• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

ملامح تربوية من وهج التربية الإسلامية للارتقاء بالنفس الإنسانية (2)

ملامح تربوية من وهج التربية الإسلامية للارتقاء بالنفس الإنسانية (2)
د. عوض بن حمد الحسني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/3/2023 ميلادي - 12/8/1444 هجري

الزيارات: 2899

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ملامح تربوية من وهج التربية الإسلامية للارتقاء بالنفس الإنسانية (2)

 

استكمالًا للمقال السابق، ملامح تربوية من وهج التربية الإسلامية للارتقاء بالنفس الإنسانية (1)

فيسعدني أن أستكمل المقال، سائلًا الله عز وجل للجميع العلم النافع، والعمل الصالح.

 

الملمح التربوي الثالث: الحذر من الحسد، فإنه يعمي الأبصار عن رؤية الحقيقة، ويهيئ النفس لإلصاق التهم الكاذبة بالأبرياء بدون تردد، أو محاسبة لنفس:

إن الحسد -والعياذ بالله- مرض نفسي يؤجِّج النفس البشرية للخروج عن الواقعية، ومراقبة الله عز وجل، والخوف من الوقوف بين يديه، وتناسي ذلك الموقف؛ ولذا فإن الحاسد -والعياذ بالله- يغيب عقله، ويفقد رشده، ولو كان من أصلح الناس إذا أصيب بذلك الداء، نسأل الله العفو والعافية، فعندما يتحدث عن محسوده، أو يجد مناسبة لإلصاق التهمة الدنيئة بمحسوده، وهو يعلم في قرارة نفسه أنه كاذب ومعتدٍ، فإنه لا يتردد، ولا يتورع في ذلك؛ لأن الحسد أعمى بصره، وغطى عقله، وأفقده رشده، وتوازنه النفسي؛ بل والاجتماعي اتجاه محسوده؛ ولذا إخوة يوسف عليه السلام كانوا أنبياء، ومن بيت نبوَّة ورسالة؛ ولكن حسدهم لأخيهم يوسف عليه السلام بما منحه الله من محبة أبويَّه له، وإقبالهما عليه بصورة ظاهرة ملفتة للانتباه، جعل قلوبهم تغلي حسدًا على أخيهم يوسف عليه السلام؛ لهذه المكانة التي بوَّأه الله إياها في قلب والديه، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴾ [يوسف: 7 - 9].

 

وفعلوا فعلتهم بأخيهم دون تردد من قرابة أو خوف من العقوبة الأخروية؛ لتغطية الحسد -والعياذ بالله- لعقولهم ومراقبتهم الذاتية لله؛ بل عللوا بأنهم سيكونون قومًا صالحين بعد تلك الفعلة؛ ليكون ذلك مبررًا لهم للإقدام على فعلتهم الشنيعة بأخيهم يوسف عليه السلام.

 

ويستمر الحسد -والعياذ بالله- يغلي في قلوبهم وصدورهم حتى بعد التخلص النهائي في حسهم وحساباتهم البشرية من يوسف عليه السلام؛ ولذا لما قبض يوسف عليه السلام على أخيهم- أخي يوسف- بجعل صاع الملك في رَحْله؛ توجهت قلوبهم المريضة والتي تغلي بالحسد لرجل تم التخلص منه مِنْ قِبَلِهم، وعلمهم البشري بنهايته على أيديهم، ومع ذلك ألصقوا به تهمة هم في قرارة أنفسهم يعلمون كذبها، وعدم مصداقيتها في حق أخيهم الطاهر يوسف عليهم السلام؛ ولكن الحسد أعمى أبصارهم، وغطى على عقولهم، وأبعد عنهم تأنيب الذات والنفس الداخلية بالجرم الذي أقدموا عليه في حق أخيهم يوسف عليه السلام، فقالوا بكل بجاحة: ﴿ إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ﴾ [يوسف: 77].

 

وهنا يأتي ضبط النفس وعدم التسرع، وإن كانت مرارة الظلم وحرارته وسياطه الموجعة تحرك النفس الإنسانية للدفاع الظاهري بأي أسلوب كان لدفع التهمة والتبرؤ منها؛ ولكن من يستحضر الهدف الذي ينشده، ويسعى له، يتجاوز العقبات والمطبات التي تعيقه عن تحقيق الهدف؛ ولذا ضبط يوسف عليه السلام نفسه، وكتم ما حدثته نفسه بالدفاع، ﴿ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 77].

 

فأجمل أسلوب للتعامل مع الحاسد الصبر وعدم إعارته أي اهتمام- أي: عدم المبالاة به- والتعوذ بالله في النفس من شره وشر حسده؛ ولذا قال القائل في التعامل مع الحاسد:

اصْبِرْ على كَيْدِ الحَسُو
دِ فإنَّ صبرَكَ قاتِلُه
فالنَّارُ تأكُلُ بَعْضَها
إنْ لم تجِدْ ما تأكُلُه

 

وهكذا يتصرف أصحاب الأهداف النبيلة، والرسالة القيمة في مثل هذه المواقف، ثم يوضح يوسف عليه السلام في نهاية الموقف والتعرف على حقيقته مِنْ قِبَل إخوانه بعدما عادوا إلى أبيهم، وأخبروه بالقبض على أخيهم في صاع الملك، وهنا وجَّهَهُم أبوهم يعقوب عليه السلام بقوله: ﴿ يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، وبعد حوار بينهم وبين يوسف عليه السلام قال: ﴿ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي ﴾ [يوسف: 90]، ثم ذكرهم أن ما حصل عليه هو وأخيه فضل من الله ونعمة: ﴿ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].

 

ثم اعترف إخوة يوسف عليه السلام بالخطأ الجسيم الذي وقعوا فيه من الحسد الذي أعمى أبصارهم، وغطى عقولهم عن رشدهم، ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾ [يوسف: 91]، ثم ينهي يوسف عليه السلام الموقف بكل عظمة العظماء، وأصحاب الأهداف النبيلة، والنفوس العلية التي امتلك أصحابها زمامها، وأصبحوا يوجهونها ولا تُوجِّهم، قال: ﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92].

 

الملمح التربوي الرابع: الفكر الإيجابي وانعكاساته في التعاملات الحياتية على الفرد والمجتمع:

إن اكتساب الشخص للفكر الإيجابي، يكون له تأثيره الإيجابي في التعاملات الحياتية المحيطة به؛ من نفس، ومجتمع، وكون، ومستقبل، وحاضر، وتعامل مع الماضي؛ فعندما يكون فكر الشخص إيجابيًّا في الحياة، مهما كان يحيط بها من إيلام في بعض الأحيان، وهذه تركيبة الحياة الدنيا؛ فهو يصنع أحداث حياته وأبعادها الإيجابية بهذا الفكر في أصعب المواقف والتغيرات الحياتية، مستحضرًا قول الله عز وجل: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]؛ فهذا الحبيب المصطفى محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم، كان يتمثل الفكر الإيجابي في حياته كلها، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أُحُد؟ قال: ((لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت، وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، وإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يُخْرِج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا))؛ صحيح البخاري، فأي نظرة إيجابية بعيدة المدى؟! وأي فكر تفاؤلي أعظم من هذا؟!

 

في أصعب المواقف، والمحكات، وتكون إجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لملك الجبال: ((لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا))، إن هذا الفكر الواسع الإيجابي، والنظرة التفاؤلية لا يمتلكها إلا من سينهل من منهل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فمن يمتلك التفكير الإيجابي؛ فهو يستطيع بعد الاعتماد على الله أن يتحكم بالحياة المحيطة به، مهما كانت ظروفه صعبة؛ فيُوجِّهها، وليست هي التي توجِّهه، ومِنْ ثَمَّ سيكون في نفسه سويًّا، ومع مجتمعه كذلك سويًّا؛ بل مع الكون كله سيكون سويًّا، فهو من يقود، ويُوجِّه نفسَه، فالنفس أمَّارة بالسوء، وما أبرئ نفسي، إن النفس لأمَّارةُ بالسوء، فلنكن إيجابيين في الحياة، فالحياة تعتبر جحيمًا مُعجَّلًا لا يُطاق، تحرق صاحبها، وتحرق من حول هذا حُرم النظرة الإيجابية التفاؤلية في أحداثها المحيطة به في كل ثانية، فلنكن إيجابيين، فنحن نصنع أحداث الحياة بكل أبعادِها.

 

ولمن يريد المزيد والتوسُّع في هذا المجال الرجوع لمقالي: كن إيجابيًّا في الحياة تكن فاعلًا في العطاء[1]، حيث كان الموضوع منصبًّا على التفكير الإيجابي.

 

وخلاصة القول أنني أرى أن التفكير الإيجابي من منظور التربية الإسلامية: "هو التفكير المنبثق من الرؤية التفاؤلية للأحداث والمواقف اليومية التي يمر بها الفرد، من خلال اكتسابه القدرة الفكرية على اكتشاف الجانب الإيجابي لها، وإبرازه بطريقة تضفي إيجابية على الحياة دون وضع أي إعاقات سلبية من فكر أو شعور أو تصرف، كل ذلك مؤطر بالنظرة الشمولية لمفهوم الإسلام بوصفه عقيدةً وشريعةً ومنهجًا للحياة الإنسانية.

 

فمن خلال موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ملك الجبال يتضح جليًّا للقارئ عمومًا والمسلم خصوصًا أثر انعكاسات الفكر الإيجابي في التعاملات الحياتية للفرد والمجتمع معًا، وكيف توظف في المواقف الصعبة.

 

فكانت تلك الإجابة التفاؤلية منه صلى الله عليه وسلم الذي تجرَّد فيها من خطوط النفس التي تحب الانتقام عندما يصبح صاحبُها في مكان القوة والغلبة إلا من كان الإيمان له مُوجِّهًا، وهدفه النبيل مسيرًا، وتفكيره إيجابيًّا، ونظرته تفاؤلية منطلقًا ومحكمًا، وإن كان هناك من ألم في بعض المواقف الحياتية؛ فالحياة المحيطة بالإنسان مليئة بالأفراح والأحزان في مفهومه المجرد، وعلمه البشري المحدود ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216] مع ما تحمل في طياتها من الخير الكثير له، لو تأمل بتفكير إيجابي في حقيقتها، وهذا ما تطرقت إليها الآية الكريمة، وختمت بالحقيقة ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾.

 

الملمح التربوي الخامس: النظرة التفاؤلية في رحاب المدرسة المحمدية، ودورها الرائد في تثبيت الأمة، وتحقيق النصر والتمكين المأمول بإذن الله:

‏الحياة بحر هائج من الهموم والمنغصات، وإن كانت لا تخلو أيضًا من محطات أفراح وإن قلَّت، ومع هيجان البحر وتلاطم أمواجه إلا أن قاربًا صغيرًا يعبره بسلام.

 

فكذلك هيجان بحر الحياة؛ فليكن قارب عبوره الصبر، والفأل الإيجابي حاديه، وليحرك مجاديفه الدعاء الصادق بالإخلاص لله، ومتابعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200].

 

وليكن ناظراه منصبين -وهو يعبر هذا البحر المتلاطم بالأمواج- بهذا القارب الصغير مع المخاطر التي تحيط به من جميع النواحي؛ ليصل إلى شاطئ ذلك البحر الممتد، بعد هذه الرحلة الشاقة، بأمن وإيمان وسلام بإذن الله، وهناك سيجد النبي الحبيب المصطفى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، مستقبلًا له، فرحًا مسرورًا بعبوره، ووصوله إليه بسلام مع ما أحاط رحلته من المخاطر والأهوال والمرعبة، ثم ليأخذه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم

 

إلى رحلة أبدية، لا منغصات فيها ولا هموم، ولا كروب ولا ابتلاءات، ولا مخاطر ولا أهوال فيها؛ بل فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، قال تعالى: ﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الزخرف: 71]، قال السعدي رحمه الله عند هذه الآية: ﴿ وَفِيهَا ﴾؛ أي: الجنة، ﴿ مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ﴾، وهذا لفظ جامع، يأتي على كل نعيم وفرح، وقرة عين، وسرور قلب، فكل ما اشتهته النفوس؛ من مطاعم، ومشارب، وملابس، ومناكح، ولذته العيون؛ من مناظر حسنة، وأشجار محدقة، ونعم مونقة، ومبانٍ مزخرفة، فإنه حاصل فيها، معد لأهلها، على أكمل الوجوه وأفضلها، كما قال تعالى: ﴿ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ ﴾ [يس: 57]، ﴿ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾، وهذا هو تمام نعيم أهل الجنة، وهو الخلد الدائم فيها، الذي يتضمن دوام نعيمها وزيادته، وعدم انقطاعه، نسأل الله من واسع فضله؛ بل فيها ما هو أعظم من ذلك؛ رؤية الله الكريم في يوم المزيد، قال تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26]؛ فالحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله الكريم، فعن صهيب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسَّر الزيادة في قوله: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ بأنها رؤية الله تعالى في الجنة، اللهم ربنا أعطنا فضلًا منك وجودًا فوق سؤالنا من خير الدنيا والآخرة، واصرف عنا بعلمك وبقدرتك ورحمتك شرور الدنيا والآخرة، واجعل حبك الصادق منا هو المحرك لقلوبنا إلى لقياك، والفوز برضاك، والنظر إلى وجهك الكريم.

 

وبعد هذه الإطلالة مع هذه الرحلة الشاقة الماتعة، نتفيَّأ سويًّا في رحاب النظرة التفاؤلية للمدرسة المحمدية، ودورها الرائد في تثبيت الأُمَّة، وتحقيق النصر والتمكين المأمول بإذن الله.

 

التفاؤل الإيجابي منهج محمدي تربوي، من مدرسة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، التي ربَّى عليها صحابته رضي الله عنهم من مبدأ دعوته إلى آخر لحظة يودع فيها أمته صلى الله عليه وسلم، فكان صلى الله عليه وسلم متفائلًا ومبتسمًا، وإن أحدقت به الكروب من كل ناحية وصوب؛ ففي الهجرة كانت البشارة بتاج كسرى، وفي غزوة الأحزاب كانت البشرى بفتح بلاد الفرس والروم، وإسلام أهل صنعاء واليمن، الهجرة مع شدة إيذاء وتعذيب أهل مكة للمسلمين كانت البُشْرى ببلوغ هذا الدين، ووصوله إلى بيت كل مدر ووبر؛ بل بسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه.

 

تفاءلوا وابتسموا، وإن أحدقت بكم المكاره والصعاب، فإنَّ مع العسر يسرًا، فكلما اشتدَّ ظلام الليل أذَّن الفجر بسطوع نوره، وذهاب الظلام.

 

‏فلنجعل النظرة التفاؤلية هي النظارة التي نلبسها، ونرى من خلالها من يحدقون بنا؛ فعند ذلك سنرى كيف نضيء الطريق المظلم لأنفسنا وللآخرين، وكيف نُوظِّف الفُرَص الموجودة للخروج من كل أزمة محدقة بنا من كل ناحية وصوب، ولنكن على يقين أن الأماني مهما تأجَّلَتْ سيأتي فجرها؛ ليبدد ظلام الهموم والكروب والمنغصات، فاستبشروا بيوم جميل وغد أجمل بإذن الله، فإذا اشتاقت القلوب إلى القلوب، ومالت الشمس إلى الغروب؛ فتذكروا قول علَّام الغيوب: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]؛ فذكر الله جلاء كل هم وكربة ومحنة.

 

ولنكن متفائلين بأن الأيام القادمة ستكون أحلى، وأن القادم سيكون أجمل، وأن الدعوات الصادقات التي ترسل إلى السماء، انكسارًا لرب الأرض والسماوات، ستمطر بإذن ربها خيرًا وبركات، وسعادة وهناءً، ونصرًا وتمكينًا للأمة الإسلامية، في مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها وجنوبها، فليكن صباحنا فألًا، ومساؤنا خيرًا، وما بينهما ودًّا وصفاءً، ومحبةً وإخاءً.



[1] المرجع الرابط: https://www.alukah.net/social/0/159878





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ملامح تربوية من الأخوة في النسب
  • ملامح تربوية من وهج التربية الإسلامية للارتقاء بالنفس الإنسانية (1)
  • ملامح تربوية من قول الله تعالى: { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب }
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {كلا إن الإنسان ليطغى}
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره... } (1)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم}

مختارات من الشبكة

  • التربية في القرآن الكريم: ملامح تربوية لبعض آيات القرآن الكريم - الجزء الثاني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها...﴾(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {ومن يهن الله فماله من مكرم}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون﴾(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا﴾(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره...} (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} (3)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب