• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

وهو الذي ينزل الغيث مِن بعد ما قنطوا

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

المصدر: أُلقيت بتاريخ: 9/11/1429 هـ.
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/11/2008 ميلادي - 10/11/1429 هجري

الزيارات: 53003

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وهو الذي ينزل الغيث مِن بعد ما قنطوا


أيُّها المسلمون:
تَذَكَّروا أنَّ الله يريد بكمُ اليُسر، ولا يريد بكم العُسر؛ ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 27، 28].

تذكَّروا أنَّ الله بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ، وأنَّه - سبحانه - قريب، يعجب من قُنُوط عباده وقرب غيثه، ينظر إليهم يائسينَ قَنِطينَ، وهو يعلم أنَّ ما بهم سينكشف عن قريبٍ؛ ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ [الشورى: 19]؛ ولكنَّه - سبحانه - مع إرادته اليُسر بعباده ورحمته بهم ولُطفه، فإنَّه يبتلِيهم بأنواعٍ منَ البلاء؛ كما قال - سبحانه -: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155].

يبتليهم - سبحانه - ليعلمَ منهم صِدق الولاء، وعظيم الرَّجاء، ولينْظُر صحيح التَّوبة منهم، وذلَّ الدُّعاء، فيجزي الصَّادقين كريم الجزاء، وعظيم الثَّناء، ويرفع درجاتهم في الدُّنيا وفي الآخرة، ويهلك المكذِّبين المستكبرينَ عنِ العبادة، المعرضينَ عنِ التَّوبة، المُصرِّين على الخطيئة، وينيلهم منَ الذَّم والعقوبة ما يليق بهم ما داموا على تلك الحال؛ ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد: 31]، ولقد كان مِن ابتلاء الله - سبحانه وتعالى - لعباده في هذه البلاد، مَنْع القطر عنهم وحبسه، وقلَّة المياه في آبارهم وغورها وشحِّها، ويستسقي المسلمون مرَّاتٍ عديدةً، وسنواتٍ متواليةً ويستغيثون، ويدعون وما يكادون يُجابون ولا يُسْقَوْن، وما يزداد مطر السَّماء إلاَّ قلَّةً وامتناعًا، وما تزداد مياه الأرض إلاَّ غورًا ونقصًا، حتى ليصابَ كثيرٌ من النّاس باليأس والقنوط، فيستبطئون نزول الغيث، ويصبحون مُبْلِسينَ؛ ولكنَّ فضلَ الله على عباده واسعٌ، ورحمته بالمحسنين منهم أقرب، فها هو - سبحانه - يُغيثهم هذه الأيَّام، فينزل المطر برحمته في أنحاءٍ متفرِّقةٍ من البلاد، صيِّبًا مدرارًا، فله - تعالى - الحمدُ على ما أعطى، وله الشُّكر على ما أولى، ونسأله المزيد مِن فضله وجوده؛ ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28].

ولا شكَّ - أيُّها المسلمون - أنَّ إنزال الغيث مِن أَجَلِّ نِعَم الله - تعالى - على عبادِه، ولا ريب أنَّ منَّة الله عليهم بالماء عظيمةٌ وكبيرةٌ، فهو حياة أبدانهم، وطهارة أجسامهم، وهو حياة زُرُوعهم، وقوام مواشِيهم؛ ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30]، وقد ذَكَر - سبحانه - إنزاله الماء في مواطن عديدةٍ من كتابه المجيد، وجَعَلَهُ آيةً من أعظم آياته في الكون، وامتنَّ على العباد بإنزاله، مما يدلُّ على عظيم نَفْعه لهم، وكبير احتياجهم إليه، واضطرارهم له؛ قال - جلَّ وعلا -: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 21]، وقال - تعالى -: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحج: 63]، وقال - سبحانه -: ﴿ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ [النحل: 65]، وقال - جلَّ وعلا -: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ﴾ [السجدة: 27]، وقال - جلَّ مِن قائل -: ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ﴾ [النمل:60]، وقال - سبحانه -: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17]، وقال - جلَّ وعلا -: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]، وقال - سبحانه -: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾ [المؤمنون: 18]، وقال - سبحانه -: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ﴾ [الواقعة: 68، 69]، وقال - جلَّ وعلا -: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾ [الملك: 30].

وإذا كان الأمرُ كذلك - أيُّها المسلمون - وإذا تبيَّنَّا حاجتنا الماسَّة إلى هذه النِّعمة العظيمة، وأنَّه لا قدرة لنا على جَلْبها إذا غارت، واستِعادتها إذا نضبتْ، أو إغداقها إذا شحَّت، وزيادتها إذا نقصتْ، فإنَّ الواجب علينا أن نشكرَ الله على ما منَّ به على بلادنا من هذا الغيث الذي أنزله على معظم مناطقها هذه الأيَّام، فالشُّكر يحفظ النِّعَم ويُقَيدها، وتكراره يزيدها وينمِّيها، وبدوامه دوامها، وضمان استمرارها؛ قال - سبحانه -: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، وقال - تعالى -: ﴿ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 145]، وإنَّ شُكر اللهِ - سبحانه - يجب أن يكونَ بكلِّ أركان الشُّكر، بالقلب اعترافًا وإقرارًا، وباللِّسان تحدُّثًا وثناءً، وبالجوارح والأركان طاعةً وعملاً، إنَّه بنسبة النِّعم إلى موليها ومسديها، إنَّه بأداء ما افترضه الخالق الرَّازق من فرائض وواجباتٍ، وترك ما نَهَى عنه من معاصٍ ومحرَّماتٍ، واستعمال النِّعم في طاعته، وعدم الاستعانة بها على شيءٍ من مَعَاصيه؛ قال - تعالى -: ﴿ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، وقال - تعالى -: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11].

أيُّها المسلمون:
إنَّ منَ النَّاس مَن يغترُّ بِنُزول المطر على كلِّ حالٍ، فيظن أنَّه لا ينزل إلاَّ رضًا منَ الله، ويحسب أنَّ تقلُّبه في نعم ربِّه دليل رضاه عنه، وإن أسرف وعصاه، وليس الأمر كذلك على كلِّ حالٍ، وإلاَّ لكانَتْ بلاد المسلمينَ أكثر البلاد مَطَرًا، ولكانتْ بلاد الكُفر أقلَّها غيثًا وخيرًا، والواقع على العكس من ذلك، ولكنَّ أكثر النَّاس لا يعلمون، لا يعلمون أنَّ توالي النِّعَم مع استمرار المعصية قد يكون اسْتِدراجًا من الله - سبحانه - فإنَّه - سبحانه - يقول: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 182]، وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا رأيت الله يعطي العبد منَ الدُّنيا على معاصيه ما يحب، فإنّما هو استدراجٌ))، ثم تلا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم -: {﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44].

وإنَّنا لا نقول هذا الكلام - أيُّها الإخوة - سوء ظنٍّ بالله - سبحانه - ولكنّنا نحذِّر أنفسنا وإخواننا منَ الغفلة عنْ سُنن الله، وتَرْك شُكره - جلَّ وعلا - وكفران نعمه، فكم من أمَّةٍ كان مساؤها نعيمًا وترفًا، ثم كان صباحها جحيمًا وعذابًا، وكم من دولةٍ كان ليلُها لعبًا ولهوًا وطربًا، ثم كان نهارها قتلاً وفَتْكًا وطَرْدًا وتشريدًا؛ ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]، {﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ [سبأ: 15 - 17]، فتأمَّلوا - رحمكم الله - في هؤلاءِ المعذَّبين، فمنهم قريةٌ كفرت بأنعم الله، وأخرى ظالمةٌ، وآخرون أعرضوا.
نَعَمْ - أيُّها المسلمون -:
الكُفرُ بأنْعُم الله، والظُّلم للنَّفس ولعباد الله، والإعراض عن شَرْع الله وعن طاعته - كلُّ أولئك ممَّا يجلُب على القرى وأهلها الجوعَ والخوف، ويمنعهم الأمنَ والخيرات ونزول الأمطار والبركات، وينزل عليهم العذاب، ويحلُّ فيهم النِّقمة، وفي المقابل فإنَّ شكر النِّعم، وأداء الحقوق كفيلٌ بتوافر النِّعَم وتواليها؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بينا رجلٌ بفلاةٍ منَ الأرض، فسمع صوتًا في سحابةٍ: اسْقِ حديقة فلانٍ، فتنحَّى ذلك السَّحاب، فأفرغ ماءه في حرّةٍ، فإذا شرجةٌ من تلك الشِّراج قدِ اسْتَوْعَبَتْ ذلك الماء كلَّه، فتتبَّع الماء، فإذا رجلٌ قائمٌ في حديقته يحوِّل الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فلان - للاسم الذي سمع في السَّحابة - فقال له: يا عبد الله، لِمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إنِّي سمعتُ صوتًا في السَّحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلانٍ لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أمَّا إذ قلت هذا، فإنِّي أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدَّق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأردُّ فيها ثلثه"؛ فهذا جزاء مَن شَكَرَ النِّعَم، واستعان بها على ما يرضي الله، وأدَّى حقَّ الله فيها.

فاحمدوا الله - أيُّها المسلمون - على ما منَّ به عليكم مِن هذا الغيث المبارَك، واسألوه - سبحانه - أن يجعلَه رحمةً لكم، وقوَّةً وبلاغًا إلى حينٍ، واشكروه يزدكم، ويبارك لكم.

حافظوا على الصَّلوات في أوقاتها مع الجماعة، واستقيموا على الصِّراط، وبادروا إلى الطاعة، أدُّوا الحقوق إلى أهلها، ولا تبخسوا النَّاس أشياءهم، ولا تعثَوا في الأرض مفسدين، وارحموا مَن في الأرض يرحمكم من في السَّماء، فرِّجوا كرب المكروبين، وأنْظِروا المعسرين، أطيبوا المطعم، واحذروا أكْل الحرام، وتوبوا إلى الله من جميع الذُّنوب والآثام، أصلحوا ذات بينكم، وَصِلوا أرحامكم، واحذروا كلَّ ما يقطع صلتكم بربِّكم، ويجلب سخطه عليكم، ثم أَبْشِروا بعد ذلك بالخيرات والبركات، وتنزل الرَّحمات، فإنَّ خزائن الله ملأى، لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السّماء؛ ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]، وهو لم يخلقِ الخَلْق ليعذِّبهم؛ ولكن ليرحمهم.

أعوذ بالله منَ الشَّيطان الرَّجيم: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 147].


الخطبة الثانية

أمَّا بعد:
فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واشكروه على ما منَّ به عليكم ولا تجحدوه، واعلموا أنَّه كما أنَّ المطر نعمةٌ منَ الله ورحمةٌ، فإنَّه جندٌ من جنوده المطيعين، يهلك به من كذَّبه وعصاه، وخالف أمره، كما أهلك به قوم نوحٍ؛ قال - سبحانه -: ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [القمر: 9 - 16].

وما زلنا نرى إلى وقتنا الحاضر الأعاصير المروِّعة، والفيضانات المدمِّرة، يرسِلُها الله على كثيرٍ من ديار الكُفر والفُسُوق، فتنسف المنازل وتهدم المساكن، وتقتلع الأشجار، وتتلف الحروث، ويغرق فيها الناس، وتهلك بسببها الدَّواب والمواشي؛ ولذا فقد كان نبيُّنا - صلّى الله عليه وسلّم - يفزع عند رؤية السَّحاب، ولا يفرح به فرحًا مطلقًا كما يفعل النَّاس اليوم؛ لأنَّه يخشى أن يكونَ عذابًا؛ قالتْ عائشة - رضي الله عنها -: يا رسول الله، أرى النَّاس إذا رأوا الغيم فرحوا؛ رجاءَ أن يكون فيه مطرٌ، وأراك إذا رأيتَه عرفتُ في وجهك الكراهية، فقال: ((يا عائشة، ما يؤمّنني أن يكونَ فيه عذابٌ، قد عُذِّب قومٌ بالرِّيح، وقد رأى قومٌ العذاب، فقالوا: هذا عارضٌ ممطرنا))، وكان - صلّى الله عليه وسلّم - إذا عصفت الرِّيح قال: ((اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرِّها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به))، وكان إذا تخيَّلت السَّماء تغيَّر لونه، وخرج ودخل وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سري عنه، وكان إذا سمع الرَّعد والصَّواعق قال: ((اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك)).

فاتَّقوا الله - أيُّها المسلمون - واحمدوه؛ أنْ جعل المطر عليكم نعمةً ورحمةً، واشكروه بالقيام بما أوجبه عليكم وأمركم به، والانتهاء عمَّا حرَّمه عليكم ونهاكم عنه، واحذروا منَ الأشر والبطر، وتجاوز الحد بالفرح، فإنَّ بعض النّاس يحدث منهم في أيَّام نزول الأمطار تجاوزاتٌ لا تليق بالشَّاكرين، من الخروج بنسائهم في البراري غير محتشماتٍ، أو الجلوس في العراء وعدم توخِّي الأماكن السَّاترة، أو إهمال الصِّغار والجهَّال، يخوضون في مجاري الأودية، أو يَسْبحون في السدود والمستنقعات، ممّا يعرِّض حياتهم للخطر، أو تَرْك الحبل على الغارب للشباب والمراهقين وعدم السُّؤال عنهم، حيث يَخْرجون للنُّزهة، ويتركون الصَّلاة، وقد يتناولون المحرَّمات، ويفعلون المنكرات، ويعبثون بسيّاراتهم، ويتعدَّون الحدود، وكلُّ ذلك ممّا لا يليق بالمؤمنين الشَّاكرين.

فاحذروا ذلك، واسألوا الله البركة فيما نزل، فإنَّه لا قيمة له ما لم يبارك الله فيه، والقحط الحقيقيُّ أن يمحقَ الله البركة ممَّا في أيدي النَّاس، ويسلبهم إيَّاها بسبب الذُّنوب والمعاصي؛ في صحيح مسلمٍ وغيره، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: ((ليست السّنة بألاَّ تمطروا، ولكنّ السنة أن تمطروا وتمطروا، ولا تنبت الأرض شيئًا)).




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سنن النبي مع صوارف الشتاء
  • مشاعر في أحضان المطر
  • الاستسقاء بلسان الحال
  • آيات الغيث في القرآن الكريم
  • الحاجة إلى الغيث وأهمية صلاة الاستسقاء
  • بمناسبة نزول الغيث
  • في الحاجة إلى الغيث واللجوء إلى الله تعالى
  • وينزل الغيث (خطبة)
  • خطبة: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا}
  • {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته...}

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة نزول الغيث ( نقد غيث الأدب الذي انسجم في شرح لامية العجم للصفدي )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سؤال للعقلاء: ما الذي يؤخر الغيث من السماء؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: (وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فصلٌ: في بيان قوله الله تعالى: { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دلالات قوله تعالى (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- له الحمد سبحانه
......... - نجد 14-11-2008 09:56 PM

له الحمد والشكر على نعمته منزل الغيث بعد جفاف الارض

له الحمد والشكر سبحانه


"يعتذر موقع الألوكة عن نشر أي رابط لمواقع أخرى مع الشكر والتقدير"

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب