• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة الرابعة عشرة: الطموح
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الجهل الرقمي كفجوة بين الأجيال: حين لا يفهم ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    التعلق المرضي ليس حبا، فكيف لنا أن نفرق بين الحب، ...
    أ. عبدالله بن عبدالعزيز الخالدي
  •  
    عين على الحياة
    د. خالد النجار
  •  
    التجارب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الإسلام يحافظ على الكيان الأُسري
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الثالثة عشرة: التسامح
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تربية الأبناء في عصر "الشاشة" كيف نربي طفلا لا ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تطوعي نجاحي
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    القيادة في عيون الراشدين... أخلاقيات تصنع
    د. مصطفى إسماعيل عبدالجواد
  •  
    حقوق الأولاد (3)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    جرعات سعادة يومية: دفتر السعادة
    سمر سمير
  •  
    التاءات الثمانية
    د. خميس عبدالهادي هدية الدروقي
  •  
    المحطة الثانية عشرة: الشجاعة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    البطالة النفسية: الوجه الخفي للتشوش الداخلي في ...
    محمود مصطفى الحاج
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / التربية والتعليم
علامة باركود

لماذا تخلفت منظومتنا التعليمية؟

لماذا تخلفت منظومتنا التعليمية؟
جواد عامر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/8/2022 ميلادي - 19/1/1444 هجري

الزيارات: 4206

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لماذا تخلفت منظومتنا التعليمية؟


آخر التقارير الدولية التي رتَّبت المنظومات التعليمية في العالم منحَت المغرب ترتيبًا يندى له الجبينُ، وتخجل من ذكره الألسنةُ، خاصةً وأنه في ذيل السُّلَّم التعليمي؛ لكن دعونا نتجاوز خجلَنا، ولنعتبر هذا الترتيب كبَواتٍ حقيقيةً لمنظومةٍ حاولت النهوضَ مِرارًا وتكرارًا عبر برامج متنوعة لم تُؤتِ أُكُلَها؛ بل زادت الطين بِلَّة، وأغرقت تعليمنا في غياهب الجُبِّ دون أن تجد سيَّارةً تُدلي دِلاءها لتُخرج الغَرْقَى من ظلماتها، الرتبة مائة وواحد عالميًّا، والرتبة التاسعة عربيًّا رغم ما بُذل من جهد في سبيل تجويد المنظومة التعليمية منذ عقدين ونيِّف من الزمن حاول فيها المشرِّع أن يلتقط عصارات الأدبيات النقدية والمناهج الحديثة، وأن يتلقَّف لُباب الأدبيات التربوية ويعصرها في مناهج دراسية علَّها تمنحنا طالبًا متمكنًا من المهارات اللازمة ومحقِّقًا للكفايات المطلوبة؛ لكن الأمر وجدناه يزداد سوءًا في المدرسة العمومية بشكل ملحوظ، بخلاف المدرسة الخصوصية التي تظل فيها عناصر الجودة التربوية قائمةً في حدود مقبولة؛ نظرًا لاعتماد أغلب هذه المؤسسات على مناهج دراسية مستقاة من الغرب خاصة ما يتعلق بتدريس اللغات الأجنبية المعتمدة فيها مع زيادة عدد ساعات التعلم في المواد الأساسية؛ كاللغة العربية والفرنسية والرياضيات، واعتمادها الإعلاميات مادة أساسية منذ نعومة الأظافر إضافة للغة الأجنبية الثانية وهي الإنجليزية المعتمدة في المؤسسات الخصوصية، هذه الفوارق الكمية منحت المدرسة الخصوصية نسبة من التفوق على نظيرتها العمومية في المغرب؛ وهذا ما جعل الكثير من الأُسَر تتوجه بأبنائها نحو التعليم الخصوصي رغم التكلفة المادية المثقلة للكاهل، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على وعي الأُسَر بالوَهَن الذي سَرى في جسم منظومتنا التعليمية العمومية.

 

قد يقول القائل: إن أعلى المعدلات التي يحصلها التلاميذ في المراحل الإشهادية هي معدلات المدرسة العمومية، إلا أن هذا التخريج يظل استثناءً لا يعكس الحقيقة ولا يمكنه البتة أن يكون معيارًا علميًّا مطلقًا يدل على جودة التعليم العمومي؛ لأن مثل هذا الكلام يظل درءًا للرماد على العيون وإظهارًا لصورة براقة تُخفي وراءها مشاهد مشوَّهة لا يعرفها إلا من خَبَر الميدان.

 

فهل ظلمتنا التقارير الدولية ومنحتنا هذا الترتيب المخجل من تلقاء نفسها؟ لا بد أن عاقلًا خَبَر عبر الممارسة الميدانية واقع التعليم في المغرب سيجزم قائلًا بضعف منظومتنا وبُعْدها الكُلي عن الارتقاء والجودة؛ بل إنها آخذةٌ في الانحدار نحو هاوية سحيقة لن تستطيع الخروج منها إذا بقي الأمر على هذا المنوال، صحيح أن هناك اجتهاداتٍ كبيرةً لا تبخس من أصحاب القرار؛ لكنها ظلت باهتة الأثر غير فاعلة وغير مؤثرة في تغيير النسق التعليمي لأسباب بنيوية عميقة ورؤيوية ضعيفة لا تستطيع استشراف المستقبل بسبب التسرُّع في تبنِّي الاختيارات التربوية دون دراسة وتخطيط محكم يرسم آفاق الانتظار مع التخبُّط الكبير الذي شابَ هذا الاختيار عبر التاريخ المدرسي؛ لاختلاف الرُّؤى بين المشرِّعين النابعة من الاختلافات الجوهرية بين الأحزاب السياسية.

 

لقد حقَّقْنا بعض النجاحات التي لا تُنكر في مجال محاربة الهدر المدرسي، ورفع نسبة التمدرس في العالم القروي عبر خلق البنيات التحتية من مطاعم ومدارس جماعاتية وتغيير للبرامج الدراسية وتعميم اللغة الفرنسية لتكون وسيلة تدريس المواد العلمية، وخلقنا الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وشجَّعْنا التكوين المهني، وجرَّبْنا بيداغوجيات جديدة في مراحل من التاريخ المدرسي، واجتهدنا في إقحام الرقميات والوسائل الديداكتيكية؛ لكن هذه الاجتهادات ظلت عقيمة النفع؛ لأنها لامست العرض دون الجوهر التعليمي فكان الأمر أشبه تمامًا بمن يُنمِّق الجدران بالفُسَيْفِساء، ويُرصِّع السقف بالنقوش، وكان قد غفل عن الأعمدة الآيلة للسقوط والجدران التي أصابتها الشقوق، فتركها متصدعةً دون أن يُعيدَ النظر في بنائها من جديد على أسس متينة، ووَفْقًا لرؤية هندسية عميقة ودقيقة من شأنها أن تمنح البناء صلابته المفقودة؛ لذلك لا نستغرب إذا كان معظم المتعلمين في المراحل الأولى من التعلُّم لا يجيدون مهارات القراءة والكتابة والحساب ونحن نعتبرها كفايات أساسية من اللازم تَعلُّمها في المرحلة الابتدائية؛ لكن أغلبها لا يتحقق بالقدر اللازم لبناء التعلُّمات القادمة.

 

ولست أريد التطاول في حديثي هذا على كل مواد التدريس وإن كانت المشكلات الجوهرية واحدة إلا أني أوثِرُ الحديث عن مادة اللغة العربية بعد خبرة سنين في الميدان التعليمي وإن كانت اللغات الأجنبية ستتقاسم معي نفس الرؤية؛ نظرًا للمشترك البنيوي الذي يجمع بينها، ولست أقصد بذلك مفهوم الكلية الذي تكلم عنه تشومسكي في مظاهر النظرية التركيبية بما يحمله من أبعاد لسانية لا مجال للخوض فيها هنا؛ وإنما أقصد المنطلقات النظرية والمنهجية التي تجمعنا نحن - مدرسي اللغات - والتي نستطيع تلمُّسها أثناء المزاولة الصفيَّة.

 

ودَعْنا الآنَ نُحلِّل الأسباب التي جعلت منظومتنا تتخلَّف رغم ما حاولنا جاهدين صنعه لأجل تجويدها دونما فائدة، ففي مجال تدريس العربية تلقفت منظومتُنا التعليمية الأدبيات النقدية والمناهج الحديثة إلى حدود جماليات التلقي محاولة عصر جهازها المفاهيمي والنقدي في المناهج التربوية دون أن تعي أن هذه الأدبيات تحتاج إلى تطويع وتليين وحسن انتقاء للجهاز النظري بما يستطيع أن يكون متلائمًا مع تربتنا الثقافية؛ لأن منشأ هذه النظريات والمناهج النقدية غربي بامتياز فبعد الشكلانية الروسية وما صنعه فلادمير بروب في مورفولوجية الخرافة سنة 1928 وما صنعه البنيويون في إطار دراسة النص من الداخل مع بارث وتودروف وجيرار جنيت وجوليا كرسيتيفا التي طورت مفهوم التناص مستفيدة من أعمال باختين، وما أدخلته النظرية البنيوية من مفاهيم جديدة في التعامل مع النص من حيث البنية والتشكل الداخلي لأجزائه طارحة كل ما هو خارج عنه حينما أعلن بارث موت المؤلف مُرسيًا بذلك دعامة جديدة للمتلقي الذي سيجد الاهتمام الأكبر بعد هذا الإعلان ليتحوَّل القارئ إلى كاتب فبينما هو يمارس فعل القراءة، هذا الفعل الذي ستدور في فلكه أطروحات نظرية كثيرة مع التفكيكيين مثل دريدا وريفاتير وأرباب نظرية جمالية التلقي من جامعة كونسانطس الألمانية مع فولفانغ إيزر وتوماس ياوس ليمنح القارئ قيمته المفتقدة التي ضاعت في الأنساق البنيوية السابقة فغدا الحديث عن أنماط القُرَّاء بين قارئ نموذجي عند إمبرتو إيكو وقارئ تفاعلي وآخر ضمني وقارئ مثالي وموسوعي وغير هذا وذاك من التصنيفات التي منحت القارئ ما كان يفقده حقًّا من قيمة أعطيت للنص ومؤلفه، فوسط هذا الركام المتشعب من الأجهزة النظرية والمفاهيم النقدية ثارت زوبعة عظيمة لم نتمكن من إيقافها فاختلط الحابل بالنابل وفُقِدت السيطرة على المناهج النقدية مع غياب الوعي الإبستمولوجي والنقدي الذي يستطيع أن ينتقي بعناية ما يصلح في أدبيات التدريس من هذه النظريات، ويعمد إلى توظيفها في سياق مدرسي يوائم قدرات المتعلمين، ويستجيب لكفاياتهم الذهنية عبر مراحل التعلم والانبناء.

 

صحيح أننا عمدنا عبر التاريخ المدرسي إلى توظيف النظريات التربوية؛ كالسلوكية والبنائية والجشطالتية، وتوظيف بيداغوجيات عديدة بين فارقية وتفعيل وعصف ذهني وتحكم وبيداغوجيا الخطإ وبيداغوجيا الإدماج وغيرها وهذا شيء جميل إلا أن التوهان وعدم الإلمام بمواضع توظيفها بشكل دقيق أثناء الممارسة الصفيَّة من قِبَل المدرس وعدم الوعي وتمثُّل أهدافها من قبل المشرِّع الذي لم يحسن مبدأ الملاءمة بين محتوى المنهاج وطبيعة النظريات والبيداغوجيات هو ما يجعل المدرس غير الماهر يتخبَّط في متاهات تمنع من تحقيق الكفايات المنشودة، فيظل الإلقاء جزءًا كبيرًا من المنظومة وشحن الأذهان وإثقال الكاهل سمة من سمات التعليم عندنا؛ لذا فالمنطلق الحقيقي والفعَّال من أجل تجاوز هذا النوع من الخلَل سيكون هو إعادة قراءة النظريات الأدبية الغربية والمناهج النقدية بشكل دقيق مع العودة إلى رُوح التراث العربي من أجل إخضاع القراءة لروح الموازنة بين ما خلفه الدرس النقدي والبلاغي العربي القديم من طروحات قوية ونظريات شكَّلت لَبِنات لتأسيس الدرس النقدي الغربي، وفي هذا الإطار من المنهج المقارن يمكن تبنِّي المفاهيم والأجهزة النظرية الموائمة برُوح واعية وبَصَرٍ حديد نافذ، ليأتي دور الانتقاء النصي الذي ينبغي أن يكون متلائمًا مع طبيعة الأسس النظرية، فعلى سبيل المثال توظيف المنهج التاريخي يتطلب وجود كاتب له وزن في الساحة الإبداعية، ويكون ذا أثرٍ كبيرٍ في مسار الأدب وتاريخه بخلاف ما إذا انتُقي نصٍّ لكاتب مغمور أو أستاذ جامعي لا حَظَّ له في الأدب بقدر ما يمتلك الرُّوح النقدية باللغة الأكاديمية التي لا يفقه كُنْهَها الطالب في المرحلة الإعدادية وبدايات المرحلة التأهيلية؛ مما يجعل المنهج التاريخي سائر المفعول أثناء التناوُل الصفِّي، كما أن النص ملزم بالامتلاء بالأدبية الراقية، والابتعاد عن اللغة المطلقة على عواهنها حيث يغيب التصنُّع والحرفية الإبداعية التي تُفقِد النصَّ مُتعتَه وجماليتَه؛ مما يجعل توظيف المنهج البنيوي وجماليات التلقي أمرًا مُتعسِّرًا وإطلاق التأويلات وَفْقًا للنزوع التفكيكي أمرًا محدودًا؛ لذا فالمُشرِّع التربوي مُلْزمٌ بقراءة النص قراءةً نموذجيةً تستطيع أن تقتحم العمق وتستشرف آفاق التلقي الممكنة لدى المتعلم؛ مما سيجعله نائيًا عن تلك العيِّنة من النصوص التي لا يهتم فيها أصحابُها إلا بتبليغ الأفكار دونما إبداع جمالي على عادة ما يصنعه الأدباء المتمرسون والكُتَّاب الفطاحل في الشرق والغرب معًا، إذ تظل أغلب النصوص المنتقاة محدودةً من الناحية الجمالية والإبداعية لا ترقى أسلوبيًّا ولا تعبيريًّا إلى المستوى الذي يستشعر فيه المتعلم حقيقةً أنه أمام نَصٍّ جميلٍ يُمتِّعه قبل أن يُقنعَه، كما أن المُشرِّع لا ينبغي أن يغفل أنه يُوجِّه الخطاب في النص إلى مراهق في طور تشكيل الأحاسيس والانفعالات وليس إلى رجل ناضج فكريًّا للدرجة التي يستطيع فيها أن يتلقَّى كلام الأكاديميين والأساتذة الجامعيين، إن المتعلم المغربي في حاجة ماسة إلى نصوص تُخاطِب العاطفة وتقتحم الوجدان فتململ المشاعر الآخذة في التشكُّل وتعيد صناعتها لما لها من أثر نفسي كبير على وجدانه؛ لأنه يحتاج إلى مَنْ يخاطب فيه المشاعر قبل الأفكار والمنطق مثلما تفعل نصوص الباحثين المتخصصين في مجالات معرفية دقيقة كالأنتربولوجيا والميثولوجيا والفلسفة، فهذه أكبر من عقول طلابنا في مرحلة إعدادية لا زال فيها الطالب يُشكِّل الأُسُس المعرفية وينتظر مُدرِّسَه كي يُذيبَ المعرفةَ العالمة عبر النقل الديداكتيكي من أجل تبسيطها وَفْقًا لما يتلاءم مع قدراته العقلية، ولنا في التراث البلاغي والنقدي العربي ما يُغنينا عن مثل هذا التوجُّه الذي أرسى له الطريق أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (159-255 هـ) لما ذكر أن "المعاني مطروحة في الطريق يعرفها القروي والحضري والعَجَمي والعربي.."، مقولة شهيرة لا أظنها تخفى، قالها الجاحظ قبل منتصف القرن الثاني الهجري في "البيان والتبيين"، كانت قد أسَّست للقضية الكبرى التي طُرِحت في ذلك التاريخ الحافل بالصراع الكلامي بين المعتزلة والأشاعرة وغيرهم من أصحاب الملل والنِّحَل الأخرى؛ قضية اللفظ والمعنى، دفاعًا عن إعجاز القرآن، فقد أرست لمفهوم كبير كان لا بد للمشرع بفطنته ألا يغفلها فيدرك أن المنهاج ليس وسيلة لتقديم معانٍ وأفكار، فهذه موجودة معنا اليوم لا في الطريق لكن في البيوت والجيوب، في الرقميات التي باتت جزءًا من هويتنا الثقافية اليوم، وكأن الجاحظ استشعر بفراسته وذكائه الحاد أن المعاني مُلقاة ومطروحة في كل مكان وزمان وبلا قيد، إن المنهاج الدراسي ملزم بتقديم جودة السَّبْك وحسن النظم وبراعة التصوير، فهذه لغة وهذا مدرس لغة، لا يحتاج إلى أفكار بقدر ما يريد نصوصًا أدبية ذات جودة تلبَس حُلَلًا أنيقةً وتَكسَى أثوابًا قشيبةً تترصَّع بالجواهر وتتوشَّى بالدُّرَر فتُوقف القارئ الصغير ليتساءل عن المراد، فينشغل عقله بالمعنى، ويقشعرُّ بدنُه للحسِّ الذي يرمي به النص المليء بالأحاسيس الجميلة المخاطبة للوجدان، فيتحول إلى كاتب صغير فيما هو يمارس فعل القراءة عندما يجد البياضات فيملأها بخياله، فيصير محاورًا للكاتب مُشاركًا له في صناعته لينأى عن مجرد القراءة الخطية التي يمارسها طفل صغير لا زال يتلعثم ويلملم خيوط الحروف ليحولها إلى كلمات ذات معنى في تركيب صغير.

 

إن سوء الانتقاء حقيقة في المنهاج الدراسي لكثير من النصوص التي تعد منطلقات رئيسية في بناء التعلُّمات أسهم سلبًا في نفور المتعلمين من هذه النصوص وغيَّب الذائقة الجمالية عندهم وقتل الروح الإبداعية عند كثيرين، خاصة وأن منهاجَنا أقصى النصَّ الشعريَّ بشكل كبير من حيث الكم، فهناك كتاب مدرسي أدرج أربعَ قصائدَ طوال السنة الدراسية، وغالبها لا يرقى إلى مستوى الشعرية العربية الجميلة إما لعدم انشغال صاحبها بالشعر أكثر من ممارسته المتخصصة في الدراسات النقدية أو لضعف في القصيدة نفسها لمحاكاتها المأثور الشعري القديم وإن كانت هذه نقطة ضوء ستمنح المدرس فرصة لاستحضار جوليا كريستيفا ومفهوم التناص؛ لكنها تظل مسألة تُضعِف القصيدة في منظور المدرس بسبب النمطية والتكرار التقليدي في التصوير، في الوقت الذي كان بالإمكان من المشرِّع أن ينتقي الأجود والأفضل تبعًا لرؤية علمية ونقدية دقيقة ستمنح الطالب فرصة الاستمتاع والتذوُّق والمحاكاة في مرحلة لاحقة، كما أن تغييب القصيدة من التقويم التربوي أمر زاد الطين بِلَّة، وأفقد الشعر قيمته العليا باعتباره ديوان العرب.

 

آه لو دَرَت العربُ بما صار لشعرها في كتبنا المدرسية وكيف أنها ذُلَّتْ وأُفقِدَت هيبتها لذرفَتْ لأجل ذلك الدموع كالثكالى وأقامت المآتم، لما غاب شعرُ الجاهلية الذي فُسِّر به القرآن، وشعرُ الإسلاميين الذي دافع عن الدعوة والدولة، وشعرُ أمية الذي أمتعَتْنا نقائضُه وأتحفنا بديعُ تغزُّله، وشعرُ بني العباس ذو الصنعة المجددة والتصوير البديع، وشعر الأندلس بين قصيد باكٍ راثٍ وآخر راقص مطرب، فأين هذا وذاك مما كان لشعرائنا معلمًا، فلولاه ما نطق متأخِّرٌ بيتًا، ولا صنع وزنًا أتى عليه بسطر حُرٍّ من أسطُر قصائده، فماذا عَراكَ أيُّها المُشرِّعُ أم أن الدنيا قد ضاقت عليك بما رحبت فتهت في متاهة التاريخ؟ وما التقطَ بصرُكَ غيرَ شعرٍ مُتأخِّرٍ لسنا ننقص قيمته عمومًا إلا أن العتاب سيُثقل كاهِلَك، والتوبيخ سيظلُّ مُلاحِقَك لما غفلت شعرًا جميلًا ليس ينكره عاقل في التاريخ كله، ومنعت التقويم فيه، والنابغة حكيم العرب كان يقوِّم ويُنقِّح ويُجوِّد ويُضعف، فكيف تغفل كل هذا وتبخس القصيدةَ حقَّها كمًّا وكيفًا؟

 

ولعل سوء الانتقاء كان نابعًا من الإسراع الذي مارسه المُشرِّع أثناء تغيير المقرر الدراسي في موسم 2002/2003 معتمدًا مقررات مختلفة بين جهات المملكة على مستوى طبيعة النص دون أن يمس درس اللغة الذي ظل ثابتًا مثلما كان عليه في الكتاب المدرسي السابق؛ لأن هذا الأخير يحتاج إلى قراءة أعمق ووعي لغوي أدق، فكان من اليسير على المُشرِّع أن يتَّجه نحو الأسهل في نظره القاصر؛ ليكون النصُّ هو الضحية دون أن يدرك أنه افتأت عليه كل الافتئات، وهذا دليل قاطع على غياب الوعي بالنظريات والمناهج النقدية التي تفرض أسسها وميكانيزمات اشتغالها في النص الأدبي، فكان الاعتقاد أن التغيير إذا مس النص سيكون تغييرًا جوهريًّا، وهنا مكمن الخطأ لاعتبارات أساسية، منها العشوائية في الاختيار ومحدوديته التي ظهرت عبر تكرارات المصادر التي استقيت منها النصوص (مجلة عالم المعرفة، ومعلوم أن المجلة الكويتية تقدم معرفة كبيرة لكل القُرَّاء العرب، وأغلب مَن يكتبون الأعداد فيها متخصصون في مجالات متنوعة، فتظل اللغة المقدمة لدى أغلبهم مجرد أداة نقل للإقناع لا الإمتاع - مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، وهي سلسلة ندوات تعقد من قبل أكاديميين كبار) تبقى اللغة التي يتكلمون بها حكرًا على الأكاديميين، فهي ليست لغة خطاب توجه إلى طلاب المرحلة الإعدادية؛ لما تحمله من جهاز مفاهيمي واصطلاحي ذي طبيعة متعالية، مع استثناءات خاصة لمؤلفات لأصحابها تندرج ضمن الأعمال الإبداعية؛ كالروايات والقصص، وهذا أمر محمود لكنه يظل من حيث الكم ضعيفًا، هذه العشوائية منحتنا نصوصًا مُتشابهة لا تستجيب لنظرية الأنواع، فكانت أغلب النصوص من جنس المقالة مما يشعر الطالب بالملَل، ويوقع المدرس في النمطية القاتلة؛ إذ قلما تتكسر هذه الرتابة بجنس أدبي آخر مختلف؛ كالقصة القصيرة أو النص المسرحي أو المقاطع الروائية التي يجد فيها المتعلم متعةً أكبرَ؛ إذ فيها تظهر حرفية المبدع وضلاعة الأديب، فلو أن المشرع اعتنى بالانتقاء النصي لنوع الأجناس بين مقالة ومقامة ورسالة ووصية ومناظرة ومسرح وقصص وأساطير؛ فيمنح بذلك الكتاب المدرسي تنوُّعه الطبعي؛ مما سيسمح بتوظيف النظريات النقدية المعروفة بذكاء في التعلُّمات؛ لأن الاجترار مفسد وممل، ويفقد روح الإبداع والقدرة على التفكير.

 

أما الدرس اللغوي فيُعاني من خَلَل منهجي عميق ظلَّ سائدًا منذ عقود خلت، حيث ارتضى المُشرِّع البدء فيه بدروس الصرف العربي قبل النحو، فكتاب السنة الأولى يبدأ فيه المتعلم بتعلُّم دروس من قبيل الميزان الصرفي، والمجرد، ومعاني الصيغ الزائدة، وتصريف الأفعال وما يعتري بنياتها من تغيُّرات، ليكون الانتقال بعدها إلى دروس النحو، فيبدأ بمعرفة الإعراب والبناء، وأنواع المبني من الأسماء والأفعال وغير ذلك، وهو منهج أراه مقلوبًا رأسًا على عقب؛ لأن البَدْء ينبغي أن يكون بالنحو لا بالصرف، وهذا حقيقة يدل على عدم وعي المُشرِّع بالدرس اللغوي العربي من حيث المنهج العلمي الذي ذكره ابن جني لما قال: "ولما كان علم الصرف علمًا عويصًا صعبًا بُدئ قبله بمعرفة النحو؛ لأن معرفة أحوال الكلم الثابتة طريقٌ إلى معرفة أحواله المتنقلة"[1]، فكيف يستقيم وَفْق هذه النظرة العلمية العميقة والواعية أن يبدأ بدرس الصرف العربي قبل النحو، أليس هذا مخالفة لمنهج علمائنا الذين أسَّسوا وحلَّلوا وبيَّنوا وعلَّلوا الظواهر اللغوية فقعَّدوا لها القواعد التي يتعلَّمُها الطالب اليوم؟

 

كما أن انتقاء نوعية الدروس نفسها تدُلُّ على غياب الوعي اللغوي بما جرى للعلة في درسنا اللغوي القديم من حيث نسبيتها في بعض القضايا اللغوية كما بينت في مقالة "العلة في الدرس اللغوي العربي القديم بين المآزق التحليلية والحلول الأبوفونية"، فكنت قد أشرت إلى مشكلة اللهجات العربية التي منحتنا قراءات متعددة للفظ الواحد؛ مما يجعل الخرج المعجمي يقبل التعددية الفونتيكية، ومن ثَمَّ يتعسَّر ضبط العلة معها كما في أسماء المكان والزمان؛ مما يجعل درسًا من هذا النوع غير ذي فائدة على المستوى المنهجي إذا ما تم تدريس الطالب العلة في وزني مفعَل ومفعِل؛ لأنه يستطيع أن يدرك في الخطاب القرآني بمعية المدرس طبعًا أن العرب تقول: مطلَع ومطلِع، رغم أن عين المضارع مضمومة من باب فعَل يفعُل، ولعل الدليل القاطع على تخبُّط المشرع وحيرته هو إقدامه في مرحلة لاحقة من التاريخ المدرسي على حذف عدد من دروس اللغة بعدما نُبِّه إلى أن حضور الدرس الصوتي ممثلًا في الإعلال والإبدال أمرٌ غيرُ مقبول البتة؛ لما فيه من تعليلات فونولوجية لا تتلاءم مع الكفايات الذهنية للمتعلم، مع غياب الأبعاد الوظيفية لمثل هذه الدروس، فقولك: مال أصلها ميَل، وما فيها من إعلال بالقلب؛ لأن حرف العلة تحرَّك وانفتح ما قبله غير ذي فائدة بالنسبة لمتعلم في المرحلة الإعدادية يكفي أنه سمع من قبل مال وقال، وميزان تتردد وتكتب فلا حاجة له أن يعرف أصول حروف علتها؛ لأن هذا مجال المتخصص المدقق الباحث في البنيات العميقة لغاية التعليل لا غير، وهو لا نظنه في حاجة إلى مثل هذا؛ لذا كان الحذف أمثل؛ لكنه حذف تم عن غير فهم للمقصد، فتجاوز المشرع حدود الحذف إلى دروس أخرى لم يكن مطالبًا بحذفها ممارسًا عشوائيته ومبرهنًا على عدم وعيه وفَهمِه العميق لدرس اللغة، فحذَف إعمال المصدر والصفة المشبهة وأبقى على عمل المشتقات الأخرى وهي دروس قاسمها المشترك واحد يصبُّ في إطار نظرية العامل، وحذَف دروسًا أسلوبيةً وأبقى على أخرى من جنسها مع ما يطرحه الدرس الأسلوبي من اختلاط بالدرس البلاغي، مع العلم أن البلاغة ليست جزءًا أساسيًّا من القضايا التي تدرس للطالب في المرحلة الإعدادية اللهم إذا استثنينا بعض أصناف البديع؛ كالطباق والترادف والجناس، أما الاستلزام الحواري والقوة الإنجازية للحرف مثلًا فهي ليست أساسًا في التعلُّمات، ورغم ذلك يجد المُشرِّع نفسَه متخبِّطًا في متاهة البلاغة دون أن يدرك ذلك، وإن كان هذا الأمر قد أوقع علماء اللغة أنفسهم في المشترك النحوي والبلاغي إلا أنهم فصلوا بدهاء بينهما ليتأسس كل درس بشكل مستقل عن صاحبه ويؤدي أدواره العلمية التي أُرِيدَتْ منه، لكن مُشرِّعنا التبَس عليه الأمر فوجد نفسَه أمام دروس من قبيل التعجب والنداء تستطيع بلاغيًّا أن تتجاوز المعنى المألوف إلى دلالات جديدة، وهو أمر من الصعب على المتعلم إدراكه خاصةً وأن المعاني كثيرة، ويتحكَّم فيها التأويل، ولما كان الحذف ظل تعويض المحذوف غائبًا لعقد ونصف من الزمن وكأن المشرع قد استسلم وخنع فلم يُلْفِ بديلًا يعوِّض به المحذوف، فظلَّ الكتاب المدرسي في السنة الثالثة فارغًا لا يجد من يملأ فراغه كل هذا الزمن، فتأثَّر درس التطبيق الذي جعله المشرع جامعًا لدرسين من دروس اللغة لا درسًا واحدًا كما كان معمولًا به من قبل؛ إذ إن المنطق يستوجب أن يكون لكل درس قرأه المتعلم تطبيقٌ خاصٌّ به، فظهر عيب الحذف أكثر مع اضطرار المدرس لتجاوز أسئلة لا علاقة لها بالدروس المحذوفة، فاجتهد الكثيرون في صناعة دروس تطبيقية بأنفسهم لتكون معيارية ودقيقة تختبر قدرات المتعلم وتكشف مواطن القوة عنده ومواضع التعثر؛ لأن أغلب الأسئلة المدرجة تظل غير دقيقة الأهداف وأحيانًا بلا مغزى يُرجى، كمن يسأل المتعلم في درس تطبيقي عن الحروب الصليبية، ويدرج النص مشكولًا بكامله دون أن يترك فرصة للمتعلم كي يتدرب على الشكل، ويطلب منه شرح كلمة غير مدرجة في نص الانطلاق، ويُكلِّفه بتحديد لفظ ممنوع من الصرف فارسي الأصل (أعجمي) وكأن المدرس والمتعلم كانا يومًا على دراية باللغة الفارسية مع ما يخلفه مثل هذا من اضطراب معرفي لا يخرج منه إلا مدرس حاذق خَبَر اللفظ الموضوع دون فهم من المشرع للعلَّة وراء منعه من الصرف، ومساءلة المتعلم عن إعراب لا علاقة له بدرس اللغة الذي كان قد تلقَّاه وآخر لم يتعلمه بعد، فتجد المشرع البارع يسأله عن إعراب الاسم المختص وهو منه بعيد ناءٍ تفصله أربعة دروس حتى يدركه، فمثل هذا وغيره كثير إن دلَّ فإنما يدلُّ على العبث والعشوائية والتسرُّع الذي مُورِس في حقِّ الكتاب المدرسي، ودعوني أضرب مثالًا آخر على غياب الوعي اللغوي عند المشرع التربوي وهو يلقي باختياراته دون إشراك فاعل للمدرس والأخذ بمقترحاته التي تظل حبرًا على ورق في مجالس تعليمية، لأظهر التمزُّق الحاصل بين الكُتُب المدرسية الثلاثة وعدم مقدرته على لملمة الخيوط وَفْقًا لمنهج لغوي متدرج ممنطق، فتلميذ الأولى إعدادي يتلقى آخر درس تحت عنوان المبني للمجهول في نهاية السنة الدراسية وفي السنة الثالثة إعدادي؛ أي: بعد مضي فرق قدره عام دراسي وعطلة صيفية سيعود المتعلم ليدرس عمل اسم المفعول في الدورة الأولى ويكون في حاجة ماسة إلى نواة الدرس وهو البناء للمجهول بكل تفصيلاته، فيكون المتعلم حينها قد نسي كل ما تلقَّاه في المرحلة السابقة، ليضطر المدرس إلى العودة إلى البناء للمجهول عودة مضطر، في الوقت الذي كان لازمًا على واضعي الكتاب - مع احترامي لكل هؤلاء - أن يجعلوا هذا الدرس في نهاية السنة الثانية إعدادي بديلًا عن درس التذكير والتأنيث، كما أن هناك دروسًا كان من المفروض إدراجها في الكتاب المدرسي مثل درس أل في النحو العربي ليتعلم الطالب دلالاتها باعتبارها وسيلةً لفهم الإضافة، ومعرفة معاني الحروف، فهي تكاد تغيب لولا درس العطف الذي أنقذ ماء وجهها، حتى يدرك الطالب أبعادها الوظيفية في السنن العربي، ويحسن استعمالها في الكتابة والمنطوق، وهذا غيض من فيض لست أرمي به نقدًا لاذعًا للمشرع؛ وإنما أودُّ توجيه الدفَّة بما قدرتْ عليه نظرتي غيرة على لغة جميلة لم يعد طلابُنا يستطيعون التعبير بها أو الاسترسال عند الحديث، فتجد التلعثم والعِيَّ سِمةً جَليَّةً في ألسنتهم، وتُلفي الأخطاء من شتَّى الضروب، وإقحام العامية جزءًا من تعبيراتهم، ولعلَّ هذا نابعٌ من عامل آخر بهِت ضوؤه في الكتاب المدرسي؛ وهو درس التعبير والإنشاء، هذا الشيخ الوقور الذي ينتهي إليه كل شيء رأى مشرعنا أن يجعل له مهارة في كل وحدة من الوحدات؛ لكن هل هي مهارات تُعلِّمُ اللغةَ حقيقةً؟ هل هي مهارات تُمكِّنُه من امتلاك القدرة على محاكاة كِبار الكُتَّاب والتقاط بنياتهم التعبيرية في مقامات تواصلية مختلفة؟ وحتى وإن كانت تستطيع ذلك فمن أين سيلتقط الأساليب الجميلة والتعابير الأنيقة؟ هل فرشت له النصوص أرضيةً منمَّقةً يستطيع أن يقطف من حقولها أزاهيرَ وورودًا تعبق أرجًا؟

 

لقد ضيَّق المشرع الخناق على المدرس وقيَّده بمهارات وألزمه بها، وهذا في حد ذاته يعتبر خلَلًا منهجيًّا؛ لأن المدرس يحتاج مساحات من الحرية لأجل الإبداع، ووضعيات التعلم يستحيل تقييدها فهي تتسم بالتحوُّل وَفْقًا للحاجات التي يراها المدرِّسُ صالحة، فقد أجد أن المتعلمين لا يتقنون كتابة المقدمات فأُخصِّص حصصًا لتعلُّم أصناف المقدمات لا غير بين مقدمة إشكالية وأخرى وصفية واستنباطية واستقرائية، كما قد ألجأ إلى تدريبه على حُسْن الختم بين خاتمة تُلخِّص وأخرى تُعلِّق وتترك انطباعًا ذاتيًّا، وخاتمة تفتح الأفق عبر السؤال وغير ذلك، ناهيك عن التنويع في الموضوعات التي تلامس العواطف والوجدان؛ مما يدفع المدرس إلى تقديم طبق أدبي راقٍ على المستوى الأسلوبي لمتعلميه قصد النَّهْل منه وتوظيفه في الكتابة؛ مما يجعلهم يكتسبون يومًا بعد يوم الأسلوبَ العربيَّ البديع، ويحسنون التكلُّم به؛ لأنهم سيحذون حَذْوَ مدرِّسِهم الذي سيجدون فيه المنبع الصافي لتعلم اللغة بعيدًا عمَّا يُقدِّمه الكُتَّاب من مهارات ضعيفة؛ كالتوثيق وجَمْع المِلَفَّات وكتابة القصاصات الصحفية والرسائل باختلاف فحواها (شكر، تهنئة، تعزية، دعوة.. )، الأمر الذي يوقع المتعلم في دائرة ضيقة من الكتابة التي يجترُّ بعضُها بعضًا دون أن يفتح له الأفق بعيدًا ليطلق خيالاته، ويسبح في عوالم تتيح له الإبداع، أمر حاول المشرع تداركه في السنة الثالثة؛ فأدرج مهارة التخييل والإبداع عبر كتابة نماذج السيرة والحكاية العجيبة وقصة الخيال العلمي، إلا أن هذه المهارات لم نجدها تتماشى مع طبيعة النص من حيث التجنيس الأدبي، فكان لا بُدَّ للمشرع من إقحام نصوص سير ذاتية وسير غيرية ليتخذها المتعلم منطلقًا للاقتداء والمحاكاة، فغابت قصة الخيال العلمي في السنة الثالثة وأدرجت في السنة الثانية في نص "لن أسافر" للكاتب السعودي عبدالفتاح أبي مدين، وأدرج نص "الرجل الذي وجد البرتقالة" لأحمد بوزفور كنص عجائبي يمتح من الفنطازيا؛ لكنه أدرج في نهاية المقرر بعيدًا عن المهارة، والأولى أنه كان يفرض إدراجه بالموازاة معها لا بعدها، خلل منهجي وديداكتيكي فادح من هذا النوع يفقد تماسُك الكتاب ويمنحه الهشاشة والوَهَن، وهو ما جعل المشرع في مرحلة سابقة من تاريخنا المدرسي يصدر مذكرةً تنصُّ على قلب مهارات الإنشاء بين الدورتين بعد تنبُّهه إلى طبيعة النصوص التي تتوافق مع المهارات المدرجة ثم تنازل عن اختياره في مرحلة لاحقة، فكان العبث وسوء التدبير سيد الموقف دلَّ على ضعف المنهاج الدراسي في اللغة العربية، ضعف حاول المشرع إخفاءه عبر سيناريو التقويم الذي أخضعه لإطار مرجعي ثابت وموحد ففرض السؤال على صانع السؤال ومبدعه، ليجد المدرس نفسه أمام أسئلة تصنع له لا دخل له فيها، تتردد وتتكرر حتى أضحى المتعلم يعرفها بل ويعرف جوابها مسبقًا، أو لنقل كيفية الإجابة عنها، فيتوقعها ويرسم تصميمها في ذهنه مسبقًا، فوزَّع المشرع سُلَّم التنقيط إلى ثماني نقاط لمكون القراءة، وست لدرس اللغة، وست للتعبير والإنشاء، فاستبد الفهم بحصة الأسد، ووقع المشرع في نفس المأزق من جديد، الذي نبَّه إليه الجاحظ من أن المعاني مطروحة في الطريق، وفقد درس اللغة بما فيه من جهد ومنطقة للأشياء وتعليلات وتحليلات قيمته من حيث التنقيط وهو الذي كان ينبغي أن يستأثر بالحصة الأكبر؛ لأن أسئلة الفَهْم لا تدل في جوهرها على تمكُّن المتعلم من اللغة خاصة وأن أسئلة الاختيار من متعدد وأسئلة الجرد تظل غير ذات قيمة بخلاف مهارة التكثيف وإبداء الرأي تجاه قضية بما يتطلبه ذلك من حسن صياغة وإصابة للمعنى.

 

إن حديثنا هذا عن حديث ذي شجون، وليس المراد منه بخس حق من اجتهد في وضع الكتب المدرسية؛ وإنما التنبيه بعين ناقدة وبصر حديد أحسَب أني قد أصبتُ بهما مواضع اتسمت بالوَهَن عراها الخطل، أفقدت المنهاج قوَّتَه وحجبت عنه توهُّج المعرفة المتطلبة للبناء المحكم المتدرج كالحلقات يربط بعضُها بعضًا لتلتحم الأجزاء وتلتصق اللبِنات فيتشكل المعمار متينًا لا يسقطه شيء، وإن كان حديثي في البدء اصطبغ بلون العموم لما يعتري منظومتنا من خلل بليغ نكاد نجد الكثير من عناصره في بقية المواد المدرَّسة خاصة اللغات، ولأهل الاختصاص الآخرين في المواد العلمية مجال مفتوح كي يُدلُوا بدِلائهم ويعرضوا مواضع الخلل عندهم، وإن كنا نجمع كلنا على وجود الخَلَل في المناهج التربوية إلا أني لا أستطيع أن أتطاول على مادة دراسية لم أخبر تفاصيلها في حجرة الدرس.



[1] أبو الفتح عثمان بن جني، سِرُّ صناعة الإعراب، دار الكتب العلمية بيروت، مج1، ط 1، سنة 2000، ص 298.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ظاهرة الشغب الإلكتروني في منظومتنا التعليمية
  • قبل أن ينتحر التعليم (خطبة)
  • البعثات التعليمية من مجالات التأثر والتأثير بين الثقافات المثاقفة بين شرق وغرب
  • التعليم وصناعة الجيل (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • لماذا لا أدري لكن لماذا؟(استشارة - الاستشارات)
  • لمـاذا؟!(مقالة - موقع الدكتور وليد قصاب)
  • وقفة بين جيلين: سابق بالخيرات وظالم لنفسه (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • راهنية المكتسب التربوي بالمنظومة التعليمية المغربية بين المساءلة والاستشراف(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • المنظومة التعليمية بالمغرب.. أين يكمن الخلل؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • بريطانيا: براءة المدارس الإسلامية من مخططات أسلمة المنظومة التعليمية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • القلادة الذهبية في آداب العالم والمتعلم والعملية التعليمية (منظومة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دور الإدارة في العملية التعليمية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • لماذا أنا دون غيري؟!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا أغني (قصيدة تفعيلة)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/12/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب