• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

الإسلام والسمو الروحي للإنسان (2)

الإسلام والسمو الروحي للإنسان (2)
سيد مبارك

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/6/2014 ميلادي - 4/8/1435 هجري

الزيارات: 9885

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإسلام رسالة الله للعالمين (5)

المبحث الخامس: الإسلام والسمو الروحي للإنسان (2)


 

الحمد لله رب العالَمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وبعد:

فقد أوضحنا في مقالتنا السابقة من هذا المبحث بيانًا شافيًا لحقيقة السمو بالنفس روحيًّا وجسديًّا للإنسان في إطار الشريعة الخاتمة وتعاليمها السَّمحة، وذكرنا أن السموَّ له ثلاثة محاور على الأقل:

المحور الأول: بيان حقيقة ارتباط النفس البشرية وسموها بخالقها ورازقها في الإسلام.

المحور الثاني: بيان أن رسالة الإسلام وتعاليمه تسمو بالعلاقات بين البشر.

المحور الثالث: بيان أن تعاليم الإسلام تسمو بالإنسان مع نفسه التي بين جنبيه.


وقد بيَّنَّا باستفاضة المحور الأول وأدواته ووسائله وشروطه؛ ليكون سمو المخلوق وارتباطه بالخالق - جل في علاه - في إطار شرعي وتعاليم الإسلام؛ حتى لا يضلَّ ولا يشقى في السمو بالنفس باتباع معتقداتٍ شِركية، وتعاليم شيطانية، ما أنزل الله بها من سلطان، تخرجه من الإيمان إلى الكفر، والعياذ بالله.

 

وفي هذه المقالة نبيِّن المحور الثاني والثالث، وسبل ووسائل السمو والترقي بالنفس البشرية في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان المسلم بصفة خاصة، وغير المسلم بصفة عامة، ثم علاقته بنفسه التي بين جنبيه في إطار تعاليم الإسلام، والله المستعان، وعليه التُّكلان.

 

المحور الثاني: بيان أن رسالة الإسلام وتعاليمه تسمو بالعلاقات بين البشر:

لا يخفى أن العلاقات الإنسانية والاجتماعية في دنيا الناس قد تتخذ صورًا مثل التعاون والتسامح والمحبة والتكافل والتمسك بالفضائل... وغير ذلك من الأعمال الصالحة، ومكارم الأخلاق، ولا يختلف مفهومها بين البشر منذ فجر البشرية، بل هي صورٌ من صور الرُّقي والتحضُّر في كلِّ عصر ومصرٍ.

 

والاختلاف الوحيد الذي يجب التنبيه إليه أن الله تعالى يجزي من شاء كيفما شاء لعمله الصالح إن دخَل في هذا الدِّين بعد أن بعث الله رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم وشهِد شهادة الحق؛ لأنها رسالةُ الله للعالَمين، وليس لغير المنتمي لهذا الدين جزاءٌ من الله تعالى عن عمله الصالح إلا الخسران المبين، اللهم إلا من سبق ومات قبل بعثته صلى الله عليه وسلم ممن لم يدرك دعوته ومات على الحنيفية السَّمحة.

 

• ودليل ذلك في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15].

 

قال أبو جعفر الطبري - رحمه الله - في تفسيرها:

وما كنا مهلكي قوم إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل، وإقامة الحجَّة عليهم بالآيات التي تقطع عذرهم[1]؛ اهـ.

 

قلت: والسمو بين الإنسان وأخيه الإنسان في رسالة وتعاليم الإسلام أمرٌ لم تصل إليه أكثر الأمم تحضرًا في عالمنا المعاصر، ووصايا الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقته وسنته في التطبيق العمَلي لكتاب الله تعالى: تعاليمُ من السماء، من إلهٍ حق واحد أحد لنبيٍّ حقٍّ ورسول خاتم جمع خِصالَ الأوَّلين والآخرين، وارتقى بعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان رُوحيًّا وجسديًّا، ما يشهد به القاصي والداني، ولو تدبرها ووعاها البشر في العالم المتحضر كله على اختلاف عقيدتهم وثقافتهم ولغاتهم بكل حيادية وإنصاف، ما وسِعهم إلا أن يتبعوها وينهلوا من سموها وبهائها، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وكيف لا؟ وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((ليبلغن هذا الأمرُ ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله - تبارَك وتعالى - بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ، إلا أدخله الله الإسلام، بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليل، عزًّا يُعِزُّ اللهُ به الإسلام، وذلاًّ يذلُّ اللهُ به الكفر))[2].

 

ولبيان هذا المحور نوجزه في أمرين:

الأول: بيان حقيقة ودلائل السمو الرُّوحي بين المسلم وأخيه المسلم.

الثاني: بيان حقيقة ودلائل السمو الرُّوحي بين المسلم وغير المسلم.

وعلى السطور التالية الأدلة الشرعية من القرآن والسنَّة في بيان هذين الأمرين، وما توفيقي إلا بالله العليم الخبير.

 

الأمر الأول: وصايا القرآن والسنة للسمو في علاقة المسلم مع أخيه المسلم:

ولبيان هذا الأمر نقول: إن في القرآن والسنَّة وصايا جامعة كافية لوضع قواعد وبنود شرعية في تنظيم العلاقات بين المسلم وأخيه المسلم، لنشر مكارم الأخلاق للترقي والسمو فيما بينهما، وعقاب وإلزام الخارجين عنها إن استحقوا العقاب لجهرهم بالمعاصي، وإضرارهم بقِيَم المجتمع لسبب من الأسباب التي يبيح الشرع العقاب فيها، إما لنشر الفتن والإلحاد بين الناس، أو الدعوة للفاحشة، أو الإضرار بالآخرين بالغش والسرقة وشَهادة الزور، ونحو ذلك، أو بأي وسيلة من الوسائل الموجودة في دنيا الناس؛ فرسالة الإسلام تجمع بين الترهيب والترغيب، تارة بالنصح والإرشاد والتوجيه، وتارة أخرى بالزجر والوعيد والعقاب.

 

 ومن أمثلة ذلك في القرآن الكريم:

1- الدعوة إلى الله بالكلمة الطيبة والقول الحسن:

وهذه هي أسمى الأعمال وأوجبُها، بل هي مهمة المصطفَيْنَ من الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والدعوة إلى الله تعالى وتوحيده وإخلاص العبودية له - جل في علاه -: من أجلِّ الحقوق التي ينبغي أن يقوم بها المسلم تجاه أخيه المسلم.

 

قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].

 

قال السعدي: هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر؛ أي: لا أحد أحسن قولاً؛ أي: كلامًا وطريقة وحالة، ﴿ مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾ بتعليم الجاهلين، ووَعْظِ الغافلين والمُعرِضين، ومجادلة المبطِلين، بالأمر بعبادة الله، بجميع أنواعها، والحث عليها، وتحسينها مهما أمكن، والزجر عما نهى الله عنه، ثم قال: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾؛ أي: لا يستوي فعل الحسنات والطاعات لأجل رضا الله تعالى، ولا فعل السيئات والمعاصي التي تُسخِطه ولا ترضيه، ولا يستوي الإحسان إلى الخلق، ولا الإساءة إليهم.. ثم أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾؛ أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخَلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابِلْه بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصِلْهُ، وإن ظلمك فاعفُ عنه[3]؛ اهـ.

 

2 - حرمة السخرية والتنابز بالألقاب ونشر العداوة:

نهى القرآنُ عن السخرية بالآخرين والتنابز بالألقاب؛ لأنه يؤدي إلى نشر الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ﴾ [الحجرات: 11].

 

قال ابن كثير ما مختصره: ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيحِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الكِبْر بطَرُ الحقِّ، وغَمْص الناس))، ويروى: ((وغمط الناس))، والمراد من ذلك: احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام؛ فإنه قد يكون المحتقَرُ أعظمَ قدرًا عند الله، وأحب إليه من الساخر منه المحتقِر له؛ ولهذا قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ﴾ [الحجرات: 11]، فنص على نهي الرِّجال، وعطف بنهي النساء.

 

وقوله: ﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾؛ أي: لا تلمزوا الناس، والهمَّاز اللَّمَّاز من الرجال مذموم ملعون؛ كما قال تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ [الهمزة: 1]؛ فالهمز بالفعل، واللمز بالقول، كما قال: ﴿ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: 11]؛ أي: يحتقر الناس ويهمزهم طاعنًا عليهم، ويمشي بينهم بالنميمة، وهي: اللَّمْزُ بالمقال؛ ولهذا قال ها هنا: ﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾[الحجرات: 11]، كما قال: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [النساء: 29]؛ أي: لا يقتُلْ بعضُكم بعضًا[4]؛ اهـ.

 

3 - التحذير من الظلم وسوء الظن بالمسلم دون بيِّنة:

نهى القرآنُ عن سوء الظن من غير قرينة؛ لأنه يؤدي إلى الظُّلم وضياع الحقوق، وما يتبع ذلك من الأقوال، والأفعال المحرَّمة، وربما إلى الاقتتال لمجرد ظنون تُهلِك الحرث والنسل، وتمحو الأمن والأمان في القلوب تجاه الآخرين؛ ولهذا قال تعالى مخاطبًا أهل الإيمان: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].

 

والآيات في ذلك كثيرة يضيق بها المقام هنا، ونكتفي بما ذكرنا، والله المستعان.

 

ومن السنَّة النبوية ما لا يحصى من الأحاديث والوصايا للتواصل والتراحم والسمو بالنفس في تعامل المسلم مع أخيه المسلم، تارة بالترغيب، وتارة أخرى بالترهيب، منها على سبيل المثال:

1- حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أَوَلا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحابَبْتُم؟ أفشوا السلامَ بينكم))[5].

 

2- وعنه رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((خمس تجبُ للمسلم على أخيه: ردُّ السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز))[6].


3- وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كلُّ المسلم على المسلم حرام؛ مالُه وعِرْضُه ودمُه، حسب امرئٍ من الشر أن يحقِرَ أخاه المسلم))[7].


4- ومنها حديثُ ابن عمرَ رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلِمُه ولا يُسلِمُه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجتِه، ومن فرَّج عن مسلم كربةً فرَّج الله عنه بها كربةً من كُرَبِ يوم القيامة، ومن ستَر مسلمًا ستره اللهُ يوم القيامة))[8].


• ومنها حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (( سِبابُ المسلم فسوقٌ، وقتاله كفر، وحرمة ماله كحُرمة دمِه))[9].


 

• ومنها حديث أَنَسٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسِه))[10].


وهذه الحقوقُ التي بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم تهدف إلى بناء مجتمع قائم على الفضيلة، وإنكار الذات، حريصٍ على نشر المحبة والتواضع والسماحة، ونحو ذلك من مكارم الأخلاق؛ للسمو بالمسلم في علاقته مع أخيه المسلم بأسلوب عملي، متخذًا منه صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؛ لأن الله تعالى جعله بفضله وكرمه ورعايته منذ مولده إلى أن مات فيه الكمال الإنساني في السمو والرقي، ومن ثم ليست سنته القولية والفعلية مجرد أقوال تقال، ونصائح مجردة، أو أعمال لا طاقة للمسلم بالقيام بها، بحجة أنه نبي ورسول، بل كل مسلم قادر على أن يتأسى به في أقواله وأعماله، إلا ما جاء الدليل على أنها من خصائصه التي لا تحل لغيره، وهي معروفة وليست في حاجة لبيان.

 

الأمر الثاني: وصايا القرآن والسنَّة للسمو في علاقة المسلم بغير المسلم:

يتبع المسلم في علاقته بغير المسلم تعاليم ووصايا من رب الأرض والسماء، الإله الواحد الحق الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له شريك في الملك، وفيها لكل البشرية في أرجاء المعمورة بيان شافٍ لطريق الحق والرشاد في كيفية التعامل الراقي بين الإنسان مع أخيه الإنسان دون تمييز بسبب الجنس أو اللون أو العقيدة.

 

وما على المسلم إلا أن يمضي قدمًا متبعًا لا مبتدعًا بخطوات واثقة رصينة في العمل بهذه الوصايا من نصوص الوحيين في علاقته بغير المسلم، رغم أشواك وعقبات الطريق وعوائق الدعوة لله تعالى من فئة من شرار الخلق وأولياء الشيطان من أحفاد أبي جهل، وهم في كل عصر ومصرٍ، وذلك بلا تردد أو خوف، وبتوكُّلٍ على من بيده الأسباب والمسببات - جل في علاه - ويقين بنصره تعالى وتمكينه للمسلمين في القريب العاجل، إن لم يكن اليوم فغدًا، وإن غدًا لقريب، وذلك بلا كلل أو ملل؛ لأنه طريق واضح جلي، حتى يقضي اللهُ أمرًا كان مفعولاً.

 

ومن أمثلة الوصايا القرآنية في التعامل الراقي مع غير المسلمين:

• قوله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].

 

قال السعدي: أي: لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تصِلوهم، فإن صلتَهم في هذه الحالة لا محذورَ فيها ولا مفسدة، كما قال تعالى عن الأبوين المشركين إذا كان ولدهما مسلمًا: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15]؛[11] اهـ.

 

• قلت: وفي السنَّة الصحيحة الكثير من الوصايا النبوية في كيفية تعامل المسلم مع أهل الذمة من اليهود والنصارى.

 

ولقد شدَّد النبي صلى الله عليه وسلم الوعيد على من يهتك حرمة دمائهم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((مَن قتل مُعاهَدًا لم يَرَحْ رائحةَ الجنة، وإن ريحَها توجد من مسيرةِ أربعين عامًا)) [12].

 

وقد ذكرنا بعضًا من هذه الوصايا القرآنية والنبوية في المبحث الثالث من هذه الدراسة "الإسلام والمجتمع المثالي" في معرِضِ حديثنا عن حقوق أهل الكتاب في ديار الإسلامِ من منظور الشريعة، ما يغنينا عن إعادته هنا، منعًا للتَّكرار، فليرجع إليه.

 

ومن ثم لنا الحق أن نفخر بإسلامنا وقرآننا ونبينا المبعوث للناس كافة، ونعظم حرصه الشديد صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه ووصاياه على حقوق أهل الكتاب ومن جرى مجراهم، وسمو التعامل معهم من منظور وسطية الإسلام وحرية العقيدة، كما بينا حقيقتها وشروطها سلفًا.

 

وكلُّها وصايا نبويَّة لا تصدُرُ إلا من قلب اصطفاه الله ليكون للعالَمين بشيرًا ونذيرًا، ويكون لمن عمل بقوله نبراسًا ومنهاجًا؛ ليطهِّر نفسه من كل صفة ذميمة، وكل حقد وغل يصيب قلوب البشر على اختلافِ عقيدتهم ولُغاتهم وعادتهم.

 

المحور الثالث: بيان أن تعاليم الإسلام تسمو بالإنسان مع نفسه التي بين جنبيه:

من المعلوم أن النفس البشرية في اتزانها وعقلانيتها وإيمانها تارة، وفي هياجها وكفرها وإلحادها تارة أخرى، لا تخرج عن أمرين، والإنسان مخيَّر بينهما، ومسؤول عنها وعن اختيارِها؛ لأنها نفسه التي بين جنبيه؛ فلو ترك العِنان لها وحاد بها عن الطريق، فقد أهلكها وخسِر وخاب، وإن روَّضها وزجرها، فقد أفلح وفاز، وفي هذا المعنى قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10].

 

وهذان الأمران هما:

الأول: أنه في حاجة إلى طاقة ليجدد حيويتها ونشاطها دومًا:

ونقصد بالطاقة القدرة على السمو بالنفس بما يرضي الله تعالى من الطاعات والعبادات الشرعية، التي تهيج خمول النفس وتردُّدها وسلبيتها، وترتقي بها، وتعلو بهمتها، وتشع وتؤثر في جوارح صاحبها بطاقة خلاَّقة إيجابية ومثمرة، فمن المعلوم أن الإيمانَ يَزيدُ وينقص؛ يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي والآفات.

 

فكما أن حلاوة المعصية تهيج النفس إلى حين، وتجدد حيوتها ما ظلت لذتها، ثم يعقبها ندم وخزي وتأنيب ضمير، فكذلك الطاعة تزيد من تهيج النفس للسمو والرقي وعلو الهمة ولذة لا تدانيها لذة يقذفها الله في قلب المؤمن إلى أن تفتُرَ عزيمته، وتقل طاقته، ولكن يعقبها رضًا وسكينة وراحة، ومحاولات مستمرة للعلوِّ والسمو والقرب والأنس بالله تعالى.

 

وما نريد قوله مما ذكرناه آنفًا أن الطاعات التي أمَرنا الله ورسولُه صلى الله عليه وسلم بالعمل بها والإكثار منها، والمعاصي التي أمرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بتجنُّبها والبُعد عنها حتى تصبح بفضل الله ونية صاحبها طاعةً وعبادة يثاب عليها العبد؛ لأنه تركها لله تعالى - هي المصدر الرئيسي للطاقة المتجددة دومًا، سلبًا وإيجابًا، بحسب استعداد النفس، وقدرة صاحبها، وعلو همته على ترويضها وتهذيبها والسمو بها.

 

والإسلام يدعو أتباعه إلى الطاعة والعبادة، ويبيِّنُ لهم أنها الغاية من الخَلق والوجود، ويعلن لهم هذه الحقيقة دومًا في كثيرٍ من آياتِ القُرآن والسنَّة النبوية.

 

قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ما مختصره:

فالدِّين كلُّه داخل في العبادة، وقد ثبت في الصحيح أن جبريلَ لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة أعرابي وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسولُ الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً))، قال: فما الإيمان؟ قال: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبَعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيرِه وشره))، قال: فما الإحسان؟ قال: ((أن تعبُدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))، ثم قال في آخر الحديث: ((هذا جبريل جاءكم يعلِّمُكم دينكم))[13]، فجعل هذا كله من الدين[14]؛ اهـ.

 

قلت: ولا يخفى على أولي الألباب أن الطاعات ثقيلة على النفس، والمعصية خفيفة، وسبب ذلك كما لا يخفى نقصان المحبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهما ينبوع كل طاقة خلاَّقة في قلوب المؤمنين, والدليل على ذلك من القرآن والسنَّة ما يلي:

 

• قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].

 

قال ابن كثير في تفسيرها ما مختصره: هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبةَ الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرعَ المحمديَّ والدين النبويَّ في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيحِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَن عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا، فهو رَدٌّ))؛ ولهذا قال: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾؛ أي: يحصُلْ لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظمُ من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِبَّ، إنما الشأن أن تُحَبَّ، وقال الحسنُ البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبُّون اللهَ، فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [15]؛ اهـ.

 

قلت: فهذا دليلٌ بيِّن أن محبة الله ورسوله سبب في اتباع الحق، وفي اتباع الحقِّ سموُّ النفس وفلاحها.

 

أما الدليل من السنَّة، فحديث عبدالله بن هشام رضي الله عنه، قال: كنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو آخِذٌ بيدِ عمرَ بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسولَ الله، لأنت أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لا والذي نفسي بيده، حتى أكونَ أحَبَّ إليك من نفسِك))، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحبُّ إليَّ من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الآن يا عمر))[16].

 

قال ابن حجرٍ العسقلاني - رحمه الله - في شرح الحديث ما مختصره: أي: لا يكفي ذلك لبلوغ الرُّتبة العليا حتى يضاف إليه ما ذكر، وعن بعض الزُّهاد: تقديرُ الكلام: لا تصدُقُ في حبي حتى تُؤْثِرَ رضاي على هواك، وإن كان فيه الهلاك، قوله: "فقال له عمر: فإنه الآن يا رسول الله لأنت أحبُّ إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الآن يا عمر))":

قال الخطَّابيُّ: حب الإنسان نفسَه طَبْعٌ، وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب، وإنما أراد عليه الصلاة والسلام حب الاختيار؛ إذ لا سبيلَ إلى قلبِ الطِّباع وتغييرها عما جُبِلَت عليه، قلت: فعلى هذا فجواب عمر أولاً كان بحسَب الطبع، ثم تأمَّل فعرَف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليه من نفسه؛ لكونه السببَ في نجاتها من المهلِكات في الدنيا والأخرى، فأخبر بما اقتضاه الاختيار؛ ولذلك حصل الجواب بقوله: ((الآن يا عمر))؛ أي: الآن عرفتَ فنطقتَ بما يجب؛ [17] اهـ.

 

قلت: والحاصل مما سبق أن التطبيق العملي، والارتقاء بالنفس للوصول إلى أعلى درجات السمو الرُّوحي لها: علامتُه ألا يكون هناك شيء أحب إليها من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولن يتيسَّر لها ذلك إلا إذا أخلص صاحبُها نيتَه له جل وعلا، وبالصبر على المكاره واليقين والتوكل عليه - سبحانه وتعالى - سوف يرى العَجَب العُجاب.

 

قال ابن القيِّمِ - رحمه الله - ما مختصره:

وإذا وصلت النفس إلى هذه الحال، استغنت بها عن التطاول إلى الشهوات التي توجب اقتحام الحدود المسخوطة، والتقاعد عن الأمور المطلوبة المرغوبة، فإن فقرها إلى الشهوات هو الموجب لها التقاعد عن المرغوب المطلوب، وأيضًا فتقاعدها عن المطلوب بينهما موجِبٌ لفقرِها إلى الشهوات، فكلٌّ منهما موجِبٌ للآخر.

 

وترك الأوامر أقوى لها من افتقارها إلى الشهوات، فإنه بحسب قيام العبد بالأمر تدفع عنه جيوش الشهوة؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].

 

ثم قال - رحمه الله -: وإذا صارت النفس حرةً طيبة مطمئنة غنية بما أغناها به مالكها وفاطرها من النُّور الذي وقع في القلب، ففاض منه إليها، استقامت بذلك الغنى على الأمر الموهوب، وسلمت به عن الأمر المسخوط، وبرِئَتْ من المراءاة، ومدار ذلك كله على الاستقامة باطنًا وظاهرًا؛ ولهذا كان الدِّينُ كله في قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: 112].

 

وقال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف: 13][18]؛ اهـ.

 

الأمر الثاني: أنه في حاجة لمعرفة طبيعتها، وطرق ترويضها؛ لتستقيم على طريق السمو والرقي، ولا تحيد عنه:

ولا يغيب عن أولي الألباب أن النفس البشرية عمومًا مطبوعةٌ على الفطرة، ومع اختلاطها بالناس - ومنهم الصالح والطالح - وتلذُّذِها بشهوات الدنيا وغير ذلك: تتغيرُ طبيعتها حسب درجة تأثرها، ومدى الخَلَل الذي أصابها طوال فترة تمرُّدها وبُعدها عن الله تعالى ومبارزته بالمعاصي، ومن أجل ترويضِها لتستقيم وتترقى؛ ينبغي معرفةُ سبل علاج الخلل الذي أصابها، وتلك هي الخطوة الأولى، وكل إنسان أدرى بحقيقة نفسه التي بين جنبيه بناءً على أقواله وأفعاله دِينًا ودنيا.

 

ثم يبدأ محاسبته لها عن الخطأ، وإصلاح الخلل الذي أصابها، وتهذيبها وتقويمها للأفضل، وتلك هي الخطوة الثانية، مع العلم أن إقرارَ الإنسان بالذنب والتقصير في حق الله تعالى ثم حق نفسه في إهمال اتخاذ العُدَّة، وسبل الفلاح والنجاة لنفسه التي بين جنبيه - هو البداية الصحيحة لقدرته على ترويضها، وكبح جماح نفسه، وتمردها وهياجها[19].

 

ثم يبدأ الخطوة الثالثة في علاج الخلل، إما بالتدرج في العلاج، أو بالعزيمة وقوة الإرادة من مرة واحدة حسب استعداد صاحبها وقوة إيمانه ويقينه وتوكله على خالقه - جل في علاه - ملتمسًا هدي القرآن والسنَّة، ثم يبدأ الخطوة الرابعة، ثم الخامسة وهكذا، حسبما يرى صاحبها؛ حتى تستقيم على أمر الله تعالى في النهاية.

 

ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، ومنعًا للإطالة اثنتين من القواعد الأساسية من القرآن والسنَّة الصحيحة، التي لا سبيل لإصلاح النفس إلا بالعمل بهما، وينبغي للمرء أن يحث نفسه التي بين جنبيه ويروِّضها على ذلك؛ ليصقل قدرته على كبح جماحها، وانطلاقها لإرضاء ملذاتها وشهواتها بلا حساب أو عقاب، حتى تعلو همته، ويمضي بها في طريق الاستقامة، وهو سبيله الوحيد للنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، وما التوفيق إلا من عند الله العليم الخبير.

 

القاعدة الأولى: الحذر من تزكيتها؛ حتى لا تغتر برحمة الله تعالى:

من الخطورة أن يغتر الإنسان بتزكية الناس له لأمر من الأمور الدينية أو الدنيوية، فضلاً عن تزكيته لنفسه أمام الناس وما فيه من رياء وتصنع ممقوت قد يؤدي إلى إحباط العمل، ويكفي علمه أن الله تعالى يعلم سريرته وعلانيته، ولا يغره بالله الغَرورُ، ولقد نهى اللهُ تعالى عن ذلك فقال: ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النجم: 32].

 

وحتى يتضح المقصود بتزكية النفس؛ نذكر قول العلامة ابن العثيمين - رحمه الله - في تفسيرها، قال ما مختصره: أي: لا تزكوها، وتقول: عملت كذا وكذا، وصلَّيت، وزكَّيت، وصُمت، وجاهدت، وحججت، لا تقل هكذا، تُدل بعملك على ربك، هذا لا يجوز.

 

فإن قال قائل: أليس الله يقول: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9]؟

 

فالجواب: بلى، لكن معنى ﴿ مَنْ زَكَّاهَا ﴾؛ أي: من عمِل عملاً تزكو به نفسه، وليس المعنى ﴿ مَنْ زَكَّاهَا ﴾: مَن أثنى عليها ومدحها بأنها عملت وعملت، بل المراد عمل عملاً تزكو به نفسه، فلا معارضة بين الآيتين؛ ولهذا نقول: من زكى نفسه بذِكر ما عمل من الصالحات، فإنه لم يُزَكِّ نفسه، فمن زكى نفسه بمدحها فإنه لم يزكِّ نفسه، وفرق بينهما؛ فالتزكية التي يحمد عليها الإنسان أن يعمل الإنسان عملاً صالحًا تزكو به نفسه، والتزكية التي يُذَمُّ عليها أن يُدلَّ بعمله على ربه ويمدح، وكأنه يمنُّ على الله، يقول: صليت، وتصدَّقتُ، وصمت، وحججت، وجاهدت، وبررتُ والدي وما أشبه ذلك، فلا يجوز للإنسان أن يزكيَ نفسَه.

 

ثم قال - رحمه الله -: ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النجم: 32] يعني: إن كنتَ متقيًا لله، فالله أعلمُ بك، ولا حاجة أن تقول لله: إني فعلت وفعلت[20]؛ اهـ.

 

وفي السنَّة الترهيب من ذلك:

ففي حديث يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميتُ ابنتي بَرَّة، فقالت لي زينبُ بنت أبي سلمة: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم، وسُميت بَرَّة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزكِّوا أنفسكم، الله أعلمُ بأهل البِرِّ منكم))، فقالوا: بمَ نسميها؟ قال: ((سموها زينب))[21].

 

قلت: وإذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم ينهى عن التزكية في مجرد اسم قد يؤدي إلى ضرر، فلا ريب أن تزكيةَ الإنسان لنفسه أو لغيره لطاعة أو لمال أو علم أو حسب ونسب.. وما أشبه ذلك فيها ضرر أكيد وهلكة للنفس، وسببٌ لتمردها وضعفها من باب أولى، لماذا؟

 

لأنه قد يؤدي إلى الغرور والعُجْب والزَّهو بالنفس، وقد يوسوس له الشيطان بأنه لا حاجة لطاعة أخرى؛ فقد صار من الأولياء والنُّجَباء، وقد يقذف في قلبه الكِبْر، فيظن أنه أعلمُ أهل الأرض، ولا حاجة له للتعلُّم؛ فقد صار من الفقهاء، وهكذا، حتى تهلكه التزكية، ويهمل ما تحتاجه نفسه من طاقة ليجدد ضعفها وفتورها.

 

القاعدة الثانية: مجاهدتها لرد كيد الشيطان وتلبيسه لها:

ينبغي مجاهدة الشيطان وتلبيسه للنفس بكافة الطرق الشرعية؛ لأن عداوته لا تزول أبدًا، بل هو - لعنه الله - يبرِّر طاعةَ ضعاف الإيمان له في الدنيا ومعصيتهم لله تعالى إلى نفوسهم؛ كما قال تعالى:

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22].

 

• وفي السنَّة بيَّن النبي خطورة تلبيسه للإنسان بقوله: ((إنَّ الشَّيطانَ يجري من الإنسان مجرى الدَّمِ، وإني خشِيتُ أن يلقيَ في أنفسِكما شيئًا))[22].

 

قال ابن الجوزي في كتابه النفيس "تلبيس إبليس" (1/50) ما مختصره: وإنما يدخل إبليس على الناس بقدر ما يمكنه، ويزيد تمكُّنُه منهم ويقلُّ على مقدار يقظتهم وغفلتهم، وجهلهم وعِلمهم، واعلم أن القلب كالحصن، وعلى ذلك الحصن سور، وللسُّور أبواب، وفيه ثُلَم[23]، وساكنه العقل، والملائكة تتردد إلى ذلك الحصن، وإلى جانبه ربض فيه الهوى، والشياطين تختلف إلى ذلك الربض من غير مانعٍ، والحرب قائم بين أهل الحصن وأهل الربض، والشياطين لا تزال تدور حول الحصن تطلب غفلة الحارس والعبور من بعض الثُّلَم، فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وكل بحفظه، وجميع الثلم، وألا يفتُرَ عن الحراسة لحظة، فإن العدوَّ ما يفتُرُ، قال رجل للحسَنِ البصري: أينامُ إبليس؟ قال: لو نام لوجدنا راحة.

 

ثم قال -رحمه الله -: وهذا الحصن مستنيرٌ بالذِّكر، مشرق بالإيمان، وفيه مرآة صقيلة، يتراءى فيها صور كل ما يمر به، فأول ما يفعل الشيطان في الربض إكثار الدخان، فتسودُّ حيطانُ الحصن، وتصدأ المرآة، وكمال الفكر يرد الدخان، وصَقْلُ الذِّكر يجلو المرآة، وللعدو حملات، فتارة يحمل فيدخل الحصن فيكرُّ عليه الحارس فيخرج، وربما دخل فعاث، وربما أقام لغفلة الحارس، وربما ركدت الريح الطاردة للدخان فتسودُّ حيطان الحصن، وتصدأ المرآة، فيمر الشيطان ولا يدري به، وربما جرح الحارس لغفلته وأُسِر واستُخدم وأقيم يستنبط الحيل في موافقة الهوى ومساعدته، وربما صار كالفقيه في الشر؛ اهـ.

 

قلت: ولا يخفى أن في القرآن والسنَّة الكثير من القواعد والمبادئ التي تطلق عِنان النفس في رحاب السمو والترقي، وما يشيعه ذلك في النفس من سكينة وراحة، وتوكل ويقين، وبصيرة يميز بها صاحبها طريقَ الحق والرشاد من طريق الكفر والضلال، فيتبعه بثقة وإيمان، ولا يُلقِي بنفسه إلى التهلُكة، ولكن فيما ذكرناه الكفايةُ لبيان مقصودنا في هذا المبحث.

 

وبعد لقد طرحنا في هذه الدراسة جوانب عديدة تبين عظمة الإسلام وأثبتنا أن تشريعاته وتعاليمه السمحة فيها البلسم الشافي للبشرية من كل داء وأنه مصدر سعادتها وتقدمها وفلاحها دينا ودنيا وكنت أريد أن أبين جوانب أخرى عديدة عن عظمة رسالة الإسلام ولكن ستطول بنا مادة هذه الدراسة في هذه العجالة وما في هذا من تشتيت للقارئ الكريم وكما ذكرنا في المقدمة نريدها مختصرة ووجيزة ولكن إن شاء الله تعالى عندما ييسر لنا الأمر سنزيد فيها ما يفتح الله به علينا وننشرها في كتاب لأهميتها لبيان عظمة الإسلام من جوانب أخرى، ونبرهن بالأدلة الشرعية من نصوص الوحيين أنه حقاً رسالة الله للعالمين لذا نكتفي بما ذكرنا والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم، وآله وصحبه أجمعين.



[1] جامع البيان في تأويل القرآن؛ لأبي جعفر الطبري، تحقيق محمود محمد شاكر - الناشر: مؤسسة الرسالة (17 / 402 /283).

[2] سبق تخريجه.

[3] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ لعبدالرحمن بن ناصر السعدي - الناشر: مؤسسة الرسالة (1/ 749).

[4] تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (7/ 376).

[5] أخرجه مسلم برقم/ 81 - باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون.

[6] أخرجه البخاري برقم/ 1164 - باب الأمر باتباع الجنائز، ومسلم، باب الأمر باتباع الجنائز - باب من حق المسلم للمسلم رد السلام.

[7] انظر صحيح الترمذي برقم/ 2010, وأبو داود برقم/ 4882 للألباني.

[8] أخرجه البخاري برقم/ 2262 - باب لا يظلم المسلمُ المسلمَ ولا يسلمه.

[9] انظر حديث رقم: 3596 في صحيح الجامع.

[10] أخرجه البخاري برقم/ 12 - باب من الإيمان أن يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه.

[11] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ لعبدالرحمن بن ناصر السعدي - الناشر: مؤسسة الرسالة (1/ 856).

[12] أخرجه البخاري من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما برقم/ 2930 - باب إثم من قتل معاهَدًا بغير جُرم.

[13] أخرجه مسلم برقم/ 10 - باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، والبخاري نحوه برقم/48 - باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم.

[14] انظر كتاب العبودية؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/48) - باب مراتب الحب - نشر المكتب الإسلامي - بيروت.

[15] انظر: تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (2/ 32).

[16] أخرجه البخاري برقم/ 6142 - باب كيف كانت يمين النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

[17] انظر: شرح ابن حجر للحديث في كتابه "فتح الباري، شرح صحيح البخاري".

[18] انظر كتابه طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص/41) - فصل: في تفسير غنى النفس.

[19] للمزيد من البيان انظر كتابي: "من أنت وماذا تريد؟"، وهو منشور في مواقع كثيرة؛ كصيد الفوائد والمشكاة، وغيرهما، وراجع مقالتي: "سبل علاج النفس وتهذيبها" على شبكة الألوكة، وفيهما ما يكفي ويشفي، والله المستعان.

[20] تفسير العلامة محمد العثيمين - مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (11/ 25).

[21] أخرجه مسلم برقم / 3992 - باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسَن.

[22] أخرجه البخاري من حديث علي بن الحسين برقم/ 1897 - باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه.

[23] الثُّلَم: جمع ثُلْمة، كغُرْفة وغُرَف، وهي في الأصل: موضع الكسر من القدح.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإسلام والسمو الروحي للإنسان (1)

مختارات من الشبكة

  • مسلم اليوم بين تحديات الانحطاط الأخلاقي وضرورات السمو الروحي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أقبل رمضان شهر السمو الروحي(مقالة - ملفات خاصة)
  • السمو الروحي والجمال الفني في البلاغة النبوية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كلمات حول الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإسلام دين جميع الأنبياء، ومن ابتغى غير الإسلام فهو كافر من أهل النار (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مكانة المرأة في الإسلام: ستون صورة لإكرام المرأة في الإسلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الحرب في الإسلام لحماية النفوس وفي غير الإسلام لقطع الرؤوس: غزوة تبوك نموذجا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا اختيار الإسلام دينا؟ الاختيار بين الإسلام والمعتقدات الأخرى (كالنصرانية واليهودية والهندوسية والبوذية..) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لو فهموا الإسلام لما قالوا نسوية (منهج الإسلام في التعامل مع مظالم المرأة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • اليابان وتعاليم الإسلام وكيفية حل الإسلام للمشاكل القديمة والمعاصرة (باللغة اليابانية)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب