شرح بعض الألفاظ الواردة في عنوان: موقف الإسلام من العنف الأسري

شرح بعض الألفاظ الواردة في عنوان:

موقف الإسلام من العنف الأسري

‌الحمد ‌لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

أولًا: تعريف الإسلام:

(أ) الإسلام في اللغة:

‌الإسلام: "‌الخضوع، والانقياد لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم"[1].

وأصل ‌الإسلام "الاستسلام ‌والانقياد"[2] لأمر الله تعالى، والانقياد لطاعته، والقبول لأمره"[3].

(ب) الإسلام في الاصطلاح:

الإسلام اصطلاحًا: "الانقياد لله بقبول رسوله صلى الله عليه وسلم بالتلفظ بكلمتي الشهادة، والإتيان بالواجبات، والانتهاء عن المنكرات كما دل عليه جواب النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عليه السلام عن الإسلام"[4].

قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ﴾ [النساء: 125].

ثانيًا: تعريف العنف:

العنف في اللغة هو: "الخرق بالأمر، وقلة الرفق به... والعنيف: إذا لم يكن رفيقًا في أمره، واعتنف الأمر: أخذه بعنف"[5].

‌العُنْف: "ضدّ ‌الرفق. عَنَفَ يَعْنُفُ عَنْفًا فهو عنيفٌ. وعنَّفته تعنيفًا، ووجدت له عليك عُنْفًا ومشقَّة"[6].

وقد ورد في الحديث، عن أم المؤمنين عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يَا عَائِشَةُ: إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ ‌مَا ‌لَا ‌يُعْطِي ‌عَلَى ‌الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ))[7].

فالعنف: يفوت ‌على صاحبه مصالح الدنيا، وقد يفضي إلى تفويت ثواب الآخرة.

والعنف اصطلاحًا هو:"التشديد ‌في ‌التوصُّل إلى ‌المطلوب"[8].

وعن تعريفات المعاصرين للعنف نورد نموذجًا منها:

العنف: "مضاد للرفق، ومرادف للشدة والقسوة، والعنيف: هو المتصف بالعنف، فكل فعل شديد يخالف طبيعة الشيء، ويكون مفروضًا عليه، من خارج فهو، بمعنى ما، فعل عنيف، والعنيف أيضًا: هو القوي الذي تشتدُّ سورته بازدياد الموانع التي تعترض سبيله كالريح العاصفة، والثورة الجارفة"[9].

‌ ونكتفي بهذا التعريف لتشابه التعريفات المعاصرة، وتطابقها في الألفاظ، ومن ‌الملاحظ أن تعريفات المعاصرين تأثرت بالتعريفات التي أوردها المؤلفون القدامى.

ثالثًا: تعريف الأسرة:

‌يندرج في مصطلح الأسرة -هذا المعنى- جملة من المترادفات، منها:

• الأسرة: ‌"عشيرة الرجل، ورهطه الأدنون؛ لأنه يتقوى بهم" [10].

• الأقارب من جهة الأب: الأسرة من الرجل: "أقارب الرجل من قبل أبيه"[11].

الأسرة في اللغة مشتقة من أسر: تقول: "أسر فلان فلانًا: شده وثاقًا، وهو مأسور. وأسر بالإسار؛ أي: بالرباط، والإسار: مصدر كالأسر" [12].

• خُلق الإنسان أحسن الخلق: "الأَسْر: الخلق"[13]، ومنه قول الله تعالى:﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا ﴾ [الإنسان: 28]؛ أي: شددنا خلقهم وقويناهم، وقيل: أسرهم: أحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب.

الأسرة اصطلاحًا: الأسرة في الإسلام "هي ‌الأسرة ‌الممتدة الشاملة للأصول والفروع والحواشي من الإخوة والأخوات وأولادهم، والأعمام والعمات وأولادهم، والأخوال والخالات وأولادهم"[14].

ونظام الأسرة في الإسلام هو: "تلك الأحكام والمبادئ والقواعد التي تتناول الأسرة بالتنظيم بدءًا من تكوينها ومرورًا بقيامها واستقرارها، وانتهاءً بتفرقها وما يترتب على كل ذلك من آثار، قصدًا إلى إرسائها أُسس متينة تكفل ديمومتها وإعطاءها الثمرات المرجوَّة منها"[15].

والأسرة: هي "الخليَّة التي تضم الآباء والأُمهات، والأجداد والجدَّات، والبنات والأبناء، وأبناء الأبناء"[16].

ويعرفها علماء الاجتماع بأنها: "بناء اجتماعي يتكوَّن من جماعة من الناس الذين يرتبطون عن طريق روابط الدم أو الزواج"[17].

وتعرف تربويًّا بأنها: "الوعاء الاجتماعي الذي يتلقـى الطفـل، ويتفاعل معها ويشعر بالانتماء إليها" [18].

وعلى هذا ‌يمكن ‌تعريف الأسرة بأنها: الخلية الأولى للمجتمع التي تجمع الآباء والأُمهات وإن علوا، ومن يعولهم الرجل كالزوجة، والأولاد وإن ‌نزلوا، ومن لا يعولهم ولا تلزمه نفقتهم من أقاربه، ويكتسب الفرد من خلالها معارفه وقدراته ومهاراته وعواطفه في الحياة، ويجد فيها أمنه، واستقراره، وسكنه.

رابعًا: تعريف العنف الأسري:

المقصود بالعنف الأسري: "أفعال أو أقوال تقع من أحد أفراد الأسرة على أحد أفرادها تتصف بالشدة والقسوة تلحق الأذى المادي أو المعنوي بالأسرة أو بأحد أفرادها، وهو سلوك محرم؛ لمجافاته لمقاصد الشريعة في حفظ النفس والعقل، على النقيض من المنهج الرباني القائم على المعاشرة بالمعروف والبر"[19].

أما ‌تعريف ‌منظمة ‌الصحة ‌العالمية للعنف الأسري بأنه " كل سلوك يصدر في إطار علاقة حميمة ويسبب أضرارًا، أو آلامًا جسمية، أو نفسية، أو جنسية لأطراف تلك العلاقة".

والعنف الأسري: "سوء معاملة شخص لشخص ما تربطه به علاقة وثيقة مثل العلاقة بين الزوج وزوجته، وبين الآباء والأبناء، وبين الإخوة وبين الأقرباء بوجه عام"[20].

ويلحظ أن هذه ‌التعاريف ‌متقاربة المعاني، ومشتركة في مدلولها؛ حيث إنها تبين أن العنف الأسري يدور حول سوء ‌المعاشرة، وغلظة الطبع، ‌واستعمال ‌القوة والشدة ما ينتج عن ذلك من عدم التوافق الجنسي، والعاطفي، والأخلاقي، والإضرار المادي أو المعنوي، أو بهما معًا، ويحمل في طيَّاته من الشرور والنكبات على الفرد والأسرة والمجتمع.

ختامًا: نسأله أن يوفقنا وإياكم لمرضاته، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصَحْبه وسلم.