• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / روافد
علامة باركود

الوشاية وأثرها على أمن المجتمع

د. وليد بن إبراهيم المهوس

المصدر: الدرعية: العددان 24/25، ذو الحجة 1424 - ربيع الأول 1425هـ/ فبراير - مايو 2004م
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/3/2011 ميلادي - 25/3/1432 هجري

الزيارات: 222910

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الوشاية وأثرها على أمن المجتمع

ودور المنهج في الوقاية منها

الدكتور: وليد بن إبراهيم المهوس[1]

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.

 

وبعد:

فلا يخفى ما للسان من خطر عظيم وشأوٍ كبير، وما له من آفات لا تكاد تُحْصَى كثرةً، بل إن الوشاية من أخطر آفات اللسان وأجلها ضررًا على الأفراد والمجتمعات، فالحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، والوشاية التي منبعها الحسد جمعت كلَّ خلق رذيل: فهي السعاية بالكذب، وهي النميمة، وهي الغِيبة، وهي البهتان، وهي الفسق، وهي اللمز، وهي الخديعة، وهي الطعن في الأعراض، ومن آثارها شيوع النمَّامين والكاذبين في المجتمع بمفاسدهم الخلُقية والاجتماعية، وهذا مدعاة لافتقاد الأمن الأسري، وهي نوعٌ من قتل الثقة بين أفراد المجتمع، وهذه زعزعةٌ في الأمن الشخصي، وفي الوشاية ونقل الكلام عن الآخرين افتقادٌ لأمن الأمة وتصدُّع للتلاحم والتكاتف، فأين يكمن خطرها؟ وما هي وسائلها؟ وكيف يستطيع المنهج أن يعالجها؟

 

لذا فقد استعرضت في هذه الدراسة الوشاية في: اللغة، الاصطلاح، القرآن الكريم، السنة المطهرة، الشعر الفصيح، الأمثال والحِكَم العربية، وكذا الوشاية في تراث الأمم الأخرى، ودلَّلت على ذلك بنماذج من الوشاية، ثم تناولت أسباب الوشاية ووسائلها وسبل الوقاية منها، وأثر الوشاية على أمن المجتمع، وختمت بالمنهج ودوره في الوقاية من الوشاية.

 

وهنا ألمح إلى أبرز أهداف هذه الدراسة، المتمثلة في:

• تحديد دلالة الوشاية.

• استقراء دلالة الوشاية في القرآن الكريم والحديث الشريف والأشعار والأمثال وتراث الأمم الأخرى.

• التعرُّف إلى الأسباب الدافعة على الوشاية.

• التعرُّف إلى سبل الوقاية من الوشاية.

• التعرُّف إلى علاقة الوشاية بأمن المجتمعات.

• التعرُّف إلى المنهج ودوره في الوقاية منها.

 

وقد جاءت الدراسة في مقدمة تناولت أهمية الدراسة وأهدافها، ثم خمسة مباحث:

الأول: الوشاية لغة واصطلاحًا.

الثاني: نماذج من الوشاية، وأقوال عنها.

الثالث: الوشاية: أسبابها، ووسائلها، وسبل الوقاية.

الرابع: الوشاية وأمن المجتمع.

الخامس: المنهج ودوره في الوقاية من الوشاية.

 

ثم الخاتمة متضمِّنة أهمَّ نتائج الدراسة، تليها توصيات الدراسة فالمصادر والمراجع.

 

المبحث الأول: الوشاية لغة واصطلاحًا.

الوشاية في اللغة:

قال ابن فارس: "الواو والشين والحرف المعتل أصلان: أحدهما يدلُّ على تحسين شيء وتزيينه، والآخر على نماء وزيادة"[2].

 

وجاء في "القاموس المحيط":

• وشى كلامه: كذب فيه.

• وشى به إلى السلطان وشيًا ووشاية: نمَّ، وسعى.

• وشى الكذب: ألفه ولوَّنه وزيَّنه، فهو واشٍ ج وشاه[3].

 

الوشاية اصطلاحًا:

نقل ما يكره نقله سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه، وسواء كان النقل بالتصريح أو بالتلويح أو الكتابة أو الحركة، وسواء كان المنقول عيبًا أو نقصًا في المنقول عنه أو لم يكن، بشرط أن تكون إلى مَن يخاف إلى جانبه[4].

 

دلالة الوشاية في القرآن الكريم:

لم يرد في القرآن الكريم الجذر اللغوي للفظ الوشاية، وإنما جاءت آيات قرآنية لها صلة أو علاقة بمصطلح الوشاية، من ذلك:

1- قوله - تعالى -: ﴿ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: 11].

قال الرازي: "كونه همازًا وهو العيَّاب الطعَّان، قال المبرد: الذي يهمز الناس؛ أي: يذكرهم بالمكروه... كونه مشاء بنميم؛ أي: يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم"[5].

 

2- قوله - تعالى -: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ [الهمزة: 1].

قال الرازي بعد أن ذكر سبعة أقوال في تفسيرها: "وأعلم أن جميع هذه الوجوه متقاربة راجعة إلى أصل واحد وهو الطعن وإظهار العيب"[6].

 

3- قوله - تعالى -: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ [التحريم: 10].

قال الرازي في "تفسيره": "ما كانت خيانتهما؟ نقول: نفاقهما وإخفاؤهما الكفر، وتظاهرهما على الرسولين، فامرأة نوح قالت لقومه: إنه مجنون، وامرأة لوط كانت تدلُّ على نزول ضيف إبراهيم، ولا يجوز أن تكون خيانتهما بالفجور، وعن ابن عباس: ما بغت امرأة نبيٍّ قط"[7].

 

4- قوله - تعالى -: ﴿ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴾ [المسد: 4].

قال الرازي في "تفسيره": "وذكروا في تفسير كونها حمالة الحطب وجوهًا... وثانيها: أنها كانت تمشي بالنميمة، يقال للمشاء بالنمائم المفسد بين الناس: يحل الحطب بينهم؛ أي: يُوقِد بينهم بالنائرة..."[8].

 

5- قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].

سورة الحجرات فيها إرشاد المؤمنين إلى مكارم الأخلاق وهي إما مع الله، أو مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو مع غيرهما من أبناء الجنس، وهم على صنفين؛ لأنهم إما أن يكونوا على طريقة المؤمنين وداخلين في رتبة الطاعة أو خارجين عنها وهم الفاسقون، والداخل في طائفتهم السالك لطريقتهم إما أن يكون حاضرًا عندهم أو غائبًا عنهم، فهذه خمسة أقسام:

أحدها: يتعلق بجانب الله.

وثانيها: بجانب الرسول.

وثالثها: بجانب الفُسَّاق.

ورابعها: بالمؤمن الحاضر.

وخامسها: بالمؤمن الغائب.

 

فذكرهم الله - تعالى - في هذه السورة خمس مرات ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ وأرشدهم في كل مرة إلى مكرمة مع قسم من الأقسام الخمسة.

 

فقال أولاً: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ... ﴾ [الحجرات: 1]، وذكر الرسول كان لبيان طاعة الله؛ لأنها لا تُعلَم إلا بقول رسول الله.

 

وقال ثانيًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾ [الحجرات: 2]؛ لبيان وجوب احترام النبي - صلى الله عليه وسلم.

 

وقال ثالثًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [الحجرات: 6]؛ لبيان وجوب الاحتراز عن الاعتماد على أقوالهم، فإنهم يريدون إلقاء الفتنة بينكم، وبيَّن ذلك عند تفسير قوله: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾ [الحجرات: 9].

 

وقال رابعًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ... ﴾ [الحجرات: 11]، وقال: ﴿ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ﴾ [الحجرات: 11]؛ لبيان وجوب ترك إيذاء المؤمنين في حضورهم والازدراء بحالهم ومنصبهم.

 

وقال خامسًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، وقال: ﴿ وَلاَ تَجَسَّسُوا ﴾، وقال: ﴿ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ﴾؛ لبيان وجوب الاحتراز عن إهانة جانب المؤمن حال غيبته، وذكر ما لو كان حاضرًا يتأذَّى، وهو في غاية الحسن من الترتيب، فإن قيل: لِمَ لم يذكر المؤمن قبل الفاسق لتكون المراتب متدرجة: الابتداء بالله ورسوله، ثم بالمؤمن الحاضر، ثم بالمؤمن الغائب، ثم بالفاسق؟ نقول: قدَّم الله ما هو الأهم على ما دونه، فذكر جانب الله، ثم ذكر جانب الرسول، ثم ذكر ما يفضي إلى الاقتتال بين طوائف المسلمين بسبب الإصغاء إلى كلام الفاسق والاعتماد عليه، فإنه يذكر كلَّ ما كان أشد نفورًا للصدور، وأما المؤمن الحاضر أو الغائب فلا يؤذي المؤمن إلى حدٍّ يفضي إلى القتل، ألا ترى أن الله - تعالى - ذكر عقيب نبأ الفاسق آية الاقتتال فقال: ﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ﴾[9].

 

6- قوله - تعالى -: ﴿ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 188].

 

قال البغوي: "اختلفوا فيمَن نزلت هذه الآية... أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا إذا خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغزو تخلَّفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واعتذروا إليه، وحلفوا، وأحبُّوا أن يُحمَدوا بما لم يفعلوا... قال عكرمة: نزلت في فنحاص وأشيع وغيرهما من الأحبار؛ يفرحون بإضلالهم الناس وبنسبة الناس إياهم إلى العلم، وليسوا بأهل العلم"[10].

 

وقال ابن كثير: "يعني بذلك: المرائين المتكثِّرين بما لم يعطوا..."[11].

 

وقال الرازي بعد ذكره المسائل الستِّ التي في هذه الآية: "هو الإنسان يأتي بالفعل بالذي لا ينبغي ويفرح به، ثم يتوقَّع من الناس أن يصفوه بسداد السيرة واستقامة الطريقة والزهد والإقبال على طاعة الله"[12].

 

دلالة الوشاية في الحديث الشريف:

ورد الجذر اللغوي للفظ الوشاية في الحديث الشريف، ومن ذلك الحديث الذي رواه الترمذي: "عن البراء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث جيشين وأمَّر على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: ((إذا كان القتال فعلي))، قال: فافتتح عليٌّ حصنًا فأخذ منه جارية، فكتب معي خالد بن الوليد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشي به، فقدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأ الكتاب فتغيَّر لونه ثم قال: ((ما ترى في رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله؟))، قال: قلت: ((أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، وإنما أنا رسول، فسكت...".

 

قال أبو عيسى: "وفي الباب عن ابن عمر، وهذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الأحوص بن جواب: قوله: "يشي به"؛ يعني: النميمة"[13].

 

الوشاية في الشعر العربي:

ورد الجذر اللغوي للوشاية في الشعر العربي قديمًا وحديثًا، ومن ذلك:

قول النابغة:

لَئِنْ كُنْتَ قَدْ بُلِّغْتَ عَنِّي خِيَانَةً
لَمُبْلِغُكَ الوَاشِي أَغَشُّ وَأَكْذَبُ [14]

 

وقول زهير بن أبي سلمى:

صَرَمَتْ جَدِيدَ حِبَالِهَا أَسْمَاءُ
وَلَقَدْ يَكُونُ تَوَاصُلٌ وَإِخَاءُ
فَتَبَدَّلَتْ مِنْ بَعْدِنَا أَوْ بُدِّلَتْ
وَوَشَى وُشَاةٌ بَيْنَنَا أَعْدَاءُ [15]

 

وقول ابن مقبل:

وَلَقَدْ نَعِيشُ وَوَاشِيَانَا بَيْنَنَا
صَلِفَانِ وَهْيَ غَرِيرَةُ الأَتْرَابِ[16]

 

وقول يزيد بن سلمة بن الطثرية:

تَكَنَّفَنِي الوَاشُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
وَلَوْ كَانَ وَاشٍ وَاحِدٌ لَكَفَانِي
إِذَا مَا جَلَسْنَا مَجْلِسًا نَسْتَلِذُّهُ
تَوَاشَوْا بِنَا حَتَّى أَمَلَّ مَكَانِي [17]

 

الوشاية في الأمثال العربية:

ورد الكثير من الأمثال الدالة على الوشاية، منها:

• "كلامٌ كالعسل، وفعلٌ كالأسل"[18].

• "عينك عبرى، والفؤاد ددٍ"[19].

• "ترى الفتيان كالنحل، وما يدريك ما الدخل"[20].

• "لا يعلم ما في الخفِّ إلا الله والإسكاف"[21].

• "برقٌ لو كان له مطر"[22].

 

الوشاية في الحِكَم العربية:

ورد الكثير من الحِكَم العربية الدالة على الوشاية؛ ومنها:

• "مَن نقل إليك فقد نقل عنك"[23].

• "مَن نمَّ لك نمَّ عليك"[24].

• "النميمة لا تقرب مودة إلا أفسدتها، ولا عداوة إلا جددتها، ولا جماعة إلا بدَّدتها"[25].

 

وقال لقمان الحكيم لابنه: "يا بني، إني مُوصِيك بخلال إن تمسَّكت بهن لم تزل سيدًا: ابسط خلقك للقريب والبعيد، وأمسك جهلك عن الكريم واللئيم، واحفظ إخوانك، وصِل أقاربك وأمنهم من قبول قول ساعٍ (واشٍ) أو سماع باغٍ يريد فسادك ويروم خداعك، وليكن إخوانك مَن إذا فارقتهم أو فارقوك لم تعبهم أو يعيبوك"[26].

 

الوشاية في ضوء نظرية الحقول الدلالية:

يقال: "نمَّ عليه، ووشى به، وسعى به، ومحل به، ودسَّ عليه نمائمه، وبس عليه عقاربه، ودبَّت عقاربه بين القوم، وأفسد ذات بينهم، وأرسل بينهم نمائمه، وبثَّ بينهم مآبره، وزرع بينهم الأحقاد، ودرج بينهم بالنميمة، ومشى بينهم بالنمائم، ومشى بينهم بالحظر الرطب، وأوقد في الحظر الرطب، وآكل بينهم إيكالاً، وضرب بينهم، وضرب، ودبَّ، وأغرى، وحرش، وأرش، وأرث، وأفسد، وأنمس، وأنمل، وقد ضرب بينهم وذرب، وسعى بينهم بالأكاذيب والتضاريب.

 

وإنه لرجل نمَّام، ومشَّاء، وزرَّاع، وقتَّات، ودرَّاج، ومنمل، ومنمس، وهو ذو نملة، ونميلة، وإنه لذو نمانم، ونمائل، ووشايات، وسعايات، وعقارب، ونيارب، ومآبر...

 

وقد اندسَّ إلى فلان بكذا، وتناولني عنده، وراش لي نبل السعاية، ونقل إليه عنِّي كذا، وبلغه عنِّي بلاغ سوء، وأفسد حالي عنده، وأخبث ريحي عنده، وأرهج بيني وبينه بالفساد، وزرع بيني وبينه زرعا خبيثا[27].

 

الوشاية في تراث الأمم الأخرى:

ولأن الوشاية يمجُّها الطبع البشري النزيه والأنفس السليمة والفطرة المستقيمة، فإنك تجدها ممقوتة لدى الأمم والحضارات الأخرى؛ لذا يرى الباحث إيراد ما قِيل عن الوشاية في أشعارهم وأمثالهم، وكيف قبَّحوها ومقتوها.

 

اللغة الإنجليزية:

:Poetry

Bad news travels ten times faster than good news because most of use are gossips, we look to criticize the perceived flaws in the appearance and behavior of others who do not conform to our desires and standards, we believe to be the norm, so we put others down to feel good and "Better Than" anyone who does not meet our desires, whether a child or a man. Yet, no matter how we try, we know others will gossip about us and we never realize that gossip is malicious.

تسافر الأخبار السيئة بعشرة أضعاف سرعة سفر الأخبار الطيبة؛ لأن معظمنا مغتابون، فنحن متشوِّقون دائمًا لانتقاد ما نراه نقصًا في الآخرين المختلفين عنَّا، سواء في مظهرهم أو سلوكهم، فنحن إذًا نحطُّ من شأن الآخرين لنشعر بالرضا الذاتي عن أنفسنا، وأننا أفضل من أيِّ شخص آخر لا يلبي رغباتنا، رجلاً كان أم طفلاً، ومع ذلك فمهما حاولنا فإننا ندرك أن الآخرين ينشرون الشائعات عنَّا بدورهم، لكننا نخفق في ملاحظة أن القيل والقال عمل ماكر.

 

Gossip is d deadly microbe,•

It has neither legs nor wings,•

It is compsed mostly of tales,•

نشر الشائعات جرثومة مميتة، لا أرجل لها ولا أجنحة، إنها تتكوَّن في معظمها من حكايات، ولكل واحدة منها شركة[28].

 

Gossip is always a personal confession either of malice or imbecility and the young should not only shun it, but also most thorough culture relieve themselves from all temptation to it. It is a low, faivolous, and too often a dirty business.

نشر الشائعات دائمًا لا يعدو كونه اعترافًا شخصيًّا، إما بالمكر والخبث، أو الحماقة التامة، وعلى الشباب ألا يزدروها فحسب، ولكن أن يوطِّنوا أنفسهم ويهذِّبوها على مقاومة إغرائها، إنها عمل وضيع تافه وقذر[29].

 

There are two kinds of people who blow. Through life like a breeze. And one kind is gossiber. And the other is gossipees

.هناك صنفان من الناس ينفثون الإشاعات طيلة حياتهم، الصنف الأول هم ناشروها، الصنف الثاني هم متلقوها![30].

 

Talebearers are just as bad as tale makers.

الذين ينقلون الوشايات والحكاوي لا يقلُّون سوءًا عن أولئك الذين ينفثونها[31].

 

There is so much that is bad in the best of us, And so much that is good in the worst of us, That it does mot behoove any of us, To talk about the rest of us.

هناك الكثير مما هو سيِّئ في أحسننا والكثير مما هو حسن في أسوئنا؛ ولذلك لا يتعيَّن على أيٍّ منَّا أن يتكلم عن البقية منَّا[32].

 

اللغة الصينية:

• أَدِر لسانك في فمك سبع مرات قبل أن تتكلم.

• مقتل الرجل بين فكَّيه.

• فم اللئيم لا ينضح عسلاً، ولا يرجى الطيب من كيس الفحم.

• حشر الأنف في شؤون الغير مثل كلب يحاول صيد الفئران.

• كلام شوارع / القيل والقال[33].

 

اللغة الروسية:

قال الشاعر الروسي بوشكن وهو يصف رجلاً ذا صفات مذمومة اسمه فلانوف: "إنه كثير الغيبة وعجوز نهم يفكِّر في شهواته ومرتشٍ ومهرِّج"[34].

 

ويقال في روسيا للشخص الذي يتكلم في أعراض الناس: "أنت مثل العجوز في السوق التي لا يجفُّ لسانها بسبب تكلُّمها في أعراض الناس".

 

اللغة الألمانية:

Varleumdungen sind krankheiten anderer, die an deinem leibe ausbrechen.

النميمة هي أمراض الغير التي ينشرونها على جسدك[35].

 

Verleumdung ist der schlechte atem der feigheit. Die moisten denunzieren nicht aus hab, sondern aus furcht, selbst denunziert zu warden.

النميمة هي أنفاس الجبان التي يطلقها ليس بدافع الكراهية وإنما بدافع الخوف أن تطلق عليه[36].

 

Verleumdung ist die Erleichterung der Bosartigheit.

النميمة هي راحة الحاقدين[37].

 

Was ist verleumdung ? Ein Schuldspruch der in Abwesenheit des Angeklagten hinter vershlossenen Turen, ohne Verteidigungsoder Berufungsrecht, von einem vereingenommenen Richter verkundet wird. Roux.

ما هي الغيبة؟ هي الحكم غيابيًّا على المتَّهم خلف الأبواب المغلقة بدون دفاع وبدون استئناف ويصدره قاضٍ متحيِّز.

 

Verleumdugen sammeln sich um einer Witwe herum China.

تتجمَّع النميمة على باب الأرملة.

 

Verleumdugen geschehen taglich , aber wenn niemand auf sie horen wolte, wurden bald verschwinden China.

النميمة تحدث يوميا ولكنها سوف تختفي إذا لم تجد من يستمع إليها.

 

Verleumdugen stirbt an der tur einer guten Frau Danemark.

تموت النميمة على باب المرأة الصالحة.

 

Verleumdet jemand andre vor dir, verleumdet er auch hinter der Tur.

مَن يغتاب عندك سوف يغتابك.

 

Verleumder haben de Teufel in ihren Zaungen, aber die Zuhorer haben ihn in ihren ohren Danemark.

الوشاة يحملون الشيطان على ألسنتهم والذين يستمعون لهم يحملونه في أذنهم[38].

 

اللغة الفرنسية:

Vendre La meche.

باع الزبالة؛ أي: وشى.

 

Avoir Une Mauvaise Langue.

هو صاحب لسان بذيء.

 

L'odeur d'un coquillage putrefie suffit puor accuser toute la mer.

رائحة المحار الفاسد تلوِّث بحرًا بأكمله: باب الوشاية.

 

Les calomniateurs sont comme la feu qui noircitle bois vert, ne pouvant le bruler.

الوشاة مثل النار التي تجعل من الحطب الأخضر أسود اللون من دون أن تحرقه[39].

 

Qui veut tue Qui r sont chien L'accuse de la rage !

مَن يريد أن يقتل كلبًا يقول: إنه مسعور. (وهذا المثل يدخل في باب الوشاية).

 

Qui crache en L'air recoit le crachat!

 

لهذا المثل عدَّة معان نذكر منها المعنى الآتي:

مَن أكل لحم الناس أُكِل لحمه.

 

On offer les poisons envelopes de mile.

دسَّ السم في الدسم. (يقال هذا المثل لِمَن يمدح شخصًا ويريد بذلك الإساءة إليه، ويدخل هذا في باب الوشاية).

 

Le mal qu'on dit d'autrui ne produe que du mal.

عاقبة الغِيبة وخيمة[40].

 

La medisance est la soulagement de la malignite.

في النميمة يطمئن الخبث[41].

 

Sur vingt personnes qui parlent de nous, dix – neuf en disent du mal, et le vingtieme, qui en dit du bien, le dit.

تجد من بين كل عشرين شخصًا يتحدَّثون فينا، تسعة عشر يأكلون لحومنا، أما الشخص العشرون الذي يريد أن يذكرنا بخيرٍ يخطئ فيقول ما يسيء لنا[42].

 

L'ecoutant fait la medisant.

المستمع لنميمة نمام.

 

La moitie du monde s'applique a'medire , et l'autre moitie a' ecouter les medisances.

نصف البشر يمشي في النميمة، والنصف الآخر يستمع إليها.

 

Clair comme de l' eau de roche.

أنم من زجاجة على ما فيها[43].

 

المبحث الثاني: نماذج على الوشاية، وأقوال عنها:

قال الواثق لأحمد بن أبي دؤاد: فلان قال فيك كذا، فقال: الحمد لله الذي أحوجه إلى الكذب فيَّ ونزَّهني عن الصدق فيه.

 

وكان الفضل بن سهل يبغض السعاة، فإذا أتاه ساعٍ، يقول: إن صدقتنا أبغضناك، وإن كذبتنا عاقبناك، وإن استقلتنا أقلناك.

 

ووقع عبدالله بن طاهر في قصة ساعٍ: سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين.

 

ووقع السفاح في قصة ساعٍ: أنت ظاهر السعاية، قليل النكاية.

 

ورفع رجل قصة إلى أنوشروان أن رجلاً من العامة دعاه إلى منزله فأطعمه طعام الخاصة، فوقع في قصته: قد أحمدنا فعلك فيما تأتيه، وذممنا صاحباك لسوء اختياره لِمَن يؤاخيه[44].

 

ورفع بعض السعاة إلى الصاحب بن عباد رقعة نبَّه فيها على مال يتيم يحمله على أخذه لكثرته، فكتب على ظهرها: السعاية قبيحة وإن كانت صحيحة، الميت رحمه الله، واليتيم جبره الله، والمال ثمره الله، والساعي لعنه الله[45].

 

وسعى رجلٌ بزياد الأعجم إلى سليمان بن عبدالله، فجمع بينهما للموافقة فأقبل زياد على الرجل يقول:

فَأَنْتَ امْرُؤٌ إِمَّا ائْتَمَنْتُكَ خَالِيًا
فَخُنْتَ وَإِمَّا قُلْتَ قَوْلاً بِلاَ عِلْمِ
فَأَنْتَ مِنَ الأَمْرِ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا
بِمَنْزِلَةٍ بَيْنَ المَلاَمَةِ وَالإِثْمِ[46]

 

وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - للأشتر النخعي حين ولاَّه مصر: وتغابَ عمَّا لا يتَّضح لك، ولا تعجلن إلى تصديق ساعٍ، فإن الساعي غاشٌّ وإن تشبَّه بالناصحين[47].

 

وقال في السُّعاة: كفى أن الصدق محمود إلا منهم، وأن أصدقهم أخبثهم[48].

 

ويُروَى أن حكيمًا من الحكماء زاره بعض إخوانه، فأخبره بخبرٍ عن غيره، فقال له حكيم: قد أبطأت في الزيارة وأتيتني بثلاث جنايات: الأولى: بغَّضت إلي، والثانية: شغلت قلبي الفارغ، والثالثة: اتهمت نفسك الأمينة[49].

 

ورُوِي أن سليمان بن عبدالملك بن مروان كان جالسًا وعنده محمد بن شهاب الزهري، فجاء رجل فقال له سليمان: بلغني أنك وقعت فيَّ وقلتَ كذا وكذا، فقال الرجل: ما فعلت ولا قلت، فقال سليمان: إن الذي أخبرني كان صادقًا، فقال الزهري: لا يكون النمَّام صادقًا، فقال سليمان: صدقت، وقال للرجل: اذهب بسلام[50].

 

وقال المأمون: حسبك من السعاية أن ليس في الدنيا صدقٌ مذموم غيرها.

 

وقيل: الساعي غاشٌّ وإن قال قول المتنصِّح.

 

وقال ابن أكثم: القول بالمحاسن في المغيب فريضة على كلِّ ذي نعمة، وقال المأمون لابنه العباس: قلِّم أظفارك من جليسك، فأخسُّ الناس من دمي جليسه بظفره، قال: ولله درُّ القائل:

لاَ أَخْدِشُ الخَدْشَ بِالجَلِيسِ وَلاَ
يَخْشَى جَلِيسِي إِذَا انْتَشَيْت يَدِي[51]

 

ولمَّا أراد عبدالملك بن صالح الهاشمي الخروجَ إلى الشام استدعى حوائجه من جعفر بن يحيى فقال: أسألك أن تكون لي كما قال ابن الدمينة:

فَكُونِي عَلَى الوَاشِينَ لَدَّاءَ شَغْبَةً
كَمَا أَنَا لِلْوَاشِي أَلَدُّ شَغُوبُ

 

فقال له جعفر: أكون كما قال الآخر:

وَإِذَا الوَاشِي أَتَى يَسْعَى بِهَا
يَقَعُ الوَاشِي بِمَا جَاءَ يَضُرّْ [52]

 

ومن أوضح نماذج الوشاية وسوء عاقبتها على الواشي أنه كان رجلٌ يغشى بعض الملوك؛ أي: يدخل عليه، فيقوم بحذاء الملك؛ أي: في مقابلته، فيقول: أحسِن إلى المحسِن بإحسانه، فإن المسيء ستكفيه إساءته، فحسده رجل على ذلك المقام من الملك والكلام بين يديه، فسعى به إلى الملك، فقال: إن هذا الذي يقوم بحذائك زعم يقول: إن الملك أبخر - وهو الذي فسد ريح فمه - فقال له الملك: وكيف يصحُّ ذلك عندي؟ قال: تدعو به إليك إذا أخذ مقامه، فإنه إذا نادمك يضع يده على أنفه لئلاَّ يشمَّ ريح البخر، فقال له: انصرف حتى انظر صحة ذلك، فخرج من عند الملك، فدعا الرجل المذكور إلى منزله، فأطعمه طعامًا فيه ثوم، فخرج الرجل من عنده، وقام بحذاء الملك، فقال على عادته قوله: أيها الملك أحسِن إلى المحسِن بإحسانه، فإن المسيء ستكفيه إساءته، فقال له الملك: ادنُ مني، فدنا، فوضع يده على فيه مخافة أن يشمَّ الملك منه ريح الثوم، فقال الملك في نفسه: ما أرى فلانًا إلا قد صدق في قوله، وكان الملك لا يكتب بخطِّه إلا بجائزة أو صلة، فكتب له كتابًا بخطِّه إلى عامل من عمَّاله: إذا أتاك حامل كتابي فاذبحه واسلخه واحشُ جلده تبنًا وابعث به إليَّ، فأخذ الكتاب وخرج، فلقيه الرجل الذي سعى به، فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: خطَّ الملك لي بصلة، فقال: هبْه منِّي، فقال: هو لك، فأخذه ومضى إلى العامل فقال العامل: في كتابك أن أذبحك وأسلخك، قال: إن الكتاب ليس هو لي، الله الله في أمري حتى أرجع إلى الملك، قال: ليس لكتاب الملك مراجعة، فذبحه وسلخه وحشا جلده تبنًا وبعث به، ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته وقال مثل قوله فتعجَّب الملك وقال: ما فعل الكتاب؟ قال: لقيني فلان واستوهبه منِّي فوهبته له، فقال له الملك: إنه ذكر لي أنك تزعم أنني أبخر، قال: ما فعلت، قال: فلم وضعت يدك على أنفك؟ قال: كان أطعمني طعامًا فيه ثوم، فكرهت أن تشمَّه، قال: صدقت، ارجع إلى مكانك فقد كفاك المسيء إساءته[53].

 

وروي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: سعى رجلان بمؤمن آل فرعون إليه، وقالا: إن فلانًا لا يقول إنك ربه، فأحضره فرعون وقال للساعيين: مَن ربكما، فقال: أنت، وقال للمؤمن: مَن ربك؟ فقال: ربي ربهما، فقال: سعيتما برجل على ديني لأقتله، لأقتلكما، وأمر بهما فقتلا، فذلك قول الله - عز وجل -: ﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 45][54].

 

ووشى واشٍ برجل إلى الإسكندر، فقال: أتحبُّ أن نقبل منك ما قلت فيه على أن نقبله فيك؟ قال: لا، قال: فكفَّ عن الشرِّ يُكَفُّ عنك[55].

 

وقال رجلٌ لعمرو بن عبيد: إن الأسواري (نسبة إلى نهر الأساورة بالبصرة) لم يزل يذكرك ويقول: الضال، فقال عمرو: والله يا هذا، ما رعيت حقَّ مجالسته حين نقلتَ إلينا حديثه، ولا رعيتَ حقي حين أبلغتني عن أخي ما أكرهه، اعلم أن الموت يجمعنا، والبعث يحشرنا، والقيامة تجمعنا، والله يحكم بيننا[56].

 

وقالت أعرابية لابنها: يا بنيَّ، إياك وصحبة من مودته بشرِّه، فإنه بمنزلة الريح[57].

 

وقال رجل لآخر: بلغني عنك أمرٌ قبيح، فقال: يا هذا، إن صحبة الأشرار ربما أورثت سوء الظن بالأخبار[58].

 

ومن أبرز النماذج على الوشايات ما ذكره بيدبا الفيلسوف عندما سأله دبشليم ملك الهند أن يضرب له مثل الرجلَين المتحابَّين يقطع بينهما الكذوب الخؤون، ويحملهما على العداوة والشنآن، وهو باب الأسد والثور من كليلة ودمنة[59].

 

وقال عبدالرحمن بن حسان:

لاَ خَيْرَ فِي الوُدِّ مِمَّنْ لاَ تَزَالُ لَهُ
مُسْتَشْعِرًا أَبَدًا مِنْ خِيفَةٍ وَجِلاَ
إِذَا تَغَيَّبَ لَمْ تَبْرَحْ تُسِيءُ بِهِ
ظَنًّا وَتَسْأَلُ عَمَّا قَالَ أَوْ فَعَلاَ

 

وقال مرة بن محكان:

تَرَى بَيْنَنَا خِلَقًا ظَاهِرَهْ
وَصَدْرًا عَدُوًّا وَوَجْهًا طَلِيعَا

 

وقال المرار:

كَذِبٌ تَخَرُّصَهُ عَلَيَّ لِقَوْمِهِ
سِلْمُ اللِّسَانِ مُحَارِبُ الإِسْرَارِ

 

وقال المثقب العبدي:

فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَخِي بِصِدْقٍ
فَأَعْرِفُ مِنْكَ غَثِّي مِنْ ثَمِينِي
وَإِلاَّ فَاجْتَنِبْنِي وَاتَّخِذْنِي
عَدُوًّا أَتَّقِيكَ وَتَتَّقِينِي [60]

 

وقال الشاعر:

وَإِنَّ مِنَ الخِلاَّنِ مَنْ تَشْحَطُ النَّوَى
بِهِ وَهْوَ دَاعٍ لِلْوِصَالِ أَمِينُ
وَمِنْهُمْ صَدِيقُ العَيْنِ أَمَّا لِقَاؤُهُ
فَحُلْوٌ وَأَمَّا غَيْبُهُ فَظُنُونُ [61]

 

وقال سويد بن الصامت:

أَلاَ رُبَّ مَنْ تَدْعُو صَدِيقًا وَلَوْ تَرَى
مَقَالَتَهُ بِالْغَيْبِ سَاءَكَ مَا يَفْرِي
مَقَالَتُهُ كَالشَّحْمِ مَا كَانَ شَاهِدًا
وَبِالْغَيْبِ مَأْثُورٌ عَلَى ثَغْرَةِ النَّحْرِ
تُبِينُ لَكَ العَيْنَانِ مَا هُوَ كَاتِمٌ
مِنَ الضِّغْنِ وَالشَّحْنَاءِ بِالنَّظَرِ الشَّزْرِ
فَرَشْنِي بِخَيْرٍ طَالَمَا قَدْ بَرَيْتَنِي
وَخَيْرُ المَوَالِي مَنْ يَرِيشُ وَلاَ يَبْرِي [62]

 

وقال يزيد بن الحكم الثقفي:

تُكَاشِرُنِي كُرْهًا كَأَنَّكَ نَاصِحٌ
وَعَيْنُكَ تُبْدِي أَنَّ قَلْبَلَكَ لِي دَوِيْ
لِسَانُكَ مَاذِيٌّ وَقَلْبُكَ عَلْقَمٌ
وَشَرُّكَ مَبْسُوطٌ وَخَيْرُكَ مُنْطَوِيْ
عَدُوُّكَ يَخْشَى صَوْلَتِي إِنْ لَقِيتُهُ
وَأَنْتَ عَدُوِّي لَيْسَ ذَاكَ بِمُسْتَوِيْ
أَرَاكَ إِذَا لَمْ أَهْوَ أَمْرًا هَوِيتُهُ
وَلَسْتُ لِمَا أَهْوَى مِنَ الأَمْرِ بِالهَوِي
أَرَاكَ اجْتَوَيْتَ الخَيْرَ مِنِّي وَأَجْتَوِي
أَذَاكَ فَكُلٌّ يَجْتَوِي قُرْبَ مُجْتَوِي [63]

 

وقال الموسوي:

وَأَوْطَأْتُ أَقْوَالَ الوُشَاةِ أَخَامِصِي
وَقَدْ كَانَ سَمْعِي مُدْرَجًا لِلنَّمَائِمِ [64]

 

المبحث الثالث: الوشاية: أسبابها، ووسائلها، وسبل الوقاية:

الأسباب الباعثة على الوشاية:

1- الحقد والغضب الكامن في قلب الواشي:

الحقد هو الانطواء على العداوة والبغضاء... فالحقد ثمرة الغضب ونتيجته[65].

 

والغضب إذا استمرَّ المرء في كظمه لعجزه عن التشفِّي بالمغضوب عليه في الحال، رجع إلى الباطن واحتقن واحتبس فصار حقدًا.

 

وقد اعتبر الإسلام من دلائل الصَّغار وخسَّة الطبيعة، أن يرسب الغلَّ في أعماق النفس فلا يخرج منها، بل يظل يموج في جوانبها كما يموج البركان المكتوم، وكثيرٌ من أولئك الذي يحتبس الغلَّ في أفئدتهم يتلمَّسون متنفَّسًا له في وجوه مَن يقع معهم، فلا يستريحون إلا إذا أرغوا وأزبدوا، وآذوا وأفسدوا... وجمهور الحاقدين تغلي مراجل الحقد في أنفسهم؛ لأنهم ينظرون إلى الدنيا فيجدون ما يتمنونه لأنفسهم قد فاتهم، وامتلأت به أكفَّ أخرى، ومن قديمٍ أحسَّ الناس، حتى في جاهليتهم أن الحقد صفة الطبقات الدنيا من الخلق، وأن ذوي المروءات يتنزَّهون عنه، قال عنترة:

لاَ يَحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ
وَلاَ يَنَالُ العُلاَ مَنْ طَبْعُهُ الغَضَبُ [66]

 

والحقد يثمر ثمانية أمور:

الأول: الحسد، وهو أن يحمل الحقد المرء على أن يتمنَّى زوال النعمة عن المنعَم عليه، فيغتمُّ بنعمة أصابها ويُسَرُّ بمصيبة إن نزلت به، وهذا من فعل المنافقين؛ لمخالفة الظاهر فيه الباطن.

الثاني: أن يزيد على أصحاب الحسد في الباطن فيشمت؛ أي: يفرح بما يصيب المنعَم عليه من البلاء.

الثالث: أن تهجره وتصارمه وتنقطع عنه وإن طلبك وأقبل عليك بلا عاطفة.

الرابع: أن تُعرِض عنه استصغارًا له واستحقارًا.

الخامس: أن تتكلَّم فيه بما لا يحلُّ من كذب وغيبة وإفشاء سر وهتك ستره وغيره.

السادس: أن يحاكيه استهزاء به وسخرية منه.

السابع: إيذاؤه بالضرر وما يؤلم بدنه.

الثامن: أن يمنعه حقَّه: من صلة رحم، أو قضاء دين، أو ردِّ مظلمة[67].

 

وقد شدَّد القرآن الكريم والسنة النبوية على خطر ذلك؛ ففي القرآن الكريم قال - تعالى -: ﴿ وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].

 

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئًا؛ فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر))[68].

 

وذو الغضب الكامن في القلب إذا هاج غضبه وثار من باطنه على الجوارح تشفَّى بذكر مساوئ ومعايب صاحبه، وسبق اللسان إلى ذكر تلك المساوئ بالطبع المجبول عليه إن لم يكن ثَمَّ دين وازع.

 

وقد يمتنع تشفِّي الغيظ عند هيجان الغضب فيحتقن الغضب في الباطن، ويصير حقدًا ثابتًا؛ فيكون سببًا دائمًا لذكر المساوئ.

 

وعن أبي هريرة- رضي الله عنه - أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصني، قال: ((لا تغضب))، فردَّد مرارًا؛ قال: ((لا تغضب))[69].

 

2- موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء:

لا شك أن موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء والأصحاب ومساعدتهم على الكلام من أسباب الوشاية؛ فإنهم إذا كان من عاداتهم أنهم يتفكَّهون بذكر الأعراض والوقوع فيها، فيرى الواشي أنه لو أنكر عليهم بلسانه أو قطع المجلس استثقلوه ونفروا منه وقطعوا صحبته، فيساعدهم على عوائدهم ويرى ذلك من حسن المعاشرة وجميل المجاورة، وهذا يقع فيما ذمَّه النبي - عليه الصلاة والسلام - فعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه مَن أرضاه في سخطه، ومَن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه مَن أسخطه في رضاه، حتى يزينه ويزين قوله وعمله في عينه))[70]، فإن وشى وتفكَّه معهم فستكون الدائرة عليه.

 

3- التحامي عن ردِّ قول الواشي لسبق الغير في تقبيحه:

وهو أن يستشعر الواشي من إنسان أنه سيقصده بأن يقبح مقاله ويفضح حاله عند ذي جاه أو منصب فيبادره الواشي ويستعجل عليه، فيبتدئ إلى ذي الجاه أو المنصب بذكر ما فيه صادقًا ليكذب عليه بعده.

 

4- تبرُّؤ الواشي من سوء منسوب إليه بأن ينسبه إلى الغير:

وهو أن يُنسَب الواشي إلى سوء فيريد أن يتبرَّأ منه فيذكر الذي فعله، وكان من حقِّه أن يبرِّئ نفسه ولا يذكر الذي فعله، فلا ينسب غيره إليه، أو يذكر غيره بأنه كان مشاركًا له في العمل ليمهِّد بذلك عذر نفسه في فعله.

 

5- المفاخرة، بأن يرفع الواشي من قدر نفسه بتنقيص غيره:

وهو إرادة التصنُّع والمباهاة والمفاخرة بأن يرفع نفسه بتنقيص غيره، فيقول: فلان جاهل وفهمه ركيك وكلامه ضعيف ونحو ذلك، وغرضه منه أن يثبت في ضمن ذلك فضل نفسه ورفعة مقامه، ويرى الناس أنه أعلم منه، أو يحذر أن يعظم عندهم مثل تعظيمه فيقدح فيه لذلك؛ حتى ينقص مقامه عندهم.

 

6- الحسد:

وهو: كراهة النعمة وحب زوالها عن المنعَم عليه، ولا حسد إلا على نعمة، فإذا أنعم الله على أخيك في الدين بنعمة فلك فيها حالتان، إحداهما: أن تكره تلك النعمة وتحبُّ زوالها وهذه الحالة تسمى حسدًا، والحالة الثانية ألاَّ تحب زوالها ولا تكره وجودها ولا دوامها، ولكنك تشتهي لنفسك مثلها، وهذا يسمى غبطة، وهي محمودة[71].

 

وقد يُخَصُّ الحسد باسم المنافسة، وقد تُسمَّى المنافسة حسدًا والحسد منافسة، ويُوضَع أحد اللفظين مكان الآخر، ولا حجر في الأسامي بعد فهم المعاني.

 

ومراتب الحسد أربعة:

الأولى: أن يحب زوال النعمة عن المنعَم عليه وإن كان ذلك لا ينتقل إليه، وهذا غاية الخبث.

الثانية: أن يحب انتقال النعمة لرغبته في تلك النعمة؛ مثل: رغبته في دار حسنة، أو امرأة جميلة، أو ولاية نافذة الأحكام، أو سعة عيش نالها غيره، وهو يحب أن تكون له، ومطلوبه تلك النعمة لا زوالها عنه ومكروهه فقْد النعمة من أصلها.

الثالثة: ألاَّ يشتهي ذات النعمة، بل يشتهي لنفسه مثلها، فإن عجز عن مثلها أحب زوالها؛ كي لا يظهر التفاوت بينهما.

الرابعة: أن يشتهي لنفسه مثلها، فإن لم يحصل له ذلك فلا يحب زوالها عنه، وهذا الأخير هو المعفوُّ عنه إن كان في الدنيا، والمندوب إليه إن كان في الدين[72].

 

وأسباب الحسد سبعة:

1- العداوة: فالمرء إنما يكره النعمة، على غيره؛ لأنه عدوُّه إما لسبب ديني أو دنيوي، فلا يريد له الخير مطلقًا.

2- التعزُّز: وهو أن يعلم الحاسد أنه يستكبر بالنعمة عليه، وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزة نفسه.

3- الكبر: وهو أن يكون في طبع الحاسد التكبُّر على المحسود، ويمتنع ذلك عليه بنعمته.

4- التعجب: وهو أن تكون النعمة عظيمة والمنصب كبيرًا، فيتعجَّب من فوز مثله بمثل تلك النعمة.

5-الخوف من فوت المقاصد المحبوبة: وهو أن يخاف الحاسد من فوات مقاصده بسبب نعمته بأن يتوصَّل بها إلى مزاحمته في أغراضه.

6- حب الرياسة: وهو أن يكون الحاسد يحبُّ الرياسة التي تبنى على الاختصاص بنعمة لا يساوى فيها.

7- خبث النفس وبخلها وشحُّها بالخير لعباد الله[73].


والحاسد شخص واهن العزم، كليل اليد، جاهل بربِّه وبسننه في كونه، ذلك أنه لما فاته الخير لأمرٍ ما تحوَّل يكيد للناجحين.

حَسَدُوا الفَتَى إِذْ لَمْ يَنَالُوا سَعْيَهُ
فَالكُلُّ أَعْدَاءٌ لَهُ وَخُصُومُ

 

وقد حرَّم الإسلام الحسد، وأمر الله رسولَه أن يستعيذ من شرور الحاسدين؛ لأن الحسد جمرة تتَّقد في الصدر، فتؤذي صاحبها وتؤذي الناس به.

 

والشخص الذي يتمنَّى زوال النِّعَم آفةٌ تُحْذَر غوائلها على المجتمع، ولا يطمأن إلى ضميره في عمل، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يجتمع في جوف عبدغبار في سبيل الله وفيح جهنم، ولا يجتمع في جوف عبدٍ الإيمان والحسد))[74]، والرجل الذي يكره المنعَم عليهم، ويودُّ لو يمسون محرومين ويصبحون ضائعين رجلٌ ضلَّلته عن حقيقة الحياة ظلمات شتَّى[75].

 

علاج الحسد:

الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب، ولا تُداوَى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل، والعلم النافع لمريض الحسد هو أن يعرف تحقيقًا أن الحسد ضررٌ عليه في الدنيا والدين، وأنه لا ضرر على المحسود في الدنيا والدين، بل ينتفع به في الدنيا والدين، ومهما عرف الحاسد هذا عن بصيرة، ولم يكن عدوَّ نفسه وصديق عدوِّه فارَق الحسد لا محالة.

 

أما كون الحسد ضررًا في الدين فهو أنه بالحسد سخط من قضاء الله - تعالى - وكره نعمته التي قسمها لعباده، ورفض عدله الذي أقامه في ملكة بخفيِّ حكمته، واستنكر ذلك واستبشعه.

 

وأما أنه لا ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح أن النعمة لا تزول عنه بحسد، بل ما قدَّره الله من إقبال ونعمة فلا بُدَّ أن يدوم ويستمرَّ إلى أجلٍ معلوم قدَّره الله، فلا حيلة لدفعه أو منعه.

 

أما إن اشتهى الحاسد زوال النعمة عن الخلق بحسده وعدم زوالها عنده بحسد غيره، فهذا غاية الجهل والغباوة وسوء الفهم[76].

 

وفي القرآن الكريم: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النساء: 54].

 

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إياكم والحسد؛ فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب))، أو قال: ((العشب))[77].

 

وفي الحديث: ((لا تحاسدوا، ولا تباغضوا))[78].

 

وكان أجدى على الحاسد أن يتحوَّل إلى ربه، يسأله من فضله؛ فإن خزائنه ليست حكرًا على أحد بعينه، ثم يستأنف السعي في الحياة بعدئذ، فلعلَّ ما عجز عنه في البداية يدركه ثانية، إن هذا لا ريب أشرف من الضغينة على الآخرين[79].

 

7- الكبر والاستهزاء والسخرية واحتقار الآخر:

معنى السخرية الاستحقار والاستهانة والتنبيه على العيوب والنقائص على وجهٍ يضحك منه على الملأ، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيمان، وهو بجميع أنواعه حرام؛ لأنه إيذاء[80]، ولعل مردَّ ذلك كله يعود إلى الكبر.

 

والكبر اسمٌ لحالة يتخصَّص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وأن يرى نفسَه أعظم من غيره، وينقسم الكبر إلى ظاهر وباطن، فالباطن هو خلق في النفس، والظاهر هو أعمال تصدر من الجوارح. واسم الكبر بالخلق الباطن أحقُّ؛ لأن منشأه الإعجاب والرؤية، وأما الأعمال فإنها ثمرة لذلك الخلق ونتائج له.

 

وخلق الكبر مُوجِب للأعمال، وذلك إذا ظهر أثره على الجوارح يقال: تكبَّر واستكبر، وإذا لم يظهر يقال: فلان في نفسه كبر، فالأصل هو الخلق الذي في النفس، وهو الاسترواح والرُّكون إلى رؤية النفس فوق المتكبِّر عليه في العظم والقدر والمنزلة، والكبر يستدعي شيئين، متكبرًا عليه ومتكبرًا به، فلا بُدَّ منهما في تصوير حقيقة الكبر، وبه ينفصل الكبر عن العجب[81].

 

ومن أسباب الكبر:

أ- مبالغة الآخرين في التواضع.

ب- اختلال القِيَم أو معايير التفاضل عند الناس.

ج- مقارنة المتكبر نعمته بنعمة الآخرين ونسيان المنعِم.

د- ظنُّ المتكبر دوام النعمة أو عدم التحوُّل عنها[82].

 

ومن آثار التكبُّر على ذي الكبر:

أ- الحرمان من النظر والاتِّعاظ، والإعراض عن آيات الله.

ب- القلق والاضطراب النفسي.

ج- ملازمة العيوب والنقائص[83].

 

ولعل من أنجع الوسائل لعلاج الكبر:

أ- تذكير النفس بعواقب الكبر المذمومة.

ب- ترك صحبة المتكبِّرين.

ج- مجالسة ضِعاف الناس وفقرائهم.

د- النظر في سِيَر المتكبِّرين وهلاكهم[84].

 

وفي القرآن الكريم: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83].

 

وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بحسْب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمه، وعرضه، وماله، إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صُوَركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))[85].

 

وفي الحديث عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))[86].

 

وفي الحديث عن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله - تعالى - أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد))[87].

 

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله - عز وجل -: العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمَن ينازعني عذبته))[88].

 

8- إمضاء وقت الفراغ بالخوض في الفضول:

رأس مال العبد أوقاته، ومهما صرفها إلى ما لا يعنيه ولم يدَّخر بها ثوابًا في الآخرة فقد ضيَّع رأس ماله وخسر خسرانًا مبينًا، وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه...))[89]، وإنما قال: ((من حسن إسلام المرء)) ولم يقل: "من حسن إيمان المرء"؛ لأن الإسلام عبارة عن الأعمال الظاهرة، والفعل والترك إنما يتعاقبان عليها.

 

وزاد ((حسن)) إيماءً إلى أنه لا عبرة بصورة الأعمال فعلاً وتركًا إلا إن اتَّصفت بالحسن بأن توفَّرت شروط مكملاتها فضلاً عن المصححات وجعل الترك ترك ما لا يعني من الحسن مبالغة في إفهامه من قبح إسلام المرء أخذه فيما لا يعنيه، والذي لا يعني الفضول كلَّه على تباين أنواعه، وهذا الحديث قالوا: ربع الإسلام، وقيل: نصفه، وقيل: كله.

 

ومن أسباب هذه الآفة:

أ- حرص المرء على معرفة ما لا حاجة به إليه.

ب- مباسطة الرُّفَقاء بالكلام على سبيل التودُّد والتألُّف مع الجالسين.

ج- تزجية الأوقات بحكايات أحوال لا فائدة فيها.

د- الصحبة السيئة المشتغِلة بتَوافِه الأمور.

هـ- عدم تقدير المرء لقيمة وقته.

و- عدم تقدير المرء لجهده وطاقته في المجتمع.

ز- إهمال المرء تزكية نفسه.

 

من وسائل علاج هذه الآفة:

أ- علم المرء ويقينه بأن الوقت هو رأس ماله، وأنه محاسَب عليه ومؤاخَذ به، فلا يصحُّ ولا يُعقَل التفريط فيه.

ب- التحوُّل من الصحبة السيئة إلى مصاحبة الأخيار.

ج- تنظيم المرء لوقته وشغله بما ينفعه.

د- النظر في سيرة الصالحين والعلماء وكيفية شغلهم لأوقاتهم.

 

لذا ينبغي أن يُسائِل المرء نفسه قبل أن يتحدث عن الآخَرين: هل هناك ما يستدعي الكلام؟ فإن وجد داعيًا إليه تكلم، وإلا فالصمت أَوْلَى به، وإعراضه عن الكلام حيث لا ضرورة له عبادة جزيلة الأجر.

 

وقال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: "والذي لا إله غيره، ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان"، وقال عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما -: "خمسٌ لهم أحسن من الدهم الموقفة: لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنه فضل، ولا آمَن عليك الوزر، ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعًا، فإنه رُبَّ متكلِّم في أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه فعيب، ولا تمارِ حليمًا ولا سفيهًا؛ فإن الحليم يقليك، وإن السفيه يؤذيك، واذكر أخاك إذا تغيَّب عنك بما تحبُّ أن يذكرك به، وأعفه مما تحب أن يعفيك منه، واعمل عمل رجل يرى أنه مجازى بالإحسان، مأخوذ بالإجرام".

 

والمسلم لا يستطيع هذا إلا إذا ملك لسانه، وسيطر على زمامه بقوة، فكبحه حيث يجب الصمت، وضبطه حين يريد المقال، أما الذين تقودهم ألسنتهم فإنما تقودهم إلى مصارعهم[90].

 

والواجب على العاقل أن يلزم الصمت إلى أن يلزمه التكلُّم، فما أكثر مَن ندم إذا نطق، وأقل مَن يندم إذا سكت، وأطول الناس شقاء وأعظمهم بلاء مَن ابتُلِي بلسان مطلق وفؤاد مطبق، والواجب على العاقل أن ينصف أذنيه من فيه، ويعلم أنه إنما جعلت له أذنان وفم واحد ليسمع أكثر مما يقول؛ لأنه إذا قال ربما ندم، وإن لم يقل لم يندم، وهو على ردِّ ما لم يقل أقدر منه على ردِّ ما قال، والكلمة إذا تكلم بها ملكته، وإذا لم يتكلم بها ملكها.

 

ولسان العاقل وراء قلبه، فإذا أراد القول رجع القول إلى القلب، فإن كان له قال: وإلا فلا، والجاهل قلبه في طرف لسانه، ما أتى على لسانه تكلم به، وما عقل دينه مَن لم يحفظ لسانه[91].

 

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن كان يؤمن بالله وليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت))[92].

 

وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله - تعالى - ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله - تعالى - لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم))[93].

 

9- إرادة السوء بالمحكيِّ عنه، وإظهار الحب للمحكيِّ له:

إرادة السوء بالمحكيِّ عنه وقصد الشر به، فيشي به لدى المحكيِّ له، وكذلك إظهار الواشي الحبَّ للمحكيِّ له؛ إما لأسباب مالية ليقترب بذلك إليه، أو لأسباب جاهية ومنصبية.

 

10- الغِيبة:

الغِيبة: ذكر العيب بظهر الغيب، سواء ذكرت مما يكرهه نقصانًا في بدنه أو نَسَبه، أو في خلقه أو في فعله أو في قوله، أو في دينه أو في دنياه، حتى في ثوبه الذي يلبسه وفي داره التي يسكنها ودابته التي يركبها[94].

 

ولقد بوَّب النووي في "رياض الصالحين" (باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان)، وقال: "اعلم أنه ينبغي لكل مكلَّف أن يحفظ لسانه عن جميل الكلام إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنَّة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجرُّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء"[95].

 

وهناك الكثير من الآيات والأحاديث التي تحذِّر وتنهى عن الغِيبة:

قال - تعالى -: ﴿ وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، وقال - تعالى -: ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ﴾ [الإسراء: 36]، وقال - تعالى -: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].

 

وفي الحديث عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ المسلمين أفضل؟ قال: ((المسلم مَن سلم المسلمون من لسانه ويده))[96].

 

وفي الحديث عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة))[97].

 

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن وقاه الله شرَّ ما بين لِحْيَيْه، وشر ما بين رجليه، دخل الجنة))[98].

 

وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، تقول: اتقِ الله فينا، فإنما نحن بك: فإذا استقمتَ استقمنا، وإن اعوججتَ اعوججنا))[99]، [معنى ((تكفر اللسان))؛ أي، تذل وتخضع له].

 

وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، قال: ((لقد سألت عن أمر عظيم، وإنه ليسير على مَن يسَّره الله - تعالى - عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت...))، قال : ((ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟))، قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، قال: ((كفَّ عنك هذا))، قلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخَذون بما نتكلَّم به؟ فقال: : ((ثكلتك أمُّك، وهل يكبُّ الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم))[100].

 

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أتدرون ما الغِيبة؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذكرك أخاك بما يكره))، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه))[101].

 

وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته يوم النحر بمنى في حجة الوداع: ((إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت))[102].

 

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - حسبك من صفية كذا وكذا، قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال: ((لقد قلت كلمة لو مُزِجت بماء البحر لمزجته))، قالت: وحكيت له إنسانًا فقال: ((ما أحب أني حكيت إنسانًا وإن لي كذا وكذا))[103].

 

ومعنى ((مزجته)): خالطته مخالطة تغيِّر طعمه أو ريحه لشدَّة نتنها وقبحها، وهذا من أبلغ الزواجر عن الغيبة.

 

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لما عُرِج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: مَن هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم))[104].

 

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله))[105].

 

وقد ذكرت من آيات وأحاديث في تحريم سماع الغِيبة والأمر بِمَن سمع غِيبة محرمة بردِّها والإنكار على قائلها، فإن عجز أو لم يقبل منه فارَق ذلك المجلس إن أمكنه.

 

قال الله - تعالى -: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ﴾ [القصص: 55]، وقال - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون: 3]، وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ﴾[الإسراء: 36]، وقال - تعالى -: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68].

 

وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن ردَّ عن عرض أخيه ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة))[106].

 

وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - في حديثه الطويل في قصة توبته قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في القوم بتبوك: ((ما فعل كعب بن مالك؟))، فقال رجلٌ من بني سلمة: يا رسول الله، حسبه براده، والنظر في عطفيه، فقال له معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم[107].

 

"عطفاه": جانباه، وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه.

 

ما يباح من الغيبة:

اعلم أن الغيبة تُباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليها إلا بها، وهو ستة أسباب:

الأول: التظلُّم، فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممَّن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا.

 

الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، وردِّ العاصي إلى الصواب، فيقول لِمَن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا فازجره عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصُّل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حرامًا.

 

الثالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجتي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي، ودفع الظلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا؟ فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك فالتعيين جائز.

 

الرابع: تحذير المسلمين من الشرِّ ونصيحتهم، وذلك من وجوه:

منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.

ومنها: المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركته أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، ويجب على المشاوِر ألاَّ يُخفِي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة.

ومنها: إذا رأى متفقِّهًا يتردَّد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ منه العلم، وخاف أن يتضرَّر المتفقِّه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا ما يغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبِّس الشيطان عليه ذلك، ويخيِّل إليه أنه نصيحة فليتفطَّن لذلك.

ومنها: أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها: إمَّا بألاَّ يكون صالحًا لها، وإما بأن يكون فاسقًا، أو مغفلاً، ونحو ذلك فيجب ذكر ذلك لِمَن له عليه ولاية عامة ليزيله، ويولِّي مَن يصلح، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغترُّ به، وأن يسعى في أن يحثَّه على الاستقامة أو يستبدل به.

 

الخامس: أن يكون مجاهِرًا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة الناس، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظلمًا، وتولِّي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.

 

السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفًا بلقب: كالأعمش، والأعرج، والأصم، والأعمى، والأحول، وغيرهم - جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقُّص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أَوْلَى.

 

فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مُجْمَع عليه، ودلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة، فمن ذلك:

عن فاطمة بنت قيس - رضي الله عنها - قالت: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إن أبا الجهم ومعاوية خطباني؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فلا يضع العصا على عاتقه))[108].

 

وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبدالله بن أبي: لا تنفقوا على مَن عند رسول الله حتى ينفضُّوا، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذلَّ، فأتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبدالله بن أبي، فاجتهد يمينه: ما فعل، فقالوا: كذب زيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقع في نفسي مما قالوه شدة حتى أنزل الله - تعالى - تصديقي: ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ ﴾ [المنافقون: 1]، ثم دعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليستغفر لهم فلوَّوْا رؤوسهم[109].

 

ومن مأثور ما ورد عن السلف، في هذا الأمر:

قال علي بن الحسين - رضي الله عنهما -: إياك والغيبة، فإنها أدم كلاب النار[110].

 

وقال رجل لابن سيرين: إني وقعت فيك فاجعلني في حلٍّ، قال: لا أحبُّ أن أحلَّ لك ما حرَّم الله عليك.

 

وقال رجل للحسن البصري: إني اغتبت فلانًا وإني أريد أن أستحلَّه، فقال: لم يكفك أن اغتبته حتى تريد أن تبهته.

 

وقال عدي بن حاتم: الغِيبة مرعى اللِّئام.

 

وقال ابن محيريز: ما من ذنب أجدر أن تجده من الرجل وإن أعجبك من الغِيبة.

 

وسمع قتيبة بن مسلم رجلاً يغتاب آخَر، فقال: لقد تلمَّظت مضغة طالما لفظها الكرام، الغِيبة مرعى اللئام وجهد العاجز[111].

 

وسمع أعرابي رجلاً يقع في الناس، فقال: قد استدللت على عيوبك بكثرة ذكرك لعيوب الناس؛ لأن الطالب لها يطلبها بقدر ما فيه منها.

 

وكان يُقال: ظلمٌ منك لأخيك أن تقول أسوأ ما تعلم فيه.

 

وقال الشاعر:

وَيَأْخُذُ عَيْبَ النَّاسِ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ
مُرَادٌ لَعَمْرِي مَا أَرَادَ قَرِيبُ

 

وقال آخر:

وَأَجْرَأُ مَنْ رَأَيْتُ بِظَهْرِ غَيْبٍ
عَلَى عَيْبِ الرِّجَالِ أَخُو العُيُوبِ

 

وقال آخر:

فَكُلُّ عَيَّابٍ لَهُ مَنْظَرٌ
مُشْتَمِلُ الثَّوْبِ عَلَى عَيْبِ

 

وقالت الحكماء: حسبك من شرٍّ سماعه.

 

وقال الله - عز وجل -: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾ [المائدة: 42].

 

وقال عبدالله بن عباس - رضي الله عنه -: قال لي أبي: إني أرى أمير المؤمنين - يعني: عمر - يدنيك ويقربك، فاحفظ عنِّي ثلاثًا: إياك أن يجرب عليك كذبة، وإياك أن تفشي له سرًّا، وإياك أن تغتاب عنده أحدًا، ثم قال: يا عبدالله، ثلاثًا وأيَّ ثلاث، فقال له رجل: يا ابن عباس، كل واحدة خيرٌ من ألف، فقال: بل كل واحدة خيرٌ من عشرة آلاف.

 

وقال الشاعر:

 

إِذَا الوّاشِي بَغَى يَوْمًا صَدِيقًا
فَلاَ تَدَعِ الصَّدِيقَ لِقَوْلِ وَاش[112]

 

ومن أهم الأسباب في علاج الغيبة:

• تربية المرء على تقوى الله - عز وجل.

• تعويد المرء على مراقبته لله - عز وجل.

• أن يعلم المرء أنه محاسَب ومؤاخَذ بكل أقواله وأفعاله.

• التثبت والتبيُّن في الحكم على الأشخاص والأمور.

• كظم الغيظ والغضب.

• قيام المجتمع بواجبه نحو المغتابين بما يأتي.

• عدم سماع الغيبة أو استحسانها.

• زجْر المغتابين وتخويفهم بالله.

• مقاطعة مجالس الغيبة والإعراض عنها.

• دعوة المغتابين إلى الانشغال بعيوبهم دون عيوب الناس.

 

الشائعات أحد أسباب الوشاية:

وأيضًا لا يفوتنا أن من أسباب الوشاية المدمِّرة ظهور الشائعات وانتشارها في المجمع حتى تفتَّ في عضده، فالشائعات هي تلك الأقاويل والأخبار التي يتناقلها كثيرٌ من الناس جهلاً أو بقصد الإرجاف وإخافة الآمِنِين، بغضِّ النظر عن كونها صحيحة أو غير صحيحة.

 

ولقد ابتُلِي فئام من المجتمع بتلقُّف الروايات وافتعال الأحاديث في هذا الزمان، ولشكٍّ لافتٍ للانتباه مع الزيادات عليها والتلميع لها؛ لتكون أقوى أثرًا وأكثر فاعلية، متجاوزين في ذلك حال الكهَّان الذين يتلقون عن الشياطين قبل بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإذا تأمَّل الإنسان لحال هؤلاء المشيعين المذيعين مرضى القلوب، وجد أنهم أبعد الناس عن الإيمان والتقوى ظاهرًا وباطنًا[113].

 

أسباب الشائعات:

أولاً: الهوى:

فصاحبه دائمًا يعمل على تحسين ما هو عليه، والدعوة إليه بكلِّ وسيلة، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، وردِّ كلِّ ما يخالف هواه، وانتقاده وتشويه والصد عنه، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾ [الجاثية: 23]، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "واتباع الأهواء في الديانات أعظم من اتباع الأهواء في الشهوات، فإن الأول حال الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، كما قال - تعالى -: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ [القصص: 50]، ولهذا كان مَن خرج عن موجب الكتاب والسنة من العلماء والعبَّاد يُجعَل من أهل الأهواء، كما كان السلف يسمُّونهم: أهل الأهواء، وذلك أن كل مَن لم يتبع العلم فقد اتبع هواه، والعلم بالدين لا يكون إلا بهدى الله الذي بعث به رسوله - صلى الله عليه وسلم.

 

ومَن نصب شخصًا كائنًا مَن كان، فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل - فهو من الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شِيَعًا"، ا. هـ[114].

 

ثانيًا: الجهل:

فبعض أبناء المجتمع يأخذ بهذه المفتريات والمختَلَقات، وينشرها بين أهله وأصدقائه وغيرهم على أنها حقائق مسلَّمة ثابتة لا تقبل الجدل، دون مراعاة ونظر لعواقبها الوخيمة وأضرارها الخطيرة، فليس له همٌّ إلا أن يلوك لسانه هنا وهناك وكأنه مكلَّف بذلك ولا يتمُّ دينه إلا به، وهؤلاء غالبًا ما يكونون مغتربين بما هم عليه، أو مغرَّرًا بهم من قِبَل أصحاب الهوى والشهوة والشبهة الذين اتَّخذوهم طريقًا وسبيلاً ليس فقط لنشر الشائعات، بل لكلِّ أمر يخدم أهدافهم ومصالحهم.

 

ثالثًا: النفاق:

يقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [الأحزاب: 60]، وهو مرض خطير وشرٌّ مستطير، عانت منه الأمة الإسلامية أشدَّ المعاناة، وذاقت بسببه الويلات، وما من فتنة ولا شر إلا كان للمنافقين اليد الأولى والطولى في إشعالها ونشرها، وتولِّي كبرها منذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا، وما حادثة الإفك ببعيدة عن ذهن كلِّ مسلم.

 

والمنافقون حالهم ومآلهم معروف من الكتاب والسنة، وقد وصفهم الله - سبحانه - بأنهم هم العدوُّ، وحذَّر رسوله - صلى الله عليه وسلم - منهم؛ وذلك لأنهم يُظهِرون الإسلام ويبطنون الكفر، يبدون الصلاح والتقوى والإخلاص ويكتمون العداء والحقد والحسد والبغضاء - عياذًا بالله - وحقدهم على الإسلام والمسلمين وبُغضهم لهما جعلهم يتلبَّسون بهذه الصفة التي استحقُّوا بها أن يكونوا في الدرك الأسفل من النار.

 

وبِناءً على ذلك فإنهم لا يتورَّعون عن سلوك أيِّ طريق، ولا يتركون أيَّ وسيلة من أجل الوصول إلى ما يصْبون إليه: من هدم للإسلام وقضاء على المسلمين، إشاعة، أو إذاعة، إرجافًا أو إخافة، كذبًا أو بهتانًا، مع ما يلازم ذلك من تتبُّع للعورات، وكشف للأستار، رائدهم في ذلك تلك القاعدة الخبيثة: (الغاية تبرِّر الوسيلة).

 

رابعًا: مرض القلب:

الذي يُصاب به ناقصو العقول، وضعيفو الإيمان، سفهاء الأحلام، قليلو العلم، حتى يتمكَّن منهم، ويتغلغل في نفوسهم، وتتشرَّبه أفكارهم وأذهانهم، فتصبح الغيبة والنميمة وإشاعة الفتنة، وتصدير الأخبار وتوريدها على ما هي عليه من علاَّت وسوء ضرر - عادتَهم وديدنهم وخلاقهم وشأنهم كلَّه، فلا يهدأ لهم بال، ولا يرتاح لهم ضمير، ولا يقرُّ لهم قرار إلا بتولِّي كبر هذه المحرمات بل الكبائر، معللين لأقوالهم وأفعالهم ومدلِّلين بحجج واهية ساقطة متردِّية متهافتة، مع افتخارهم واعتزازهم بذلك، وظهور نشوة قصد الخير والإصلاح عليهم، وكأنهم أتوا بما لم تأتِ به الأوائل، نسأل الله السلامة والعافية، وهم فعلاً جاؤوا بما لم تأتِ به الأوائل من الجبن وزرع الشر والفساد في المجتمع.

 

خامسًا: محبة الإرجاف وإخافة الناس:

وهذه أيضًا من صفات المنافقين وأساليبهم، فنجد المصابين بذلك يعملون بما أتوا من جهد على نشر كلِّ ما من شأنه إحداث القلق والرُّعب في نفوس الآمنين صغارًا وكبارًا، ذكورًا وإناثًا، محقِّقين بهذا الأسلوب رغبات شخصية ذاتية منبعها الشهوة والتشفِّي في إيذاء الآخَرين، وإعطاء أنفسهم المكانة الخاصة، والمنزلة المتميِّزة في هذا المجتمع أو ذاك، إضافة إلى ما يقومون به من خدمة للأعداء البارزين والمتستِّرين.

 

سادسًا: الفراغ المقرون بالشباب والغني:

يقول الناظم:

إِنَّ الشَّبَابَ وَالفَرَاغَ وَالجِدَهْ
مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَهْ

 

ويلحظ أن أغلب مَن يتناقلون الشائعات أو يتحدثونها تتحقَّق فيهم هذه الدوافع الثلاثة القوية والمؤثِّرة.

 

فالشاب إذا لم يوجَّه التوجيه الصحيح المنطلق من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه السلف الصالح، ويربَّى تربية قائمة عليها، فإنه سيكون محلاًّ ومكانًا ووعاء لكل أمر سيِّئ ماديًّا كان أو فكريًّا؛ فيجد فيه الأعداء أرضية خصبة وطريقًا قويًّا مؤثرًا لخدمة أهدافهم، وتحقيق مآربهم، دون وازع أو رادع.

 

ثم إن الشائعات بأسبابها ومسبباتها من أقوى العوامل التي تخلُّ بالأمن المادي والمعنوي والفكري، يؤيِّد ذلك ما هو موجود في "بروتوكولات حكماء صهيون"، حيث إنها تضمَّنت بين جنَبَاتها النصَّ على القيام بإحداث الشوشرة والشائعة والضجة حول كلِّ ما يريد اليهود الخلاص منه أو تغييره.

 

والمتأمِّل في واقع الأمم يرى هذا عيانًا بيانًا لا يحتاج إلى دليل، فليحذر كلُّ مسلم من ذلك، وليكن ذكيًّا فطنًا منطلقًا من أصول صحيحة وقواعد ثابتة في التعامل مع كلِّ حادثة صغيرة أو كبيرة[115].

 

ومن الآثار السلبية للشائعات:

• وسيلة لتمزيق المعنويات.

• ستار لحجب الحقائق.

• تحطيم مصادر الأخبار الحقيقية.

• تشتيت المجتمع إلى فِرَق متناحرة وإرباك الرأي العام.

• فصل الأمة عن الدين وإشاعة روح التحلل والفساد الأخلاقي فيها.

 

ومن دوافع الشائعات:

• رمي الأبرياء بالتُّهَم الكاذبة.

• اللغو واللامسؤولية في الكلمة وحب الثرثرة.

• الظن والتسرُّع وعدم التأكُّد من صحة الأخبار.

• المحافظة على الحكم والمصالح.

• تطلُّع الشخصيات التي لديها شعور بالنقص إلى لَفْتِ الأنظار بالإيهام بأنه مطَّلع على الأخبار.

• الحقد.

 

وسائل الوشاية:

1- التصريح.

2- التلويح:

• الإشارة.

• الإيماء.

• الرمز.

• الغمز.

3- الكتابة:

• بالقلم.

• بالإصبع.

4- الحركة = المحاكاة.

 

وقد ذكر الغزالي الوسائل السابقة في "إحيائه" وفصَّل فيها الزبيدي في شرحه عليه "إتحاف السادة المتقين".

 

ومن الأمثلة على الإشارة: قول عائشة - رضي الله عنها -: دخلت علينا امرأة وعندنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فلمَّا ولَّت أومأتُ - أشرتُ - بيدي أنها قصير (قِصَر الإبهام).

 

ومن أمثلة المحاكاة أن يمشي متعارجًا أو متطأطئًا، وأكثر ما تُسْتَعمل في القبيح، وهذه الوسيلة أشدُّ الأنواع؛ لأنها أعظم وأبلغ في التصوير والتفهيم للغير[116].

 

سبل الوقاية من الوشاية:

تنقسم هذه السبل إلى قسمين:

أ- سبل تتعلَّق بالمحكيِّ له (السامع):

1- عدم قبول قول الواشي فيما يحكيه، فيُكَذَّب ولا يُقْبَل قول السوء منه؛ لأن قبول قول السوء أشدُّ من قول السوء.

2- أن ينهي المحكيُّ له الواشي عن الوشاية وأن ينصحه ويقبِّح له ذلك.

3- أن يبغض المحكيُّ له الواشي في الله.

4- ألا يظن المحكيُّ له السوء بالمحكيِّ عنه.

5- ألا تحمل الوشاية المحكيَّ له على التجسُّس والبحث والتحقُّق من تلك الوشاية.

6- ألا يرضى المحكيُّ له لنفسه ما نهى عنه الواشي، فلا يحكي وشايته.

 

ب- سبل تتعلَّق بالواشي:

1- أن يعلم الواشي تعرُّضه لسخط الله - تعالى - ومقته بسبب نقل تلك الأخبار (الوشايات).

2- أن يعلم الواشي أنه لا يرضى لنفسه ما لا يرضاه لغيره.

3- ألاَّ يُكثِر الإنسان المزاح والضحك، خاصة في أمور الغيبة والنميمة.

4- تعويد الواشي نفسَه وتربيتها على القناعة، وقد ذكر الزبيدي أن القناعة دواء الحرص والطمع، وأنها دواء مركَّب من ثلاثة أركان هي أساسية: الصبر، والعلم، والعمل[117].

 

هذا، ومن أهم سبل الوقاية من الوشاية وسائر الرذائل تربيةُ النفوس وتنشئة الأجيال، فالمنهج الإسلامي في التعامل مع الناشئة يبدأ مع نموِّ الطفل في أسرته، التي هي الخلية الاجتماعية الأولى؛ حيث يرتِّب له برنامجًا عمليًّا شاملاً يهدف إلى تحقيق التربية الإسلامية الصحيحة، ضمن معالم وعناصر صالحة لكلِّ زمان ومكان.

 

وأهم هذه المعالم التربوية:

• تهذيب نفوسهم وتربية وجدانهم وتقويم ألسنتهم.

• تمكين كل فرد منهم من أن يعمل بمقدار طاقته عملاً يمكن للمجتمع أن يستفيد منه مستقبلاً.

• غرس روح الجماعة في نفس كل فرد منهم؛ ليقوم بإعداد وإنجاز النشاطات الاجتماعية ولو بعد حين[118].

 

ج- الترهيب منها، وذلك بأن يُخوَّف الواشي من استجابة الله لدعوة الموشَى به.

فعن جابر بن سمرة - رضي الله عنهما - قال: شكا أهل الكوفة سعدًا؛ يعني: ابن أبي وقاص - رضي الله عنه - إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فعزله واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يُحْسِن يصلي، فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تُحسِن تصلي، فقال: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخفِّف في الأخريَين، قال: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسَل معه رجلاً - أو رجالاً - إلى الكوفة يسأل عنه أهل الكوفة، فلم يدع مسجدًا إلا سأل عنه، ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقام رجل منه يقال له: أسامة بن قتادة، يكنى أبا سعدة، فقال: أما إذ نشدتنا، فإن سعدًا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياء وسمعة، فأطِل عمرَه، وأطِل فقرَه، وعرِّضه للفتن.

 

وكان بعد ذلك إذا سُئِل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد.

 

قال عبدالملك بن عمير الراوي عن جابر بن سمرة: فأنا رأيته بعدُ قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرَّض للجواري في الطرق فيغمزهن[119].

 

وعن عروة بن الزبير أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل - رضي الله عنه - خاصمته أروى بنت أوس إلى مروان بن الحكم، وادَّعت أنه أخذ شيئًا من أرضها، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئًا بعد الذي سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟! قال: ماذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا، طوَّقه الله إلى سبع أرَضِين، فقال له مروان: لا أسألك بيِّنة بعد هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة، فأعمِ بصرها، واقتلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة، فماتت[120].

 

وفي رواية لمسلم عن محمد بن زيد بن عبدالله بن عمر بمعناه، وأنه رآها عمياء تلتمس الجدر، تقول: أصابتني دعوة سعيد، وأنها مرَّت على بئر في الدار التي خاصمته فيها، فوقعت فيها، فكانت قبرها[121].

 

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أتدرون مَن المفلس؟))، قالوا: المفلس فينا مَن لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي مَن يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أُخِذ من خطاياهم فطُرِحت عليه ثم طُرِح في النار))[122].

 

المبحث الرابع: الوشاية وأمن المجتمع:

الأمن مطلَب ضروري لحياة الإنسان، فلا طعم للحياة بدون الأمن المؤدِّي للطمأنينة وراحة البال، والأمن أنواع عدَّة: فهناك الأمن النفسي والأمن الغذائي والأمن الصناعي والأمن السياسي والأمن العسكري وغيرها، ولكن الأمن النفسي للفرد يبقى من أهمها وأكثرها التصاقًا بكل فرد بعينه.

 

وقد ظلَّ الإنسان منذ وُجِد على هذه الأرض يبحث عن أمنه النفسي من خلال سعيه إلى تحقيق حاجاته الضرورية وتقوية علاقته بأخيه الإنسان حتى يأمن جانبه، ويبني علاقاته معه على الاحترام والقبول والتعاون.

 

وعلى مرِّ الأزمنة تأرجحت هذه العلاقات بين القوة والضعف، والحب والكره، والمسالمة والاعتداء، والعدل والظلم، فكان لا بُدَّ من البحث والتعرُّف إلى وسائل تعينه على الشعور بالطمأنينة ومواجهة الأخطار المحدِقة به في أثناء سيره في هذه الحياة.

 

سبل تحقيق أمن المجتمع:

1- قوة الإيمان:

تُعَدُّ قوة الإيمان أقوى الوسائل المتاحة للإنسان المسلم ليستخدمها في مواجهة الأزمات كالوقاية من الوشاية ودفع ضررها ما دام على قيد الحياة، فكلَّما زاد إيمان المسلم وقوي كان أقدر على مواجهة الشدائد، وكلَّما ضعف إيمان المسلم كان عرضة للهزائم أمام الشدائد.

 

ولذلك صاحب الإيمان الصادق الخالص من الشرك تكفَّل الله - سبحانه وتعالى - له بالأمن، كما قال الله - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، الذين آمنوا وأخلصوا أنفسهم لله، لا يخلطون بهذا الإيمان شركًا في عبادة ولا طاعة ولا اتجاه، هؤلاء لهم الأمن، وهؤلاء هم المهتدون، فعلى كل مسلم تقوية إيمانه ليأمن به في الدنيا وينجو به في الآخرة من النار.

 

2- اللجوء للعبادات العملية:

وهذه وسيلة يلجأ إليها المسلم طالبًا للأمن والطمأنينة ليدفع بها ضرر الوشاية وهو يسير في خِضَمِّ هذه الحياة، وقد ورد في وصف للإنسان عندما تصيبه الشدائد، فإن كان غير مسلم فقَد الأمن وتملَّكه الرعب، وإن كان مؤمنًا يقوم بالعبادات كالصلاة والزكاة وأداء الأمانات والشهادات على وجهها الصحيح، فإنه لا يصيبه ما يصيب غير المسلم، فقد قال - سبحانه -: ﴿ إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 19- 33].

 

كما أمر الله عباده بالاستعانة بالصلاة كما قال - تعالى -: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ﴾ [البقرة: 45].

 

وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلجأ للصلاة عند الشدة؛ كما روى الإمام أبو داود في "سننه" عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حَزَبه أمرٌ صلَّى"[123]، كما روى الإمام الترمذي في "سننه" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن صلى الصبح فهو في ذمة الله))[124].

 

وأما الزكاة فهي تطهيرٌ للمال وتدريبٌ له على السخاء وترك البخل؛ قال - تعالى -: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103]، وعبادة الصيام وقايةٌ للإنسان المسلم، كما في الحديث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الصيام جُنَّة))[125]، إلى غير ذلك من العبادات.

 

3- التوكُّل على الله:

التوكُّل سبيل المسلم الصادق مع ربه، والذي يفوِّض أمره إليه، ويخضع لأوامره ويجتنب نواهيه، ولا يلجأ إليه في كلِّ مكان، وهنا يجد أن سلاح التوكُّل يعينه على مواجهة الوشاية والأزمات مهما عظمت، وقد قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 112].

 

يقول سيد قطب في تفسير هذه الآية: هنا تبرز سمة الإسلام الأولى: إسلام الوجه، والوجه رمزٌ على الكل، ولفظ أسلم يعني: الاستسلام والتسليم، الاستسلام المعنوي والتسليم العملي، ومع هذا فلا بُدَّ من الدليل الظاهر على هذا الاستسلام: وهو محسن... فسمة الإسلام هي الوحيدة بين الشعور والسلوك، بين العقيدة والعمل، بين الإيمان القلبي والإحسان العملي، والأجر المضمون لا يضيع عند ربهم، والأمن الموفور لا يُساوِره خوف، والسرور الفائض لا يمسُّه حزن[126].

 

والله - سبحانه وتعالى - وعد المسلم الذي يصدق في توكُّله على الله بأن ينصره ويكفيه المصائب والشرور كما قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، وقد علَّم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عبدالله بن عباس عقيدة التوكُّل على الله؛ فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنه - أنه ركب خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا غلام، إني معلِّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرُّوك لم يضرُّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلام وجفَّت الصحف))[127].

 

4- ذكر الله ودعاؤه:

الذكر والدعاء من الوسائل العظيمة التي يلجأ إليها المسلمون عند الشدائد؛ فتطمئن قلوبهم وتسكن أفئدتهم، وقد بيَّن الله ذلك بقوله: ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وقد وعد الله عباده أن يجيبهم إذا هم توجَّهوا بالدعاء إليه؛ فقال - تعالى -: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].

 

وقد حثَّ - صلى الله عليه وسلم - على اللجوء إلى الله ودعائه في كلِّ الأحوال وخصوصًا في أيام الرخاء؛ فعند ذلك يستجيب الله لعبده ينصره أيام الشدة والأزمات؛ فقد روى الإمام الترمذي في "سننه" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء))[128].

 

5- الرضاء بالقدَر؛ بالشكر في السراء وفي الضراء:

وهذه وسيلة تُعِين المسلم على تحمُّل الشدائد التي تقع عليه فلا يجزع ويزيد همُّه أكبر، بل يطمئن ويرضى بما كُتِب له، ولذلك مدح الله الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - والصحابة الذين رضوا بقضاء الله وقدره فيما أصابهم من شدة فقال: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا ﴾ [التوبة: 51].

 

ولذلك دلَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمة إلى أن الشدة والبلاء خيرٌ للإنسان ودليلُ محبة الله للعبد، وليعرف الصابر من الساخط، فقد روى ابن ماجه في "سننه" عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمَن رضي فله الرضا، ومَن سخط فله السخط))[129]، ولذلك كان الفرق بين المسلم وغير المسلم واضح في هذا؛ حيث يشكر المسلم في السراء، ويصبر في الضراء، وعلى عكسه يكون الكافر؛ حيث يفرح بالخير ويسخط في الشدة، حيث يقول الله عنه في القرآن الكريم: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11].

 

والرضا بالقضاء والقدر دليلٌ على سعادة الإنسان المسلم، يبيِّن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي يرويه الإمام الترمذي في "سننه" عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله له))[130].

 

6- اعتبار الآخِرة هي المستقر:

وهذه وسيلة قوية للمسلم يستطيع من خلالها تجاوز كافَّة الصعوبات والأزمات التي تواجهه إذا اعتبر الحياة الدنيا ممرًّا، ونظر إلى الآخرة وما فيها من النعيم والحياة الأبدية، فتستقر نفسه ويشعر بالأمن والطمأنينة إزاء هذه الأزمات.

 

ولعل أخطر نتائج الأزمات هو الموت، ولكن المسلم المعتقد بالحياة الآخرة يريد الانتقال إليها؛ لأنه يطمع بدخوله الجنة، ويصف الله ذلك في قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 145].

 

وبذلك تستقرُّ حقيقة الأجل في النفس، فتترك الاشتغال به، ولا تجعله في الحساب، وهي تفكِّر في الأداء والوفاء بالالتزامات والتكاليف الإيمانية، وبذلك تنطلق من عقال الشحِّ والحرص كما ترتفع على وهلة الخوف والفزع، وبذلك تستقيم على الطريق بكلِّ تكاليفه وبكلِّ التزاماته، في صبر وطمأنينة، وتوكُّلٍ على الله الذي يملك الأجل وحده.

 

وقد حثَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمة على السعي للآخرة؛ لأنها هي العيش الحقيقي للمسلم؛ فقد روى الإمام الترمذي في "سننه" عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن كانت الآخرة همَّه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومَن كانت الدنيا همَّه جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له))[131].

 

7- الاقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح:

هذه الوسيلة تجلب لقلب المسلم الطمأنينة والأمن، عندما يكون قدوته رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقرأ في سيرته عن الشدائد والأزمات التي تعرَّض لها في حياته: من تهديد بالقتل، وطرد من البلاد، ومقاطعة وسبٍّ وشتم، ووصف بالسحر والجنون، ومع كل هذا ثبَت على إيمانه، وهكذا المسلم يثبت في هذه الحياة بالرغم من الأزمات والمصائب، ولقد قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

 

وقد وصف الله لنا صبر الصحابة عند الأزمات والشدائد، ونحن مدعوُّون للإقتداء بهم؛ فقال - سبحانه -: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ﴾ [التوبة: 117]، كما مدح الله المهاجرين الذين تعرَّضوا للشدائد؛ مثل: الإخراج من الديار والأموال والأهل، ومع ذلك صبروا محتسبين ثوابَ الله؛ فقال عنهم - سبحانه -: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر: 8].

 

8- الاستقامة:

وسيلة ميسَّرة لكلِّ مسلم، بأن يلتزم طاعة الله قولاً وعملا مع اجتناب نواهيه، ثم الاستمرار على ذلك حتى الممات، فهذا المسلم المستقيم على منهج الله تكفَّل الله له بالأمن وعدم الخوف؛ كما قال - سبحانه -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف: 13]، كما أن الله - سبحانه - ينزل الملائكة ليثبت هؤلاء المستقيمين على منهجه وتبعد عنهم الخوف والحزن، فتحمل لهم السكينة والأمان؛ كما قال - سبحانه -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، وروى مسلم في "صحيحه" عن سفيان بن عبدالله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا اسأل عنه أحدًا بعدك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قل: آمنتُ بالله، ثم استقم))[132].

 

9- الاستغفار والتوبة:

وسيلة نافعة بإذن الله؛ حيث إن الشدائد والأزمات التي تمرُّ بالإنسان تكون نتيجة المعاصي التي ارتكبها، فمتى ما لجأ إلى الاستغفار والتوبة أبعد الله عنه الشدة، وعادت الطمأنينة والسكينة لنفسه، وقد بيَّن الله - سبحانه - أن التوبة تكشف الشدة والمحنة إذا اعتبر الإنسان وعاد إلى الله؛ فقال - سبحانه -: ﴿ أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [التوبة: 126]، وقال - عز مِن قائل -:﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا ﴾ [هود: 3].

 

وقد أرشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمة إلى لزوم الاستغفار؛ ففيه الطمأنينة وكشف الهموم والغموم؛ فقد روي الإمام أبو داود في "سننه" عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن لزم الاستغفار، جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همٍّ فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب))[133].

 

وحيث إن الوشاية شوكة في أمن هذا المجتمع ومرض يهدد تلاحمه - فإنه اتَّضح مما سبق السبل الصريحة لحماية أمن المجتمع والحفاظ على تعاضده ودفع الأضرار التي قد تلحق به.

 

المبحث الخامس: المنهج ودوره في الوقاية من الوشاية:

لقد عمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل مراحل تعليمه للأمة على إيجاد الشخصية المسلمة المؤمنة العالية الهمَّة بشريعة الله المحققة للغايات من وجودها على وجه الأرض، فطهَّر نفوس صحابته من شوائب الشرك وأدران أخلاقه الظالمة الباغية، ونشَّأهم على الطُّهْر والفضيلة، والتمسُّك بالحق والاستماتة في طلبه وتحقيقه، فنمَّى ملكاتهم وساعدهم على إبراز مواهبهم المبدعة، فكانوا قادة الشعوب ومحقِّقي آمالها في العدل والمساواة وتوفير الأمن.

 

والمربِّي الحق هو ذاك الذي يطبع النشء على العبادات وهو الذي يزرع في نفوسهم العادات الحميدة وأدب السلوك، وهي جميعها مستمدة من الدين نفسه علمًا وعملاً، وعقيدة وسلوكًا، ولن يُكتَب للمربي النجاح في مهمته إلا متى كان سليم التصوُّر الإسلامي صحيح العقيدة رفيع التربية، أُشرِب أصولها وفروعها من القرآن العزيز والسنة المطهَّرة، فالمربِّي هو الذي يستطيع أن يزرع في طلابه حبَّ الخير وكره الشر.

 

ولئن كان مراعاة مستوى المخاطبين الذهني والأخلاقي وميولهم من الدعائم الأساسية في نجاح المربِّي في أداء رسالته - فإن المربي وهو الشخصية الفعَّالة داخل الفصل لا بُدَّ أن يسلك السبل الآتية مع طلاَّبه للوقاية من الوشاية:

أولا: القرآن الكريم وهو المصدر الأول للمنهج والتربية الإسلامية:

القرآن الكريم هو كتاب الله المبين، والوحي المنزَّل من عند الله - جل وعلا - هدى ورحمة للعالمين، والذي أبان الرشد من الغيِّ، وكان أساسًا للدين وعمدة للملة، وينبوعًا للحكمة، وآية للرسالة المحمدية.

 

ولما كانت الدعوة إلى الله تحتاج إلى نهج خاص في أسلوبها إزاء كل فاسد في العقيدة، والتشريع والخلق والسلوك، فقد تميَّز القرآن الكريم في أسلوبه التربوي لبناء شخصية المسلم وتحديد معالمها وعلاقتها بالكون والحياة والإنسان، حين وضع قواعد المجتمع، وحدَّد روابط الأسرة وصلات الأفراد، وعلاقات الدول والأمم، بعد أن وضع اللبِنَات الأولى في تكوين الجماعة المؤمنة بالله - سبحانه - وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.

 

وحسبنا هنا أن نبيِّن أن القرآن قد بدأ نزوله بآيات تربوية، فيها إشارة إلى أن أهم أهدافه تربية الإنسان بأسلوب حضاري فكري، عن طريق الاطِّلاع والقراءة والتعلُّم، والملاحظة العلمية لخلق الإنسان منذ كان علقة في رحم الأم؛ فقال - عز مِن قائل -: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1- 5]، كما أن الله - جل وعلا - أقسم أحد عشر قسمًا ليقرِّر أن النفس الإنسانية قابلة للتربية والتزكية بالتسامِي فقال - سبحانه -: ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 1- 10].

 

لذا فلا غرابة أن تكمن أصول التربية الإسلامية في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؛ لأنهما يحتويان خطوطًا عريضة تحدِّد أسس التربية وأهدافها، وميادينها ومنهجها، وأساليبها ووسائلها.

 

ثانيًا: السنة النبوية مصدر أساس للمنهج والتربية الإسلامية:

من المعلوم أن السنة النبوية المطهَّرة هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي الذي يعود إليه المسلم بعد كتاب الله العظيم، ولا يصحُّ للمسلم أن يرفض السنة مكتفيًا بالقرآن الكريم وحده؛ فإن القرآن والسنة لا يفترقان ولا يتناقضان، ثم إن السنة إمَّا مؤكِّدة لما في القرآن الكريم أو مبيِّنة له بتفصيل مجمله، أو تقييد مطلقه، أو تخصيص عمومه.

 

وقد أمر الله - جل وعلا - نبيَّه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أن يبلِّغ رسالة ربه - جل وعلا - إلى الناس كافة في قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67].

 

وبذلك كانت السنة النبوية المطهَّرة المصدر الثاني الذي تُستَقَى منه التربية الإسلامية، وتعتمد عليه في تربية الفرد والجماعة، وبناء المنهج التربوي العظيم الذي جاء في كتاب الله الخالد.

 

يقول أحد الباحثين في معرِض حديثه عن السنة النبوية:

"إن التطبيق الأعلى والعملي المتجسِّد لمضمون الرسالة التربوية، يُعَدُّ إحدى المميزات الكبرى للرسول العربي الأمين، والتي يعلو بها ساميًا عن غيره من المربِّين العاديين؛ إذ إن أولئك المربين في كثيرٍ من مبادئهم التربوية يكتفون بإلقاء الوصايا والتعاليم على غيرهم، دون أن يُلزِموا أنفسهم ومَن حولهم بها، بل إنهم قد يفعلون عكس ما يدعون إليه.

 

بينما الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقدِّم بنفسه الأنموذج الحيَّ الذي ينبغي للإنسان المسلم المتكامل أن يكون عليه، فهو القرآن الذي يمشي على الأرض، ويجسِّد أفكاره ومعانيه وآدابه للناس"[134].

 

وكان - صلى الله عليه وسلم - إمامًا في الصلاة، وقاضيًا يتقاضى إليه الناس راضين بحكمه، وقائدًا في ميدان الجهاد، ومعلمًا يتلقَّى الصحابة منه كلَّ علم نافع، وكان في ذلك مربيًا يُقَوِّم السلوك ويهذِّب النفوس وينظِّم المجتمع[135].

 

من هنا فلا يمكن أن نكون مغالين حينما نقول: إن سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - تُعَدُّ مصدرًا أساسًا للتربية الإسلامية، وإنها مدرسة تربوية عظيمة خرَّجت أفذاذ الرجال وأساتذة الأجيال، وأساطين الفكر ومعلمي الأخلاق، الذين تحوَّلوا من رعاة للغنم إلى قادة للأمم، ومن عبَّاد للحجر إلى سادة البشر.

 

هذا، وتتمثَّل أهمية السنة في المجال التربوية في فائدتين عظيمتين:

الأولى: إيضاح المنهج التربوي الإسلامي المتكامل الوارد في القرآن الكريم، وبيان التفاصيل التي لم تَرِد في القرآن الكريم.

 

الثانية: استنباط أسلوب تربوي من حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه، ومعاملته الأولاد وغرسه الإيمان في النفوس[136].

 

ولما كانت التربية النبوية تسعى إلى تكوين الإنسان المسلم، فقد أخذت على عاتقها العلم على كل ما من شأنه تحقيق ذلك الهدف، ولذلك سلك معلم البشرية - صلى الله عليه وسلم - طرقًا عديدة وأساليب مختلفة في تربية الإنسان المسلم.

 

لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخاطب النفوس والعقول بما تطيقه؛ خبيرًا بالواقع، عالمًا بأحوال المخاطبين، مدركًا لثقافاتهم وتاريخهم، عارفًا بمداخل استجاباتهم، مستوعبًا لمناهج مجادلتهم، واعيًا قدراتهم وإمكاناتهم واستعداداتهم وآمالهم وآلامهم[137].

 

ثالثًا: الأسلوب الصحيح في التعليم:

هناك عدَّة وسائل وأساليب في التعليم لا بُدَّ على المربي أن يتعامل معها لتحقيق الهدف المطلوب من التربية وكذلك دفع ضرر الوشاية.

 

ومن أهم الوسائل الصحيحة في التعليم ما يأتي:

• التدرج.

• تجنب التطويل.

• التكرار.

• مراجعة الطلاب.

• العناية بأسئلة الطلاب.

• جلب انتباه الطلاب.

 

ولما كان إقبال التلاميذ على التعلُّم يتأثَّر إلى حدٍّ كبير بنوع شخصية المدرِّس وعلاقته بها، فإنه يحسن أن يعرف المدرس الصفات التي إذا تحلَّى بها كان لذلك أثره في تفضيل التلاميذ له وإقبالهم على دروسه، وهذه الخصال هي:

• التعاون.

• العطف.

• الصبر.

• السماحة.

• احترام شخصية التلاميذ.

• تنوُّع المعلومات والمهارات والخبرات.

• حُسْن المظهر ودماثه الخلق.

• العدل وعدم التعصُّب والتحيُّز.

• الاتِّزان والاستقرار.

• الاهتمام بمشكلات التلاميذ.

• المرُونة.

• القدرة على امتِداح العمل الصالح وتقدير التلاميذ.

• الكفاية في التدريس.

• القدرة على القيادة الصالحة.

 

كذلك علاقة تلاميذ الفصل بعضهم ببعض عاملٌ مهم في سَيْرِ عملية التعلُّم، فإذا كان تلاميذ الفصل متقاربي السن والمستوى، موزَّعين في جماعات يسودها الانسجام والتعاون، يكون النشاط التعليمي سليمًا وأدعى للنجاح، كما يكون العبء على المدرِّس بالقياس إلى فصل آخر غير متجانس، يسوده جوٌّ من التشاحُن والأنانية بين أفراده.

 

رابعًا: تنمية الميول والاتجاهات والقِيَم لدى الناشئة:

على المدرسة إن أرادت تنشئة مواطن صالح في مجتمعه، يحسن التكيُّف مع بيئته، ويعمل على ترقية مستوى الحياة فيها - أن تزوِّده بالميول المرغوب فيها والاتجاهات الصالحة، والقِيَم التي اتَّفقت عليها الجماعة.

 

وطريقة تنمية الاتِّجاهات والميول وتكوين القِيَم أو تعديلها لا تأتي بالتعريف والوعظ والتلقين، وإنما على المدرسة أن تخلق المجالات الاجتماعية والمناشط الفكرية والبدنية التي تنظِّمها وتضع خططها على نحوٍ يجعل من اللازم على الطالب المشاركة فيها، وهذه الطريقة هي التي تبثُّ بها القِيَم والميول والاتجاهات المرغوب فيها في نفوس الناشئة.

 

وينبغي على المربِّي إتاحة الفُرَص للطلاب للمناقشات الجمعية والعمل الجمعي، فالمعروف أن التلميذ يتقبَّل القِيَم التي يجدها عند زملائه أكثر من تلك التي يفرضها عليه المربي.

 

ويجب على المدرسة أن تكون جزءًا غير منعزل عن المجتمع المحيط بها، حتى تُتَاح الفرصة للتعاون بين المدرسة والآباء، فيسهل عليها تكوين اتجاهات وميول وقِيَم مرغوب فيها لدى الطلاب، إذ يلاحظ أن المدرسة إذا أرادت أن تنمي ميولاً أو اتجاهات جديدة تتعارَض مع ما اكتسبه الطلاب في بيوتهم، تجد صعوبة كبيرة، وكثيرًا ما يحدث صراع نفسي لدى الطلاب نتيجة لذلك، وهذا يؤدي بنا إلى القول بأن المدرسة يقع على عاتقها ليس عبء التأثير على الصغار (الطلاب) فحسب، بل التأثير في الكبار (أولياء الأمور) كذلك.

 

وأيضًا لا ننسى استغلال أوقات فراغ الطلاب سواء في المدرسة أم في المنزل؛ لذا على المدرسة التفاعُل مع طلابها في المناشط الأخرى كالرحلات والمسابقات، ففي مثل هذه الحالات يسهل التأثير على الطالب وتوجيهه التوجيه الصحيح وزرع الأخلاق الحسنة، وذلك من خلال متابعته في هذه المناشط، وكذلك على المدرسة تفعيل دورها خارج أسوارها وذلك بمتابعة أخلاقيات الطالب وسلوكه برفع تقارير شهرية عن الطالب لأسرته تتضمَّن سلوكياته، وكذلك تفعيل دور المسجد من خلال المواعظ وخطب الجمعة.

 

ولا بُدَّ على المدرسة أن تضع نصب عينيها أن الإعلام سواء المرئي أو المسموع أو المقروء - له تأثيره المباشر على الطالب، وكلُّنا يعلم أنه سلاح ذو حدَّين، فلا بُدَّ من تواصل المدرسة مع وسائل الإعلام؛ للرفع من أخلاقيات وسلوكيات الطالب.

 

وخلاصة القول في كيفية تفعيل دور المنهج في الوقاية من الوشاية، على المنهج أن يلتزم بالكتاب والسنة نبراسًا موجهًا لها، كذلك لا بُدَّ من التركيز على الأساليب الصحيحة في التعليم بالاهتمام بالفوارق الفردية بين الطلاب أو بالخصال والصفات الحميدة في المعلم، كذلك لا بُدَّ من تنمية الميول والاتجاهات والقِيَم لدى الطلاب لتحقيق أثر التعليم عليه ومنه بلا شك دفع ضرر الوشاية والتحذير منها.

 

الخاتمة

مما سبق تبيَّن للباحث أثر الوشاية على أمن المجتمعات، كما درس الباحث تحذير المولى - عز وجل - وتحذير نبيه - صلى الله عليه وسلم - منها، وأهمية المنهج في الوقاية من أسبابها وتنشئة الناشئة على الابتعاد عنها.

 

وخلص الباحث إلى عدَّة نتائج من أهمها:

1- الوشاية، في الاصطلاح: "نقل ما يُكرَه نقله، سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه، وسواء كان النقل بالتصريح أو التلويح أو الكتابة أو الحركة، وسواء كان المنقول عيبًا أو نقصًا في المنقول عنه أو لم يكن، بشرط أن تكون إلى مَن يخاف إلى جانبه".

2- ورد الجذر اللغوي للوشاية في اللغة العربية شعرًا ونثرًا وفي الحديث النبوي الشريف، ولم يرد الجذر اللغوي لها في القرآن الكريم، وإنما الوارد به دلالات تتعلق بدلالة الوشاية.

3- تعددت أسباب الوشاية، وأجمل الباحث ذلك في عشرة أسباب مبيَّنة في موضعها، كما تعددت وسائل الوشاية بين: التصريح، والتلويح، والكتابة، والحركة، وما تفرَّع عن تلك الأربعة.

4- الأمن مطلب ضروري لحياة البشر، ومن أكبر ما يعكِّر صفوَه الوشاية، إذا استفحل أمر الوشاية في المجتمع هدَّد أمنه وقوَّضه.

5- أهمية المنهج سواء المحتوى أو المعلم أو الأنشطة - في وقاية الطلاب من آفة الوشاية والتحذير منها.

 

التوصيات:

في ضوء ما سبق يُوصِي الباحث بما يأتي:

1- أن تقوم مؤسسات المجتمع التربوية بكافة أشكالها بغرس روح الجماعة في نفس كل فرد، ومن ثَمَّ تمكين المجتمع من الاستفادة من أفراده.

2- غرس أسس الإيمان القوي في نفوس الناشئة والعمل على تهذيب نفوسهم وتربية وجدانهم وتقويم ألسنتهم.

3- أن تقوم مؤسسات المجتمع بوضع خطط وبرامج لشغل أوقات الفراغ لدى أفراد المجتمع.

4- توعية المجتمع بكافة مؤسساته لأفراده بشأن الوشاية وأثرها السيِّئ على المجتمع.

5- إقامة المحاضرات وعقد الندوات لتبيان الآثار السيئة للوشاية ونحوها من الآفات على أفراد المجتمع.

6- دعوة الباحثين لتسطير مؤلفات تتناول قضايا الوشاية على نحو أعمق.

7- حثُّ الدعاة والمربين على إلقاء الكلمات التوجيهية التي تبيِّن الأخلاق السيئة وسبل الوقاية منها.

8- دعوة دور النشر للاهتمام بإصدار كتيبات وملصقات توعية عن الوشاية وخطرها على المجتمع وأفراده.


المراجع العربية:

• إبراهيم، أكرم نشأت، الحسد: العوامل والعلاج، مجلة الأمن والحياة ع 207، س 18 شعبان 1420 هـ، الرياض: أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية.

• أبو داود، سليمان بن الاشعث، سنن أبي داود؛ تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد، القاهرة: المكتبة التجارية الكبرى، 1951م.

• أبو غدة، حسن عبدالغني، معالم تربوية للنهوض بالأجيال، مجلة الأمن والحياة، ع 227، س 20، ربيع الآخر 1422 هـ (يونيو ، يوليو 2001م)، الرياض: أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية.

• أبا لخيل، سليمان بن عبدالله: الشائعات، العدد 1887، الدعوة، الرياض، 1423 هـ.

• ابن الحجاج، مسلم، صحيح مسلم؛ تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، ط 1، مصر: دار إحياء الكتب العربية (عيسى البابي الحلبي وشركاه)، 1955م.

• ابن حنبل، أحمد بن محمد. المسند؛ تحقيق: أحمد محمد شاكر، القاهرة: مكتبة التراث الإسلامي، د. ت.

• ابن مبارك، برغوث عبدالعزيز، المنهج النبوي والتغيير الحضاري، الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كتاب الأمة، ع 34، رمضان، 1415 هـ.

• ابن مقبل، تميم بن أبي، ديوان ابن مقبل؛ تحقيق: عزة حسن، وزارة الثقافة والإرشاد القومي بالعراق، 1962م.

• الأصبهاني: حسين بن محمد الراغب، محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، بيروت: دار مكتبة الحياة، د. ت.

• الألباني: محمد ناصر الدين، صحيح سنن ابن ماجه، ط 1، بيروت: تكليف مكتب التربية العربي لدول الخليج بالرياض، 1986 م.

• البخاري، محمد بن إسماعيل. صحيح البخاري = الجامع الصحيح المسند في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه، ط 2، الرياض: مكتبة دار السلام، 1999م.

• البدر، عبدالمحسن بن حمد، الانتصار للصحابة الأخيار، الخبر: دار ابن القيم، 1423 هـ.

• البَطَلْيَوْسِي، أبو بكر، شرح الأشعار الستة الجاهلية، وزارة الثقافة العراقية؛ تحقيق: ناصب سليمان عواد، 1968 م.

• البغوي، تفسير البغوي "معالم التنزيل"، ط 4، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1417 هـ.

• بيدبا، الفيلسوف، كليلة ودمنة؛ ترجمة: عبدالله بن المقفع، ط 1، بيروت، لبنان، 1987 م.

• الترمذي، الجامع الصحيح؛ تحقيق: كمال يوسف الحوت، بيروت: دار الكتب.

• الجزائري، أبو بكر جابر، منهاج المسلم، المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، 1409 هـ.

• ثعلب، شرح ديوان زهير بن أبي سلمى صنعة ثعلب، - القاهرة: مطبعة دار الكتب المصرية، 1944م.

• الحربي، فهد بن سعد بن حميد، الشائعات وأثرها على الروح المعنوية للجند دراسة مقارنة، بحث تكميلي للماجستير، المعهد العالي للقضاء، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، 1421 / 1422 هـ.

• حسين، أبو لبابة، التربية في السنة، ط 3، الرياض: دار اللواء، 1403 هـ.

• الدينوري، عبدالله بن مسلم بن قتيبة، عيون الأخبار، بيروت، لبنان: دار الكتاب العربي، د. ت.

• الرازي، التفسير الكبير، ط 2، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1417 هـ/ 1997 م.

• الزبيدي، إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، وبهامشه كتاب الإملاء عن إشكالات الإحياء، بيروت: دار الفكر، د. ت.

• الزمخشري، ربيع الأبرار ونصوص الأخيار؛ تحقيق: د. سليم النعيمي دون مكان أو تاريخ الطبع.

• شلق، أمل، معجم حكمة العرب: أهم الحِكَم العربية الخالدة مرتبة في موضعات، ط 1، بيروت: دار الكتب العلمية، 1990 هـ.

• الغزالي، محمد، خلق المسلم، ط 1، القاهرة: دار الريان للتراث، 1987 م.

• القرضاوي، يوسف، كيف نتعامل مع السنة النبوية (معالم وضوابط)، ط 3، الرياض: مكتبة المؤيد، 1411 هـ.

• القرطبي، يوسف بن عبدالله، بهجة المجالس وأنس المجالس وشحذ الذاهن والهاجس، المجلد الأول من القسم الأول؛ تحقيق: محمد مرسي الخولي، بيروت: دار الكتب العلمية.

• قزاز، حسن عبدالحي، الأمن الذي نعيشه، ط1، الرياض: وزارة الإعلام، 1409 هـ.

• قطب، سيد، في ظلال القرآن، ط 13، القاهرة: دار الشروق، 1987 م.

• الميداني، مجمع الأمثال؛ تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 2، بيروت: دار الجيل، 1407 هـ/ 1987 م.

• النحلاوي، عبدالرحمن، أصول التربية الإسلامية، دمشق: دار الفكر، 1399 هـ.

• نوح، السيد محمد، آفات على الطريق، الجزء الثالث، ط 1، المنصورة، مصر: دار الوفاء، 1413 هـ.

• النووي، يحيى بن شرف الدين، رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، بيروت: دار القلم، 1970 م.

• الهاشمي، عبدالحميد، الرسول العربي المربي، ط 2، الرياض: دار الخريجي للنشر والتوزيع، 1405 هـ.

• الهيثمي علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، بيروت: دار الكتب العلمية، د. ت.

• اليازجي، ناصيف، نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد، الجزء الأول والثاني، لاهور، باكستان: مجمع المعارف الإسلامية، د. ت.

 

ثانيًا: المراجع الأجنبية

• معجم الصينية العربية، 1999م.

• بوشكن، 1993 م ص 204.

• e.e. cummings 1894 - 1962 American poet & Painter.

• Josiah Gilbert Holland 1819 - 81 American author.

• Richard Sheridan 1751 - 1816 English dramatist.

• Robert Louis Stevenson 1850 - 94 Scottish author.

• http : // www. Madwed. Com / poetry /

• Friedrich Neitzsche 1844 - 1900.

• Thiess , Frank 1896 - 1977.

• Laurent , Joubert 1529 - 1583.

• http : // www. Operone. De / spruch / spruchinh. Htm

• Voltaire, Le sottisier.

• Nicolas Boileau, Satires.

• Joseph Joubert, pensees.

• Pierre Robert, Dicionaire de citation de langue Francaise, 1996.



[1] • بكالوريوس لغة عربية جامعة الملك سعود.

• ماجستير تقنيات التعليم، جامعة أوريقون - الولايات المتحدة الأمريكية.

• دكتوراه المناهج وطرق التدريس - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

• يعمل الآن عميدا لمعهد البحوث والخدمات الاستشارية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

[2] - ابن فارس، 1972: 6/ 114.

[3] - الفيروز آبادي، 1987 م: 1730.

[4] - الزبيدي، د. ت: 7/ 564/ 566.

[5] - الرازي، 1417: 30/ 74.

[6] - الرازي: 32/ 87.

[7] - الرازي: 30/ 44.

[8] - الرازي: 32/ 158.

[9] - الرازي: 102.

[10] - البغوي، 1417: 2/ 151.

[11] - ابن كثير، 1418: 1/ 523.

[12] - الرازي: 3/ 457.

[13] - الترمذي، د. ت، 4/ 180، 1704.

[14] - البطليوسي، 1968: 437.

[15] - ثعلب، 1944، 338: 339.

[16] - ابن مقبل، 1962: 3.

[17] - الزمخشري، د. ت: 3/ 384.

[18] - الميداني، 1987: 3/ 8.

[19] - المصدر السابق: 2/ 385.

[20] - المصدر السابق، 1987، 1/ 240.

[21] - الميداني: 3/ 215.

[22] - المصدر السابق: 1/ 172.

[23] - شلق، 1991، 396.

[24] - المصدر السابق: 1991، 396.

[25] - المصدر السابق: 1991، 396.

[26] - الزبيدي، 1987، 7/ 567.

[27] - اليازجي، د. ت، ج 2، 87، 88.

[28] - Ee. Cummings (1894 - 1962) American & poet & Painter.

[29] - Josiah Gilbert Holland (1819 - 81) American author.

[30] - ogden Nash American humorist & poet.

[31] - Richard Sheridan (1751 - 1816) English dramatist.

[32] - Robert Louis Stevenson 1751 - 1816 English dramatist.

http:// www. Madwed. Com/ poetry/

[33] - معجم الصينية العربية، 1999 م.

[34] - بوشكن، 1993، ص 204.

[35] - Friedrich Nietzsche 1844 - 1900.

[36] - Thiess, Frank 1896 - 1977.

[37] - Laurent, Joubert 1529 - 1583.

[38] - http:// www. Oerone. De/ spruch/ spruchinh. htm

[39] - Voltaire, Le sottisier.

[40] - Nicolas Boileau, Satires.

[41] - Joseph Joubert, Pensees.

[42] - Rivarol ريفارول مفكر فرنسي عرف بمواقفه القومية تجاه اللغة الفرنسية والدفاع عنها، عاش في القرن 19.

[43] - Pirie Robert, Dicionaiare de Citation de Langue Frcncaise, 1996.

[44] - الأصبهاني، د. ت: 401.

[45] - الزبيدي: 7/ 567.

[46] - المصدر السابق: 7/ 566.

[47] - الزمخشري: د. ت: 3/ 376.

[48] - المصدر السابق: 3/ 383.

[49] - الزبيدي: 7/ 565.

[50] - الزبيدي: 7/ 565.

[51] - الأصبهاني: 397.

[52] - المصدر السابق: 400.

[53] - الزبيدي: 5618.

[54] - الأصبهاني: 403، سورة غافر، الآية: 45.

[55] - الزمخشري: 3/ 384.

[56] - المصدر السابق: د. ت، 7/ 384.

[57] - الدينوري، د. ت، مج 2، ص 77.

[58] - المصدر السابق: مج 2، ص 82.

[59] - ابن المقفع: 1410: 103 - 151.

[60] - الدينوري: مج2 ص 77.

[61] - المصدر السابق: مج 2 ص 73.

[62] - المصدر السابق: مج2 ص 81.

[63] - الدينوري: مج 2، ص 82، 83.

[64] - الأصبهاني: 401.

[65] - الزبيدي: 8/ 37.

[66] - الغزالي: 1987: 89 - 92.

[67] - الزبيدي: 8/ 37.

[68] - أبو داود، رقم الحديث: 4860.

[69] - البخاري: رقم الحديث: 6116.

[70] - الهيثمي: د. ت، 10/ 224.

[71] - الزبيدي: 8/ 57، 58.

[72] - الزبيدي، 62 - 66.

[73] - الزبيدي، 63 - 66.

[74] - كنز العمال، 10703.

[75] - الغزالي، 1987 : 95.

[76] - الزبيدي، 70 - 71.

[77] - أبو داود، 4903.

[78] - البخاري، رقم الحديث 6076.

[79] - الغزالي : 95.

[80] - الزبيدي: 7/ 503.

[81] - المصدر السابق: 8/ 360.

[82] - نوح، 1413 هـ، 3/ 167 - 172.

[83] - نوح، 1413 هـ، 3/ 175 - 177.

[84] - نوح، 1413 هـ، 3/ 180.

[85] - البخاري، 6064، ومسلم، 2653.

[86] - مسلم، 91.

[87] - مسلم، 2865.

[88] - مسلم، 4147.

[89] - الألباني، 1986، 3211.

[90] - الغزالي: 77 - 78.

[91] - البدر، 1434: 141 - 142.

[92] - البخاري، رقم الحديث 6018.

[93] - البخاري، 6478.

[94] - الزبيدي، د. ت، 539.

[95] - النووي، 2001 ، 438.

[96] - البخاري، 6484؛ مسلم، 42.

[97] - المصدر السابق، 6474 ، 6807.

[98] - الترمذي، 2409.

[99] - المصدر السابق، 2407.

[100] - الترمذي، 2616.

[101] - مسلم، 2589.

[102] - البخاري، 105؛ ومسلم، 1679.

[103] - الترمذي، 2502.

[104] - أبو داود، 4878.

[105] - مسلم، 2564.

[106] - الترمذي، 1931.

[107] - البخاري، 4418؛ مسلم ، 2769.

[108] - مسلم، 1480.

[109] - البخاري: 4903؛ مسلم، 2772.

[110] - الأصبهاني: 396.

[111] - المصدر السابق: 396.

[112] - القرطبي، د. ت: 398 - 402.

[113] - أبا الخيل، 1423: 18.

[114] - أبا الخيل: 18.

[115] - أبا الخيل: 18.

[116] - الزبيدي، 7/ 539 - 545.

[117] - الزبيدي، 8/ 164.

[118] - أبو غدة، 30، 1422 هـ.

[119] - البخاري، رقم الحديث 755، 758؛ مسلم، رقم الحديث 453.

[120] - البخاري، رقم الحديث 3198.

[121] - مسلم، رقم الحديث، 1610.

[122] - مسلم، رقم الحديث، 2581.

[123] - أبو داود، رقم الحديث 1319.

[124] - الترمذي، 4/ 465.

[125] - البخاري: 2/ 226.

[126] - قطب، 1987، 1/ 98.

[127] - مسند أحمد، رقم الحديث، 2269.

[128] - الترمذي، 3382.

[129] - الألباني، 3256، 1986.

[130] - الترمذي، 2151.

[131] - الترمذي، 2465.

[132] - مسلم، 56.

[133] - أبو داود، رقم الحديث 1525.

[134] - الهاشمي 1405 : 76.

[135] - الهاشمي: 78.

[136] - النحلاوي 1399: 24.

[137] - ابن مبارك، 1415: 52.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الوشاية

مختارات من الشبكة

  • حكم الوشاية بين التلاميذ(استشارة - الاستشارات)
  • ضوابط السوق في الإسلام وأثرها في تحقيق أمن المجتمع واستقراره (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • جنوب إفريقيا: المجتمع الإسلامي يدعم تحسين أوضاع المجتمع(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مؤسسات المجتمع المدني ودورها في حفظ الأمن المجتمعي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • موجبات الأمن وغوائله وأثر الأمان على المجتمع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدعوة إلى الله وأثرها في المجتمع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التغذية الصحية وأثرها على المجتمع(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • الازدواجية في السلوك وأثرها على المجتمع(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التبرعات وأثرها في المجتمع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الهجرة النبوية أبعادها وأثرها على المجتمع المسلم الناشئ(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
3- ممتاز جدا.. لكن بقي شيء مهم !
أبوعمر - مصر 03-04-2016 03:49 PM

بداية.. شكر الله لكم جهودكم وأثابكم أجرا عظيما.. لكن بقي شيئ مهم .. ألا وهو عاقبة الوشاية السوء وأثرها على الواشي نفسه في الدنيا والآخرة.. حاله عند الناس في تعاملات يومه.. وحاله عند الله تعالى يوم القيامة.. وهذا ما يترتب عليه استفادة القارئ بالواجب عليه أن يتجنب هذه المذمة (الوشاية) بعد ترهيبه من مئآل مقترفها وترغيبه في تركها بحسن العاقبة وفي ذلك إصلاح وثمرة للمقال طيبة في المجتمع.. وإن كنتم مشكورين قد أفضتم في أثره على أمن المجتمع ومن ثم عاقبته الواردة في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وأقوال الشعراء والكتاب والمصلحين ولكن بالمسمى الظاهر له في الغيبة والنميمة وعنوان المقال (الوشاية وأثرها !).. هل لا أتممتم البحث بهذا الباقي جعله الله في ميزانكم.. أكرر تحياتي.

2- مدح
طارق وليد إبراهيم سليمان المهوس - السعودية 01-08-2014 09:19 PM

ممتاز يا أبي

1- مقال ممتاز
الدكتورة منية الحمامي أستاذ مشارك اللسانيات العرب - تونس 18-05-2011 02:30 PM

سعادة الدكتور شكرا على هذا المقال الرائع الذي يتناول بإسهاب موضوع الوشاية بطريقة علمية وبلغات مختلفة ووفق منطق لغات وثقافات متنوعة وما أحوجنا ال أن نفهم و نتعمق أكثر موضوع الوشاية في هذا الظرف الذي تمر به الأمة العربية الإسلامية في تسارع نسق الثورات العربية .وحياكم الله سعادة الدكتور .

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب