• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / التربية والتعليم
علامة باركود

شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم (3)

شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم (3)
بوعلام محمد بجاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/9/2016 ميلادي - 22/12/1437 هجري

الزيارات: 4373

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم (3)

 

المسألة الثانية: وقوع الخلاف في القرون الأولى الفاضلة.

لكن الاختلاف واقع زمن القرون الفاضلة، الصحابة والتابعين وأتباعهم!

غالبُ الاختلاف في غير الواضحات - أي: المسائل الـموكَلة إلى اجتهاد واستنباط العلماء، والقليل الذي فيه نص - له أسباب معروفة ذكرها العلماء، وممن جمعها ابن جزي أبو القاسم محمد بن أحمد الغرناطي (ت: 741) في آخر كتابه في "الأصول"، أوصلها إلى ستة عشر سببًا[1] - على خلاف العادة في كتب الأصول[2] - وهو "تقريب الوصول إلى علم الأصول"، ولابن تيمية أبي العباس أحمد بن عبدالحليم (ت: 728)كتاب مشهور: "رفع الملام عن الأئمة الأعلام"، ومِن الأعذار خفاء النص، أو ظن المعارض الأقوى، أو عدم ثبوت صحة النقل.

 

وقد يكون مخالفًا للكتاب والسنة المشهورة، لكنه عن "تأويل خاطئ"، لا يوافَق عليه مَن وقع فيه، ولا يُهدَر حقُّه بسببه، فلا يمنع فضلُ المخطئ مِن تخطئته، ولا يمنع خطؤُه مِن الاعتراف له بالفضل والتقدم.

 

قال الشاطبي إبراهيم بن موسى (ت: 790): وفي هذا الموطن حذر من "زلة العالم"؛ فإنه جاء في بعض الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم التحذير منها.. وأكثر ما تكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشارع في ذلك المعنى الذي اجتهد فيه، والوقوف دون أقصى المبالغة في البحث عن النصوص فيها، وهو وإن كان على غير قصدٍ ولا تعمدٍ، وصاحبه معذور ومأجور، لكن مما ينبني عليه في الاتباع لقوله [تقليد العامة لزلَّته] فيه خطر عظيم..

 

إذا ثبت هذا، فلا بد مِن النظر في أمور تنبني على هذا الأصل:

منها:

1 - أن "زلة العالم" لا يصحُّ اعتمادها من جهةٍ، ولا الأخذ بها تقليدًا له؛ وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع؛ ولذلك عُدَّت "زلة"، وإلا فلو كانت معتدًّا بها، لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها.


2 - كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يشنَّعَ عليه بها، ولا ينتقصمن أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتًا؛ فإن هذا كلَّه خلافُ ما تقتضي رتبته في الدين؛ اهـ[3].

 

وبهذا يجاب عن "الروافض" الذين يستدلون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في عمار بن ياسر: ((تقتُلُه الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار)) [خ / 447، 2812 من حديث أبي سعيد الخدري - م / 2916 من حديث أم سلمة].

 

قال القاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت: 544): وقوله: "تقتله الفئة الباغية": فيه حجة بيِّنة للقول: إن الحق مع "علي" رضي الله عنه وحزبه، وأن عذر الآخر بـ "الاجتهاد"، وأصل "البغي": الحسد، ثم استعمل في الظلم؛ ولهذا (هكذا، ولعل الأقرب: "وعلى هذا") حمل الحديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه يوم قتله وغيره، لكن "معاوية" رضي الله عنه تأوَّله على الطلب، قال: نحن الفئة الباغية لدم "عثمان"رضي الله عنه؛ أي: الطالبة له.

 

و"البُغاء" بالضم ممدود: الطلب.

وقد كان قبل ذلك قال: إنما قتَله مَن أخرجه؛ لينفيَ عن نفسه هذه الصفةَ، ثم رجع إلى هذا الوجه؛ اهـ[4].

 

وقال ابن حجرأبو الفضل أحمد بن علي (ت: 852): فإن قيل: كان قتلُه بصفِّين وهو مع علي، والذين قتلوه مع "معاوية" رضي الله عنه، وكان معه جماعة من "الصحابة" رضي الله عنهم، فكيف يجوز عليهم الدعاءُ إلى النار؟!

فالجواب: أنهم كانوا ظانِّين أنهم يدعون إلى الجنة، وهم مجتهدون لا لومَ عليهم في اتباع ظنونهم؛ فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها، وهو طاعة الإمام، وكذلك كان "عمار" رضي الله عنه يدعوهم إلى طاعة "علي" رضي الله عنه، وهو الإمامُ الواجب الطاعة إذ ذاك، وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك، لكنهم معذورون؛ للتأويلِ الذي ظهر لهم، وقال ابن بطال [أبو الحسن علي بن خلف (ت: 449)] - تبعًا للمهلب [أبي القاسم بن أحمد بن أسيد (ت: 433 أو بعدها)]-: إنما يصحُّ هذا في الخوارج الذين بعَث إليهم "علي" رضي الله عنه عمارًا رضي الله عنه يدعوهم إلى الجماعة، ولا يصح في أحد من "الصحابة" رضي الله عنهم، وتابعه على هذا الكلام جماعةٌ مِن الشراح، وفيه نظر مِن أوجه؛ اهـ[5] وذكرها.

 

هكذا قال "ابن بطال" في موضع، والظاهر أنه لم ينسبه إلى "المهلب":

قال: قال "المهلب": وفي هذا الحديث بيان ما اختلف فيه مِن قصة عمار.

وقوله: "يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار" إنما يصحُّ ذلك في الخوارج الذين بعث إليهم علي رضي الله عنه "عمارًا" رضي الله عنه ليدعوهم إلى الجماعة، وليس يصح في أحد من "الصحابة" رضي الله عنهم؛ لأنه لا يجوز لأحد من المسلمين أن يتأوَّلَ عليهم إلا أفضلَ التأويل؛ لأنهم أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أثنى الله عليهم، وشهد لهم بالفضل، فقال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، قال المفسرون: هم أصحاب رسول الله، وقد صح أن "عمارًا" رضي الله عنه بعثه "علي" إلى "الخوارج" يدعوهم إلى الجماعة التي فيها العصمة بشهادة الرسول: ((لا تجتمعُ أمَّتي على ضلال[6]))؛ اهـ[7].

 

وقد يكون "ابن حجر" اعتمد على "شرح المهلب"، و"ابن بطال" كثير الاعتماد عليه.

وفي موضعٍ آخرَ حمله "ابن بطال" على "كفار مكَّةَ".

 

قال: وقوله: "ويح عمار" فهي كلمة لا يراد بها في هذا الموضع وقوع المكروه بـ "عمار" رضي الله عنه، ولكن المراد بها المدح لـ "عمار" على صبره وشدته في ذات الله، كما تقول العرب للشاعر إذا أحسن: قاتَله اللهُ ما أشعره! غيرَ مريدين إيقاع المكروه به؛ اهـ[8].


وقال في "يدعوهم إلى الله": فيريد - والله أعلم - أهل مكة الذين أخرجوه من دياره وعذبوه في ذات الله لدعائه لهم إلى الله، ولا يمكن أن يتأول هذا الحديث في المسلمين البتة؛ لأنهم قد دخلوا دعوة الله، وإنما يدعى إلى الله مَن كان خارجًا مِن الإسلام، وقوله: "ويدعونه إلى النار" دليل أيضًا على ذلك؛ لأن المشركين أهلَ مكةَ إنما فتنوه وطالبوه أن يرجع إلى دِينهم، فهو النار.


فإن قيل: إن فتنة "عمار" رضي الله عنه قد كانت بمكة في أول الإسلام، وإنما قال: يدعوهم بلفظ المستقبل، وهذا لفظ الماضي؟ قيل: العرب قد تخبر بالفعل المستقبل عن الماضي إذا عُرف المعنى، كما تخبر بالماضي عن المستقبل، فقوله: "يدعوهم إلى الله" بمعنى دعاهم إلى الله؛ لأن محنةَ "عمار" رضي الله عنه كانت بمكة مشهورة، فأشار صلى الله عليه وسلم إلى ذكرها لَمَّا طابقت شدته في نقله لبنتين شدته في صبره بمكة على عذاب الله، فضيلة لـ "عمار" رضي الله عنه، وتنبيهًا على ثباته، وقوته في أمر الله تعالى؛[9] اهـ.

 

وهذا تأويل بعيد؛ لأنه أضاف القتل إلى "الفئة الباغية" لا إلى "الله"، وهذا يمنع من صرف القتل عن ظاهره.

وعليه يمتنع حمل "الفئة الباغية" على "مشركي مكة"؛ لأنهم لم يقتلوه، ويصير الحديث بلا فائدة.


وجواب "عياض" و"ابن حجر" هو المتعيـن في "مثل هذه القضايا"، الجمع بين "التخطئة" و"الاعتذار"؛ فليس مِن شرط الفاضل ألا يخطئ.

واكتفى "الإمام أحمد" بالإشارة، وكرِهَ التصريح.

 

قال ابن رجب عبدالرحمن بن أحمد بن رجب (ت: 795): قال يعقوب بن شيبة الدسوسي (ت: 262) في "مسند عمار" من "مسنده": سمعت أحمد بن حنبل (ت: 241) سئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم في عمار: ((تقتلك الفئة الباغية))؟ فقال أحمد: كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلَتْه الفئةُ الباغية.


وقال: في هذا غيرُ حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكره أن يتكلم في هذا بأكثرَ مِن هذا؛ اهـ[10].

ثم قال ابن رجب: وقد فسَّر الحسن [بن أبي الحسن يسار] البصري (ت: 110) الفئة الباغية بـ: أهل الشام: "معاوية" رضي الله عنه وأصحابه.

وقال أحمد: لا أتكلَّمُ في هذا، السكوتُ عنه أسلمُ؛ اهـ[11].


ولا شك أن الكلامَ لأجل الحكم بين الطائفتين لا معنى له، ولا فائدة منه، وإذا كان كذلك فأصلُه المنع والتحريم، وإنما يجوز للحاجة، "الرد على المخالف" مِن "الروافض" و"النواصب"، أو استفادة الدروس من "الفتنة الكبرى" إذا كان الـمخاطَب ممن لا يُخشى عليه الفتنةُ.


ذكرتُ هذا المثال؛ لأني سمعت أحد الرافضة يحتجُّ على كبير في العلم بهذا الحديث، فاكتفى بالثناء على معاوية ومَن كان في صفه، ولم يُجِبْ عن الحديث.


ويستفاد مِن الحديث: أن تجاوز الحد - وهو تعريف البَغْي - عن تأويلٍ مِن فاضل يسمى "بغيًا"، ويسمى فاعله "باغيًا"، وإن كان معذورًا؛ لصدوره عن تأويل، فلا منافاةَ بين الوصف بـ "البغي"، والخطأ في الاجتهاد.


قال ابن تيمية أبو العباس أحمد بن عبدالحليم (ت: 728): وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها في باب "الصفات" و"القدر" و"الإمامة" وغير ذلك هو مِن هذا الباب، فيه:

1 / المجتهد المصيب.

2 / وفيه المجتهد المخطئ، ويكون المخطئ باغيًا.

3 / وفيه الباغي مِن غير اجتهاد.

4 / وفيه المقصر فيما أمر به من الصبر؛ اهـ[12].

 

وقال: وإذا وصَف النبي صلى الله عليه وسلم طائفة بأنها "باغية"، سواء كان ذلك بتأويل أو بغير تأويل لم يكن؛ اهـ[13].

فليس في الحديث إلا تصويبُ عليٍّ رضي الله عنه ومَن كان في صفه، وتخطئة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ومَن كان في صفه.


ومَن أفضل مِن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟! فلو جازت التهمة عليهم ما سلم منها أحد، والكلام في الفتنة التي كانت زمن الصحابة في غير دفع حقد المجوس على الإسلام قلة حياء، بل عدم حياء، فلو كان لرجل مائة حسنة وله سيئة واحدة تحتمل أن تكون عن غير قصد - أي: لظنه لها حسنة - لحمَلَها أهلُ الحياء كلهم على ظن الحسنة، هذا مع أنه غير مطالب بأن يكون معصومًا لا يصدر منه سيئة.


المسألة الثالثة: الفرق بين هذه الأمة والأمم قبلها:

قال المعلمي: وقد تواترت الأخبار أيضًا بأنه لا تزال طائفةٌ قائمةً على الحق.

وهذا ما تميَّزت وتتميز به هذه "الأمة المعصومة" عن باقي الأمم، فإنها وإن شاركت الأمم السابقة في الاختلاف، وخروج جماعات عن الهدي القرآني النبوي، فإن شمس "الحق" لا تغيب عنها، بل "الحق" فيها ظاهر، وتجد "أهل الأهواء" مِن "المتكلمين" و"المتصوفة أصحاب الطرق" فَرِحين بوجود ما يقوِّي ضلالهم - في ظنهم وأمانيهم - في الوحيين: "الكتاب" و"السنة"، بل تجدهم يُجهدون أنفسهم في الانتساب إلى "السنة"، ودفع التهمة عنهم بمخالفتهم لها، حتى إنه ليشتبهُ على عامة الناس مَن هو على "السنَّة" ومَن هو على "البدعة"! بكثرة الدعاوى مع الاختلاف والتباين بين المدَّعين؛ ولهذا كان أعظمُ المهم معرفةَ "السنة وأهلها" مِن "مدعيها"، وهذا هو المقصود من - والدافع إلى - اختيار "شرح نصيحة المعلمي"، وإني لأرجو مِن الله - بعد تيسير إتمام شرحها مع الجهد وشغل البال والاضطرار واضطراب الحال، وقلة المسعد والمعين وحسد التلميذ والقرين - أن يكونَ فيها عونٌ وضياءٌ لقارئها.

 

قال ابن تيمية أبو العباس أحمد بن عبدالحليم (ت: 728): لكن أعظم المهم في هذا الباب وغيره: تميـيز "السنة" من "البدعة"؛ إذ "السنَّة": ما أمر به الشرع، و"البدعة": ما لم يشرعه مِن الدين؛ فإن هذا البابَ كثُر فيه اضطراب الناس في الأصول والفروع، حيث يزعم كلُّ فريق أن طريقَه هو "السنَّة"، وطريق مخالفه هو "البدعة"، ثم إنه يحكُمُ على مخالفِه بحُكم "المبتدع"، فيقوم مِن ذلك مِن الشر ما لا يُحصيه إلا اللهُ؛ اهـ[14].

 

وسمعتُ أحد النصارى العرب يقول: إن مشكلة "المتنورين العرب" - كما يزعمون - التحايل والتخفي، وأن "الأوربيين" نجحوا؛ لأنهم أعلنوها صراحة "لا للنصرانية"، وهذه العبارة كما رَفعت وأظهرت "المتنورين الأوربيين" فإنها في بلاد الإسلام إعلان عن وفاة أو "انقراض" لأصحابها.

 

قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال أناس مِن أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون))؛ [خ / 3640، 7311، 7459، - م / 1921 من حديث المغيرة، وأخرجه مسلم (1920) من حديث ثوبان بلفظ: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم مَن خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك))[15]].

 

ولهذا كان مِن أصول الإسلام "الإجماع" بنوعيه: المعلوم لكل مسلم "الصريح" أو "علم العامة"، و"الاستقرائي" أو "السكوتي" الذي ينفرد بمعرفته العلماءُ بتتبع أقوال مَن سبَقهم مِن أهل العلم.

 

فخُصَّت هذه الأمةُ ببقاء الحق وظهوره في كل زمان بالقائلين المعلنين به، وهم العلماء الربانيون؛ حتى تبقى الحجةُ قائمةً على الناس إلى قيام الساعة، فليس بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي يجدِّد الدين، ولكن علماء ربانيون، فمِن ضرورة بقاء الحجة قائمةً على الناس بقاءُ العلماء الربانين.

 

قال ابن رجب عبدالرحمن بن أحمد بن رجب (ت: 795): لا ريبَ أن الله - تعالى - حفظ لهذه الأمة دينَها حفظًا لم يحفَظْ مِثلَه دِينًا غير دين هذه الأمة؛ وذلك أن هذه الأمة ليس بعدها نبي يجدد ما دثَر مِن دينها، كما كان دين من قبلنا من الأنبياء، كلما دَثَر دِينُ نبي جدَّده نبي آخر يأتي بعده، فتكفَّل الله - سبحانه - بحفظ هذا الدين، وأقام له في كل عصر حملةً ينفُون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطِلين، وتأويل الجاهلين؛ اهـ[16].

 

فلا زال العلماءُ في جميع مسائل الشريعة - وهي:

المسألة الرابعة: التعامل مع الاختلاف - على:

التخطئة مع عدم الإنكار: وذلك في "المسائل الاجتهادية".

التخطئة مع الإنكار والاعتذار: في "المسائل الأصول" إذا صدر مِن أهل العلم الثقاتِ؛ استصحابًا للغالب مِن أمرهم.

مراعاة دفع المفاسد في التعامل مع المخالف: فقد يكون القولُ مما ينكَر، لكن يترك الإنكار - ولا منافاة بين ترك الإنكار والبيان - دفعًا للمفسدة الأكبر مِن مفسدة القول المنكَر.

 

لا يُفرِّقون بين عقائدَ وأحكام وسلوك، وإنما العبرة عندهم بالاستسلام للشريعة؛ فحيث ظهر مرادُ الله وجب المصيرُ إليه، ولم يُعذَرْ أحد في تَقصُّد مخالفته.

 

ومعرفة "أحكام الاختلاف" مِن أهم الواجبات؛ لتعلقه بـ "الجماعات" و"الأمم"، لا بـ "الأفراد"، وبـ "الظلم" الذي حرَّمه الله على نفسه.

 

قال ابن تيميَّةَ أبو العباس أحمد بن عبدالحليم (ت: 728): فصل: فيما اختلف فيه المؤمنون مِن الأقوال والأفعال في الأصول والفروع.


فإن هذا مِن "أعظم أصول الإسلام"، الذي هو: معرفة الجماعة، وحكم الفرقة، والتقاتل، والتكفير، والتلاعن، والتباغض، وغير ذلك؛ اهـ[17].

وسبق بيانُ بعض أحكامه في: "قاعدة قرآنية: عليك ما حُمِّلت، وعلى غيرك ما حُمِّل[18]".

 

المسألة الخامسة: ليس كل خلاف ثابتًا.

سبَق أن مِن مسائل الأصول "مسائل الإجماع"، وعليه لا يحل مخالفتها، بخلاف "المسائل الخلافية الاجتهادية" بشرط التقيُّد بـ "الأقوال المأثورة"، أما "الأقوال المحدَثة"، فلا يجوز المصير إليها تقليدًا أو اجتهادًا.

 

فالخلاف مِن باب النقل، والنقل إنما يصحُّ باجتماع شروط الصحة، الوجودية: الاتصال وثقة الرواة، والعدمية: انتفاء الشذوذ - التفرد القادح - العلة (المخالفة).

 

واشتراط "صحة النقل" لاعتبار الخلاف مضمَّن في كلامٍ لـ "المعلمي" في سياق بيان خطر طعن "الكوثري محمد زاهد بن الحسن بن علي (ت: 1371)" في أئمة الجرح والتعديل، ومِن هذا الخطر تصيير "مسائل الإجماع" التي هي من جملة "مسائل الأصول" خلافية يجوز مخالفتها، فيكون سببًا في "إفساد الدِّين بإدخال الباطل فيه[19]".

 

قال: المقصود الأهمُّ مِن كتابي هذا هو: ردُّ المطاعن الباطلة عن أئمة السنة وثقات رواتها، والذي اضطرني إلى ذلك أن "السنة النبوية" وما تفتقر إليه من معرفة أحوال رواتها، ومعرفة العربية وآثار الصحابة والتابعين في التفسير، وبيان معاني السنة والأحكام وغيرها، والفقه نفسه - إنما مدارها على النقلِ على أولئك الذين طعن فيهم الأستاذ، وأضرَّ بهم؛ فالطعن فيهم يؤول إلى الطعن في النقل كله، بل في الدين مِن أصلِه.

 

وحسبُك أن المقررَ عند أهل العلم أنه إذا نقل عن جماعة من الصحابة القول بتحريم شيء ولم ينقل عن أحد منهم أو ممن عاصرهم من علماء التابعين قول بـ "الحل"، عد ذاك الشيء مجمعًا على حُرمته، لا يسوغ لمجتهد أن يذهب إلى حِلِّه، فإن ذهب إلى حِلِّه غافلًا عن "الإجماع" كان قوله مردودًا، أو عالِمًا بـ "الإجماع" فمِن أهل العلم مَن يضلِّله، ومنهم مَن قد يكفره.


لكنه لو "ثبَت" عن رجل واحد مِن الصحابة قول بـ "حلِّ" ذلك الشيء، كانت المسألة خلافيةً، لا يُحظَر على المجتهد أن يقولَ فيها بقول ذلك الصحابي، أو بقول مفصَّل يوافق هذا في شيء، وذاك في شيء، ولا يحرم على المقلد الذي مذهب إمامه "الحرمة" أن يأخذ بـ "الحِلِّ" إما على سبيل:

الترجيح والاختيار إن كان أهلًا.

وإما على سبيل التقليد المحضِ إن احتاج إليه.


و"ثبوت" ذاك القول عن ذاك الصحابي يتوقَّف على ثقة رجال السند إليه، والعلم بثقتهم يتوقَّف على توثيق بعض "أئمة الجرح والتعديل" لكل منهم، والاعتداد بتوثيق الموثِّق يتوقف على العلم بثقته في نفسه وأهليته [ألا يكون مجروحًا؛ كالـ: الواقدي، فلا يُقبَل التعديل والتجريح مِن مجروح]، ثم على صحة سند التوثيق إليه [ثبوت القول عنه؛ فليس كل تجريح أو تعديل تصحُّ نسبته إلى مَن نُسب إليه]، وثقته في نفسه تتوقَّف على أن يوثِّقَه ثقةٌ عارف، وصحة سنَد التوثيق تتوقف على توثيق بعض أهل المعرفة والثقة لرجاله، وهلم جرًّا.


والسعي في توثيق رجل واحد مِن أولئك بغير حق أو الطعن فيه بغير حقٍّ: سعيٌ في إفساد الدِّين بإدخال الباطل فيه، أو إخراج الحق منه، فإن كان ذاك الرجلُ واسعَ الرواية، أو كثير البيان لأحوال الرواة، أو جامعًا للأمرين كان الأمرُ أشدَّ جدًّا، كما يعلم بالتدبر، ولولا أن أُنسَبَ إلى التهويل لشرحتُ ذلك، فما بالُك إذا كان الطعنُ بغير حق في عدد كثير من الأئمة والرواة، يترتب على الطعن فيهم - زيادةً على محاولة إسقاط رواياتهم - محاولةُ توثيق جمٍّ غفيرٍ ممن جرحوه، وجرح جم غفير ممن وثقوه؟!؛ اهـ[20].

 

وعليه، فإن مِن "مسائل الإجماع" ما هو معدود عند المتأخرين في "مسائل الخلاف"، ومن "القول المحدَث" ما هو عندهم مِن "القول المأثور"، وبالنظر في الرأي المخالف نجده:

1 / لا يثبت عن قائله.

2 / يثبُتُ لكنه على غيرِ ما فُهِم منه، وأن صاحبَه موافق لغيره مِن أهل العلم.

وهذا يقع فيه الظاهرية ومَن تبِعهم مِن مدَّعي الاجتهاد المطلق، مع أن "الإجماع الاستقرائي" أو "السكوتي" ليس مِن جملة أصولهم.

احتجَّ ابن رجب (عبدالرحمن بن أحمد، ت: 795) بهذا على وجوبِ التقيُّد بالمذاهب الأربعة في الترجيح، وعدم الخروج عنها.

 

قال: فكذلك "مسائل الأحكام: الحلال والحرام"، لو لم تُضبَطِ الناسُ فيها بأقوال معدودين، لأدى ذلك إلى فساد الدين، وأن يعُدَّ كلُّ أحمق متكلِّف طالب للرياسة نفسَه مِن زمرة المجتهدين، وأن يبتدع مقالة ينسبها إلى بعض مَن سلف مِن المتقدمين، فربما كان بتحريف يحرفه عليهم، كما وقع ذلك كثيرًا مِن بعض الظاهريـين؛ اهـ[21].

 

وقد يستنكر هذا القول ابتداءً، لكن إذا نظرنا إلى:

مفاسد فتح باب الترجيح دون تقيُّد بأقوال المذاهب الأربعة: وهو ما نعيشه اليوم مِن فوضى علمية، وأهلُ الأهواء مِن هذا الباب دخلوا، وَسْوَسُوا في صدور الناس بأقوال مهجورة مطروحة ولم يخنسوا، فهم أكثر مَن يَدْعون إلى توسيع الاجتهاد ليشمل جميع الأقوال والآراء بما فيها "الشيعة الرافضة".

 

ندرة الصواب - إن وجد - فيما ليس عند المذاهب الأربعة: فكم يخطئ مَن يفتح الباب واسعًا على نفسه مع نقص العلم، فأين العالم المتأخِّر مِن العالم المتقدِّم، والعالم اللاحق مِن العالم السابق؟!

 

ثم إن "المقلد" يكفيه "التقليد" إذا كانت نيـتُه طلبَ الحق، ما لم يكن القول "خطأ وزلة" - كما يكفي "المجتهد" إرادة طلب الحق مع بذل الجهد ولا يلزمه إصابته - وهذا مما لا نعلَمه وقع للأئمة الأربعة مجموعين، فلا معنى لصرف الناس في "المسائل المحتملة" إلا التشويش عليهم.

 

قال المعلمي عبدالرحمن بن يحيى (ت: 1386): المطالب على ثلاثة أضرُبٍ:

الأول: العقائد التي يطلب الجزم بها، ولا يسَعُ جهلها.

الثاني: بقية العقائد.

الثالث: الأحكام.


وأما الضربُ الثالث:

فالمتواتر منه والمجمَع عليه: لا يختلف حكمُه.

وما عداه قضايا اجتهادية: يكفي فيها بذلُ الوسع لتعرف الراجح أو الأرجح أو الأحوط فيؤخذ به؛ اهـ[22].

و"المسألة" - ثبوت الخلاف، وعدم الاكتفاء بالرواية والنقل - تحتاج إلى توسُّعٍ، وكتبتُ فيه ما شاء الله أن أكتُبَ في "حجية إجماع المحدِّثين".

 

وهذا الأقوال - غير الثابتة، أو المحمولة على غير مراد صاحبها - مما وسَّع الخلاف، وهي:

المسألة السادسة: غلبة الإجماع على الخلاف.

يتبع بتيسير الله وتوفيقه...



[1] تقريب الوصول إلى علم الأصول ص: 168 - 171 - ط: الجزائر.

[2] قال ابن جزي: الباب العاشر: في أسباب الاختلاف بين المجتهدين: وهي ستة عشر بالاستقراء، على أن هذا الباب انفردنا بذِكْره لعظم فائدته، ولم يذكره أهل الأصول في كتبهم؛ اهـ ص: 168.

[3] الموافقات 132 - 137.

[4] إكمال المعلم بفوائد مسلم 8 / 459.

[5] فتح الباري 1 / 542.

[6] ينظر: موافقة الخبر الخبر في تخريج أحاديث المختصر 1 / 105 - 115.

[7] شرح ابن بطال على البخاري 2 / 98 - 99.

[8] شرح ابن بطال على البخاري 5 / 27.

[9] شرح ابن بطال على البخاري 5 / 27.

[10] فتح الباري 3 / 310.

[11] فتح الباري 3 / 310 - 311.

[12] الاستقامة 1 / 37.

[13] الاستقامة 1 / 36.

[14] الاستقامة 1 / 13.

[15] وهو مروي عن غيرهما من الصحابة، ينظر: جامع الأصول.

[16] الرد على مَن اتبع غير المذاهب الأربعة 2 / 619 - مجموع رسائل.

[17] الاستقامة 1 / 25.

[18] منشور على موقع الألوكة: ولي عليه زيادات، وكتبت فيه: "المسائل الاجتهادية والمسائل الأصول" بخلت به على المواقع الإلكترونية.

[19] عبارة المعلمي.

[20] التنكيل 1 / 4 - 5.

[21] الرد على مَن اتبع غير المذاهب الأربعة 2 / 625 - مجموع.

[22] التنكيل 2 / 186 - القائد إلى تصحيح العقائد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم (1)
  • شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم (2)
  • شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم (4)

مختارات من الشبكة

  • العناية بشروح كتب الحديث والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإمام عبد الرحمن بن يحيى المعلمي حياته وآثاره(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • عناية العلماء بالعقيدة الواسطية(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح كتاب علم الرجال للمعلمي اليماني (كاملة)(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • شرح كتاب علم الرجال للمعلمي اليماني (3)(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • شرح كتاب علم الرجال للمعلمي اليماني (2)(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • شرح كتاب علم الرجال للمعلمي اليماني (1)(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • التمهيد شرح مختصر الأصول من علم الأصول (الشرح الصوتي)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة مقتدى الشروح في الطب (شرح الموجز في علم الطب لعلي بن أبي الحزم)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كيف تكتب معلمو؟(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب