• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

أزمة موارد أم أزمة ضمائر؟

أزمة موارد أم أزمة ضمائر؟
خميس النقيب

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/11/2011 ميلادي - 17/12/1432 هجري

الزيارات: 18158

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نهضةُ الأمَّة ليستْ في مواردَ ماديَّةٍ؛ قد تتمثَّل في موردٍ أصفرَ (ألماس وذهب)، أو مورد أبيضَ (غاز وقطن)، أو في مورد أسودَ (بترول ونفط)؛ وإنَّما تتمثَّل في مواردَ بشرية تمتلك ضمائرَ حيةً، وعقولاً ذكية، ونفوسًا أبيَّة تفكِّر وتعمل، وتُتقن وتبتكِر، فتصل لكلِّ هذه الموارد.


والضَّمير هو الدافعُ الملهِم، وهو المحرِّك المُهم، وهو المنظِّم الفعلي، وهو المنسِّق الأصلي لكلِّ الموارد، بل هو أعظم الموارد، إذا كان ضميرًا حيًّا أحيا مَن معه، وإذا كان ميتًا أمات مَن حوله.


فما أحوجَنا إلى ثَورةٍ لإحياء الضمير، فلا تستبدّ نفس وتتسلَّط على الجوارح والأعضاء! ما أحوجَنَا إلى وخْذِ الضمير وإيقاظه عندَ الرجل والمرأة، عندَ الشاب والفتاة، عندَ الحاكم والمحكوم، عندَ الغنيِّ والفقير، عندَ القويِّ والضعيف!
أسئلة كثيرًا ما تتردَّد، نُجيب: من أين؟! لا يوجد موارد، التعداد السكَّاني يَتزايد ولا يتناسب مع المواردِ المتاحة، مع كلِّ أزمة جديدةٍ تمرُّ بنا نتأكَّد مِن أنَّ الأزمة ليستْ أزمة موارد، ولكن الأزمة الحقيقيَّة في الضمائرِ التي تفتقد غالبًا إمَّا للكفاءةِ أو النَّزاهة، وتستحوذ - للأسف - على التفاهةِ أو الشراهة! المهم أنَّها لا تصلُح للاستمرار في أماكنِها، نعمْ تختلف الأزماتُ، وتتباين المسكِّنات، وتتبادل الأسماءُ والمسمَّيات، لكن السبب الرئيسي هو موتُ الضمير.


أزمة ضمير، كيف؟


فعندما تُنفَق ملايين الجنيهات لعلاجِ الأغنياء على نفقةِ الدولة في الخارج، خلافَ عشرات الملايين التي حصَل عليها أشخاصٌ آخرون بأسماء موتَى بعدَ أن تحوَّل العلاج على نفقةِ الدولة إلى منجم ذهَب لأصحاب الذمم الخرِبة والضمائر الميِّتة، بينما المواطنونَ البسطاء لا يَجِدون الشاشَ والقُطن، فهذه أزمة ضمير.


وعندما تُصرَف الملايينُ على الرَّصف في الشوارع ثُم يتآكل الإسفلت وتتكاثَر الحفرُ بعدَ قليل مِن الزمن، فهذا دليلٌ على أزمة ضمير، وعندما تُصرف ملايين الجنيهات على الصرف الصحي، ثم لا نَجِد شيئًا من ذلك يتحقَّق على أرض الواقع، بل تحصُل على انهيار صحِّي يبتلع الإنسان ويضرُّ الحيوان، فهي أزمة ضمير.


عندما تُدعم المستشفيات العامَّة بملايين الجنيهات لخِدمة المواطن البسيط، فإذا طوابير أمام هذه المستشفيات لا تَجِد مَن يُطبِّبها أو يُداويها، فهي أزمةٌ في الإنسانية، قبل أن تكون أزمةَ ضمير، عندما يترك المدرِّسُ مدرستَه ولا يُتقن فيها عملَه مِن أجلِ حِفنة جنيهات قد يكون مضطرًّا لها أو لا، فهي أزمة ضمير، وعندما تُصرف ملايين الجنيهات على بناء كَبارٍ ومدارس ومؤسَّسات، ثم يمر عامٌ أو عامان نَجِد أن هذه المباني تحتاج لترميمٍ مِن جديد، فهي إذًا أزمة ضمير.


عندما يُدعم الرغيف بالملايين، ثم يخرج ترفُض الحيوانات أن تأكلَه؛ مِن سوء صنيعه وما حواه مِن نشارة الخشب ومسامير حديدٍ، فهذه أزمة ضمير، عندما تنحصِر الملايين في المستشارين والمنظرين ويَبقَى السواد الأعظم بالملاليم، فتجِد الموظَّفَ يستلف مع بداية الشهر؛ لأنه وزَّع مرتَّبه بدايةً مِن يوم القبض 25 حتى يوم 30؛ أين الضمير؟!

عندما تُوزّع الموارد على10 % من الشَّعب دون الآخرين بحُجَّة زيادة الاستثمار، الذي أدى في النهاية لأعلى معدَّلات الانهيار، فهذا انعدام ضمير.


لقد طالعتْنا صحيفة الجمهورية الرسمية في صبيحة الجمعة 7/10/2011 أنَّ هناك عشرين مليون دولار خسائر في 24 ساعة؛ بسبب إضراب المراقبة الجويَّة!! يَعْني في حال عدمِ الخسارة تقريبًا كلَّ ساعة خمسة ملايين جنيه!! أين تذهَب؟ وفيما تُصرَف؟ نترك 2 مليون مثلاً مردودًا، يَبقى 3 مليون كلَّ ساعة! وهذا جزء مِن مورد واحد، يَبقى الغاز وقناة السويس وغَيره وغيره! وبعد ذلك نقول: قلة موارد! لا أدْري قِلة موارد أم قِلة ضمائر؟!


واقع مرير وتخصص عليل: للأسف نَحن نصطدِم دومًا بواقعٍ مرير في ممارساتِنا المعوجة في التعامُل مع شؤونِنا الخاصَّة والعامَّة، نحن بحاجةٍ لإزالة رواسبَ مَقيتة مِن المحسوبيَّة والبيروقراطيَّة، مِن التراخي والسلبيَّة، مِن الكسل في العمل، والعُزوف عن الإحسانِ في التخصُّص، والانجراف في سيلِ المصلحةِ الخاصَّة على حسابِ المجموع، وظاهِرة التعدي المهني والقفز البغيض على كلِّ مهنة؛ بغرضِ تحصيل أكبر قدرٍ من المادَّة؛ ممَّا يُؤدِّي إلى عدمِ الإتقان في التخصُّص، وتكون نتائجُه عاريةً مِن الإجادة، وانحسار مدِّ الحضارة والعِلم والرِّيادة، ويكون هذا نذيرَ شؤمٍ في إجهاض أيِّ مشروع نَهْضوي تَسعى إليه الأمة.


الزمن الجميل: أما في عهدِ الصحابة، فقد دَعا النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى الأخذِ بالتخصُّص بقوة حينما أثْنَى على كلِّ واحد مِن الصحابة - رضوان الله عليهم - لإجادته وتفوقه في تخصُّصِه، فقال: ((أنسبُهم أبو بكر، وأفْرَضُهم زيد، وأعلَمُهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤهم أُبيُّ بن كعب، ولكلِّ أمة أمين، وأمينُ هذه الأمة أبو عُبَيدة بن الجرَّاح))، وندَب زيدَ بن ثابت لتعلُّمِ السريانية لُغَة يهود، فتَعلَّمها في سبعةَ عشرَ يومًا، وأثنَى على خالدِ بن الوليد؛ لتفوُّقِه في فنون الحرْب، فقال عنه: ((سيف مِن سيوف الله))، وخُطة خالد في الانسحاب بالمسلمين في معركةِ مؤتة والانحياز للفِئة المؤمنة في المدينة - ما زالتْ تُدرَّس في معاهدِ الغَرْب العسكريَّة؛ دلالةً على عبقرية خالد العسكريَّة - كما يقول الأستاذ العقَّاد في "عبقريةِ خالد بن الوليد".


ضمير العالم: إنَّ العقولَ تفسد، والفِطر تنتكِس، والضمائر تموت؛ بإعراضِها عن منهجِ الله، وعندَها يُصبِح الحقُّ باطلاً والباطل حقًّا، والمنكر معروفًا والمعروف منكرًا، إذا امتلأتِ القلوبُ مِن معاصي الله، ونصير كالمستجيرِ مِن الرَّمْضاءِ بالنار، إذا أحسنَّا الظنَّ بأعداء الله، فضمائرُ أغلبهم ميِّتة كقلوبهم، والضميرُ العالمي الذي يُناشِده البعضُ في الأزمات ما هو إلا وهمٌ ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39]، أعداء لا يُحبُّون الخيرَ في المسلمين، يحاولون قتْلَ ضمائرهم، ومِن ثَمَّ إهدار كرامتهم، ونهْب ثرواتهم، وللأسف نقول: ضمير عالمي: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ ﴾ [النساء: 89]، فحذَّرنا الله منهم: ﴿ وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾ [هود:  113]، وعدم اتِّخاذهم بطانةً: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [آل عمران: 118]؛ لأنَّهم مستمرُّون في فسادِهم وتعويقهم: ﴿ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة:  217].

 

مراقبة الله تُعالِج الضميرَ وتُوقِظه: مِن أجل ذلك كان الواجبُ أن تتعلَّق قلوبُنا بالله في جلبِ النَّفْع ودفْع الضُّر، وأن نسعَى في تربية النفس والذين مِن حولنا على معانيِ الإيمان والمراقبةِ لله تعالى؛ حتى تحيَا القلوبُ والأرواح بنورِ العلم النافِع والعملِ الصالح، فتكون الخشيةُ لله في السرِّ والعلن، والعدل لله في الرِّضا والغضب، مراقبة الله في الفَقرِ والغِنَى؛ قال عبدالله بن دينار: "خرجتُ مع عمرَ بنِ الخطَّاب - رضي الله عنه - إلى مكة، فانْحدَر علينا راعٍ مِن الجبل، فقال له: يا راعي، بِعْنَا شاةً من هذه الغَنم؟ فقال: إنِّي مملوك، فقال: قل لسيِّدك: أكَلَها الذئب، قال: فأين الله؟! قال: فبَكَى عمر، ثم غدَا إلى المملوكِ واشتراه مِن مولاه، وأعتَقَه، وقال: أعتقتْك في الدنيا هذه الكلمةُ، وأرجو أن تُعتِقَك في الآخِرة".

 

وقال أبو حفصٍ: إذا جلستَ للناس، فكُن واعظًا لنفسِك وقلبِك، ولا يَغرنَّك اجتماعُهم عليك؛ فإنَّهم يراقبون ظاهرَك، والله رقيبٌ على باطنك، وسُئل ذو النون: بِمَ يَنال العبدُ الجنة؟ فقال: بخمسٍ: استقامة ليس فيها رَوغان، واجتهاد ليس معه سهوٌ، ومراقبة لله تَعالَى في السرِّ والعلانية، وانتظار الموتِ بالتأهُّب له، ومحاسبةِ نفسك قبلَ أن تُحاسَب.

 

إنَّ المعاني الطيبة التي تَنطوي عليها كلمةُ الضمائر، لا تخرُج عمَّا جاءَ في كتاب الله وفي سُنَّة رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فنحن بحاجةٍ لإقامة الدنيا على أساسٍ مِن دِين الله، وأن نعودَ لمِثل ما كان عليه رسولُ الله وصحابتُه الكرام؛ فقد كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقَها علمًا، وأقلَّها تكلفًا، ولن يصلح آخِر هذه الأمَّة إلا بما صلح به أوَّلُها.

 

انظر إلى سليمانَ - عليه السلام - وهو يتفقَّد كلَّ رعيَّتِه ﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ﴾ [النمل: 20]، ويتفاعل مع دوابِّ الأرضِ، ثم يُعيد الفضلَ لربِّ السماء والأرْض؛ ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 18-19].

 

وصول النِّعمة، وبلوغُ القِمَّة - يحتاج مزيدًا مِن الشُّكر.

 

موردان عظيمان: لقدْ أشار الله - سبحانه وتعالى - إلى أهمِّ موردين للإنسان في سورةٍ قال فيها الشافعيُّ: "لو تدبَّرَ الناسُ هذه السورةَ، لكفتْهم"، وهذه السورةُ هي سورةُ العصْر؛ ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3].

 

فالعصرُ هو الوقتُ، وهو يُمثِّل الموردَ الأساس الأوَّل، وهذا للأسف قتَلوه بالخلاعةِ والميوعةِ وغيرها...، ثم يأتي الإنسانُ ذاته وما يتضمَّنه مِن طاقاتٍ وقُدرات كموردٍ أساسي ثانٍ، وهذا أيضًا قتلوه بالأمراض الفتَّاكة؛ مِن فشل كُلوي، إلى فيروس بأنواعِه، ثم سرطانات مختلِفة، نعَمْ قتلوه جسديًّا بالمبيدات المسرطَنة، ونفسيًّا بإهدارِ قِيمته وعدمِ احترامِه، واقتصاديًّا بنهبِ ثرواتِه وإهدارِ حقوقه، واجتماعيًّا بالسخريةِ مِنه في الفنِّ الرخيص والإعلام المأجُور! إلا ما رَحِم ربي وعصَم.

 

هذان الموردانِ المهملان أشار إليهما رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((نِعْمتانِ مَغبونٌ فيهما كثيرٌ مِن الناس: الصحَّةُ، والفراغ))؛ صحَّحه الألباني.

 

ومِن هنا يسقُط السببُ الأوَّل في أنَّ الأزمة هي أزمةُ موارد؛ إذ إنَّ البشريةَ كلَّها تنعَم بموردَي الأوقاتِ والأنفُس، ومِن الأدلَّة على بُطلانِ السبب الأوَّل هو تلك الرِّفعة التي وصَل إليها المسلمونَ الأوائل كأمَّة وأفراد، بالرغمِ مِن أنه لم يكُن لديهم مِن مواردَ إلاَّ ما امتلَكه الآخَرون مِن أنفُس وأوقات، بالإضافةِ إلى رمالِ الصحراء! إنْ كان بوسعِنا أن نَعُدَّ ذلك موردًا.

 

يَجِب أن تُسخِّر البشريةُ الموردين الأساسيين - الأوقات والأنفس - للتفاعلِ التام مع المحيطِ وَفقَ الإيمان، والعمل الصالِح، والتواصِي بالحقِّ، والتواصي بالصبر، ودون أن ينقصَ أيُّ أمر مِن هذه الأربعة، فكلها تكمِّل وتُتمِّم بعضَها، فالإيمان هو اعتقادٌ بالجَنان، والعملُ الصالح هو نُطقٌ باللِّسان وعملٌ بالأركان، والتواصِي بالحقِّ هو تعميمٌ للخير إلى الجماعةِ وعدم الاستئثار به، أمَّا التواصي بالصَّبر، فهو للتثبيتِ على الاستمرارِ في الطريقِ مهما كثُرتِ العوائِقُ والعراقيل.

 

إنها أشبهُ بمعادلةٍ رياضيَّة لا تفسد، وصِيغة عِلمية مسبوكة مِن لَدُن ربِّ العالمين تؤدِّي بمَن يتبعها إلى النجاحِ في تحقيقِ المأمول، وتُكسِبه المناعةَ من الإصابة بأيِّ مردود سلْبي، أو شعور بالعجْز أو القَيْدِ في حالاتِ الفشل الخارجة عن الإرادة.

 

في حين ظلَّ خلوف الأمَّة مدَّةً طويلة تتهاوَى فيها النُّفوس، وتتساقَط فيها الضمائر، ويَتشبَّث فيها المتشبِّثون بحبائل الدُّنيا المتهالِكة، كان سلفُ الأمة يجتمعون على ثلاث كلمات: مَن أصلح دُنياه أصلح الله آخِرتَه، ومَن أصلح سريرتَه أصلح الله علانيتَه، ومن أصلحَ ما بيْنه وبيْن الله أصلح الله ما بيْنه وبيْن الناس، وهذه كلُّها دعائمُ الضمير الحيِّ الذي يصلح صاحبه ويَدْعو غيره إلى الإصلاح.

 

الضمير والفطرة: الضمير يواكِب الفِطرة، والفِطرة تواكِب السُّنة، والسُّنة تُفسِّر القرآن، والقرآن مِن عند الله. نعَمْ، فالمعاني الطيِّبة التي تنطوي عليها كلمةُ الضمائر، لا تخرُج عمَّا جاءَ في كتابِ الله وفي سُنة رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وما سوى ذلك لا يَلزمنا، وكلُّنا يقينٌ أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما ترَك خيرًا يُقرِّب الأمَّةَ مِن ربِّها إلا ودلَّها عليه، وما ترك شرًّا يباعد الأمَّة عن ربِّها إلا أمرَها باجتنابه، فجزاه الله خيرًا عن الإسلام والمسلمين، ونحنُ بدورنا يجِب أن نعودَ لمِثل ما كان عليه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصحابته الكِرام؛ فقد كانوا أطهرَ هذه الأمة ضمائرَ، وأبرَّها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلَّها تكلُّفًا، ولن يصلح آخِر هذه الأمَّة إلا بما صلح به أوَّلُها.

 

نحنُ بحاجةٍ إلى إتقانِ فنِّ الحوار، وفنِّ الاختلاف، وقَبول الرأي الآخَر، والتخلِّي عن ازدراءِ الآخَر، وتَسْفيه الآراء، واتِّخاذ خُطوةٍ إيجابيَّة في تقبُّلِها ومناقشتِها، أو الاختلاف معها، ولكن في جَوٍّ من الأُلْفة والمودَّة والأُخوَّة، كما يقول الإمامُ الشافعيُّ - رحمه الله -: "رَأيي صوابٌ يحتمل الخَطأ، ورأي غيري خطأٌ يَحْتمل الصواب، وما جادلَني أحَدٌ في مسألةٍ إلاَّ تمنيتُ أن يُظْهِر الله الحقَّ على لسانِه، أو على لِساني".

 

• وقال أحدُ الصالحين: نتعاون فيما اتَّفقنا فيه، ويعذر بعضُنا بعضًا فيما اختلفنا فيه، والاختلافُ في الرأي لا يُفسِد للودِّ قضيةً.

 

• ويقول الإمامُ عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: مَن نصَّب نفسَه للناس إمامًا، فليبدأ بتعليمِ نفسه قبلَ تعليم غيره، وليكن تأديبُه بسيرتِه قبلَ تأديبه بلسانِه، ومعلِّم نفسِه ومؤدبها أحقُّ بالإجلالِ مِن معلِّمِ الناس ومؤدِّبهم.

 

• وقال أيضًا ناصحًا أحد أولادِه: يا بني، اجعلْ نفسَك ميزانًا فيما بيْنك وبيْن غيرِك، فأحببْ لغيرِك ما تُحبُّ لنفسك، واكْرَه لغيرِك ما تَكْره لنفسِك، ولا تَظلِم كما لا تُحبُّ أن تُظلَم، وأحْسِنْ كما تحبُّ أن يُحسَن إليك، واستقبح مِن نفسِك ما تستقبح مِن غيرك، وارضَ مِن الناس بما تَرْضاه لهم مِن نفسِك، ولا تقل ما لا تَعلم وإنْ قلَّ ما لا تَعْلم، ولا تقلْ ما لا تُحبُّ أن يُقال لك.

 

هذه لا تَنبع إلاَّ مِن ضميرٍ يقظٍ وثَّاب حيٍّ! وهكذا يجِب أن نصنعَ ضميرًا سليمًا، وخُلقًا قويمًا، ورؤيةً واضحة صحيحة تقودنا إلى قيادةٍ ربَّانية؛ لرِيادة العالَمين مِن أُمَّة رسولِ ربِّ العالمين؛ رحمةً وهداية، وقدوةً ورشادًا، تنطلق أولاً مِن داخل الضمير.

 

فاللهمَّ أبرِمْ لهذه الأمة أمرَ رُشد يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُذلُّ فيه أهلُ معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، اللهمَّ ارزقْنا حبَّك وحبَّ مَن يحبُّك، وحبَّ العمل الذي يُقرِّبنا إلى حبِّك، اللهمَّ ارفعْ مقتَك وبغضك وغضبَك عنَّا، ولا تُؤاخذنا بما فعَلَ السفهاءُ منا، اللهمَّ سَدِّدْ خُطانا إليك، وشرِّفنا بالعمل لدِينك، ووفِّقنا للجهادِ في سَبيلك، وغيِّر حالَنا لمرضاتك، امنحْنا التقوى، واهدْنا السبيلَ، وارزقنا الإلهامَ والرَّشاد، اللهمَّ ارزُقْنا الإخلاصَ في القوْل والعمل، ولا تَجعلِ الدنيا أكبرَ همِّنا، ولا مبلغَ عِلْمنا، وصلِّ اللهمَّ على سيِّدنا محمَّد وعلى أهله وصحْبه وسلِّم، والحمدُ لله ربِّ العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ثورة في ميدان الضمير
  • إهمال مواردنا

مختارات من الشبكة

  • الوفاء للشيوخ والعلماء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أزمة قراءة ... أزمة نقد(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أزمة دعوة أم أزمة مجتمع؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ماسبيرو: من أزمة العاملين إلى أزمة العمل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • بين فكر الأزمة وأزمة الفكر(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أزمتنا أزمة أخلاق وقيم(مقالة - موقع أ. حنافي جواد)
  • أزمة وسائل أم أزمة أهداف؟!(مقالة - موقع الدكتور عبدالكريم بكار)
  • (أزمة تسليم لا أزمة فهم) حصة آل الشيخ (نموذجًا)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • عن ثقافة الأزمة وأزمة الثقافة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المملكة: تجربة عالمية ودروس علمية في إدارة الأزمة(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
1- موضوع رائع
روضة المحبين - جدة 18-11-2011 08:32 AM

بارك الله فيك وجزاك الله خيراً

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب