الإبداع وكيفية اكتشاف وتنمية الأفكار الإبداعية

الإبداع

وكيفية اكتشاف وتنمية الأفكار الإبداعية

الإبداع كلمة نسمعها بشكل يومي، فيقال دائمًا: "فلان مبدع" و"فلان مبتكر"، وكثير منا لا يعرف معنى هذه الكلمة، ولا الأسس التي من خلالها يُطلق على الأشخاص أنهم مبدعون، والإبداع مفهوم واسع، فما هو تعريفه؟ وما هي معوّقاته؟ وما هي ضوابطه؟ وكيف يمكن اكتشاف الأطفال المبدعين وتنمية مواهبهم وقدراتهم الإبداعية؟ هذا ما نتناوله في الحوار التالي مع استشارية التنمية البشرية الدكتورة سعاد محمد السيد.

سألناها: ما هو تعريف الإبداع؟ ومن هم المبدعون؟

الدكتورة سعاد محمد السيد: في الواقع موضوع الإبداع موضوع شائق جدًّا، وممتع جدًّا، ومن أمتع الدورات التي أقوم بتدريبها موضوع صناعة الإبداع، والإبداع له أكثر من 200 تعريف، ولكن التعريف الأبسط له هو أن ترى ما لا يراه الآخرون، والإبداع أن تنظر للمألوف بطريقة غير مألوفة، ويقال: "أبدعت الشيء"؛ أي: أتيت به على غير مثال سابق، والمبدع هو المنشئ الذي لم يسبقه أحد.

هل الإبداع شيء مكتسب؟ أم يولد به الشخص على الفطرة؟

الدكتورة سعاد محمد السيد: الدكتور طارق السويدان، الذي كان لي شرف الالتقاء به والتدرب على يديه، من أشهر الناس الذين تحدثوا عن موضوع صناعة الإبداع، والدكتور طارق له تعريف خاص في موضوع الإبداع يقول فيه: إن الإبداع هو "عملية الإتيان بجديد"، وكلمة عملية تعني أن لها مجموعة من الخطوات، وعملية تعني شيئًا مقصودًا؛ أي: إن المبدع يقصد أن يقوم بعملية الإبداع، فإذا نظرنا إليها من منظور آخر، نجد مثلاً الشخص الذي يتدرب على التمرينات الرياضية، في البداية العضلات تكون مشدودة والأمر يكون غاية في الصعوبة، ولكن بعد فترة قصيرة مع الأداء اليومي لتمارين الرياضة تبدأ العضلات في المرونة، ومعنى ذلك أنه اكتسب عادة جديدة، وهي أنه جعل العضلات مرنة أكثر، وكذلك الأمر بالنسبة للإبداع.

كيف يبدأ الإبداع عند الفرد؟

الدكتورة سعاد محمد السيد: الإبداع يبدأ منذ التفكير فيه، فأنا الآن إذا تحدثْتُ عن الإبداع وأنا لم أكن أعرف عنه أي شيء، فإنني ينشأ لديَّ وصلة صغيرة تسمى بالإبداع، إذا درسنا كل يوم عن الإبداع وتدرّبنا في "كورسات" الإبداع، يزيد حجم الإبداع بداخلنا.

كم نسبة الأطفال المبدعين بالفطرة إلى نسبة من اكتسبوا مهارة الإبداع؟

الدكتورة سعاد محمد السيد: هناك بعض الأشخاص يولدون بالفطرة مبدعين أو قادة أو موهوبين، وهناك من تكون لديه هذه العملية مكتسبة، ولكن في الحقيقة 80% من البشر من الممكن أن يكتسبوا أي مهارة في الدنيا، مثل: مهارة صناعة الإبداع وصناعة القائد، وأي مهارة في الدنيا حتى المهارات الإدارية في الشركات تتطور من خلال الوِرَش والدورات التدريبية وقراءة الكتب.

هل الصغار أكثر قدرةً على الإبداع أو الكبار؟

الدكتورة سعاد محمد السيد: هناك دراسة أُجْرِيَت من خلال وكالة ناسا الأمريكية، وقام بها الدكتور جورج لاند إنيسورث، الذي قام بتأليف كتاب يسمى "grow or die"، قال في هذا الكتاب: إنه قام بعمل تجربة جيدة جدًّا، وهي أنه قام بعمل مجموعة من الأسئلة عبارة عن اختبار، وقام بوضعه لاختبار المهندسين المتقدمين للالتحاق بوكالة ناسا، هل لديهم قدرة ابتكارية أو لا؟ وبعد ذلك قال: إنه سيقوم بتجريب تلك الأسئلة أيضًا على الأطفال، وبالفعل طرح نفس الأسئلة على الأطفال، وكان الاكتشاف الذي أذهل العالم، وهو أن الأطفال كانوا أكثر قدرة على الإبداع من المهندسين ذوي الشهادات العالية.

هل العلاقة بين العمر والإبداع علاقة طردية أو عكسية؟

الدكتورة سعاد محمد السيد: العلاقة بين السِّنِّ والإبداع علاقة عكسية، فكلما زاد السن قلَّ الإبداع، وهناك نظرية تقول: إن 98% من الأطفال في عمر خمس سنوات مبدعون، وفي عمر العشر السنوات تقل النسبة من 98% حتى 30%، وفي عمر الـ15 عامًا تصير النسبة 12% فقط، ومن عمر الـ15 عامًا فما فوقُ قلَّت نسبة الإبداع إلى 2% فقط، ومعنى ذلك أن الاختراعات التي يتمتع بها كل العالم 2% فقط من البشر هم من يقومون بها.

ما هو السر في هذه النسبة المتباعدة جدًّا؟

الدكتورة سعاد محمد السيد: إذا بحثنا عن السر في هذا الشيء فستكون الإجابة هي أن الطفل في عمر 10 سنوات دخل إلى المدرسة، وكان هناك عدد كبير من معوقات الإبداع في المدرسة، وهي ببساطة أنه في المنزل يجد نفسه هو الآمر والسيد ولديه كامل الحرية داخل الأسرة، وفجأة يذهب إلى المدرسة ويجد عددًا كبيرًا من القيود قد فُرِضَت عليه، ويقال له: ممنوع التحدث، وممنوع السؤال، وممنوع الاعتراض، وممنوع إبداء الرأي والملاحظات، فكثرة تَكرار كلمة "ممنوع" تقتل الإبداع داخل الطفل.

هل الإبداع خاص بالبشر فقط، أو يمكن اكتسابه من الكائنات المحيطة؟

بصراحة، إننا إذا تأملنا في الكون الذي خلقه الله تعالى، بديع السماوات والأرض، نجد أن الله أبدع كل شيء؛ فقد خلق عددًا كبيرًا من البحار، وعددًا كبيرًا جدًّا من الأشجار بأشكال وأنواع مختلفة، وغير ذلك مما خلقه الله تعالى في الكون، فسبحان الله! هو المبدع الأول والآخر، وإذا نظرنا في الكون فسنجد أن هناك حيوانات مبدعة ونباتات مبدعة، وهناك كائنات بحرية أيضاً مبدعة، سبحان الله!

ما هي أهم أنوع الحيوانات والكائنات المبدعة كمثال للإبداع؟

الدكتورة سعاد محمد السيد: إذا نظرنا إلى المحارة وهي كائن بحري، وسألنا: كيف يتشكل اللؤلؤ داخل المحارة؟ قال العلماء: إن الرمل يدخل إلى قلب المحارة وهي الكائن الحي، فتنزعج من هذا الرمل وتقوم بعد ذلك بإفراز مادة تُغَلِّف بها ذرّات الرمال، وتتحول الرمال إلى حبات لؤلؤ، فهذا الكائن البديع يُعَلِّمنا كيف نقوم بتحويل المحنة إلى منحة؟ وكم من الكائنات مثل كائن القندس، وهو يلقَّب بأول مهندس من مهندسي الطبيعة، القندس هو الذي علَّم الإنسان كيف يصنع السدود، لو نظرنا إلى من اخترعوا الغواصة مثلاً، فهم كانوا يراقبون الضفدع كيف كان ينفخ جسمه ليسبح، ويراقبون الأسماك كيف تهبط إلى القاع ثم بعد ذلك تطفو على السطح، وعندما قاموا بصناعة الطائرة الهليكوبتر كانوا يقومون بمراقبة الحشرة التي نسميها "فرس النبي"، فسبحان الله! أي إبداع يأتي به البشر مصدره خَلْق الله سبحانه وتعالى!

ما هي ضوابط الإبداع حتى يخرج بصورة صحيحة؟

موضوع الإبداع هو موضوع كبير وواسع جدًّا، لو تركنا الأمر مفتوحًا فسيضيع كل شيء، ولن يتحقق الإبداع أبدًا، فمِنَ الممكن أن يخترع أحد الأشخاص أكلة معينة، ويقول: إنه بذلك قد أبدع ولم يسبقه أحد في طهي هذه الأكلة، وممكن مثلاً أن يكون قد نقلها عن أحد الأشخاص، وصار في هذه الحالة متعارضًا مع الشرع، فالضابط الأول من ضوابط الإبداع هو عدم التعارض مع الشرع، والضابط الثاني هو التقاليد، فمثلاً كلنا نحب الألوان ونعرف كل الألوان، ولكن إذا وجدنا أحد الأشخاص يدخل علينا الآن ويرتدي بدلة حمراء مثلاً، فسيكون شاذًّا لدينا مع أن اللون الأحمر لون جميل، وكلنا نحبه، ولكنه غير مقبول في البيئة التي نعيش فيها، فمعنى هذا أن هناك ضابطين لعملية الإبداع التي نقوم بها، هما الشرع والتقاليد.

ما هي معوقات الإبداع؟

الدكتورة سعاد محمد السيد: معوقات الإبداع موجودة بالطبع، ككل شيء في العالم له معوقات، وتبدأ هذه المعوقات في المنزل، الأساليب السلبية التي يتبعها الأهالي في التعامل مع الأطفال؛ مثل: الصراخ والضرب والشتم والتوتر، كل هذه الأشياء تقتل الإبداع، ومثلاً كثرة قول كلمة "لا" للأطفال ترهقهم جدًّا، فكثير من الآباء يقولون لأبنائهم: لا تلعب، لا ترسُم، لا تذهب، لا تُخَرِّب، وبعد دخول المدرسة للأسف هناك نماذج سيئة لكثير من المعلّمين يساهمون بشكل كبير في إعاقة عملية الإبداع بالتضييق على الطالب وسلبه حريتَه، وحتى في الجامعة هناك قوانين روتينية تقتل عملية الإبداع.

هل يمكن أن تسهم الظروف السيئة التي يعيشها البلد في توليد الإبداع لدى الأشخاص؟

الدكتورة سعاد محمد السيد: بالطبع ظروف البلد نفسها تسهم بشكل كبير في قتل الإبداع، فمن الممكن أن تكون الظروف التي يعيشها البلد مُعَوِّقة للإبداع ومن الممكن أن تكون مفجرة للإبداع، فإذا نظرنا إلى الفترة السابقة فسنجد أن هناك كثيرًا من الشعراء قد أمتعونا بقصائد عن مصر وقصائد عن سوريا وعن الثورات، وشهدت هذه الفترة ظهور كثير من الفنانين، وكيف جعلت هذه الفترة الطلاب يتمسكون بدراستهم حتى يفيدوا بلدهم؟ فالظروف الصعبة في البلد تعطي للمواطنين دفعة إيجابية، وتولد لديهم حب الإبداع والنهوض، فقديمًا ابن سينا الذي دُرِس كتابه عن القانون لفترة 17 عامًا في جامعات فيينا، كان مع الحاكم الذي يحكم في وقته، وعندما ذهب الحاكم فقد ذهب معه ابن سينا.

هل هناك فرق بين الشخص الذي يفكّر تفكيرًا إبداعيًّا وبين الشخص المبدع؟

الدكتورة سعاد محمد السيد: التفكير الإبداعي والإبداع مفهومان مرتبطان ببعضهما البعض، فالأفكار الإبداعية هي كل ما يجول في الذهن من أفكار إبداعية، وما دامت في الذهن فهي مازالت في مرحلة التفكير الابداعي، وإذا تم تطبيقها على أرض الواقع نطلق عليها عملية إبداع، فهذا هو الفرق بينهما.