• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تنمية المهارات
علامة باركود

المسؤولية الفردية في محيط العمل الجماعي

د. طارق محمد حامد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/12/2010 ميلادي - 30/12/1431 هجري

الزيارات: 25960

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحمد لله، والصَّلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإنَّ المنهج الإسلامي الواقعي الجادَّ يُؤَهِّل الفرد المسلم، ويعتني بتربيته؛ لكي يكون ذا دوْر فاعلٍ في نَهْضة أُمَّته، وفي تثبيت أركانِها، ورَأْب الصَّدع الناجم عن التفرُّق المذموم بين فصائله، والفذُّ جزءٌ لا يتجزَّأ من نسيج أمَّته، له حقوقٌ كفَلَها له الإسلامُ شريطةَ القيام بواجباته تُجَاه أُمَّتِه من احترام الإسلام كشريعة شاملة تَحْمل الخير للدُّنيا بِأَسْرها من الله العزيز الحكيم، والحفاظ على ثوابت الأُمَّة، وصيانة لُحْمتِها من زعزعة صفِّها الْمُتلاحم، وإذا ما تحقَّق هذا فهو دليل على مدى الانضباط والامْتِثال لأمر الله دون تردُّد أو شكٍّ أو حرَج.

 

ولُحْمة الصفِّ مع قيادته تتكامَل بالعمل التَّناغمي مع الطَّاعة المُبْصِرة والنُّصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم, وتتحقَّق اللُّحمة باحترام الأُطُر العامَّة والخاصَّة للأمَّة، والعمل في إطارها دون مساس أو انتقاص، ودونَما جَوْر على حقِّ الفرد الذي قرَّرَته الشريعة الإسلاميَّة من حِفْظ النَّفس والدِّين والعِرْض والعقل والمال، وهي مقاصد الشَّريعة الخمسة، مكفولة للأفراد والأمَّة سواء بسواء.

 

والفرد في مُحيط المجتمع واعٍ, إيجابي, يقظ، ذاتي الحركة، ذو حسٍّ مرهف يُحْسِن الظنَّ بالصفِّ المؤمن، لديه فِقْه في استيعاب الفِتَن، وإدارة الخلاف، وهو ما قال عنه أحد الأئمة: "نُريد في الفِتَن انتباه الفقهاء لا علم العلماء", وقول الإمام الحسن البصري - رَحِمه الله - : "إذا أقبَلَت الفتنة عرفها كلُّ عالِم، وإذا أدبرَت اتَّبَعها كلُّ جاهل".

 

وكل مَلْمَح من الملامح السَّابقة نتعرَّض له من خلال المفردات التالية:

1 - الوعي واليقظة:

فالْمُسلم في دائرة الأحداث التي تتعرَّض لها أُمَّته يتَّسِم بالفَهْم الواعي واليقظة العاصمة من الفُرْقة والشِّقاق، والذاتيَّة الحركيَّة الجادَّة، الحائلة دون تفاقُم الأمور والخروج عن السَّيطرة وهو فِقْه إدارة الفِتَن، وبين أيدينا موقف زيد بن أرقم من مقولة عبدالله بن أُبَي بن سلول، وموقف عُمَير بن سعد من الجُلاَّس بن سُوَيد رَبيبِه، فكِلاَ الرَّجُلين قالا مقالة لا تحتمل غيْرَ الكفر والنِّفاق فالأول، قال: "إنَّما مثَلُنا ومثل محمَّد كمَنْ قال: سَمِّن كلْبَك يأكُلْك، والله لئن رجَعْنا إلى المدينة لَيُخرجنَّ الأعَزُّ منها الأذلَّ"، والآخَر بعد استثارة الفتَى عُمَيْر له؛ ليتجهَّز للخروج مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلم - لغزوة تبوك: "إن كان محمَّدٌ صادقًا فيما يدَّعيه من النُّبوَّة فنحن شرٌّ من الحمير".

 

وتِلْكم مَقالتان يستَقِرُّ قلْبُ صاحبِها بين الكفر والنِّفاق، وتشي بِمَدى الاستهتار بِأُطُر المُجتمَع المسلم وثوابته، قالا مقالتان تمسُّ الله ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتَتطاول عليهما، وتبثُّ الإرجاف في صفوف المؤمنين كما هي الحال الآن من التَّطاول على النَّبِي - صلَّى الله عليه وسلم - وأزواجِه أُمَّهات المؤمنين، وتقدح في عِرْضه - صلَّى الله عليه وسلم - وهذه الطائفة الجائرة المتعدِّية على الله ورسوله للأسف تدَّعي الإسلام، والإسلامُ منها بَراءٌ.

 

ولقد أوضح الإمام حسن البنَّا في "الأصول العشرين" معيارَ الْحُكم على النَّاس من الإيمان من عدمه، وهذا الأمر مردُّه إلى الإمام وجُمْهور العلماء الغيورين على دين الله - عزَّ وجلَّ - فقال - رَحِمه الله - : "ولا نكفِّر مُسلمًا أقرَّ بالشهادتين وعَمِل بِمُقتضاهُما، وأدَّى الفرائض - برأيٍ أو بِمَعصية - إلاَّ إن أقرَّ بكلمة الكفر، أو أنكر معلومًا من الدِّين بالضَّرورة، أو كذَّبَ صريح القرآن، أو فسَّرَه على وجْهٍ لا تَحْتمله أساليبُ اللُّغة العربية بِحَال، أو عمل عملاً لا يَحْتمل تأويلاً غير الكفر".

 

قابلَتِ المقالتان أذنًا واعية يَقِظة، برغم حداثة السِّنِّ في هذَيْن الصَّحابيَّيْن، إلاَّ أنَّهما أدركا الواجبَ عليهما تُجاه الأُمَّة، وتقلَّدا قلادة المسؤوليَّة، وعلم كلٌّ منهما أنه المسؤول الأوَّل والوحيد عن هذا الدِّين، فتخلَّى كلُّ واحد منهما عن السلبيَّة المقيتة، ولَم تُحَدِّثه نفسه بإخبار الله - عزَّ وجلَّ - نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلم - وقد كان، فكان للنبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلم - مع ابن سلول شأنٌ آخَر، ولكنَّها اليقظة والوعي المُحرِّك الأوَّل لِزَيد وعُمَير!

 

إِذَا القَوْمُ قَالُوا مَنْ فَتًى خِلْتُ أَنَّنِي
عُنِيتُ فَلَمْ أَكْسَلْ وَلَمْ أَتَبَلَّدِ

 

وهذا السُّلطان عبدالحميد - رحمه الله - يتعرَّض لِضُغوط شديدة للتخلِّي عن مدينة القُدْس وفلسطين بِعَرض مغْرٍ يعصف بِلُبِّ كلِّ ذي لب، وفي حال ضعف دولة الخلافة وديونها لا مفرَّ من الرُّضوخ لِهَذا الأمر وتعديل الأوضاع، ولكنَّه العار والذُّل أبدَ الدَّهر، ولا يَذْكر التاريخُ الآن سوى سقوط دولة الخلافة على يَدِ أتاتورك ووقفة السُّلطان عبدالحميد الرَّاسخة الأبيَّة في وَجْه هذا المشروع الصِّهْيَوأوربِّي لِسَلب أغلى بقعة من الأرض المُسْلِمة بعد بلاد الْحرَمَيْن، بقعة من الجنَّة، ولا شك أنَّها الآن وقبل ذلك وإلى قيام الساعة هي القضيَّة المحورية الأُولى لِمَن أنعم الله عليهم بالفَهْم والفِقْه من المسلمين، فهي قضيَّة عقيدة ودين، مَن لَم يهتمَّ بِها كان في إيمانه نقْصٌ، وفي عقيدته دخَلٌ.

فقال - رحمه الله -: "القُدْس ليست ملكي وحدي، بل هي ملكٌ للمسلمين جميعًا، ولا أستطيع التَّفريط في شِبْر واحد منها".

 

ما هذا الوعي وهذا الفَهْم واستشعار المسؤولية؟! أمَّا نَحن الآن فَما دَوْرُنا؟ وهل لدينا وعْيٌ وفهمٌ ويقظة؟ وهل نحن قوم مسؤولون؟!

 

وبِرَغْم يقظة ووَعْي السُّلطان عبدالحميد إلاَّ أنَّ يهود الدونمة تغَلْغَلوا في جسد الدَّولة المريض عن طريق حِزْب الاتِّحاد والترقِّي، فتمكَّنوا من عَزْل السُّلطان، ثم تنصيب أتاتورك الصِّهْيَوني الذي ألْغَى الخلافة الإسلاميَّة، وجعل العلمانيَّة السافرة تلفُّ دولةَ الخلافة، وتَمَّ لهم اغتصابُ فلسطين، ويا لَها من طامَّة كبرى، وإنَّ القلب لينفَطِر كمدًا وحزنًا على المسجد الأقصى، ولكن:

 

اَلْمَسْجِدُ الأَقْصَى لَهُ عَادَةٌ
سَارَتْ فَصَارَتْ مَثَلاً سَائِرَا

إِذَا غَدَا لِلْكُفْرِ مُسْتَوْطَنًا
أَنْ يَبْعَثَ اللهُ لَهُ نَاصِرَا

ولا يتمُّ ذلك إلا بإيمانِ ويقينِ ويقظةِ ووعْيِ المسلمين، كَعُمر، ونور الدِّين محمود، وصلاح الدِّين، والسُّلطان عبدالحميد، وغيرهم من أبناء الأمَّة الأغيار.

 

2 - الذاتية والإيجابية والمبادرة:

يَحْضرني في هذا المقام هدهدُ سليمان - عليه السَّلام - واستشعاره المسؤوليَّة عن العقيدة والدِّين، فلقد تأمَّلْتُ حال هذا الهدهد وهو يدعو إلى التَّوحيد الخالص بِمَنطق طائر جَميل في خلقته وتوجُّهِه، وعقْلِه الصَّغير الكبير، إن صحَّ ذلك، لقد فاق بفِكْره على الذين يسجدون للشَّمس من دون الله: ﴿ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ [النمل: 25]، ما هذا المنطق الجميل في الدَّعوة إلى توحيد ربِّ العالَمين؟! منطق طائر لبيبٍ يَمْلك أدوات الدَّعوة ويُمارسها من مَنظوره البسيط، فالخَبْء أو الحَبُّ المخبوء في الأرض هو غاية علمه ومنتهى طلَبِه، وهو رزق يسوقه الله - عزَّ وجلَّ - له، فكانت الحركة منه يَجُوب الأرض شرقًا وغربًا، وشمالاً وجنوبًا، يرصد الانْحراف عن التَّوحيد، ويُبَلِّغ نبيَّه وقائِدَه في معركة الحقِّ والباطل؛ عرفانًا وشُكرًا لنِعَم الله عليه - الخبء - ونَحن منطقنا مشوَّه، وحِسُّنا متبلِّد، فنِعَم الله - عزَّ وجلَّ - علينا لا تعدُّ ولا تُحصى.

 

فالإسلام والإيمان والقرآنُ نعمة، والنبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلم - وسيرته وسُنَّته وصحابته، كلُّ هذه نِعَمُ الله علينا، ونَحْن الآن نرى كفرًا بواحًا، ولا نُحرِّك ساكنًا، ولا تغلي في عروقنا دماء الغَيْرة على دين الله، ونرى أرضًا مستباحة، ودماء مُهْراقة، وقُدْسًا يستغيث ولا حراك، فأيُّ إيجابية وهِمَّة هذه التي كانتْ لدى الهدهد ولا توجد لدَيْنا؟! وأيُّ حُرْقة هذه على دين الله، وأيُّ فَهْم لدى الهدهد ونحن لدينا همومٌ غير ذلك؟! إلاَّ مَن رحم الله - عزَّ وجلَّ - أيُّ إيجابية وهِمَّة وحرقة لديه ولا نَحْمل هذه الحرقة بين جوانحنا؟! أيَحْمل هذا الطائر قلبًا وعقلاً، ونفتقر نحن إليه؟ أنفتقر إلى احتواء هذه الجوارح بين جوانِحنا؟! أم هي قلوبٌ لا تفقه، وعقول أحيطت بسِيَاج من الغفلة والجهل؟ فصِرْنا لا نعي شيئًا؟! كلاَّ.. لقد كرَّمَنا الله - عزَّ وجلَّ - على سائر الخَلْق بالعقل والفَهْم، وإنَّ قلبًا بطانته الإيمان، واليقين مكينٌ فيه، والحكمة نابتة في أركانه، لَهُو قلب جدير بِحَمل هذه الدَّعوة وتبليغها، فالدَّعوة شرف ونجاةٌ للمسلم، وأولى بنا من الهدهد، وأولى بنا من مُبشِّري النصرانيَّة، أن ندعو إلى الله - عزَّ وجلَّ - لِخَير الدُّنيا والآخرة، ونجاة لنا وزكاةٌ: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108].

 

وهذا ثَمَن الجنة؛ فالجنَّة مهرها غالٍ:

 

وَمَنْ يَخْطُبِ الْعَلْيَاءَ لَمْ يُغْلِهِ الْمَهْرُ

إِذَا مَا عَلاَ الْمَرْءُ رَامَ العَلاَءَ
وَيَقْنَعُ بِالدُّونِ مَنْ كَانَ دُونَا

((مَن خاف أدلَج، ومن أدلج بلغ المَنْزل، ألا إنَّ سلعة الله غالية، ألا إن سِلْعة الله الجنَّة))؛ رواه الترمذيُّ، والمنذري في "الترغيب والترهيب"، وصحَّحه الألبانِيُّ في "السلسلة الصحيحة".

 

3 - حسن الظن بالصفِّ المسلم:

وهذه الصِّفة لازمة وآكِدَة لصيانة الأَعْراض وترسيخ رُكْن الثِّقَة بين جنبات المُجتمع المسلم، فمِن حقِّ كلِّ فَرْد أن يكون مُصان العِرْض، آمِنًا في سِرْبه، مأمونَ الجانب من جِهَتِه لإِخْوانه المسلمين، ولقد حذَّر النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلم - الجيرانَ، فقال: ((والله لا يُؤْمِن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن))، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: ((مَن لا يأمن جارُه بوائِقَه)).

 

وعلى كل فرْد مسلم التخلُّق بِهَذا الخلق؛ حِمايةً لنفسه وأهله وعِرْضه أوَّلاً، ثُم حماية لإخوانه؛ لأنَّه إن كفَّ عن الناس أذاه، كفَّ الناس أذاهم عنه، وفي نِهاية الأمر هي له زكاة وصِيانة له وللصَّفِّ المؤمن من زعزعة أركانِه، وتصَدُّع بنيانه.

 

وفي حادثة الإفك كفاية وشفاءٌ للغليل، ودروس وعِبْرة لأولي الألباب، فحينما بلغ أبا أيُّوبَ الأنصاريَّ وزوجتَه - رضي الله عنهما - ما خاض فيه الْمُنافقون، وبعضُ المسلمين أمثال مِسْطَح بن أثاثة، وحسَّان الشَّاعر وحِمْنة بنت جحش - رضي الله عنهم - في عِرْض النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلم - في عرض الْحَصان الرَّزان الصِّدِّيقة بنت الصدِّيق، كما هو الحادث الآن، كان ردُّ فِعْل أبي أيُّوب وزوجِه غايةً في الرُّقيِّ والأدبِ مع الله ورسوله - صلَّى الله عليه وسلم - وقمَّة في احترام الصَّفِّ المؤمن، وصيانةً للأعراض من أن تُستباح، حتَّى ولو بالكلام.

 

أُمُّ أيُّوب لأبي أيُّوب: "لو كنتَ مكان صفوانَ بْنِ المعطَّل أكنتَ تفعل ذلك"؟

أبو أيُّوب: "ولو كنتِ مكان عائشة أكنتِ تفعلين ذلك"؟

ثم قالا لبعضهما البعض: "والله لَصَفوان خيْرٌ منكَ"، و"والله لَعائشة خَيْر منكِ".

 

فكان الأدبُ مع الله خشية نزول الوَحْي فيهما، والأدب مع رسول الله بالتورُّع عن الخوض في عِرْض المُعَلِّم والْهادي والبشير النذير - صلَّى الله عليه وسلم - والأدب مع الصفِّ من إخوانِهم المؤمنين باحْتِرام الصَّف، وصيانة لأعراضهم، فعصَموا ألسنَتَهم من الخوض في هذا الإفك الْمُبين كما وصفَه القرآن الحكيم: ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾ [النور: 12].

 

ما هذا الثَّراء الإيماني والسُّمو الخلقي في أفراد هذا القَرْن العظيم ((خَيْر النَّاس قرني، ثُم الذين يلونهم، ثم الذين يلونَهم))؛ رواه البخاري.

 

وفي المُجتمع المسلم مُجرَّد مُمارسة فِعْل الحبِّ لإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا يُعرِّض صاحبه للعذاب الأليم في الدُّنيا والآخرة، فمَن سرَّه مصاب المؤمنين فهو على شُعبة من النِّفاق، ومَن ساءه الخَيْر للمؤمنين فهو كذلك، فمجرَّد الحُبِّ لإشاعة الفاحشة جُرْم عظيم، وهناك طائفة من الناس يعتقدون أنَّهم يُؤَدُّون رسالة ما ينقلون - بداعي التَّمثيل - ما يَحْدث في مَخادع الزَّوجية على شاشات السينما والتِّلفاز جهارًا نَهارًا، وحتَّى في شهر رمضان فيرتكبون جُرْمَيْن؛ الأوَّل في حقِّ أنفسهم وهم مُحاسَبون عليه، والثاني في حقِّ المُجتمع المسلم بإثارة الغرائز والشَّهوات وتفجير الكَبْت الذي يتغوَّل في أوساط الشَّباب العازف عن الزَّواج؛ لِضِيق ذات اليد، فيُشِيعون الفاحشة في الذين آمَنوا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19].

 

هذا مُجرَّد الحُبِّ، فما بالنا بِمَن يَحترف إشاعة الفاحشة، بل ويتفنَّن في ذلك؟! كما يقول بعضُهم: إنَّها رسالة، ويا لَها من رسالة من رسائل الشيطان، وأُحْبولة من حبائله، ومِعْوَل هدْمٍ من مَعاول هدم المجتمع المسلم، وتصدُّع أركانه وبنيانه!

 

فلِكَي نصون مجتمعنا من التفكُّك وزعزعة أركانه والحِفاظ على قيمه وثوابته واستِقراره، أتصوَّر أنَّها مسؤولية كلِّ فرد على حِدَة أن يقوم بواجبه تُجاه دينه ووطَنِه كما يُطالِب بِحُقوقه، وعلينا نحن أن نتحلَّى بالوَعْي واليقظة لِمَا يدور من حولِنا من مُخطَّطات للنَّيْل من الأديان والأوطان، وأن توجد لدينا مساحة من الإيجابيَّة والذاتيَّة والمبادرة، ونُحْسن التصرُّف في إطار الأسس العامَّة لِمُجتمعنا، ويكون لدينا فِقْه إدارة الفِتَن والخلاف لِمَا يعنُّ لوطننا من أمور تؤرِّقه، وتعصف بأركانه، وتودي باستقراره، وعلينا أن نتحلَّى بِخُلق الثِّقة الواعية والمُبْصِرة في المسلمين، وعلينا الاقتداء بالنبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وخشية الله - عزَّ وجلَّ - وتبليغ الدَّعوة وحراسة العقيدة والدِّين، وصيانة الوطن، وحُسْن الظنِّ بأفراده، ورَدِّ كلِّ أمر إلى الله - عزَّ وجلَّ - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

 

وصلَّى الله على سيِّدنا مُحمد، والحمد لله ربِّ العالَمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المسؤولية
  • هكذا نفهم مسؤوليتنا
  • المسؤولية وخطر تبعتها
  • هل أنت إنسان فردي، أم أنت جزء من مجتمعك؟!
  • فضل العمل الجماعي
  • بين الهروب والمكوث.. الإيجابية بالتزام المسؤولية الفردية
  • الاهتمام بالعمل الجماعي بدلا من الفردية
  • مفهوم العمل الجماعي وأهميته

مختارات من الشبكة

  • أنواع المسؤولية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • تحمل المسؤولية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع المسؤولية في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المسؤولية وتعريفاتها عند أهل اللغة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تعريف المسؤولية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ماذا نعني بالمسؤولية الاجتماعية؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العمل الاجتماعي والقطاع الأهلي: تحقيق المسؤولية الاجتماعية(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • شعور المسؤولية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أهداف المسؤولية التي كلفها الله تعالى عباده(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملخص بحث: تنمية الشعور بالمسؤولية عند أفراد المجتمع ( بحث عاشر )(مقالة - الإصدارات والمسابقات)

 


تعليقات الزوار
1- ابداع بلا حدود
om habiba 19-01-2011 08:01 PM

هذه المقالة من أروع ما قرأت وفيها من عمق الفكرة ورقي الكلمة ورصانتهاما يدل علي مشروع مفكر مبدع إن شاء الله وإلى مزيد من التفوق والتوفيق

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب