• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

التكريم الإلهي للإنسان من الخَلق إلى الإسلام

التكريم الإلهي للإنسان من الخَلق إلى الإسلام
حسن فاضلي أبوالفضل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/6/2012 ميلادي - 14/7/1433 هجري

الزيارات: 45509

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التكريم الإلهي للإنسان

من الخَلْق إلى الإسلام

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)


عجيبٌ  !عجيبٌ أمرُ هذا الإنسانِ الذي لا يَأنَس إلا بمثلِه، والذي عُهِد إليه فنَسِي!

 

عجيبٌ أمرُ هذا الإنسانِ بالنظرِ إلى صغرِه وضعفِه، وبالنظر إلى مركزيتِه ومكانتِه؛ إذ هو سيِّد المخلوقاتِ، وإمامُهم في مسجد الكون، وهو المكرَّم والمفضَّل عليهم  في مراحلَ ثلاثٍ:

الأولى: التكريم بالخلق والإيجاد.

 

والثانية: التكريمُ بتسخيرِ المخلوقاتِ لخدمته.

 

والثالثة: التكريم بالفطرة والإسلام.

 

والإنسان في أصلِه اللُّغَوِي من "الإنس"، خلاف الجن، والإنسُ خلافُ النفورِ، والإنسي منسوبٌ إلى الإنس، يقال ذلك لمن كثر أنسُه، ولكل ما يؤنس به، والإنسان قيل: سمِّي بذلك؛ لأنه خُلِق خلقةً لا قوامَ له إلا بأنسِ بعضِهم ببعضٍ.

 

ولهذا قيل: الإنسانُ مدنيٌّ بالطبع، من حيث لا قوامَ لبعضِهم إلا ببعض، ولا يمكن أن يقومَ بجميعِ أسبابِه.

 

وقيل: سمِّي بذلك؛ لأنه يَأنَس بكلِّ ما يَألَفه.

 

وقيل: هو إِفْعِلان، وأصله: إِنْسِيان، سمِّي بذلك؛ لأنه عُهِد إليه فنَسِي"[1].

 

ومع كونِه لا يقومُ إلا بمثلِ جنسِه، وأُمِر فنَسِي، إلا أن التكريمَ حاصلٌ له؛ فقال - عز وجل -: ﴿ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 62][2]؛ وذلك لما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لهذا المخلوق، رفض إبليس - لعنة الله عليه - هذا التكريمَ، فكان قولُه كما في الآية قبل.

 

وفي سياق صريح لهذا التفضيل، قال - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70][3]، تفضيلاً له - أي الإنسان - بتسخير المراكبِ، والمستلذات من: اللحوم، والحبوب، والفواكه، وغير ذلك له.

 

فمجملُ معاني الإكرامِ والتكريمِ أن "يوصل إلى الإنسان إكرامه؛ أي: نفع لا يلحقه فيه غضاضة، و أن يجعلَ ما يوصَل إليه شيئًا كريمًا؛ أي: شريفًا"[4]؛ ففي الآية الأولى حصل له التشريفُ بأمر الملائكةِ وإبليسَ بالسجودِ له، فكان من هذا الأخير ما كان من الاستكبار والامتناع، وفي الثانية كان التشريفُ بتمكينِ المراكبِ له، وتيسير المطعومات والمستلذات، وبيان ذلك كما يلي:

1- التكريمُ بالخلقِ والإيجادِ: ومعناه أن إخراجَ الإنسانِ من العدمِ إلى الوجودِ فيه تشريفٌ وتكريمٌ، من حيث كونُه سيتولَّى مهمةَ الاستخلافِ في الأرض، مع التكليف بالتوحيد والإيمان، حتى إذا اجتاز ذلك ووفِّق في عبور الصراط؛ حَصَل على ثمرة: التكريم، والتشريفِ، والتكليفِ، والاستخلاف، وهي ثمرةٌ مقصودٌ أن يصل إليها من تكليفِه هذا، ولذلك قال - عز وجل - في بيان علَّة الخلق: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [هود: 7][5].

 

فأن يكونَ الابتلاءُ بالأمرِ إلى أحسن العمل هو عينَ التكريمِ والتشريفِ، ولا يقدِر على ذلك إلا إذا كان في أحسنِ تقويمٍ؛ فعندئذٍ يُصبِح الإنسان بمثلِ هذه العبادةِ وهذا التفكر إنسانًا حقًّا؛ فيَصِير بيُمنِ الإيمانِ وبركتِه لائقًا للأمانة الكبرى وخليفةً أمينًا على الأرض"[6].

 

فإذًا؛ إذا كان إخراجُ هذا الإنسانِ من العدم إلى الوجودِ تكريمًا وفضلاً، فكذلك إرجاعُه ثانيًا من الوجودِ إلى العدمِ فضلٌ ونعمةٌ، بعد أدائه للأمانةِ المَنوطَةِ به بنجاح، ومن ثَمَّ يكون الموت بهذا المعنى - لمن أدركه - فضلاً ونعمةً، وأن "المجيءَ إلى الدنيا كان لأداءِ مهمةٍ معينةٍ، وأداء خدمةٍ فيها كالخدمة العسكرية، وأن فراقَها يعني التسريحَ من هذه الخدمةِ، وأنه ولادةً ثانيةً "ليستيقظ" في حياةٍ أبديةٍ لا تزول ولا تنتهي"[7].

 

لذا؛ كان الإحساسُ بهذا الفضلِ وعيشُ هذا التكريمِ يَدفَعه إلى العدم دفعًا أو يشوِّقه إلى أصله "العدم"؛ لأنه متحقِّق من ثمرةِ التكليفِ وغايةِ الاستخلاف - بعد النجاح فيها - وهي الجنةُ؛ حيث الحياةُ الأبديةُ.

 

والإنسان هذا - بمراحلِه المترابطةِ والمتدافعة تلك، وبأطوارِه المفكَّكة و المتداخلة - "ليس مخلوقًا عاديًّا وحسب، ولا هو حتى مخلوقٌ أرضيٌّ وحسب، بل هو أبعدُ من ذلك وأعظم، إنه مخلوقٌ كونيٌّ؛ أي: إن الماهيةَ الوجوديةَ للإنسان هي ماهيةٌ كونيةٌ كبرى، بمعنى أن فهمَ هذا الكائنِ لا يمكن تناولُه ولا استيعابُه بحصرِه في مركز إقامتِه الأرض، وإنما الواجبُ ربطُ وجودِه بوجودِ الكون كله؛ ذلك أن أولَ بابٍ من أبواب الدخولِ إلى الماهية الإنسانية هو بابُ العلَّة الخلقِية أو الوجودية"[8].

 

والعلَّة هذه قد نُصَّ عليها باللفظ والمعنى في قوله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56][9]؛ فكانت الآيةُ هاته - بما فيها من حصر - دالَّةً على مقصدِ خلق الإنسان، وهو تحقيقُ العبوديةِ لله تعالى، ومن هنا كان خلقُ الإنسانِ وإيجادُه وإخراجُه من العدمِ، فيه معنى التكريمِ والتشريفِ؛ إذ الباقي - الذي في أصلِه العدمُ - حُرِم من التكليف ومن الاستخلافية بمعناها التعبدي الإيماني، ومن ثَمَّ كان المخلوق الإنسيُّ مناطَ الإيمان والعبادةِ، ولاشكَّ أن ذلك هو التكريم والتشريف بلغةِ التكليف.

 

2- التكريمُ بتسخيرِ الكونِ له والإمامة فيه، ومفهوم ذلك: أن هذا الإنسان - على الجملة - هو سيِّد المخلوقاتِ، والدالُّ على الله - عز وجل - في كونه، وما استحقَّ ذلك إلا بعد أن تحمَّل الأمانة، فلما قال الله - عز وجل -: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44][10]؛ دلَّ ذلك على أن هذا المخلوق مهيَّأ لاستقبالِ الخطاب القرآني وتبليغِه، بما جعل الله فيه من خصائصَ، "فأن يكونَ الإنسانُ موضعَ خطابِ ربِّ العالمين هو - لعمري - أمرٌ عظيمٌ جدًّا، وتكريمٌ كبيرٌ جدًّا لهذا المخلوق الضعيف، لا يَملِك العبدُ المحبُّ إزاءه إلا أن يَخِرَّ ساجدًا لله ربِّ العالمين، على ما أنعم وأعطى من تأهيلٍ وتشريفٍ"[11].

 

وهذا القرآنُ الكريمُ هو الذي أهَّله لإمامةِ الكونِ، بحيث لا يتحقَّق معنى الإمامةِ هنا إلا إذا كان المأمومُ يتَّبع الإمامَ ويُطِيعه، وذلك الذي حصل مع الإنسان؛ إذ بقدرتِه - التي جعلها الله فيه، على استقبالِ القرآن والعلم به وتعليمِه- نال " الأفضليةَ، ليس على الملائكةِ وحدَهم، بل أيضًا على السماواتِ والأرضِ والجبالِ في حمل الأمانةِ الكبرى"[12].

 

فكان - وباستحقاقٍ - الإمامُ في ذلك المسجدِ الكبير الذي هو الكون، ومن خلفِه الكائناتُ مؤتَمةً به، عابدةً الله تعالى طوعًا أو كرهًا، منتظمةً بعده؛ ليَدُلَّها على الله ربِّ العالمين، ومع مأموميةِ هذا الكون فقد هُيِّئ ليعيشَ فيه الإنسانُ "ويموتُ، ثم يموتُ الكون كُلُّه بموتِه، ثم يعادُ خلقُه بإعادةِ خلقه؛ أي: إن إعادةَ خلقِ الكونِ إنما هو من أجلِ إعادةِ خلقِ الإنسانِ مرَّة أخرى"[13].

 

وكأن هذا الكونَ إنما خُلِق لخدمةِ الإنسان، وأنه تبعٌ له، ومن هنا نال ما نال من تكريمٍ وتقديرٍ - وبالرغمِ من صغرِه وضعفِه - فالدنيا كلُّها بضخامتِها وشساعتها وُجِدت خادمةً لوجودِه، وتنتهي بانتهائه، فـ"لا يَخطُرنَّ على بالِ أحدٍ، ويقولُ: ما أهميةُ هذا الإنسانِ الصغيرِ؟! وما قيمتُه حتى تنتهيَ هذه الدنيا العظيمةُ، وتُفتَح دنيا أخرى لمحاسبتِه على أعماله؟! لأن هذا الإنسان هو سيِّد الموجوداتِ - رغم أنه صغيرٌ جدًّا؛ لما يملك من فطرةٍ جامعة شاملة - فهو قائدُ الموجوداتِ، والداعي إلى سلطانِ أُلوهيةِ اللهِ، والممثِّل للعبودية الكليةِ الشاملة ومُظهِرها"[14].

 

فتجدُ أن نظامَ الشمسِ والقمر إنما جُعِل علاماتٍ لأوقاتِ عبادتِه، وأن الدوابَّ والمركوباتِ إنما خُلِقت لحملِه وتسريعِه، وأن المأكولاتِ والمشروباتِ إنما خُلِقت لتقويتِه وإشباعِه؛ أي: إن السماواتِ والأرضَ خُلِقتا على صورةٍ مهيَّأة لخدمةِ و"استضافةِ هذا الساكنِ الفريد، حمَّالِ الأمانة التي عُرِضت على السماواتِ والأرضِ والجبالِ: ﴿ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72][15]"[16].

 

والإنسانُ بهذه الصفةِ - المتبوعية - لم يَقتَصِر، ولم يَقتَنِع بصفةِ التابعية في المخلوقاتِ الأخرى، بل إن آمالَه تَجاوَزت الزمانَ والمكانَ والحياةَ؛ ساعيةً في تحقيقِ رغبةِ البقاءِ الكامنة في فطرته: فآمالُه تمتدُّ إلى الأبدِ، وأفكارُه تُحِيط بالكونِ، ورغباتُه تنتشرُ في ثنايا أنواعِ السعادة الأبدية.. هذا الإنسان إنما خُلِق للأبدِ، وخُلِق الأبدُ له، وسيَرحَل إليه حتمًا، وما الدنيا إلا مستضافًا مؤقتًا له، وصالةَ انتظارِ الآخرة[17].

 

ومعنى ذلك: أنه مغروزٌ فيه قصدُ المتبوعيةِ، وحبُّ البقاءِ والإمامةِ والاستزادةِ من طول العمر، وهو معنًى قرَّره الحديثُ في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يكبر ابنُ آدمَ ويكبر معه اثنانِ: حبُّ المالِ، وطولُ العمرِ))[18].

 

3- التكريمُ بالفطرةِ والهداية إلى الإسلام:

والفطرةُ: هي ذلك الإحساسُ الروحيُّ الذي يولَد مع الإنسان، ويَدفَعُه إلى توحيدِ الله تعالى، والإقرارِ بضعفِه أمامَ عظمةِ الخالق - عز وجل - وهو أصلٌ بيَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((كلُّ إنسانٍ تَلِدُه أمُّه على الفطرةِ، وأبواه - بعدُ - يهوِّدانِه، وينصِّرانِه، ويمجِّسانه، فإن كانا مسلمينِ فمسلمٌ؛ كلُّ إنسانٍ تَلِده أمُّه يَلْكُزه الشيطان في حضنيه، إلا مريم وابنَها))[19]؛ فإذًا أمرُ الفطرةِ هنا هو منحةٌ، وهبةٌ إلهيةٌ للناسِ جميعًا، قبل أن تتدخَّل عواملُ أخرى في ضبطِها وتنميتِها، أو في كسرِها وإفسادِها، بحسبِ ما جاء في الحديث، أو لنَقُل: إنها قسمةٌ بالتساوِي بين بني البشر، بما هي إحساسٌ داخليٌّ مرتبِطٌ بالجانبِ الاعتقاديِّ، ومن هنا كان التكريمُ بالأصلِ الشعوري الإحساسي للإسلام، الذي هو الفطرة كما نُصَّ عليه في الحديث قبل، وكأن الأمرَ يتعلَّق بمبلغٍ من المال قدَّمه الأبُ لأبنائِه الثلاثة: منهم مَن حافظ عليه ونَمَّاه، ومنهم مَن غفل عليه حتى سُرِق منه، ومنهم مَن صَرَفه في أشكالِ المعصيةِ والسوء، فكانت نهايتهم مختلفةً، رغم أن مبالغهم التي انطلقوا منها هي هي؛ فالصورة العامة إذًا أن الناس:

منهم مَن يُحافِظ على ذلك الميزانِ الفطري، فيُنصِت بذلك إلى قلبِه وروحِه وبعد ذلك إلى عقله، فهؤلاء فَهِموا الإسلامَ وقدَّروا عظمته.

 

ومنهم مَن لم يُدرِك تلك العظمةَ، وأنه "هدية الله - تعالى – للإنسانية، وهذا ناتج إما عن حكم مسبق، أو عن سوء تمثيل المسلمين للإسلام، فلا يَفهَمُون الرسالةَ التي قدَّمها ولا يُدرِكونها، ولا يَستَطِيعون فهمَ وعودِه وبِشَاراتِه، ولا الإحساس بها، ولا يتغيرُ هذا الأمرُ السلبي عند أمثالِ هؤلاء حتى وإن داروا حولـهُ وتجولوا بقربه. فهم قريبون منه ظاهراً ولكنهم بعيدونَ عنه جدًّا في الحقيقة.

 

ينظرونَ إليهِ على الدوام، ولكنهم لا يفهمونهُ أبداً لوجود غشاوةٍ على أبصارهم، حتى إن قربَهم منه يُصبِح وسيلةً وسببًا للبعدِ عنه، ويُصبِح النظرُ إليه وسيلةً لعدمِ الإبصارِ ولعدمِ الإحساسِ به، ولكن ما العمل؟

 

فهذه طبيعتُهم، والشوكُ يَبقَى شوكًا مؤذيًا، وإن كان قربَ زهرةٍ جميلةٍ عَطِرةٍ"[20].

 

هذا لمن قمع تلك الفطرةَ وعاندها، ورفض الخضوعَ والإنصاتَ لها، كما أنه قد يَقَع  العنادُ والرفضُ للرسلِ - عليهم السلام - والكتب المنزلَّة عليهم؛ لأنها في حقيقةِ الأمر - أي الفطرة، والرسل عليهم السلام،  والكتب السماوية - هي وسائلُ قويةٌ دالَّةٌ على الله تعالى، ومقتضيةٌ للإيمانِ به، ولا تَملِك في الثبات على الفطرةِ والهداية شيئًا، ومن قوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [فصلت: 17][21]، يَظهَر أن الكسبَ - وهو يَرتَبِط بعواملَ ذاتيةٍ وخارجيةٍ - تدخَّل في تغييرِ الهدايةِ الأصلية التي فطر عليها الإنسان،" فقد يكون أحدٌ وهو في بيتِ النبوَّةِ إلا أنه لا يَهتَدِي، أو يكون معارضًا له ، وربما في قصرِ فرعونَ يتربَّى مؤمنُ آلِ فرعون وآسيا؛ وذلك لأن في هذا النوع من الهدايةِ إرادةُ الإنسان"[22].

 

ولما كان الثباتُ  على هذه الفطرة والاستمرارِ في طريق الإسلام يَستَنِد إلى الفطرةِ الأصلية وإلى القانون العقلي الدالِّ على الله - عز وجل - فالكفرُ لا يَستَنِد إلى أيِّ شيءٍ، وإنما هو اللامبالاة تُجَاه أسسِ الإيمان وعدم الاهتمام بها، أو هو الفوضى على مستوى التفكير والتقييم الخاطئ لقوانين الوجود، والارتجالية بين الماركسية واللِّنِينية، أو بين الوجودية والاشتراكية، أو بين ذلك كله.

 

إن الله تعالى لما اقتضت حكمتُه أن يكونَ الإنسان (والجنُّ) مأمورًا بالتوحيدِ والعبادة، هيَّأ له المجال لذلك - وهو الكون - فكلُّ ما فيه موجودٌ لخدمتِه، وفي هذا تكريمٌ وتفضيلٌ، ثم وحتى لا يُعذَر هذا الإنسان؛ خَلَقه الله - تعالى - مفطورًا على الإيمان والتوحيد، وذلك تكريمٌ وتفضيلٌ، وليستقيمَ على هذه الفطرة، ويسيرَ بها وفيها إلى الله - عز وجل.

 

أرسل سبحانه الرسل - عليهم السلام - وأنزل كتبه لهذا القصد، وكفى به تكريمًا، وتفضيلاً، وتشريفًا، وتحميلاً للأمانة الكبرى.



[1] مفردات ألفاظ القرآن, الراغب الأصفهاني, مادة (أ ن س).

[2] الإسراء:62

[3] الإسراء:70

[4] مفردات ألفاظ القرآن, مادة (ك ر م)

[5] هود: 7

[6] رسائل النور (الكلمات), بديع الزمان النورسي, ص:138

[7] ترانيم روح وأشجان قلب, فتح الله كولن, ص:144

[8] مفاتح النور في مفاهيم رسائل النور, فريد الأنصاري, ص:101

[9] الذاريات: 56

[10] النحل:44

[11] مفاتح النور في مفاهيم رسائل النور, ص:129

[12] رسائل النور (الكلمات), ص:27

[13] مفاتح النور في مفاهيم رسائل النور, ص:107

[14] رسائل النور (الكلمات), ص:63-64

[15] الأحزاب: 72

[16] مفاتح النور, ص:105

[17] رسائل النور (الكلمات), ص:95 (بتصرف)

[18] متفق عليه

[19] صحيح مسلم

[20] ترانيم روح وأشجان قلب, ص:10

[21] فصلت:17

[22] القدر في ضوء الكتاب والسنة, فتح الله كولن, ص:99.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الكرامة الإنسانية في القرآن الكريم
  • حقوق الإنسان في الإسلام
  • رحلة الأخت روندا من النصرانية إلى الإسلام

مختارات من الشبكة

  • المرأة المسلمة بين التكريم الإلهي والتشويش الغربي(مقالة - ملفات خاصة)
  • أنواع التكريم القرآني للإنسان ومظاهره وأسبابه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البوسنة: تكريم المجلس الإسلامي في مدينة دوبوي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • بدعة عيد الأم بين لوعة اليتيم وروعة الإسلام في التكريم(مقالة - ملفات خاصة)
  • صور من التكريم الذي يحظى به الصائمون في رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة فقه الأسرة: الخطبة (2): المرأة بين التكريم والتعنيف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مشاهد التكريم للأسرة يوم القيامة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المساواة بين الرجل والمرأة في التكريم(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • من خصائص التكريم: ورفعنا لك ذكرك(مقالة - ملفات خاصة)
  • الابتلاء بين التكريم والتأديب(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- التكريم بالحقوق والواجبات
عبد الرحيم بوعيسي الجزائري - الجزائر 07-10-2014 05:35 PM

سلام وبعد :يا سيدي الكريم ألا ترى بان الله تعالى قد كرم الإنسان من جانب آخر غفل عنه الكثير من الباحثين والمفكرين يتعلق بالجانب التكليفي من حيث الحقوق والوجبات حيث أهله لحمل الرسالة والأمانة وميزه بخلقة تتناسب مع ما كلف به ،كما جعل له التيسير في كل شيء حتى الرخس والفدية في العبادات بل من مظاهر التكريم كذلك أن رفع الحرج ورفع قلم التكليف عن المجنون والنائم المريض ، وكل ذلك ليمكنه من النيل الجزاء الأخروي الذي يبدِ بتكريم كذلك وهو أن أرسل الله غرابا ليرينا كيف يكرم الإنسان حتى بعد موته؛ وختام تعليقيقول الله تعالى:{إن للمتقين مفازا}.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب