• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / التربية والتعليم
علامة باركود

دور التنشئة الوالدية في تكوين الطباع في النظرية التربوية الإسلامية

دور التنشئة الوالدية في تكوين الطباع في النظرية التربوية الإسلامية
أروى عبدالرحمن محمد البرادعي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/7/2022 ميلادي - 19/12/1443 هجري

الزيارات: 6186

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دور التنشئة الوالدية في تكوين الطباع في النظرية التربوية الإسلامية


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وسيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه أجمعين، خلق الله عز وجل الخلق، ولم يتركهم هملًا أو سدًى، بل وضع لهم الأسس التي تحكم أمرهم، وتصلح شأنهم، وجعل التزاوج فطرة جُبل عليها البشر، وجعل بين الأزواج التناسل والتكاثر، ولم يسن الإسلام التكاثر دون وضع قواعد لإدارته، بل حرص على الفرد جنينًا قبل وجوده، باختيار الزوج الصالح أو الزوجة الصالحة، ثم جعل أسَّ الزواج المودة والرحمة، لتأثيرها على سير أفراد الأسرة وصلاحهم، وكلَّف الوالدين بأمانة الأولاد ورعايتهم، وتنشئتهم النشأة السليمة، لتنمو هذه الأسرة صحيحة معافاة، تنتج أبناء صالحين نافعين لدينهم ووطنهم وأمتهم.


قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]؛ والأمانات هي: كل ما اؤتمن عليه الإنسان وأُمر بالقيام به، فأمر الله عباده بأدائها؛ أي: كاملة لا منقوصة ولا مبخوسة، وقد ذكر الفقهاء على أن من اؤتمن أمانةً وجب عليه حفظها، قالوا: لأنه لا يمكن أداؤها إلا بحفظها[1]؛ ومن هنا كانت مسؤولية الوالدين تجاه أبنائهم من أهم المسؤوليات وأعظمها عند الله.


كما حرَصت السنة الشريفة على هذه المسؤولية؛ فقد ورد من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ وهو مسؤول، والرجل راعٍ على أهله وهو مسؤول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول))[2] ، والراعي هو "الحافظ المؤتمن، الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه، فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه"[3].


وقد أشار ابن القيم إلى تلك المسؤولية العظيمة، وذكر أن من يهمل تعليم ولده ما ينفعه، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارًا، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت، إنك عققتني صغيرًا، فعققتك كبيرًا، وأضعتني وليدًا، فأضعتك شيخًا[4]، ورُويَ عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قوله: "أدِّب ابنك، فإنك مسؤول عنه ماذا أدبته وماذا علمته، وهو مسؤول عن برك وطواعيته لك"[5].


إن الأسرة في الإسلام تتأسس على معانٍ نفسية واجتماعية عظيمة، فهي السكن والراحة والطمأنينة، وهذه المقومات لا تأتي بالتمني والأحلام، وإنما تُنال بقدر ما يبذل المرء في سبيلها من أعباء، وما يتحمله من أجلها من مسؤوليات، ولذلك فإن تكوين الأسرة والزواج، وتوزيع الأعباء على طرفي الأسرة - الزوج والزوجة - يتطلب مؤهلات كبيرة، جسدية ونفسية ومادية وعقلية وخلقية[6]، وهنا تبرز مسؤولية الوالدين؛ فهما أول نموذجين للطفل ينشأ تحت أحضانهما، وينهَلُ من مَعِينِهما، ويستقي منهما العقيدة الصحيحة والقيم والمبادئ، وتتشكل بها شخصيته المستقبلية، فالمسؤولية عظيمة بعظم النتائج المترتبة على هذه التنشئة من صلاح أو فساد على الفرد وعلى المجتمع.


ولما كان الطفل منذ سن التمييز تبدأ لديه القابلية للتعلم والتأمل والمحاكاة، فإن الأبوين يضطلعان بالدور الأكبر والأساس في هذا المضمار الحيوي، الذي تبقى آثاره أمدًا طويلًا من عمر الإنسان، ويفوق دورهما الأدوار الأخرى التي تُناط بالمدرسة والمجتمع والبيئة كمًّا ونوعًا وعمقًا، مرات عديدة[7].

 

والمقصود بالتنشئة في اللغة هي الفعل الثلاثي من نشأ؛ أي: خلق وابتدأ، أنشأه الله: خلقه. والاسم: النشأة؛ وفي التنزيل العزيز: ﴿ وَأَنَّ عَلَيْه النَّشْأَةَ الْأُخْرَى ﴾ [النجم: 47]؛ أي: البعثة، ونشأ: حَيِيَ وربا وشب، يقال: نشأت في بني فلان؛ أي: شببت فيهم، والناشئ: الغلام جاوز حدَّ الصغر، والجارية ناشئ أيضًا، والجمع النَّشْءُ؛ وفي القرآن العظيم قال تعالى: ﴿ إنَّ نَاشئَةَ اللَّيْل هيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قيلًا ﴾ [المزمل: 6]؛ ناشئة الليل؛ أي: أول ساعاته[8]، ويتضح من خلال المفاهيم اللغوية أنها من مرادفات التربية، فالتنشئة هي: الخلق والابتداء، والتنمية، والتربية.


والتنشئة الاجتماعية هي: "عملية يتم فيها تشكيل السلوك الإنساني، بتكوين المعايير والقيم والمهارات والاتجاهات للأفراد، كي تتطابق وتتسق مع دورهم الاجتماعي، حتى يسلك كل فرد حسب جنسه، ودوره المتوقع في المجتمع الذي يعيش فيه حاضرًا ومستقبلًا"[9]، وهي أيضًا إلى جانب عملية التشكيل "عملية نموٍّ يتحول خلالها الفرد من طفل يعتمد على غيره، متمركز حول ذاته، لا يهدف إلا إلى إشباع حاجاته الفسيولوجية، إلى فرد ناضج يدرك معنى المسؤولية، يعتمد على ذاته، ويضبط انفعالاته، ويتحكم في إشباع حاجاته بما يتفق والمعايير والقيم الاجتماعية"[10]، وعلى هذا فالتنشئة الوالدية هي: التنشئة التي تقوم على المهمة التربوية والرعاية التي يقدمها الوالدين في داخل المؤسسة الأولى (البيت)، والمحضن الأول (الأسرة)؛ لإكساب الطفل المعايير والقيم الإسلامية، وضبط سلوكه، وتعليمه قيم مجتمعه ودينه.


وتعد مرحلة الطفولة من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته، ففيها تشتد قابليته للتأثر بالعوامل المحيطة والثقافة الوالدية والاجتماعية، وتتفتح ميوله واتجاهاته، ويكتسب ألوانًا من المعرفة والمفاهيم والقيم، وأساليب التفكير ومبادئ السلوك؛ ما يجعل السنوات الأولى حاسمة في مستقبله، وتظل آثارها العميقة في تكوينه طول العمر؛ لذا كان الاهتمام بالطفولة من أهم المعايير التي يقاس بها تقدم الأمم والمجتمعات؛ لأن تربية الأطفال وإعدادهم لمواجهة التحديات الحضارية التي تفرضها حتمية التطور، يعد اهتمامًا بواقعها ومستقبلها[11].


وقد وجد علماء التربية - من خلال الدراسات التي قاموا بها - أن 80% من القيم والعادات التي يكتسبها الإنسان يتم تشكيلها في السنوات الخمس الأولى[12]، وهذه السنوات هي التي يكون فيها الطفل في حِضن والديه، فهذه السنوات ما هي إلا فترة نفيسة، على الأهل استغلالها في تكوين عادات الطفل وتأسيس قيمه.


يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24]، من هذه الآية الكريمة قال العلماء: "إن التربية الحقيقية لا تكون إلا في الصغر؛ لذلك قال تعالى: ﴿ كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾؛ لأن التربية في الصغر غرس سلوك، أما في الكبر فتعديل سلوك، وشتان بين الغرس والتعديل"[13]، "كما أن الفشل في التنشئة يقود الفرد إلى حياة تعيسة، يفتقد الفرد القدرة على التكيف، ويعاني سوء التوافق، وبسبب الإخفاق في التنشئة يعاني بعض الناشئة المشاكلَ النفسية المعاصرة، والإدمان وجنوح الأحداث وغير ذلك، وهذا كله بسبب الإخفاق في التنشئة، وفي بعض المجتمعات رغم تقدمها علميًّا وتكنولوجيًّا، فإن نسبة انتشار الأمور السابقة بين أبنائها عالية؛ لأن أهم مرحلة في التنشئة هي مرحلة الطفولة، فإذا أهمل الطفل في بدء حياته، خرج في الأغلب عن السائد والمعروف في الجماعة، فاسدَ الأخلاق، مرتكبًا للأفعال الذميمة، منحرفًا وجانحًا عن السواء"[14].


ولمعرفة أهمية التنشئة الوالدية في تكوين الطباع وَجَبَ التعرف على مفهوم الطبع، وهو: الجبلة التي خلق عليها الإنسان، وأصل الطباع - كما قال الراغب - الطبع تصور الشيء بصورة ما، كطبع الدرهم، وهو أعم من الختم، وأخص من النقش، والطابع والخاتم: ما يُطبع به ويُختم، والطبيعة هي السَّجِيَّةُ، فإن ذلك هو نقش النفس بصورة ما، من حيث الخِلْقة أو العادة[15]، والطبع - من ثَمَّ - معناه: العادة التي يتطبع بها الإنسان، وتكون جزءًا من شخصيته.


إن الطفل إذا أهمل تأديبه في مراحله المبكرة، صعُب على نفسه وعلى مربيه إعادة تشكيله، وتغيير طباعه وإكسابه القيم عند بلوغه؛ لأن مرحلة اكتساب المعايير والقيم تكون في مرحلة النمو المبكرة للطفل، "فالنمو الخلقي للطفل، يسير من مجرد رغبة في تحقيق اللذة والسعادة، إلى التقيد بالمبادئ الخلقية والاجتماعية السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه الطفل، وبتقدم عمر الطفل تتحول القوى الرادعة من كونها صادرة من خارجه عبر الآباء والأمهات والمربين، إلى قوى ذاتية داخلية هي ضمير الطفل، والتي تكونت من امتصاص قيم الآباء وأصبحت هي معايير ذلك الصغير نفسه"[16].


يكتسب الطفل طِباعه في المرحلة الأولى من صباه، "ولا يمكن أن تتغير هذه الطباع بعد تجاوز سن البلوغ، فقد انطبعت في الإنسان وصارت جزءًا من شخصيته، ولا يمكن أن يطرأ عليها التعديل والتغيير إلا كما قال الغزالي بالرياضة والمجاهدة؛ أي: بكثرة مزاولة العمل - وهو الخُلُق الطيب - وتعويد النفس عليه، واعتقاد صوابه في النفس، وكلما كان الطبع راسخًا قديمًا منذ الصبا، كان أصعب على المرء تغييره"[17].


وقد أكد ابن الجزار القيرواني (ت: 395) أيضًا أن التأديب والتربية يغيران الطبع المذموم لدى الطفل إلى محمود، وأن السبب الرئيس في طباع الطفل المذمومة هو الإهمال من قِبل الوالدين في الصغر، وترك الطفل على سلوكه السيئ دون توجيه وتأديب، حتى يعتاد أشياء مذمومة ليست من غريزته، وهو يوافق قول أحد الفلاسفة: "وإن أكثر الناس إنما أوتوا في سوء مذاهبهم، من عادات الصبا، إذا لم يتقدمهم تأديب وإصلاح أخلاقهم وحسن سياستهم"[18].


ولما كانت النظرية التربوية الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، نجد أثر أساليبها التربوية (القرآنية والنبوية) جلية الحِكَمِ، وبينة الأثر في التربية الإسلامية المعاصرة، ومن أبرز الأساليب الوالدية وأهمها في تكوين الطباع الحسنة لدى الأبناء، أسلوب التربية بالعادة، ويقصد بمفهوم التربية بالعادة بأنها: "تعويد الطفل على أشياء معينة من خلال القدوة والتلقين، والمتابعة والتوجيه، والاستمرار عليها حتى تصبح عادة ذاتية له، يقوم بها دون حاجة إلى توجيه"[19]، ويعني ذلك أن أسلوب التربية بالعادة يقوم على تعويد الطفل المبادئ والقيم والأخلاق، منذ أن يعقل من خلال وسائل وطرائق عدة، حتى تصبح عادة لديه يصعب عليه التخلي عنها في الكبر.

 

وترجع أهمية هذا الأسلوب إلى أن حُسْنَ الخلق بمعناه الواسع يتحقق من وجهين؛ الأول: الطبع والفطرة، والثاني: التعود والمجاهدة، ولما كان الإنسان مجبولًا على الدين والخلق الفاضل، كان تعويده عليه يرسِّخه ويزيده[20]، وتأثير العادة طبيعة في النفس البشرية، فقد أشار إليها عالم النفس "فرويد" حينما أكد على أن "الإنسان تسيِّره العادة، ويميل إلى تكرار كل ما هو ناجح، فإنه كلما زاد تكراره له، أصبح أسلوبًا أكثر ثباتًا وجمودًا في حياته العادية، وبالتالي يتبع هذا الأسلوب في معالجة مشكلاته ومواجهتها في حياته المستقبلية"[21].

 

ويتجلى المنهج النبوي في تربية الأطفال بهذا الأسلوب من خلال توجيه النبي عليه الصلاة والسلام بشأن تعليم الأبناء الصلاة، وتعويدهم عليها لمدة ثلاث سنوات بين السبع والعشر، وهي مدة كافية لتأسيس هذه العبادة، لتصبح عادة راسخة في نفس الطفل، يقوم بها دون تهاون أو مَلَلٍ، وتأسيًا على هذا المثال يمكن اعتماد هذا المنهج النبوي في التعامل مع الطفل في شتى شؤون حياته وجوانب تربيته المختلفة.

 

إن أسلوب العادة في تربية الأطفال يتحقق من خلال عاملين أساسيين؛ هما: عامل التربية الإسلامية، والذي أكده الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ((ما نَحَلَ والد ولدًا من نَحْلٍ أفضلَ من أدب حسن))[22] ، وعامل البيئة الصالحة، وقد وجه إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يُولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانِهِ أو ينصِّرانِهِ أو يمجِّسانِهِ))[23] ، وقال عليه الصلاة والسلام: ((الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل))[24] [25].


فالبيئة المحيطة بالطفل لها عظيم الأثر في التأثير على صلاح الطفل وتعويده على كل خلق طيب وسلوك حسن، وهذه البيئة تشمل الأسرة، ثم المدرسة والحي والمجتمع بمختلف مؤسساته وشرائحه.

 

كما أن أسلوب التربية بالعادة في المنهج الإسلامي يقوم على مرحلتين؛ الأولى: تلقين الفضائل والآداب، والثانية: ممارسة هذه الفضائل والآداب والتعويد عليها[26].

 

والمربي حين يجمع بين الطريقة النظرية (التلقين) والتدريب والممارسة يكون التعليم حينها أعظم وقعًا وتأثيرًا في النفس، وأكثر فهمًا وإدراكًا، وتطبيقًا في واقع الحياة[27]، وهذا المنهج العملي التطبيقي هو ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم؛ كما ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن))[28].

 

ومن ثم يبرز دور الممارسة في تكوين العادات لدى الطفل باعتبار "أن الناشئة الصغار لا يمكن أن يتعلموا ألوان السلوك الديني والاجتماعي إلا إذا مارسوها وأصبحت عادة لديهم"[29]، ومن ثَمَّ يجب على المربي ألَّا يكتفي بتلقين الطفل المعارف لفظيًّا فحسب، بل يتوجب عليه أن يربِط بينها وبين العمل والتطبيق، ليتمكن من تكوين عادات حميدة لدى الطفل وإكسابه القيم الدينية والأخلاقية.

 

ومن الأساليب المعينة للوالدين في غرس السلوك والعادات الحسنة وتنميتها:

1- استثارة الدافعية بضرب المثل: حيث تسهم الأمثال في استثارة دافعية المتربي من خلال تقريبها للمعاني المراد إيضاحها للمستمع عن طريق تشبيه المجرد بالمحسوس[30].

 

2- استخدام أسلوب الحوار مع الطفل: حيث إن الحوار يرسخ جانب الإصغاء والاستماع، وإظهار الأدب الراقي في الحوار معهم، وتقبل إجابتهم ومن ثَمَّ توجيههم، فقد كان حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال يحمل المضامين الصحيحة التي تُصاغ بالقالب اللطيف المناسب للأطفال[31].

 

3- أسلوب التربية بالقصة: وهو "فن أدبي يتسم بالإثارة والتشويق؛ وذلك لتناوله أحداثًا ومواقفَ يُؤخَذ منها الحِكَم والعِبَر للاستفادة منها في ميادين الحياة المختلفة"[32]، وهو من الوسائل الناجحة أيضًا في تكوين العادات عند الأطفال؛ حيث إن القصة أمر محبَّبٌ على النفس، ومن خلالها يتمكن الوالدان من تكوين قدوة خيالية للطفل يتأثر بها ويحتذي حذوها.


4- أسلوب الإقناع العقلي: وهو من الأساليب القرآنية التي لها دور فاعل ومؤثر في غرس القيم وتعميق أثرها في النفوس، ولها تأثير قوي في تعديل السلوك الإنساني، ووسيلة لترسيخ السلوك من خلال الاقتناع بجدواه.


5- أسلوب استثمار المواقف والأحداث: والمقصود بهذا الأسلوب: "استثمار حدث ما لإعطائه توجيهًا معينًا، وعادة ما يكون ذلك في أعقاب حدث يهزُّ النفس، فتكون أكثر قابلية للتأثر، ويكون التوجيه أعمق وأطول أمدًا في التأثير من التوجيهات العابرة"[33]، وهو منهج نبوي؛ حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يومًا وإذا بامرأة من السبي تبحث عن ولدها، فلما وجدته ضمته؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((أترون هذه طارحةً ولدها في النار، قالوا: لا، قال: والله لا يُلقِي حبيبه في النار))؛ [رواه البخاري 5999، ومسلم 2754]، فلا يستوي أثر المعاني حين تُربط بصورة محسوسة، مع عرضها في صورة مجردة جافة، فالمواقف تستثير مشاعر جياشة في النفس، فحين يستثمر المربي هذا الموقف يقع التعليم موقعه المناسب، ويبقى الحدث وما صاحبه من توجيه وتعليم صورة منقوشة في الذاكرة، تستعصي على النسيان، والمواقف متنوعة فقد يكون موقفَ حزن أو فرح أو خوف ونحوها[34].


6- أسلوب التربية بالاعتبار أو بالعبرة: وهو "أسلوب قرآني يقوم على انتقال الذهن من قصة أو واقعة إلى ما يقابلها أو يناظرها من أحوال الناس، أو إلى ما يُتوقَّع أن تؤول إليه أحوالهم، والغاية التربوية من العبرة في القرآن الكريم الوصول إلى قناعات فكرية تتعلق بأمور العقيدة أو العبادات"[35].

 

7- أسلوب التكرار: ويعمل على تثبيت المعنى في القلوب، وتأكيده وبثه في النفوس وحملها على التصديق والعمل به، فالتعليمات والتوجيهات والإرشادات التربوية إذا ما أكدت بالتكرار انتهت إلى الرسوخ في النفس[36].


8- أسلوب إثارة التساؤلات والتفكير التأملي[37]: ويتم من خلال النظرة المتأملة للمواقف والمشكلات التي تواجههم في عملية التعلم والتربية، ويساعدهم على إعمال العقل وربط المنطق بالفعل والإقناع والحجة للإقدام على فعل ما أو عدم فعله.


إن من أعظم منافذ تأديب الطفل البَدء بملء قلبه وعقله بكل ما هو مفيد ونافع له من أمر الدنيا والآخرة؛ حتى لا ينشغل بما يضر بعقله، أو يفسد قلبه ودينه، من ملهيات العقل والفكر، فالقلب كلما كان خاويًا من الملهيات والمؤثرات كان أقرب لسكن العلم واستقرار الأدب فيه، وعلى هذا وجب تأديب الأطفال منذ الصغر؛ "لأنهم ليس لهم في هذه المرحلة عزيمة تصرفهم عما يؤمرون به من الأفعال الحميدة والطرائق المثلى، وذلك قبل أن تغلب عليهم العادات الرديئة فتمنعهم من اتباع ما يراد بهم من ذلك"[38]، ومن هنا يحسُنُ بالوالدين أن يستثمروا فرصة خلوِّ قلب الطفل وصفاء ذهنه، في مراحله المبكرة من عمره، لتوجيه طاقاته لحفظ القرآن وسائر العلوم النافعة الأخرى، وإكسابه العادات الحسنة، وتجنيبه كل ما يضر بسلوكه وأخلاقه.



[1] السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تحقيق: عبدالرحمن اللويحق، مؤسسة الرسالة: ط1، ص 183.

[2] البخاري، الجامع الصحيح المختصر، دار ابن كثير: بيروت، ط3، كتاب النكاح، باب ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، ح (4892)، (5/1988).

[3] العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر (د.ت)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق: عبدالعزيز بن باز، دار البيان العربي، د.ط (13/ 135).

[4] ابن القيم، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبدالله (1491هـ)، تحفة المودود بأحكام المولود، تحقيق: عبدالقادر الأرنؤوط، مكتبة دار البيان: دمشق، ط1، ص 229.

[5] المرجع السابق، ص: 225.

[6] العجمي، محمد عبدالسلام وآخرون (1425هـ)، تربية الطفل في الإسلام النظرية والتطبيق، مكتبة الرشد: الرياض، ط1، ص25.

[7] آل نواب، عبدالرب نواب الدين، (1423هـ)، مسؤولية الآباء تجاه الأولاد، مطبوعات وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف: المملكة العربية السعودية، ط2، ص5.

[8] يُنظر: ابن منظور، لسان العرب، دار صادر: بيروت، ط1، (1/ 170)، الفيروزآبادي، مجد الدين (1326هـ)، القاموس المحيط، تحقيق: مكتب التحقيق بمؤسسة الرسالة: بيروت، ط1، ص: 68.

[9] الشربيني، زكريا، صادق، يسرية (1424هــ)، تنشئة الطفل وسبل الوالدين في معاملته ومواجهة مشكلاته، دار الفكر العربي: القاهرة، د.ط، ص18.

[10] أبو جادو، صالح محمد (1435هـ)، سيكولوجية التنشئة الاجتماعية، دار المسيرة: الأردن، ط10، ص 15.

[11] الجبيلي، أحمد يحيى، نور الدين، أمين صبري (1428هـ)، تفعيل دور الأسرة في تربية الطفل وتعليمه في مراحل ما قبل المدرسة، مكتب التربية العربي لدول الخليج: الرياض، ص10.

[12] عليش، ناهد (1433هـ)، تربية الأولاد وسائل وأهداف، دار الكتب المصرية: القاهرة، ط2، ص 77.

[13] عبدالمعطي، عبدالله (1438هـ)، أطفالنا برنامج عملي لطفل الروضة، مركز إبصار: القاهرة، ط1، ص5.

[14] الشربيني وصادق، (1424هـ)، تنشئة الطفل وسبل الوالدين في معاملته ومواجهة مشكلاته، دار الفكر العربي: القاهرة، د.ط، ص63.

[15] الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، (1418هـ)، المفردات، تحقيق: محمد خليل، دار المعرفة: بيروت، ط1، ص 304، المناوي، التوقيف على مهمات التعاريف، دار الفكر: بيروت، ط1، ص479.

[16] الشربيني وصادق، تنشئة الطفل وسبل الوالدين في معاملته ومواجهة مشكلاته، مرجع سابق، ص 43.

[17] الغزالي، (د.ت)، إحياء علوم الدين، دار المعرفة: بيروت، (3/ 56).

[18] العجمي وآخرون، (1425هـ)، تربية الطفل في الإسلام "النظرية والتطبيق"، مكتبة الرشد: الرياض، ط1، ص 194.

[19] عليش، ناهد، تربية الأولاد وسائل وأهداف، مرجع سابق، ص90.

[20] نبهان، يحيى محمد، (2012م)، أساليب تربوية في الثواب والعقاب، مركز التفكير الحر: دمشق، ط1، ص16.

[21] أحمد، سهير كامل، (2003م)، أساليب تربية الطفل بين النظرية والتطبيق، مركز الإسكندرية للكتاب، ص79.

[22] الترمذي، سنن الترمذي، مصدر سابق، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في أدب الولد، ح (1952)، (4/ 338).

[23] البخاري، الجامع الصحيح المختصر، مصدر سابق، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، ح (1319)، (1/465).

[24]السجستاني، سنن أبي داود، مصدر سابق، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس، ح (4833)، (7/ 204).

[25] علوان، عبدالله ناصح، (1434هـ)، تربية الأولاد في الإسلام، دار السلام، ط8، (2/ 492).

[26] المرجع السابق، (2/ 501).

[27] أبو رزق، حليمة علي، (1420هـ)، توجيهات تربوية من القرآن والسنة في تربية الطفل، الدار السعودية، ص219.

[28] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق، (1/ 8).

[29] مرسي، محمد منير، التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية، مرجع سابق، ص 91.

[30] كنان، عماد (2019)، ضوابط التربية بالتشبيه وضرب الأمثال وتطبيقاتها في المنهج التربوي النبوي، مجلة جامعة لاهيات، مجلد (6)، العدد (11) (867 – 890)، ص 884.

[31] اليزيدي، صابح، (2019)، التربية النبوية وزيد بن حارثة نموذجًا، مجلة العلوم التربوية والنفسية، المجلد (3) العدد (15)، (114 -137)، ص123.

[32] شما، محمود، الوشاح، هاني، (2019)، أثر برنامج تدريبي مقترح لمعلمي التربية الإسلامية قائم على الأساليب التربوية في القرآن الكريم والسنة النبوية في تحسين التفكير التأملي لديهم، مجلة العلوم التربوية، المجلد (64)، العدد (1).

[33] العمري، أسماء، محمود، حفيظة (2017)، أساليب التربية القرآنية المستندة إلى اللغة بوصفها وسيلة تواصل (سورة الحديد أنموذجًا)، مجلة البلقاء للبحوث والدراسات، المجلد (20)، العدد (1)، (43 – 61)، ص55.

[34] اليزيدي، التربية النبوية وزيد بن حارثة أنموذجًا، مرجع سابق، ص 129.

[35] العمري ومحمود، أساليب التربية القرآنية، مرجع سابق، ص 54.

[36] المرجع السابق، ص56.

[37] شما والوشاح، أثر برنامج تدريبي مقترح لمعلمي التربية الإسلامية قائم على الأساليب التربوية، مرجع سابق.

[38] العجمي وآخرون، تربية الطفل في الإسلام "النظرية والتطبيق"، مرجع سابق، ص 194.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أهمية وجود النظرية التربوية الإسلامية
  • مستر ميلر وموقفه التربوي في حياتي!
  • كتاب: النظرية الجمالية في العروض عند المعري ـــ دراسة حجاجية في كتاب "الصاهل والشاحج" للناقدة نعيمة الواجيدي
  • فتنة النظر فيما عند الناس

مختارات من الشبكة

  • سنان باشا(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مسؤولية الطالب الجامعي.. رؤية في واقع(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • دور المؤسسات التربوية في تربية النشء في ضوء العقيدة والقيم الإسلامية الثابتة (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الصنعة التعليمية ودورها في تحويل الأهداف التربوية إلى سلوك عملي (4)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الصنعة التعليمية ودورها في تحويل الأهداف التربوية إلى سلوك عملي (3)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الصنعة التعليمية ودورها في تحويل الأهداف التربوية إلى سلوك عملي (2)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الصنعة التعليمية ودورها في تحويل الأهداف التربوية إلى سلوك عملي (1)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ملخص بحث: دور الأسرة في التعامل مع الابن مدمن المخدرات ( بين التنشئة وسبل العلاج )(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • دور الصيام في تنشئة الطفل(كتاب - ملفات خاصة)
  • دور الأسرة في تنشئة الطفل(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب