• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

صف سرا

د. خالد بن محمد الشهري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/12/2010 ميلادي - 24/12/1431 هجري

الزيارات: 9764

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هذه ليست دراسةً تاريخيَّة ولا اجتماعيَّة، ولا هي تحليل نفسي، ولا بحث شرعي، ولا مقالة تربويَّة، إنها خليطٌ من ذلك كلِّه، وهي أقرب إلى أنْ تكون خواطر ذاتيَّة لحلِّ مشكلة سلوكيَّة نُعانِي منها جميعًا نحن العرب[1].

 

كلمة "سرا" لَم أجدْ لها أصلاً في المعاجم بالمعنى الذي نستَخدِمه حاليًّا في تَنظِيم الصف، بينما الكلمة المستخدَمة في التنظيم هي "الصف"، ونحن نقول: صُفَّ، بلفظ الأمر، فكأنَّ الأصل هو كلمة الصف، و"سرا" لعلَّ معناها التتابُع، وربما كان أصلها من السُّرا؛ وهو: سَيْرُ المسافر آخِر الليل؛ إذ يتَتابَع مشيه ليَقطَع سفره، ومنه قولهم: "عندَ الصباحِ يحمَدُ القومُ السُّرى".

 

1- تمهيد:

نُلاحِظ جميعًا في حياتنا اليوميَّة بعض التصرُّفات غير الحضاريَّة والتي تنمُّ عن قلَّة الذَّوق والأثرة والأنانية، فإذا قدر لك أنْ تَذهَب لإنجاز بعض معاملاتك، فسوف تجد بشكل لافت للنَّظَر مَن يُحاوِل أنْ يُزاحِمك ويتقدَّم أمامك دون إذنٍ منك وبشكل مُؤذٍ للنَّفس، وإذا أردت أنْ تصل إلى الشبَّاك فحتمًا ستحتار في أيِّ صفٍّ ستقف؛ لأنَّه لا يوجد صفٌّ مستقيم بشكلٍ عمودي، وإنما ستجد زحامًا شديدًا على الشبَّاك يُذكِّرك بأشعار الجاهليَّة في مقابلة الهيجاء، وتجد هذا - مع الأسف - في أيِّ مكان تَذهَب إليه؛ ممَّا جعل كثيرًا من المراجعين يعتَمِد على مكاتب الخدمات العامَّة أو المعارف والأصدقاء لإنهاء مُعامَلاتهم، حتى لا يضطروا للدُّخول في مَعمَعة الطوابير.

 

وهذه المشكلة ألجأت المؤسَّسات الجماهيريَّة إلى الاعتِماد على نظام تنظيم السرا بطريقة توزيع الأرقام، أو وضع الحواجز، أو غيرها من الطُّرُق المُبتَكرة الأخرى التي تُعالِج العرض وتغفل - أو تعجز - عن عِلاج أصل الدَّاء.

 

2- ذيول المسألة:

لو وقَف الأمر عند هذا الحدِّ لقلنا: الأمر سهل، ولكنَّه امتدَّ إلى أنْ تجد النفسُ المضايَقةَ في الشارع؛ حينما يتعدَّى أحدُهم على حقِّك في الطَّريق، أو يُزاحِمك عند إشارة المرور، مرَّة ذات اليمين وأخرى ذات الشمال، وتطوَّر هذا السلوك لينسَحِب على جميع العلاقات والسلوكيَّات الاجتماعيَّة أثناء التعامُل مع الآخَرين في شكلٍ فاضِحٍ من الأنانية وحبِّ الذات وظُلم الآخَرين.

 

وانغَرَس هذا السلوك في العَقل الباطن، حتى أصبَح يصدر من صاحِبِه دون قصدٍ، بل أصبح أشبَه ما يكون بالجبلَّة والفِطرة إلاَّ ما ندر، حينما يَنشَأ الإنسان في بيئةٍ سويَّة تهديه إلى حسن الخلق وحُبِّ الخير للآخَرين، ولكنَّهم يبقون قلَّةً على أيِّ حال، ومن العجيب استِمرار هذا السلوك بيننا مع التقدُّم الحضاري الذي نَسعَى لنُباهِي به الآخَرين.

 

3- الأصول التاريخيَّة لهذه الظاهرة:

لعلَّ من المعلوم تاريخيًّا أنَّ العرب كان نظامُهم الاجتماعي نظامًا قبَلِيًّا يعتَمِد على التناصُر فيما بينهم من خِلال التجمُّع؛ ليُقوِّي بعضهم بعضًا في حلِّهم وترحالهم، وحيث إنَّهم كانوا يعتمدون على الغزو بالدَّرجة الأولى في تحصيل أقواتهم، اشتدَّت حاجَتُهم لأنْ يَحمِي بعضُهم بعضًا، وظهرت في الإرث الجاهلي كثيرٌ من الدَّلائل على هذا، يُمكِن أنْ يختصرها المثَل الجاهلي الشائع: "انصُر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"[2].


وكانتْ هذه الحاجة للتَّناصُر فيما بينهم تعتَمِد على التجمُّع والتجمهُر في مَوقِع الحدث - سواء أكان ذلك للدِّفاع أو للهجوم - في ظاهرةٍ يمكن أن نُطلِق عليها مُواجَهة مَوقِع الحدَث في اعتِماد كُلي على المواجهة الشخصيَّة فيما بينهم؛ إذ كانوا يستَعِيبون أنْ يغيب وجهُ أحدٍ منهم عنْ موقع الحدث، وربما كان ذلك سُبَّة يُعيَّر بها هو وذريَّته من بعده.


أضِفْ إلى هذا أنَّ العرب يعتَمِدون بالدرجة الأولى على السَّماع في تعامُلهم؛ ممَّا يجعَلُهم يتقارَبون فيما بينَهم أثناء تناقُل الأخبار، ويُقدِّمونه على غَيرِه من الوَسائِل البصريَّة، ولعلَّ ذلك راجِعٌ لكونهم أمَّة أميَّة.


هذا السلوك الذي يعتَمِد كما ذكَرنا على:

أ- مواجهة موقع الحدث.

ب- الاعتماد على السَّمع في تلقِّي المعلومة.


هذان السببان - مِن وجهة نظري - هما أصلُ حدوث ظاهِرة التَّجمهُر وشيوعها بين العرَب، حتى أصبحتْ ثقافةً راسخة بينهم من خِلال تناقُلها بين الأجيال، حتى أصبحت سلوكًا جمعيًّا يشتَرِك فيه جميع الأفراد عبر مرِّ القرون؛ إذ تسلَّل هذا السُّلوك مع الوراثة ليصبغ حياتهم وأخلاقهم الاجتماعيَّة، حتى أصبح كالقاعدة فلا يُستَغرَب ولا يُستَنكَر.


4- ظاهرة مُواجهة موقع الحدث بين السلب والإيجاب:

لعلَّ هذه الظاهرة - مواجهة موقع الحدَث - كانت تُناسِب العرب في فترات حيَاتهم السابقة، ولعلَّها الأسلوب الأمثَل مِن وجهة نظَري في المجتَمعات الصغيرة المُغلَقة؛ إذ تقتَضِيها ظروفُ حياتهم.


لكنَّنا الآن ونحن مجبرون على العَيْش في المجتمع المدني الحديث، والانخِراط في الحياة الحضريَّة والمجتمعات المتمدِّنة - بما فيها من شَوارِع مزدحمة ومُؤسَّسات ذات مراجعين كثر كالسيل - أصبَحنا نُعانِي من الآثار السلبيَّة لمثْل هذا السُّلوك؛ حيث إنَّه تحوَّل مِن قضيَّة تجمُّع للنُّصرة إلى مُزاحَمة أنانية تُعطِّل مصالح الآخَرين.


ورغم أنَّ الإسلام عدَّل كثيرًا مِن سلوكيَّات العرَب وأنار حياتهم، إلاَّ أنَّ بُعْدَ عَهدِهم بالنبوَّة جعَلَهم يرتَكِسون مرَّة بعد أخرى في موروثات الجاهليَّة، والتي وصَلتْ في بعض الفترات التاريخيَّة المُظلِمة إلى حدِّ عِبادة الأوثان؛ كما حدث في بعض مُجتَمعات المسلمين؛ ولهذا تَتابَع المُصلِحون في مجتمعات المسلمين يُحاوِلون أنْ يُهذِّبوا ما اعوَجَّ من سلوكهم، ويُقوِّموا ما انحَرَف من عقائدهم.


ونحن - ولا شكَّ - مُحتاجون إلى أنْ نتعلَّم من الإسلام حُسْنَ التَّعامُل، والسموَّ بالعلاقات الاجتماعيَّة، ونبْذ الأخلاق السيِّئة، وإنَّه لمن عَجائِب الأمور أنَّ هؤلاء الأشخاص الذين لا يُحسِنون الوُقوفَ في الصفِّ "السرا"، ولا يتأدَّبون بآداب المرور، أنهم إذا دخَلُوا المسجد للصلاة انتظَمُوا بكلِّ هدوء وطمأنينة في تحابٍّ وتآخٍ، ولانوا بأيدي إخوانهم؛ ليُؤدُّوا فريضة وَقتِهم مِن خِلال صَلاة الجماعة، التي تُعَدُّ من أهمِّ ميزات المجتمعات المُسلِمة، في ظاهرةٍ لفتَتْ أنظارَ غير المسلمين؛ إذ ليس من السَّهل أنْ تجتَمِع الآلاف في مَكانٍ واحدٍ وفي وقتٍ واحد، لتنتَظِم في صفوف متراصَّة مُتَرابِطة خلف بعضها البعض دون تزاحُم ولا إيذاء، ممَّا جعَل بعضَ مَن شاهَد مِثْلَ هذا الموقف يَدخُل في الإسلام كما ذكَر ذلك بعض مُفكِّريهم.


5- أهميَّة الانتظام في الصف "السرا":

لا يُمكِن لأيِّ عملٍ أنْ يتمَّ دون نِظامٍ، وأنت إذا نظَرتَ إلى الكَوْن من الذرَّة إلى المجرَّة، ستَجِد عامل الانتظام في الصفِّ واضِحًا جليًّا، فهذه الذرَّة بما تَحوِيه من بروتونات وإلكترونات تَسِير في صفٍّ مُحدَّدٍ لكلٍّ منها، ولو زاحَمتْ إحداها الأُخرَى لحدَث الخلَلُ في الذرَّة، وكذلك المجرَّة بما فيها من كواكب، يَسِير كلُّ واحدٍ منها في طَريقِه، ولو خرَج عن مَسارِه لحدَث التصادُم فيما بين هذه الكواكب أو النُّجوم، وحدث ما لا تُحمَد عُقباه.


وكذلك في حياتنا اليوميَّة نجد أنَّ المؤسَّسة التي تفرض الانتِظام في السرا تنجز مُعامَلاتها بشكلٍ أيسر وأسرع من تلك التي لا تأبه لتنظيم المراجعين.

 

وقُلْ مثلَ ذلك في المدرسة والجامعة... وهَلُمَّ جرًّا.


وممَّا يلفت النَّظر أنْ سُمِّيت سورةٌ من سور القرآن بسورة الصف، وبيَّن الله - عزَّ وجلَّ - فيها محبَّته للذين يُقاتِلون في سبيله صفًّا، فإذا انتظَمُوا حالَ الحرب في صفٍّ وهم في حال خوف وقلق، وجزع واضطراب وتشوُّش فكر، فهم أَوْلَى بالانتِظام في حال السلم والأمن والرَّاحة.


ونظَر نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذاتَ يومٍ إلى أصحابه، فقال لهم: ((ألاَ تصفُّون كما تصفُّ الملائكة عند ربِّهم؟))، فقالوا: وكيف يصفُّون؟ فقال: ((يُتِمُّون الصفَّ الأوَّل فالأوَّل))، كما جاء في بعض الأحاديث، وفي ذلك معنًى عظيمٌ للنِّظام والمداوَمة عليه بشكلٍ يومي خمسَ مرَّات، حتى يُصبِح سلوكًا ذاتيًّا، ولينتَقِل أثَرُه بعد ذلك من الصَّلاة إلى سائر شُؤون الحياة.


ألاَ يحفزنا هذا إلى الحرص على النِّظام في جميع شُؤون حَياتِنا؟ لا شكَّ أنَّ أمرًا يحبُّه الله ويَأمُر به نبيَّه في الصلاة ممَّا ينبَغِي لنا أنْ نحرصَ على أنْ نربِّي عليه أنفسنا أوَّلاً وأجيالنا التالية؛ لنَغرِس فيهم هذا السلوك، ونلغي ما ورثناه من بَقايا تركة الجاهليَّة عبر عَقلِنا الباطن الجمعي.


6- لماذا البحث في هذا الموضوع؟

كان جميع ما سبَق لبَيان مسألتَيْن مهمَّتين:

أ- وهي أنَّ عدم الانتِظام الذي نُمارِسه في حَياتنا هو أحدُ مَوْرُوثات الثقافة الجاهليَّة بالدرجة الأولى؛ ولذلك ستَجِد حَتْمًا أنها تقلُّ كلَّما زاد عِلمُ المجتَمَع، وتمسَّك بِرُوح الإسلام النقيَّة الصافية التي جاء بها نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - ألَم يَقُلْ: ((إنما بُعِثتُ لأُتَمِّم مَكارِم الأخلاق))؟


ب- أنَّنا ورثنا هذا السُّلوك عبر أجيالِنا السابقة التي غلَبتْ عليها البَداوَة والأميَّة، وإنْ كان ذلك مَقبُولاً فيما سبَق للحاجة إليه، إلاَّ أنَّه غيرُ صالِحٍ في حَياتِنا المُعاصِرة، التي غلَبتْ عليها المدنيَّة في جميع جَوانِبها، وقد دخَلناها جميعًا - مختارين أو مُكرَهين - ومع أنَّنا ورثنا ذلك عن الأجيال السابقة، إلاَّ أنَّنا يجب أنْ نُهذِّبه قبل نَقلِه للأجيال اللاحِقة، وأنْ يكون لنا دورٌ إيجابي في نقْل الثقافة إليهم، ولا يكون حالنا كحال العاجِزين الذين قالوا: المشكلات التي نَعِيشُها من صُنعِ الجيل السابق، ويجب أنْ يحلَّها الجيل اللاحق في أنانية مَقِيتة، ونرجسيَّة مُمِيتة.


7- من أين نبدأ؟

لا شكَّ أنَّ البداية الصحيحة الواضحة تكون من المدرسة؛ إذ يتعرَّض الطالب كلَّ يومٍ أكثر من مرَّة للحاجة إلى الوقوف في صَف "سرا" في بداية الصَّباح في الاصطِفاف الصباحي، وفي الفسحة عند المقصف، وأثناء التنقُّل بين الحصص أو المعامِل، فكانت فرصةً مناسبة لإكساب الناشئة مَهارة وخُلق الالتزام بالانتِظام في الصف "السرا".


وربما قال البعض: إنَّنا بالفعل نقوم بتَعوِيد الطلاب على "السرا"، فأقول: إنَّ طريقتَنا في ذلك هي من أكبر أسباب عدم انتِظامهم؛ لأنَّنا نستخدم معهم أساليب غير تربويَّة، وكل اعتمادنا على الأساليب التعسُّفيَّة العسكريَّة؛ ممَّا شكَّل ردَّ فعلٍ عكسي زادَ من حِدَّة المشكِلة بدلاً من أنْ يحلَّها، وزاد الطين بلَّةً ممارَستنا المخالفة تمامًا لما نأمرهم به، وأوَّل مَن يقَع في هذه الأخطاء هم المعلِّمون الذين يُفتَرض فيهم أنْ يُؤدِّبوهم، وخُذْ مِثالاً على ذلك من حَياتنا اليوميَّة في المدرسة حينما يقف المعلِّم المناوب ليأمُر الطلاَّب بالانتِظام في الصف "السرا"، ويُوبِّخهم على عدم انتِظامهم، ثم هو يتَجاوَزهم ليصل إلى المِقصَف قبلَهم فيشتَرِي ما يريد ثم ينصَرِف ليعودوا إلى ما كانوا عليه، ومُعلِّم آخَر يُرسِل طالبًا ثم يأمُره قائلاً له: لا تتأخَّر رُحْ للشبَّاك وقُلْ هذا للأستاذ فلان"، ومنظر المعلِّمين حينما يَدخُلون إلى الاستِراحة ويخرُجون منها أو غرفة الاجتِماعات في فوضويَّة واضِحة يَراها جميع الطلاَّب بشكلٍ مُتكرِّر في مَناظِر أُخرَى مُشابِهة، ومحصلتها: أنَّ كلام المعلم مناقضٌ تمامًا لفعله!


هذا ما يحدُث في المدرسة، ولا تَسأَل عمَّا يَراه الطفل في حياته اليوميَّة؛ حين يصحب أباه إلى المستشفى أو السوق أو البنك، أو غير ذلك من مؤسَّسات، فيأخُذ دروسًا تطبيقيَّة في تجاوُز الصف "السرا"، بل يُلقَّن بأنَّ الرجولة والذَّكاء يَكمُن في كيفيَّة إنهاء المعاملة أو قَضاء الحاجة دون الوقوف في الصفِّ، ويتعلَّم مِن والده كيف يَتجاوَز الصف حتى ولو لم يكن أمامه سوى مراجع واحد[3].


فنَهدم في لحظاتٍ بفِعلِنا - مُعلِّمين وآباء - ما نُعلِّمه للطِّفل في أيَّام، بل في سنوات طُوال من خِلال النَّصائِح والمَناهِج اللفظيَّة، والفِعل يغلب اللفظ في أغلَبِ الأحوال؛ وذلك لأنَّ القُدوة العمليَّة أشدُّ تأثيرًا من الأوامر اللفظيَّة أو المكتوبة.


8- ما الفائدة من بحثنا في هذه الظاهرة؟

ربما تساءَل بعض مَن يَقرَأ هذا الكلام عن سِرِّ الاهتِمام بقضيَّةٍ جزئيَّةٍ؛ مثل: الانتِظام في الصف "السرا"، وقد عِشنَا حِينًا من الدَّهر دون أنْ تتعطَّل حياتُنا بسبب ذلك!


ولهؤلاء نقول: إنَّ مُشكِلتنا ليستْ في قضيَّة الصف "السرا"، بل هي أكبر؛ لأنَّ عدم الانتِظام في الصف "السرا" ليس سوى عرضٍ ضِمن عروض كثيرة منها:


• مزاحمة الآخرين في الشارع وعند الإشارات.

• عدم إعطاء المشاة حقَّهم.

• عدم احتِرام حقوق الآخَرين، ولو كانوا من كِبار السنِّ طالَما أنَّنا لا نعرفهم.

• عدم الالتزام بالآداب العامَّة حينما نكون في حيٍّ غير حيِّنا، أو بلدٍ غير بلدنا.

• إساءة الأدب مع الموظَّفين والمراجعين عند إنجاز مُعامَلةٍ في أيِّ دائرة.

• ظنُّ السائق أنَّ الشارع ملكٌ له وحدَه، كما يظهر في استِبداد فئةٍ من السائقين - وخاصَّة صِغار السن - ومُضايَقتهم للسائقين والمشاة.

• عدم احتِرام المواعيد بجميع أنواعِها؛ سواء أكانتْ ثابتةً يوميَّة أو طارِئة.


وهذه جميعها أعراضٌ لمرضٍ داخلي مستشرٍ في المجتمع، وهو مرض (أنا فقط)، وهو مرض الأنانية المقيتة التي لا ترى لغير صاحبها حقًّا في أيِّ شيء، فيرى المُصاب به أنَّه هو صاحب الحقِّ الأوَّل في كلِّ شيء؛ فهو صاحب الحقِّ الأوَّل في الوصول إلى الشبَّاك ولو كان أمامَه العشرات، وهو صاحب الحقِّ الأوَّل في الكلام في المجلس، وهو صاحب الحقِّ الأوَّل في المراجعة في أيِّ مكان يذهَبُ إليه، ولسان حاله يقول: "احمدوا ربَّكم أنِّي كلفت نفسي وجئت إليكم!".


فإذا استَطَعنا أنْ نُعالِج هذه الأنانية المَقِيتة ونجتثَّها مِن أصولها، فإنَّنا - بِحَوْلِ الله - سنَقضِي على كثيرٍ من السلوكيَّات الخاطئة التي تُؤذِي كلَّ ذي ضَميرٍ حيٍّ يَسُوءُه ما يَرى من سلوكٍ يُؤخِّرنا عن التقدُّم بين الأُمَمِ قُرونًا عديدة؛ حتى قال بعضُهم: إنَّ بيننا وبين الحضارة مسافة سنة واحدة فقط، لكنَّها أقرب لأنْ تكون سنة ضوئيَّة!


9- خطوات لبداية العِلاج:

من خلال البحث ومُناقَشة هذا الموضوع خِلال فتَراتٍ طويلة مع زُمَلاء تربويِّين، توصَّلتُ إلى خطوات أرَى أنها مفيدة لعِلاج هذه الظاهرة:

1- وضْع آليَّة تربويَّة من قِبَل وزارة التربية لتَنشِئة الطلاَّب منذ صُفوفِهم الأوليَّة؛ لتستمرَّ معهم طوال سنين حَياتهم الدراسيَّة، وتأهيل المعلِّمين في جميع المراحل ليؤدُّوا دور القُدوَة العمليَّة التي عُطِّلت - مع الأسَف - منذ زمنٍ بعيدٍ.


2- إنتاج برامج تِلفازيَّة مُؤثِّرة لغَرْسِ السلوك الإيجابي ومُناقَشتها مِن قِبَل الطلاب في المدرسة مع مُعلِّميهم، وأبسَطُ مشهدٍ أنْ تلتَقِط مشاهد واقعيَّة لصف "سرا" غير منتظم عند مقصف المدرَسة وآخَر منتظم، ثم يطلبُ من الطلاَّب حِساب الوقت لكلٍّ من الصفَّين، ويُناقِشهم المعلِّم في أيِّهما أفضل من حيث سُرعَة الانتِهاء والمَنظَر والسلوك والقلَق الذي يُصِيب الطالب في كلٍّ من المشهدَيْن.


3- المساهمة في تَنظِيم حملة شاملة للمجتمع تُرعَى من قِبَل الجهات الرسميَّة والحكوميَّة لغَرْسِ سلوك الالتِزام بالنِّظام، وتوعية المجتمع بذلك؛ ليصبح همًّا اجتماعيًّا عامًّا، مُستَفِيدين بذلك من النَّجاح الكبير لحملة التوعية بخطَر الإرهاب، وحملة ترشيد استِخدام المياه والحملات التوعويَّة الأخرى؛ إذ تعتَمِد جميعُ هذه الحملات على جُهودِ المدارس بشكلٍ كبيرٍ؛ ممَّا يُبيِّن أهميَّة دور المدرسة في تنمية السلوك الاجتماعي وتهذيبه.


أخي القارئ الكريم، أيها المعلِّم الفاضل، أيها الأب الشفيق، أيها المسؤول الأمين، وكذلك أخواتنا من الأمَّهات والمعلِّمات والمسؤولات - والبنات أقرَبُ للاستِجابة من البنين، وهُنَّ أمَّهات المستقبل، فإذا تربَّين على هذا السلوك نشَّأنَ عليه أبناءَهنَّ غدًا -: إنَّ علاج هذه المشكلة يهمُّنا جميعًا، وهو سهْلٌ مَيْسور إنْ تَضافَرت الجهود، وحرصنا على مستقبل أبنائنا والرُّقيِّ بهم لنَنهَض جميعًا بمجتمعنا طاعةً لله - عزَّ وجلَّ - أولاً، ثم تنظيمًا لحياتنا، وتطويرًا لمجتمعنا، وهذا الانتِظام من مَكارِم الأخلاق.


فهلاَّ كُنَّا أنا وأنت ممَّن يُسهِم في إتمام مَكارِم الأخلاق؟

أمَلُنا في الله كبيرٌ، ولن يُضيع الله جُهدَ مَن يَسعَى للخير.

مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لاَ يَعْدَمْ جَوَازِيَهُ
لاَ يَذْهَبُ الْعُرْفُ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ

 

والحمد لله أوَّلاً وآخِرًا، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصَحبِه وسلم.

 


[1] ولعلَّ ذلك مؤشِّر لمرضٍ انتَبَه إليه مِن قبل موشي ديان وزير خارجيَّة الدولة الصِّهيَوْنيَّة، الذي نُقِل عنه أنَّه قال: لا تخافوا من العرب ما دام أنهم لا يُحسِنون الوقوفَ في الطابور والانتظام في صف واحد.

[2] أصل هذه الكلمة مثَلٌ جاهليٌّ، وكشأن الإسلام الذي جاء ليُعدِّل السلوك ويُهذِّبه نقَل معنى النُّصرة من الحميَّة الجاهليَّة إلى تَسدِيد المُخطِئ ودلالته على الحق، فقد قال نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - لَمَّا سأله أصحابه هذا: ننصُره مظلومًا، فكيف ننصُره ظالمًا؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((تردُّه عن ظُلمِه، فذلك نصرك إيَّاه))، أو كما قال.

[3] ونحن بهذا الفِعل نُحرِّض الطِّفل على خرْق النِّظام لينتَهِي بسرعةٍ حتى يَرضَى عنه والده، وحتى يصبح "ذيبان" حسب مصطلحنا الاجتماعي الشائع، فنمدَحه ونكافِئه على هدْم ونقْض ما سبق أنْ علمناه أنَّه هو السلوك الصحيح، في تناقُضٍ لا نَكاد نَسلَم منه في جميع شُؤون حياتنا الاجتماعيَّة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التربية.. قواعد وأصول
  • التربية باستخدام المواعظ وضرب الأمثلة والقصص
  • التربية عن طريق أسلوب الثواب والعقاب
  • التربية عن طريق الالتزام بالعادات الإيجابية
  • متى تمزج التربية مع التعليم في مناهجنا الشرعية؟

مختارات من الشبكة

  • فضل الصف الأول في الصلاة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • كيفية تسوية الصف في الصلاة(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • فضل الصلاة في الصف الأول والصفوف المقدمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحرص على الصف الأول في الصف سبب لمغفرة الذنوب (بطاقة دعوية)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • فضل الصلاة في الصف الأول والصفوف المقدمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أحاديث المختار في وصف الجنة والنار: وصف للجنة وأهلها والنار وأهلها (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أبيات في وصف الربيع لصفي الدين الحلي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أبيات في وصف حديقة لصفي الدين الحلي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • وصف الخلان في وصف سيد ولد عدنان - صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: أقيموا الصف في الصلاة؛ فإن إقامة الصف من حسن الصلاة(مقالة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب