصل الخامس

الكلام عن المخصص

 

هذا الفصْل يحتوي على:

1- الكلام عن المخصَّص.

2- التخصيص بالمنفصِل والمتصل.

• التخصيص بالقياس.

• التخصيص بالشرط.

• التخصيص بالصفة.

3- دخول الإناث في الجمْع المذكَّر (ذكر الخلاف مع الترجيح).

 

الفصل الخامس

الكلام عن المخصص

المخصِّص متَّصِل ومنفصِل: المتَّصل الاستثناء المتَّصِل، والشرط، والصِّفة، والغاية، وبدل البعض، والاستثناء في المنقطِع قيل: حقيقة، وقيل: مجاز، وعلى الحقيقة قيل: متواطئ، وقيل مشترك، ولا بدَّ لصحته مِن مخالفة في نفْي الحُكم، أو في أنَّ المستثنى حُكمٌ آخر، له مخالفة بوجه، مثل: ما زاد إلا ما نقص، ولأنَّ المتصل أظهرُ، لم يحمله فقهاء الأمصار على المنقطع إلا عندَ تعذُّره، ومِن ثَمَّ قالوا في: "له عندي مائة درهم ثوبًا"، وشبهه: إلا قيمة ثوب.

 

قال الأصبهاني[1]: "اعلم أنَّ المخصص هو المُخرِج، وهو إرادة الألفاظ، وقد يُطلق المخصص على ما دلَّ على إرادةِ الألفاظ بالمجاز، والمخصص بالمعنى الثاني إمَّا متَّصل أو منفصل".

 

والمتصل أربعة: الاستثناء المتصل، والشرط، والصفة، والغاية، هذا هو المشهور، وقد زاد المصنِّف قسمًا آخَرَ، وهو بدلُ البعض عن الكلِّ؛ لأنه إخراج بعض ما يتناوله اللفظ، وفيه نظرٌ؛ فإنَّ المبدلَ في حُكم الطرْح، والبدل قد أُقيمَ مقامَه، فلا يكون مُخصِّصًا له، وخصَّ المصنِّف بدلَ البعض بكونه مخصِّصًا دون الأبدال الباقية؛ لكونها غيرَ متناولة.

 

واختلفوا في استعمالِ الاستثناء في المنقطع، مثل: جاءني القوم إلا حمارًا، فقيل: إنَّه بطريق الحقيقة، وقيل: إنَّه بطريق المجاز، ثم القائلون بالحقيقةِ اختلفوا، فقال قوم: إنه متواطئ؛ أي: موضوعٌ للقَدْر المشترَك بيْن المنفصل والمنقطع، وقال آخرون: إنَّه مشترك بينهما اشتراكًا لفظيًّا.

 

فصل
التخصيص بالمنفصل

التخصيص بالمنفصِل:

يجوز التَّخْصيص بالعقل:

لنا: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الزمر: 62]، وأيضًا: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾ [آل عمران: 97] في خروج الأطفال بالعقل.

 

قالوا: لو كان تخصيصًا لصحَّتِ الإرادة لغةً.

قلنا: التخصيصُ للمفرَد وما نُسِب إليه مانع هنا، وهو معنى التخصيص.

قالوا: لو كان مخصصًا لكان متأخِّرًا؛ لأنَّه بيان.

قلنا: لكان متأخِّرًا بيانه لا ذاته.

قالوا: لو جازَ به لجاز النَّسخ.

قلنا: النسخ على التفسيرين محجوبٌ عن نظر العقل.

قالوا: تعارضَا.

قلنا: فيجب تأويلُ المحتَمِل.

 

قال الأصبهاني: لَمَّا فَرَغ مِن أنْواع التَّخْصيص بالمتَّصل، شرَع في أقسام المنفصل، وهو الدليلُ العقلي الحِسي والنقلي، القطعي والنقلي الظنِّي، وابتدأ بالتَّخْصِيصِ بالعقل، ذهَب الجمهورُ إلى أنَّ الدَّليلَ العقلي تخصيص[2]، وخالفَهم شذوذٌ من الناس[3].

 

وأصبح ابنُ الحاجب على مذهب الجمهور بوجهين:

الأول: أنَّ قوله - تعالى -: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الزمر: 62] يُفيد العمومَ بحسب اللغة؛ لأنَّ الشيء يتناول الواجبَ والممكِن والممتنع، والدليل العقلي يُرَجِّح أن يكونَ الواجب والممتنع مخلوقين، فيكون الدليل العقلي مُخصِّصًا للعموم.

 

الثاني: قوله - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾ [آل عمران: 97]، فإنَّ قوله: ﴿ عَلَى النَّاسِ ﴾ يفيد وجوبَ الحج على كلِّ مَن هو إنسان؛ لأنَّ (الناس) تتناول جميعَ أفراد الإنسان؛ لأنَّ اللام فيه للاستغراق، والعقل مَنَع وجوبَ الحجِّ على الصبيان والمجانين؛ لعدمِ تمكُّنهما مِن معرفةِ الوجوب، فيكون العقل مخصِّصًا للعموم.

 

احتج الشذوذ بأربعة أوجه:

الأول: لو كان مَنَعَ العقْلُ مخلوقيةَ الواجبِ والممتنع، وتعلَّق وجوبُ الحج بالمجانين والصبيان تَخصيصًا للاثنين المذكورين، لصحَّت إرادةُ الواجب والممتنع مِن قوله - تعالى -: ﴿ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الزمر: 62]، وإرادة الصِّبيان والمجانين مِن قوله: ﴿ عَلَى النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 97] لغة، والتالي باطل؛ لأنَّ المتكلِّم لا يريد بلفظٍ مخالِفٍ لصريح العقل بيانَ الملازمة أنَّ التخصيص إخراجُ ما يتناوله اللفظ، وما يتناوله اللفظُ يصحُّ إرادته منه، وأجاب بمنْع انتفاء التالي، فإنَّ التخصيص للمفرَد، وصحَّة الإرادة متحقِّقة بالنسبة إلى المفرَد، وهو كلُّ شيء في الآية الأولى، والناس في الآية الثانية، وما نُسِب إليه المفرد في الآية الأُولى مانع مِن إرادة الواجِب والممتنع منه، وما نُسِب إليه المفرد في الآية الثانية مانعٌ مِن إرادة الصبيان والمجانين منه، فحَكَم العقلُ بالتخصيص.

 

الثاني: لو كان دليل العقل مخصِّصًا للعام، لكان متأخِّرًا عَنِ العام، والتالي باطل؛ لأنَّ دليلَ العقل مقدَّم على الخطاب، فبيان الملازمة أنَّ دليل العقل حينئذٍ يكون بيانًا؛ لأنَّ التخصيص بيان، والبيان متأخِّر عن المبيَّن، وأجاب بأنَّ دليل العقل متأخِّرٌ عن العام مِن حيث هو بيان، ويتقدَّم عليه بحسبِ الذَّات.

 

الثالث: أنه لو جاز التخصيصُ بالفعل، لجازَ النسخ به.

والتالي باطلٌ بالاتفاق، فبيان الملازمة أنَّ التخصيص بيانٌ لعدم نفوذِ الحُكم كالنَّسخ.

 

الرابع: العام مقتضٍ لإثبات الحُكم، والعقل رافعٌ له، فيقع التعارُض بينهما، وليس العملُ بأحدهما أوْلى مِن العمل بالآخر، قلنا: لَمَّا كان أحدهما رافعًا لمقتضى الآخر، وجَبَ تأويلُ العام بما هو محتمل، وهو أنَّ بعضَ ما يتناوله اللفظ غيرُ مراد؛ وذلك لأنَّه لا سبيلَ إلى الجمْع بينهما، ولا إلى رفْعهما، والعقل لا يقبل التأويل، والعام يقبله، فوجَب تأويله؛ ليكونَ جمعًا بين الدليلين[4].

 

التخصيص بالقياس[5]:

نقَل الإسنويُّ الاتفاقَ على أنَّ القياس القطعي يُخصَّص به العامُ مِن الكتاب والسُّنة المتواترة، وأمَّا القياس الظني، فهو محلُّ الخلاف، وقدِ اختلف الأصوليُّون في ذلك على أقوالٍ كثيرة، أهمها ما ذكره البيضاوي، وهي سبعة أقوال:

القول الأول: وهو المختار للبيضاوي، ونقل عن الأئمَّة الأربعة أنه يجوز تخصيصُ العام مِن الكتاب والسُّنَّة المتواتِرة بالقياس.

القول الثاني: لا يجوز، وهو المختار للإمام الرازي وأبي عليٍّ الجُبَّائي مِن المعتزلة، واستدلَّ البيضاوي لهذا القول بدليلَين.

 

الدليل الأول: أنَّ القياس فرْع، والعام أصلٌ له؛ لأنَّ حُكم الأصْل في القياس لا بدَّ أنْ يكون ثابتًا بنصٍّ أو إجماع، ولا يثبت بالقِياس كذلك إلى ما لا نهاية، أو الدور إنْ كان حُكم الأصل في القياس متوقفًا على القياس الأوَّل، والتسلسل والدور باطلانِ، فيكون حُكم الأصل ثابتًا بغيْر القياس.

 

وهو النص، والإجماع، ومتَى ثبَت أنَّ القياس فرْع والعام أصْل، امتنع تخصيصُ العام بالقياس؛ لِمَا يلزم عليه مِن تقديم الفرْع على الأصْل، وهو غير معقول.

 

نوقش هذا: بأنَّ القياس فرْع عن النصِّ الذي أثبت حُكم الأصل فيه، أو النص الذي أثبت أنَّ القياس حُجَّة، ولكنَّه ليس فرعًا عنِ العام الذي يُراد تخصيصه بالقِياس، والممنوع أن يُقدَّم الفرْع على أصله، وأمَّا تقديمه على غيرِ أصْله، فلا مَنْعَ فيه، فالدليل لا يُثبِت المطلوب.

 

الدليل الثاني: أنَّ العام ظني، ومقدماته أقلُّ مِن مقدمات القياس؛ لأنَّ العامَّ مِن الكتاب والسُّنة المتواتِرة يحتمل النسخَ، كما يحتمل التخصيصَ، والقياسُ يحتمل ذلك بواسطةِ احتمال أصْله لذلك، ويزيد على العام بأمورٍ أربعة:

1- أن يكون الحُكم الأصل غير معلل.

2- أن يكون معللاً بعلة غير العلة التي وُجدتْ بالقياس.

3- أن تكونَ هذه العِلة الموجودة في الأصْل ليستْ موجودة في الفرْع؛ لجواز أن يكونَ المحل جزءًا منها.

4- أن تكونَ موجودةً في الفرْع، ولكن في الفرع مانعٌ يمنع من ثبوت حكم الأصل فيه.

 

وحيث كانت مقدِّمات القياس أكثرَ، كان الخطأ فيه أكثرَ، فيكون الظن فيه أضعفَ من الظن المتحقِّق في العام، فلو خُصِّص العام بالقياس، لَلَزِمَ مِن ذلك تقديمُ الأضعف على الأقوى، وهو باطلٌ فتمَّ ما نقول، وهو أنَّ القياس لا يُخصِّص العام.

 

نوقش هذا الدليل من وجهين:

الوجه الأول: أنَّ هذا ليس مطردًا، فقد تكون مقدِّمات العام أكثرَ، فيكون الظن فيه أضعفَ من الظنِّ الموجود في القياس، فيكون تخصيص العام بالقياس في هذه الحالة لا مانعَ منه، فيكون دليلكم منقوضًا بهذه الصورة.

الوجه الثاني: مع التسليم بأنَّ مقدِّمات العام أقلُّ مِن مقدمات القياس دائمًا، لكنَّا نقول: إنَّ القياس أرجحُ من العام، مِن حيث إنَّ العمل به فيه إعمالٌ للدليلين، بخلاف العمل بالعام وحدَه، فإنَّ فيه إهمالاً للقياس، وإعمالُ الدليلين خيرٌ مِن إهمال أحدهما.

 

القول الثالث: إنْ خُصِّص العام بمخصِّص قبلَ القياس، جازَ تخصيصه بالقياس، وإنْ لم يخصص العام قبلَ ذلك، لا يجوزُ تخصيصه بالقياس، وهذا قولٌ لعيسى بن أبان[6] - غير أنَّ الإسنويَّ قيَّد هذا القولَ بما قاله عيسى بن أبان في الخبر، وهو أنَّه لا بدَّ أن يكونَ مخصِّصُ العامِّ قبلَ القياس قطعيًّا، ولكن ظاهر كلام البيضاوي، وصاحب "جمع الجوامع" - أنَّ هذا الشرط غيرُ مطلوب في تخصيصِ العامِّ بالقياس، وقالوا في الفرق: إنَّ القياس أقوى مِن خبر الواحد، فلا يشتَرط في الأقوى ما يشتَرط في الأضعف، وقد استدلَّ عيسى بن أبان بما استدلَّ به في خبر الواحِد.

 

القول الخامس: إنْ كان القياس جليًّا بأن قُطِع فيه بنفي تأثيرِ الفارق بيْن الأصل والفرع كقِياس العبدِ على الأَمَة بجامع الرِّقِّ؛ ليثبتَ له تنصيف الحدِّ في الزِّنا، كما جازَ تخصيصُ العام به، وإنْ كان القياس خفيًّا بأن لم يُقطع فيه بنفيِ تأثير الفارق، كقياس النبيذ على الخمر بجامع الإسْكار؛ ليثبتَ له التحريم، كما ثبت في الخمر؛ حيث لم يقطعْ بنفي تأثيرِ الفارق؛ لجواز أنْ يكون كونه خمرًا هو المؤثِّر - لم يجزْ تخصيص العام به، وهذا القول لابن سريج مِن الشافعية.

 

ووِجْهَة ابن سريج: أنَّ القياس الجلي قطعيٌّ، فتخصيصُ العام به تخصيصٌ للظني، وهو جائزٌ لا شيءَ فيه، أما القياس الخفي فهو ظني، بل قال بعضُ العلماء بإنكاره، وهو مع كونِه ظنيًّا، فالظنُّ فيه أضعفُ مِن الظن بالعام، فلو خُصِّص العام بالقياس في هذه الحالة، لَزِم من ذلك العملُ بالأضعف مع وجود الأقوى، وهو باطل.

 

ويجاب عن ذلك: بأنَّ القياس يرجِّحه على العام أنَّ فيه إعمالاً للدليلين، وإعمالُ الدليلين خير مِن إهمال أحدهما.

 

القول السادس، وهو لحُجَّة الإسلام الغزالي: العام والقياس متعارِضان في الفرْد الذي دلَّ عليه القياس، فإنْ ترجَّح أحدهما على الآخَر، عُمِل بالراجح منهما، وإنْ تساويَا لم يعمل بواحد منهما فيه، بل يُتوقَّف عن العمل بواحدٍ منهما فيه، حتى يوجدَ المرجح.

 

ووجهته في ذلك: أنَّ العام بمقتضى وضْعه يتناول جميعَ الأفراد، ومقتضى هذا أنْ يثبت حُكمه لكلِّ الأفراد، بما في ذلك الفَرْد الذي دلَّ عليه القياسُ، والقياس يعارِض هذا العامَّ في الفرد الذي دلَّ عليه؛ حيث يقضي بثبوتِ حُكمه في هذا الفرْد، فلا يكون حُكم العام ثابتًا فيه.

 

والعام ظنِّيُّ الدلالة، كما أنَّ القياس ظنيُّ الدلالة، فإنْ قلنا: إنَّ الظن في العام أقوى؛ لأنَّ الاحتمالاتِ الموجودةَ فيه أقلُّ من الاحتمالات الموجودة في القياس، كان العامُّ أرجحَ من القياس، فيعمل بالعام على عمومه، ولا عِبرةَ بالقياس؛ لكونه مرجوحًا.

 

وإنْ قلنا: إنَّ الظنَّ في القياس أقوى مِن الظن الموجود في العام؛ لأنَّ دلالة القياس على هذا الفرْد الذي دلَّ عليه أقوى مِن دَلالة العام عليه؛ لجواز أن يكونَ المراد مِن العام غيرَ هذا الفرد، يكون العمل بالقياس هو المطلوبَ، وحينئذٍ فلا يعمل بالعام في هذا الفرْد، وإنما يعمل به في غيرِه من الأفراد.

 

وإنْ قلنا: إنَّ الظن فيهما متساوٍ، تعيَّن الوقف وعدم العمل بالدليلين في هذا الفرْد، حتى يوجدَ المرجِّحُ فيحصل به، وإلا لَزِم ترجيح أحد المتساويين بدون مرجِّح، وهو باطل.

 

ويناقش هذا: بأنَّ القياس أرجحُ من العامِّ دائمًا؛ لِمَا فيه من العمل بالدليلين معًا، والإعمالُ خيرٌ من الإهمال.

 

القول السابع: الوقف وعدم الجزْم بشيء، حتى يوجدَ المرجِّح، فيُعمل به - وهو لإمام الحرمَيْن.

 

ووجهته في ذلك: أنَّ الأدلَّة متعارضة، بعضها يقضي بالعمل بالعام، والبعض الآخَر يقضي بالعملِ بالقياس، ولا مرجِّح لأحدهما على الآخَر، فكان الوقفُ أسلمَ، حتى يوجد المعيِّنُ لأحدهما، فيعمل به؛ دفعًا للتحكُّم.

 

ويجاب عن ذلك: بأنَّه لا معنى للوقف؛ لأنَّ المرجِّح للقياس موجودٌ، وهو أنَّ فيه إعمالاً للدليلين، وهو خيرٌ من الإهمال.

 

تنبيه:

المعروف عنِ الحنفية - كما يؤخذ مِن كتبهم - أنَّ دلالة العام قطعية، وأنَّ المُخصِّصَ لا بدَّ أن يكون مُقارنًا، فلا يجوز فيه التَّراخي عنِ العام في الزمن، فإنْ تراخَى عنه، كان ناسخًا له - وإنَّ الذي يُسمَّى بالمخصِّص هو المنفصل دون المتَّصل؛ لأنَّ المتصلَ يُسمَّى عندهم بالشرْط، أو الغاية، أو الاستثناء، أو الصفة.

 

أما الشافعية، فالمعروف عندَهم ما يخالف هذا كله، فينبغي ملاحظةُ ذلك عندَ الكلام في المسائل الخِلافية[7].

 

وانظر فيما يخص ما سبق: مبحث التفرقة بيْن المذهب، وقول الأصحاب وغيرهم.

 

ويقول في "شرح التلويح على التوضيح": "... وقد عرفتَ أنَّ العام الذي خصَّ منه البعض يصير ظنيًّا، ويجوز تخصيصُه بخبر الواحد، والقياس"[8].

 

التخصيص بالشرط:

قال ابن الحاجب[9]:

التخصيص بالشرْط:

الغزَّالي: الشرْط ما لا يوجد المشروطُ دونَه، ولا يلزم أنه يوجد عندَه.

 

وأُورِدَ أنه دَوْرٌ، وعلى طرْده جزء السبب.

 

وقيل: ما يَتَوَقَّف تأثيرُ المؤثِّر عليه.

 

وأُورِد على عكسِه: الحياةُ في العِلم القديم، والأَوْلى ما يستلزم نفيُه نفيَ أمرٍ على غير جِهة السببية.

 

قال الأصبهاني:

"لَمَّا فرَغ من التخصيص بالاستثناء، شرَع في التخصيص بالشرط؛ قال الغزالي: الشرْط ما لا يوجد المشروط دونه، ولا يلزم أنْ يوجد المشروطُ عنده؛ أي: عندَ وجود الشرط، وأورد على هذا التعريف أنه دَوْر؛ إذ يتوقَّف معرفةُ المشروط على معرفةِ الشرط.

 

وقد أخَذَ المشروط في تعريفِ الشرْط، فيكون دورًا، وأيضًا هذا التعريف غير مطَّرد؛ لأنَّ جزء السبب لا يوجد المسبَّبُ دونه، ولا يلزم أن يوجدَ المسبَّب عندَه، مع أنَّ جزء السبب ليس بشرْط.

 

وقيل في تعريف الشَّرْط: هو ما يتوقَّف تأثيرُ المؤثر عليه، وعليه إيرادات.

 

قال ابن الحاجب: وهو - أي الشرْط - عقلي كالحياةِ للعلم، وشرعي كالطهارة، ولُغوي مثل: أنتِ طالق إنْ دخلت، وهو في السببية أغلبُ، وإنَّما استعمل في الشرْط الذي لم يبقَ للمسبب سواه، فذلك يخرج به ما لولاه لدخَل لُغةً، مثل: أكرمْ بني تميم إنْ دخلوا، فيَقصر الشرْط على الداخلين.

 

قال الأصبهاني: الشرط ينقسم إلى عقلي وشرعي ولُغوي؛ لأنَّه إمَّا أن يحكم العقل بشرطيته أو لا، والأوَّل هو الشرْط العقلي كالحياة للعِلم، فإنَّ العقل يحكم بوجودِ العلم عندَ وجود الحياة، والثاني إمَّا أن يكون الشرْعُ قد حَكَم بشرطيته أو لا، والأوَّل هو الشرْط الشرعي كالطهارة للصلاة، والثاني اللُّغوي، مثل: إنْ دخلت الدار فأنت طالق، فإنَّ دخولَ الدار ليس شرطًا لوقوع الطلاق شرعًا لا عقلاً، بل مِن الشروط التي وضعَها أهل اللغة، وصِيغة الشرْط اللغوي "إنْ" المخففة، و"إذا"، و"من"، و"ما"، و"مهما"، و"حيث"، وإذا ما، وأينما، والشرْط اللُّغوي أغلبُ استعماله السببية العقلية، نحو: إذا طلعتِ الشمس فالعالَم مضيء، والشرعية نحو: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ﴾ [المائدة: 6]، فإنَّ طلوعَ الشمس سببٌ لضَوء العالَم عقلاً، والجنابة سببٌ لوجوب التطهُّر شرعًا، وإنما استعمل الشرط اللُّغوي في الشرْط الذي لم يبقَ للمسبب شرْط آخر سواه.

 

قال ابن الحاجب: وقد يتَّحد الشرط، ويتعدَّد على الجمْع وعلى البدل، فهذه ثلاثة، كلٌّ منها مع الجزاء كذلك، فتكون تِسعة، والشرْط، كالاستثناء في الاتِّصال وفي تعقُّبه الحمل، وعن أبي حنيفةَ للجميع ففَرَّق، وقولهم في مثل: أكرمك إنْ دخلت الدار، ما تقدم خبر، والجزاء محذوفٌ؛ مراعاة لتقدُّمه كالاستفهام والقَسَم، فإنْ عنوا "ليس بجزاء في اللفظ" فمُسلَّم، وإن عنوا "ولا في المعنى" فعِناد، والحق أنَّه لَمَّا كان جملة، رُوعيت الشائبتان.

 

قال الأصبهاني: الشرط قد يتحدَّد، مثل: دخل زيدٌ الدار، وقد يتعدَّد إما على سبيل الجمْع مثل: إنْ دخل الدار والسوق، وإمَّا على سبيل البدل، مثل: إنْ دخل الدار أو السوق، فتكون ثلاثة.

 

وكل مِن هذه الثلاثة إمَّا أن يكون جزاؤه متحدًا، مثل: أكرِمْه أو أعطِه، فتكون الأقسام تِسعة، والشرط كالاستثناء في الاتصال لفظًا، أو في حُكمه، وأيضًا الشرط كالاستثناء في تعقُّبه الجمل، إذا وقَع الشرط عقيبَ جمل متعاطِفة بالواو، يعود إلى الكلِّ عندَ الشافعي، وعند المصنف التفصيل الذي اختاره في الاستثناء، ونقل عن أبي حنيفة أنَّ الشرط الواقِع عَقِيبَ الجمل المتعاطِفة بالواو يعود إلى الجميع، ففرَّق أبو حنيفة بيْن الشرط والاستثناء بعَوْد الشرط إلى الجميع، وعود الاستثناء إلى الأخيرة، ووجه الفرْق أنَّ الاستثناءَ متأخِّر، والشرط "إن تأخَّر لفظًا، فهو متقدِّم معنًى"[10].

 

فصل: الثالث من المخصص المتصل (الصفة):

وهي ما أشْعر بمعنًى يتصف به أفرادُ العام، سواء كان الوصف نعتًا أم عطفَ بيان، أم حالاً، وسواء كان ذلك مفردًا أم جملةً أم شبهها، وهو الظرْف والجار والمجرور، ولو كان جامدًا مؤوَّلاً بمشتقٍّ، لكن يخرج مِن ذلك: أن يكون الوصفُ خرَج مخرجَ الغالب، فيطرح مفهومه، كما يأتي في المفاهيم، أو يُساق الوصف لمدح أو ذم، أو ترحُّم، أو توكيد، أو تفصيل، فليس شيءٌ من ذلك مخصِّصًا للعموم.[11]

 

مثال التخصيص بالصفة: أكرِمْ بني تميم الداخلين، فيقصر الإكرام عليهم، وهي - أي الصفة - كاستثناء في عَوْدٍ، قال الآمدي وبعض الأصحاب وجمْعٌ: هي كالاستثناءِ في العَوْد، كما تقدَّم.

 

ولو تقدَّمتِ الصفة، نحو: وقفت على مُحْتاجي أولادي وأولادهم، فتشترط الحاجة في أولاد الأولاد، على الصحيح الذي عليه الأكثر.

 

وقيل: تختصُّ بما وليته إنْ توسطت.

 

قال في "جمع الجوامع": "أمَّا المتوسطة، فالمختار اختصاصها بما وليته"، مثال ذلك: على أولادي المحتاجين وأولادهم.

 

قال التاج السبكي: "لا نَعْلَم فيها نقلاً، ويَظْهَر اختصاصها بما وليته".

 

(المؤنث)
مسألة دخول الإناث في الجمع المذكر

يقول الآمدي في "الإحكام"[12]: "اتَّفق العلماء على أنَّ كلَّ واحد مِن المذكر والمؤنَّث يدخل في الجمْع الخاص بالآخَر، كالرِّجال والنساء، وعلى دخولها في الجمْع الذي لم تظهرْ فيه علامة تذكير ولا تأنيث، كالناس.

 

وإنما وقَع الخلافُ بينهم في الجمْع الذي ظهرتْ فيه علامة التذكير، كالمسلمين والمؤمنين، هل هو ظاهِرٌ في دخول الإناث فيه أو لا؟


فذهب الشافعية والأشاعرة والجمْع الكثير مِن الحنفية، والمعتزلة إلى نفيه، وذهبتِ الحنابلة وابن داود وشذوذٌ مِن الناس إلى إثباته.

 

احتجَّ النافون بالكِتاب والسنة، والمعقول:

أما الكتاب: فقوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [الأحزاب: 35] عطف جمْع التأنيث على جمْع المسلمين والمؤمنين، ولو كان داخلاً فيه، لَمَا حَسُن عطفه عليه؛ لعدمِ فائدته.

 

وأما السنة: فما رُوي عن أمِّ سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت: "يا رسولَ اللَّه، إنَّ النساء قُلْنَ: ما نرَى اللَّه ذكَر إلاَّ الرِّجال"، فأنزل اللَّه: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ﴾ [الأحزاب: 35] الآية، ولو كُنَّ قد دخلْنَ في جمْع التذكير، لكُنَّ مذكورات، وامتنعتْ صحَّة السؤال والتقرير عليه.

 

وأيضًا ما رُوي عنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((ويلٌ للذين يَمسُّون فروجَهم، ثم يصلُّون، ولا يتوضَّؤون))، فقالت عائشة: "هذا للرِّجال، فما للنِّساء؟"، ولولا خروجهنَّ مِن جمْع الذكور، لَمَا صحَّ السؤال، ولا التقرير مِن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

وأما المعقول: فهو أنَّ الجمع تضعيفُ الواحد؛ لقولنا "قام" لا يتناول المؤنَّث بالإجماع، فالجمع الذي هو تضعيفه، كقولنا: "قاموا" لا يكون متناولاً له.

 

فإن قيل: أما الآية، فالعطفُ فيها لا يدلُّ على عدم دخولِ الإناث في جمْع التذكير؛ قولكم: لا فائدةَ فيه، ليس كذلك؛ إذ المقصودُ منه إنما هو الإتيانُ بلفظٍ يخصهنَّ تأكيدًا، فلا يكون عريًا عن الفائدة.

 

وأمَّا سؤال أمِّ سلمة وعائشة - رضي الله عنهما - فلم يكن لعدمِ دخولِ النِّساء في جمْع الذكور، بل لعدمِ تخصيصهنَّ بلفظٍ صريحٍ فيهنَّ - كما ورد في المذكَّر.

 

وأمَّا قولكم: إنَّ الجمْعَ تضعيفُ الواحد فمُسلَّم، ولكن لِمَ قلتُم بامتناعِ دخول المؤنَّث فيه، مع أنَّه محلُّ النزاع؟

 

والذي يدلُّ على دخولِ المؤنث في جمْع التذكير ثلاثة أمور:

الأول: أنَّ المألوف مِن عادة العرَب أنه إذا اجتمعَ التذكير والتأنيث، غَلَّبوا جانبَ التذكير؛ ولهذا فإنَّه يُقال للنساء إذا تمحضْنَ: ادخلْنَ، وإنْ كان معهنَّ رجل، قيل: ادخلوا؛ قال اللَّه - تعالى - لآدم وحوَّاء وإبليس: ﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 38]، كما ألِف منهم تغليبَ جمع مَن يعقل إذا كان معه مَن لا يعقل.

 

ومنه قوله - تعالى -: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ ﴾ [النور: 45]، بل أبلغُ مِن ذلك: أنَّهم إذا وصفوا ما لا يعقل بصِفة مَن يعقل، غلَّبوا فيه مَن يعقل، ومنه قوله - تعالى -: ﴿ ... أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ [يوسف: 4]، جمعهم جمْعَ مَن يعقل؛ لِوَصْفِهم بالسجود الذي هو صفةُ مَن يعقل، وكتغليبهم الكثرةَ على القلَّة، حتَّى إنهم يَصِفون بالكرم والبُخل جمعًا، أكثرهم متَّصف بالكرم أو البخل.

 

وكتغليبهم في التثنيةِ أحدَ الاسمين على الآخَر، كقولهم: "الأسودان" للتمر والماء، و"العُمَران" لأبي بكر وعمر، و"القَمران" للشمس والقمر.

 

الثاني: أنه يستهجنَ مِنَ العربي أن يقول لأهل محلَّة أو قرية: "أنتم آمنون، ونساؤكم آمنات"؛ لحصول الأمْن للنساء، بقوله: "أنتم آمنون"، ولولا دخولهنَّ في قوله: "أنتم آمنون"، لَمَا كان كذلك.

 

وكذلك لا يحسن منه أن يقولَ لجماعة فيهم رجالٌ ونساء: "قوموا وقُمْن"، بل لو قال: "قوموا"، كان ذلك كافيًا في الأمر للنساء بالقيام، ولولا دخولهنَّ في جمْع التذكير، لَمَا كان كذلك.

 

الثالث: أنَّ أكثر أوامِر الشَّرْع بخِطاب المذكَّر، مع انعقاد الإجماع على أنَّ النساء يشاركن الرجال في أحكامِ تلك الأوامر، ولو لم يدخلْنَ في ذلك الخطاب، لَمَا كان كذلك.

 

والجواب: قولهم في الآية: فائدة التخصيص بلفظٍ يخصهنَّ التأكيد - قلنا: لو اعتقدْنا عدمَ دخولهنَّ في جمْع التذكير، كانت فائدةُ تخصيصهن بالذِّكْر التأسيس، ولا يخفَى أنَّ فائدة التأسيس أوْلى في كلامِ الشارع.

 

قولهم: سؤال أم سلمة وعائشة - رضي الله عنهما - إنما كان لعدمِ تخصيص النساء بلفظ يخصهنَّ، لا لعدم دخولِ النساء في جمْع التذكير - ليس كذلك، أما سؤال أم سلمة - رضي الله عنها - فهو صريحٌ في عدم الذكر مطلقًا، لا في عدم ذِكْر ما يخصهنَّ؛ بحيث قُلْنَ: "ما نَرَى اللَّه ذَكَر إلاَّ الرجال"، ولو ذَكَر النساء، ولو بطريق الضِّمن، لَمَا صحَّ هذا الإخبارُ على إطلاقه.

 

وأمَّا حديث عائشة - رضي الله عنها - فإنها قالت: "هذا للرِّجال"، ولو كان الحُكم عامًّا، لَمَا صحَّ منها تخصيصُ ذلك بالرجال.

 

قولهم: "المألوفُ مِن عادة العرَب تغليب جانب التذكير" - مُسلَّم، ونحن لا ننازع في أنَّ العربي إذا أراد أن يعبِّرَ عن جمع فيهم ذكور وإناث، أنه يُغلِّب جانبَ التذكير، ويعبِّر بلفظ التذكير، ويكون ذلك من بابِ التجوز؛ وإنما النِّزاعُ في أنَّ جمع التذكير إذا أُطلِق، هل يكون ظاهرًا في دخول المؤنَّث ومستلزمًا له، أو لا؟


وليس فيما قيل ما يدلُّ على ذلك، وهذا كما أنه يصحُّ التجوُّز بلفظ الأسد عن الإنسان، ولا يلزم أن يكونَ ظاهرًا فيه مهما أطلق.

 

فإن قيل: إذا صحَّ دخولُ المؤنث في جمْع المذكَّر، فالأصلُ أنْ يكونَ مُشعِرًا به حقيقة، لا تجوزًا.

 

قلنا: ولو كان مجازًا، لَزِم الجمْع بيْن الحقيقة والمجاز في لفظٍ واحد؛ لدُخول المسمَّى الحقيقي فيه، وهم الذُّكور، وهو ممتنِع.

قلنا:ليس كذلك، فإنَّه لا يكون حقيقةً في الذكور، إلا مع الاقتصار، وأمَّا إذا كان جزءًا من المذكور لا معَ الاقتصار، فلا.

 

كيف وإنَّا لا نُسلِّم امتناعَ الجمع بيْن الحقيقة والمجاز، كما سَبق تقريره؟

 

وأما الوجه الثاني: فإنما استُهجِنَ من العربي أن يقول: "أنتم آمِنون، ونساؤكم آمنات"؛ لأنَّ تأمينَ الرجال يستلزم الأمنَ مِن جميع المخاوف المتعلِّقة بأنفسهم وأموالهم ونسائهم، فلو لم تكنِ النساء آمناتٍ، لَمَا حصَل أمنُ الرجال مطلقًا، وهو تناقض.

 

أمَّا أنَّ ذلك يدلُّ على ظهور دخولِ النساء في الخطاب، فلا، وبه يظهر لزومُ أمْن النساء من الاقتصار على قوله للرِّجال: "أنتم آمنون".

 

وأما الوجه الثالث: فغير لازم؛ وذلك أنَّ النساء وإنْ شاركْنَ الرجال في كثيرٍ من أحكام التذكير، فإنهنَّ يفارقنَ الرجال في كثيرٍ من الأحكام الثابتة بخِطاب التذكير، كأحكام الجِهاد في قوله - تعالى -: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [الحج: 78]، وأحكام الجُمُعة في قوله - تعالى -: ﴿ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ [الجمعة: 9]، إلى غيرِ ذلك من الأحكام.

 

ولو كان جمْعُ التذكير مقتضيًا دخولَ الإناث فيه، لكان خروجُهنَّ عن هذه الأوامِر على خلافِ الدليل، وهو ممتنِع؛ فحيث وقَع الاشتراك تارةً، والافتراق تارةً، عُلِم أنَّ ذلك إنما هو مستند إلى دليلٍ خارج، لا إلى نفس اقتضاء اللَّفظ لذلك"[13].اهـ.



[1] "بيان المختصر"، وهو شرح "مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه"، ص179، وما بعدها.

[2] يراجع: "شرح الكوكب" (3/277) وما بعدها، و"إرشاد الفحول"، (1/156) و"المستصفى" (2/99).

[3] قال الفخر الرازي: "والأشبه عندي أنه لا خلاف في المعنى بل في اللفظ"، "المحصول"، (3/111).

[4] "بيان "المحصول"، المجلد الثاني، ص568 وما بعدها.

[5] انظر الخلاف: "كشف الأسرار" ص185 وما بعدها، ص567 من "إرشاد الفحول"، وكذلك: "شرح التبيين على الفصول" ص202، و"العضد على ابن الحاجب" للشوكاني ص148 المجلد الثاني، و"المحصول" ص131 المجلد الأول، و"الإحكام" للآمدي ص319 الجزء الثاني.

[6] انظر: "الإحكام"، للآمدي (2/ 319 وما بعدها).

[7] كتاب "أصول الفقه"، د/ محمد أبو النور زهير، (1/252 وما بعدها).

[8] "شرح التلويح على التوضيح" (2/114).

[9] "مختصر ابن الحاجب"، وشروحه.

[10] "الأصول"، للخضري (ص: 218)، وكذلك "من علم أصول الفقه" (ص: 385).

[11] "إرشاد الفحول" (ص: 71)، و"الأصول"، للخضري (ص: 220).

[12] (ص: 386 وما بعدها)، من "الإحكام"، للآمدي.

[13] "الإحكام"، للآمدي (ص: 386 وما بعدها).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العام والخاص والمطلق والمقيد (دراسة أصولية فقهية) (1)
  • العام والخاص والمطلق والمقيد (دراسة أصولية فقهية) (2)
  • العام والخاص والمطلق والمقيد (دراسة أصولية فقهية) (4)
  • العام والخاص والمطلق والمقيد (دراسة أصولية فقهية) (5)
  • العام والخاص والمطلق والمقيد (دراسة أصولية فقهية) (6)
  • المطلق والمقيد

مختارات من الشبكة

  • في وداع العام واستقبال العام الجديد والحث على العمل وفضل يوم عاشوراء(مقالة - ملفات خاصة)
  • في وداع العام واستقبال العام الجديد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العام والخاص والمطلق والمقيد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: العام الدراسي ليكون عام نجاح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قاعدة: ‌ذكر ‌فرد ‌من ‌أفراد ‌العام بحكم العام لا يخصصه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفرق بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • مخطوطة العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • العام الهجري الجديد عام تجديد أم تبديد؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • وزير الإرشاد والأوقاف السوداني: هذا العام عام مناصرة مسلمي جنوب السودان(مقالة - المسلمون في العالم)
  • بين عام مضى وآخر أتى(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب