• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / أسرة / فتيات
علامة باركود

رسالة إلى عاشقة خيال

محمد بن حسين حداد الجزائري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/11/2013 ميلادي - 17/1/1435 هجري

الزيارات: 10393

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رِسَالَةٌ إلى عَاشِقَةِ خَيَال


هذه رسالة وصلتني عبر مدونتي الشّخصية مِن أختٍ تريد الخير لدينها ولنفسها، تستشيرني في أمرها وتستنصحني في مشكلتها، بعدما وقعت في قيود عشقٍ أفقدها الرّاحة والسكينة، ولم يكن مِن عادتي فتح المجال لاستقبال الاستشارات؛ وإنّما حثُّ الإسلام على بذل النّصيحة للأخ إذا استنصحَ أخاه، وشعوري بمعاناة الأخت وألمها، دفعاني إلى رقمِ حروفٍ حاولت من خلالها رفعَ الهمّ وتنفيسَ الكرب عنها.

 

ولمّا كان موضوعها هو مشكلة الكثيرات من أخواتنا اللاّتي وقعن ضحايا ذاك الحبّ الموهوم الخيالي، تحت واقع اختلاط مَقبوحٍ مَذموم، وعالمٍ إعلاميٍّ رقميٍّ مليء بالأشباح، رأيتُ نشرَ الاسْتشارة بُغية تعميم الفائدة والنّصيحة، عسى أنْ تُوافق قلبًا مغمومًا فيَعْقِل، وعينًا عَمياء فتُبصر.

 

وأشيرُ قبل ذلك إلى أنّ استشارةَ الأخت، أورِدت في خانةِ التّعليقات تحت خاطرةٍ لي منشورة قلت فيها:

"كثيرٌ مِن النّاس يَجلبون الشّقاءَ على أنفسهم من بابِ بحثِهم عن السّعادة! فإنَّ السّعادةَ سهلةُ المَنالِ متى طَلبْناها بالمَعقول، وعلى الوَجهِ المَقْدور؛ فإذا بحثْنا عنها على مقاييسِ أحلامِنا وخَيالاتِنا المُصْطدِمةِ بجِدارِ الواقعِ غالبًا، فهنا مَكمنُ الدّاء ومَدْخل الشَّقاء".

 

قالت لي الأخت الكريمة:

السلام عليكم أخي الكريم.

 

بارك الله فيك على هذه الأعمال القيّمة، وأسأل الله سبحانه أن يجعلها في ميزان حسناتك.

 

أخي الكريم:

كيف لنا أن نطلب السعادة بالمعقول وما هو السبيل لذلك؟ فكلٌّ يرى السعادة من منظوره الخاص؛ فأنا مثلا أرى نفسي تعيسة على الرغم أنني والحمد لله أملك ما يجعلني أسعد الناس؛ فلي والدين يفعلان كل ما يستطيعان لإسعادي، ولي إخوة وأخوات الكل يدلّلني، وأنا الحمد لله متمسكة بديني، فأنا متحجبة ومحافظة على صلاتي.

 

لكن لي مشكلة أو ربما يكون ابتلاء، فأنا أحبّ شابا منذ مدّة، والله العظيم هذا الحبّ طاهر وعفيف، فأنا لا أخرج معه ولا حتى أراه إلا من بعيد، لكنني بصراحة أكلمه في الهاتف، وهو أيضا شاب محترم ومحافظ وساعدني كثيرا في أمور الدين، فهو من طلب مني ارتداء الحجاب الشرعي، لكنه كثير الوساوس، يشك أنني خنته على الرغم أنني والله ما فعلت ذلك، و طلب مني إنهاء العلاقة التي بيننا وأنا لا يمكنني أن أبتعد عنه، لأنني أحبه كثيرا ولا أرى الحياة بدونه.

 

لذا قلت لك أخي الكريم: أنني حقا تعيسة ولا أرى طريقا للسعادة بدون هذا الشاب الذي أحببته.

 

أخي الكريم:

أرجوك سامحني واعذرني؛ والله أنا أحترمك لكثرة ما قرأت مقالاتك، لكنني حائرة ويائسة وأريد النصح منك، وأريد الدعاء لي إن كان هذا الشاب فيه خير لي أنْ يكون من نصيبي، وإنْ كان عكس ذلك ادعو لي أن يعوضني الله بما هو أحسن.

 

أرجو أن لا تنسى أختك بالدّعاء لي بالهداية والثبات.

 

أنتظر ردك بفارغ الصبر.

 

أختك في الله. اهـ

 

فكان جوابي:

بسم الله والحمد لله وحده، والصّلاة والسّلام على من لا نبي بعده.

 

أمّا بعد. فأقول:

وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته، وفيكِ يبارك الله أختي الفاضلة، وسدّد خطاكِ، وزوّدكِ التّقوى، ويسّر لكِ الخير حيث ما كنتِ.

 

أمّا سُؤالك عن طلب السّعادة وسبيلها وكيف تكون، وما تلاه من سردٍ لقصّتِك الّتي رَجوتِ عليها منّي ردًّا يضع اليد على الجرح فيُداويه، فأتمنّى أن تجدي منّي حاجتك؛ وإنْ كنت غير متخصّصٍ في استقبال الاستشارات والتصدّر لها، لكنّ حسن ظنّكِ بأخيكِ وشعوري بمعاناتِك، يدفعانني إلى محاولة رفعِ شيءٍ ممّا تجدينه في صدرِك مِن ضيق، وقلبِك مِن حزن.

 

فأقول والله المستعان وعليه التّكلان:

السّعادةُ لا تُطلب إلاّ بالحقّ، وعلى سبيل الحقّ.

 

أمّا طلبُها بالحقّ؛ فالمقصود تحرّي الحلال في أسبابِها وركوب الحقِّ في وسائِلها، ولا مانِع مِن موافقة هذه الأسباب والوسائل لشهواتِنا ورغباتِنا، فإنّ تحقيق الشّهوة والشّعور بالنّشوة، عنوانٌ مِن عناوين السّعادة؛ بل كثيرا ما اقترن بها وتعسّر فصلُه عنها - وإن كانت السّعادة أعمّ مِن ذلك وأشمل - فالشّأنُ كلّ الشّأن في عدم الظنِّ بإمكانية تحقيقِ السّعادة بسببٍ ممنوعٍ أو وسيلةٍ محرّمة؛ بل عند ذلك بوّابة الشّقاء.

 

أمّا طلبُ السّعادة على سبيل الحقّ؛ فمُرادي الإشارة إلى عدمِ كفايةِ طلبِها بالحقّ لضمان تحقيقِها، فرُبّ مصيبٍ الطّلبَ في الابْتداءِ مسيءٍ الاستِعمالَ في الأثناء، فكان حالُه كحال مَن أجاد في بنائِه ثمّ أفسد في إعمارِه، وحالُ مِثله تولد سعادتُه ميّتة.

 

يُلخّصُ هذا كلَّه، ما ذكرتُه يومًا في إحدى كتاباتي قائلا: "إنَّ مَن حَسِبَ أنّ الشّعورَ بالسّعادة والطَّلَبَ للمُتعَةِ، يكون بالخروجِ عن طاعة اللهِ ومخالفَةِ شرعِه، فقد طَلَب لنَفْسِه أسبابَ الشَّقاء نَفسِه، وجَلَبَ عليها مطارِقَ الوَيلات في الدّنيا والآخرة؛ بل إنَّ الانْغماسَ في الشّهواتِ بهذا الظَنّ الخاطِئ، يستحيلُ أنْ يتناولَه المعنى السّامِي للحُرّيَة، وهو قيدٌ يَحْبِسُ قَلْبًا، وغُلٌّ يُغَيِّبُ ضَميرًا، وإذا كان له مِن الحُرّية نَصيب، فإنّما هي حُرّيَةٌ طينِيَة، تُطلِق العَنان للغرائِز والشَّهوات، حتّى تُصيِّرُ صاحبَها جسدًا بلا روح، وقلبًا بلا حياة، فإذا به وراء قُضبانِ عُبوديّةٍ مُذلّة، خَدعَته يوم قالت له: هَيْت لكَ، أنا سَعادتُكَ! أنا حُرِّيتُك!".

 

وإفصاحُكِ - حفظكِ الله - عن هذه الحال الّـتي حجبت عنكِ الرّؤية المُشرِقة، وأبدلتكِ بالبَليّة المُقلِقَة، هو بدايةُ طريق المخرج مِن المشكلة، وأوّلُ الخطوات نحو علاجها؛ فأبشري، وأكثري مِن دعاءِ الله مُجيب الدّعاء أنْ يفرِّجَ همَّكِ ويقضي حاجَتك، مُتحرّيةً في ذلك أسباب الإجابة وأحوالِها، ومُستغفِرةً مُلحّةً مُفتقِرَةً إليه -جلّ وعلا-، لاسيما أثناء سجداتِك في الثّلث الأخير مِن اللّيل.

 

أمّا الحبُّ الّذي قد يكون بين الذّكر والأنثى، فليس هو سبب المشكلة ومكمَنُ الدّاء - فيما أعلم -، فإنّ لعاطفة القلب حركة فِطرية لا يملكُ أحدٌ مغالبتَها ومجابَهتَما، فهو تمايُلٌ موجودٌ بين الجِنسَين، جعله الله في البشر لحِكم عظيمةٍ ومقاصد جليلة؛ فلولاه لما كان هُناك تكاثرٌ تمتدُّ به حياةُ البَشَر فوق هذه الأرض، ولَولاهُ لفَقدَ النّاسُ مَعنًى عظيمًا مِن مَعاني الاسْتمتاعِ الحَلال، ولولاه لَما تَحقَّقَتِ الأهداف السّامِية ببناء الأُسْرةِ السَّعيدة والمُجتمعِ السَّليم. كلُّ هذا، مِن خِلالِ زَواجٍ حلالٍ به تَسْكن النّفس، وتأنَس الرُّوح، ويطمئِنُّ القلْب، ويَرشُدُ العقل، ويَسعَد الجسد، وتَقَرُّ العَيْن؛ قال اللهُ -تعالى-: ﴿ وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾[1]، وقال - سبحانه -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا ونساءً ﴾[2].

 

بل لا يُتصوّرُ حُصولُ زواجٍ مَرضيٍّ إلاّ بحبٍّ يجدُه كلٌّ مِن الجنسين اتجاه الآخر، لذلك شُرع في الإسلام نظر كلٍّ مِن الرجل والمرأة إلى بعضهما البعض عند الخِطبة، حتّى يَشعرا بمودّةٍ تُمهّد لهما الانطلاق نحو اقترانٍ دائمٍ جديرٍ بتحقيقِ الخير العائم؛ قال - عليه الصّلاة والسّلام -: ((لم يُرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلُ النِّكَاحِ))[3].

 

ولمّا كان الحبُّ كسائر الأشياء المُتناقضة الاستعمال، لم يُمكن الحكم عليه إلاّ على ضوءِ مقصدِ المُحبِّ نفسِه، فهو فطرةٌ لا نملك إيجادَها أو إعدامَها، وإنّما نملك ممارَستَها والتحكّمَ فيها؛ فالحبّ إذن يستمدّ حكمه ممّا نخطُّه مِن إملاءاتِه ونرسُمه على لوحاتِه، فإنّ حُسنَ الحبِّ مِن حُسنِ خطِّه ورَسْمِه، وقُبحُه مِن قبحِه.

 

وعليه؛ فكلّ حبٍّ عفيفٍ في وسيلتِه، شريفٍ في غايتِه، هو حبٌّ محمود؛ وكلُّ حبٍّ فاقِدٍ لإحدى هاتين الصّفتين، هو حبٌّ مذموم؛ لذلك كان صرْفُ الحبِّ عن الانحراف والانْزلاق بالزّواج، أسْلَمَ للدّينِ وأرْيَحَ للبال، وكان السّيرُ به على غير طريق الحلال، هلاكًا للنّفس وتعبًا للقلب.

 

والحقّ أنّني بعدما قرأتُ رِسالتكِ وتأمّلتُ في مضمونِها، لم يظهر لي ما يستدعي لومكِ على تجرِبتِك مع ذلك الشّاب إلاّ شيءٌ واحِد: غموضٌ ميّز تلك العلاقة.

 

فأنتِ لم تخرجي معه، ولم تَريْه إلاّ مِن بعيد، لكنّك كنتِ على علاقةٍ حبٍّ تطوّرت إلى تواصل بينكما عبر الهاتِف، وهذا ما أحلّ عليك البلاء، فإنّ تطوّرَ الحبِّ مع شدّةِ الشّوْق ووجود الحوائل، لا يُنتجُ بالضّرورة إلاّ عِشقًا، وحبٌّ على هذا الواقع لا يكون إلاّ قطعةًً مِن العذاب، ومَن عشق مخلوقًا لم يَعدْ يرى السّعادة إلاّ في قُربِه ووِصالِه، فيكونُ تعيسًا بقدرِ حِرمانِه وبعدِه عن معشوقِه.

 

أمّا غموضُ العلاقة؛ فلا أدري ماذا كان الهدف منها، هل كانت علاقةً مجرّدةً لا هدف منها إلاّ الصّداقة؟ أم اتّفقتُما على خيرٍ فوعدكِ الشّاب بالتقدّم إلى أهلك بقصد طلب يدكِ للزّواج؟

 

فإذا كان الهدفُ الصّداقة، فلا صداقة بين جِنْسَيْن أجْنبيَيْن إلاّ في إطارِ الحلال ودائرةِ الزّوجية، وكلُّ ما خرج عن هذا فهو رذيلةٌ وعادةٌ ذميمة.

 

أمّا إذا كان الهدفُ الزّواج، فكان الأولى أن تتطوّر سريعًا نحو تحقيق أوّلِ خطواتِه، حتّى يوضعَ الحبُّ في محضنِه الطّبيعي، فإنّ تمديدَكُما لتلك العلاقة دون وضعِ لمساتٍ في هذا السّياق، كان كافيًا للانحرافِ به وصرفِه عن طريقِه؛ وهذا ما يُفسِّر تحوّلَ من حدّثتِني عنه، مِن شابٍّ ناصحٍ في الخيرِ مُعينٍ على الطّاعة، إلى موَسْوَسٍ كثير الشّكوك فيك؛ قبل أن ينتهي الأمر إلى طلبِه إنهاء العلاقة بينكما.

 

وعلى كلّ حال؛ وقد طلب منكِ ما عزم عليه مِن قطعِ العلاقة وإنْهائِها، لا أتردّد في نُصحِك وأنا لكِ ناصِح، والإشارةِ عليك وأنا بك مُشفِق، ودعوتِك وأنا لمُستقبلِك متفائِل، بعدم التردُّدِ في مطاوعتِه وموافقتِه على ما أعرَب عنه طالبًا، فقد اجتمع بينكِ وبين هذا الشّاب ما يحول دون تحقيق ما يهواه قلبك: حامت حولكِ وساوسُه وشكوكُه دون سببٍ مذكور، وجسّد منتهاها بما طلب إنهاءَه؛ فما بالكِ مُصرّةٌ على تمسّكِك بشخصٍ قد ظهر مِن ظنِّه بكِ ما أفصح عنه، فولّى عنكِ ظهرَه وقطع ما بينكِ وبينَه؟!

 

لو كُنتِ طليقَتَه بعد عِشرةٍ زَوجية، لكان لتعلّقِك به مبرِّرًا، وللسّعيِ إليهِ مَعبَرًا، فيُصلَحُ ما فَسَد ويُجدَّدُ ما تبدَّد، بينما حالتُكِ عديمةٌ لتلك السّابقة، وعلاقتك قد يُخلُّ استمرارُها بمكانتِك اللاّئقة.

 

أشفقي -أختاه- على نفسِكِ وكفّي عن تعذيبِها، وارحَميها ولا تزيدي في هوانِها؛ فإنّ سِرَّ شُعورَكِ بالتّعاسةِ رغم ما حباكِ الله -تعالى- به مِن نِعم، وفضّلَكِ به مِن عطايا، هو في قولِك: "لا يمكنني أن أبتعد عنه لأنّني أحبّه كثيرًا ولا أرى الحياة بدونه"!

 

إنّك على حالٍ جعلتكِ ترَيْنَ سعادَتَك مِن نافِذةٍ واحدة، بينما قد وسِعتكِ رحمةُ الله ربِّ المشارِق، أنْ قَدَّرَ للشّمسِ منازِلاً متنوّعةً تظهر عليها، وزوايا متعدّدةً تطلع منها، حتّى تشعَّ عليكِ بقرصِها، وتُضيءَ لكِ بنورِها، فلا يغيب عنكِ بياضُها السّاطع إلاّ ما شاء الله.

 

فأوصيكِ بيومِكِ ألاّ تعيشيه بهمومٍ قاتِلة، وبمستقبلِكِ أنْ تنظري إليه بعينٍ متفائِلة، فإنّ الّذي مضى قد فات ولا ينفع فيه حَزَن، وقد فَقَد النّاس خيراتٍ وأخيارًا فما فَنَوْا ولا هانوا، فكيف تَنْزِلين منزلَ فناءٍ وهوانٍ على فِراقِ شخصيةٍ ليس لكِ في صلاحِها وخَيرِها يقينٌ على مُستقبَلِها.

 

واستحضري نِعمَ الله عليكِ باسْتِشعارِها: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾[4].

واحذَري كُفرانَها ونِسيانَها: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ﴾[5].

وباركيها بشُكرِ المُتفضّلِ عليك بها: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾[6].

 

واحفَظي أنّه ليس كلُّ من تمنّى شيئًا حقَّقه، أو تيمَّمَ هدفًا أدرَكَه؛ واعلَمي أنّه قد يُحرَمُ المرءُ أمرًا فيحزن لحِرمانِه، فيكون الشرُّ فيما حُرِم منه؛ وقد يُدرِكُ أمرًا فيفرحُ لإدراكِه، فيكون الخيرُ في غيرِ ما أدرَكه؛ فإنَّ للبشَرِ عقولاً قاصِرةً وقلوبًا حائرَة، وما ندِم من استخارَ ولا خابَ مَن استشار، فلم يتركْ لعقلِه ولا لقلبِه سُلطانًا، إلاّ رأيٌ حكيمٌ يسبقُه توجّهٌ إلى ربٍّ عليم، والخيرُ فيما يختارُه الله، فإنّ قدرَه - سبحانه - خيرٌ كلّه.

 

وعليكِ بالتعوّذِ مِن الحزن والغَمّ والهَمّ، والمداومة على الذّكر والتّلاوة والاستغفار.

 

واسْتَرْجِعي وأكثِري مِن الدّعاء، ولعلّ خير ما أختاره لكِ مِن ذلك ما اختارته أمّ المؤمنين أمّ سلمة، قالت - رضي الله عنها -: "سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما مِنْ مُسلمٍ تُصيبُهُ مُصيبةٌ فيقولُ: ما أَمَرَهُ الله: إنّا للهِ وإنّا إليه راجعون. اللّهمّ اؤجُرْنِي في مُصيبَتي وأَخْلِفْ لي خيْرًا منها - إلاّ أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خيْرًا منها)).

 

قالت: فلمّا مات أبو سَلَمَةَ قُلتُ: أيُّ المسلمين خَيْرٌ مِنْ أبِي سلمةَ؟ أوّلُ بيْتٍ هاجَرَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم. ثمّ إنّي قُلتُها، فأَخْلَفَ اللهُ لي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

 

قالت: أَرْسَلَ إلَيّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلّم حَاطِبَ بنَ أبي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُني لَهُ"[7].

 

هذا ما تيسّر لي بيانُه فيما فاتحتِني فيه، وظهر لي قولُه فيما اسْتَشرْتِني حوله، فأتمنّى أن أكون قد تَمكّنتُ مِنْ فهم مُشكلتِكِ والإحساسِ بمُعاناتِك على الوجه المطلوب، ووُفّقتُ إلى قضاءِ حاجتك والتّخفيف مِن آلامِك إلى الحدّ المرغوب.

 

ثمّ إنّني أسأل الله بوجهه الأعظم الذي إذا دُعِي به أَجاب، وإذا استُرحِمَ به رَحِم، وإذا اسْتُغفِرَ به غَفَر؛ أنْ يُبدلَكِ بالهمِّ فَرَجًا، وبالغَمِّ مَخْرَجًا، وبالضَّيْق سَعَةً، وبالحزن فَرَحًا، وبالعُسْر يُسْرًا.

 

وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفركَ وأتوب إليك.



[1] سورة الرّوم: الآية 21.

[2] سورة النّساء: الآية 01.

[3] رواه ابن ماجه في سننه: كتاب النّكاح/ باب ما جاء في فضل النّكاح/ حديث رقم: 1847. وأورده الألباني في السّلسلة الصّحيحة برقم: 624.

[4] سورة النّحل: الآية 18.

[5] سورة البقرة: الآية 152.

[6] سورة إبراهيم: الآية 7.

[7] رواه مسلم في صحيحه: كتاب الجنائز/ باب ما يقال عند المصيبة/ حديث رقم: 918.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • رسالة من فتاة مسلمة
  • رسالة تائبة.. إلى هاتك عرضها
  • صناعة خيال صغيري
  • رسالة إلى صديقتي التي خفت نجمها قبل أن يبزغ!

مختارات من الشبكة

  • رسالة إلى أختي المسلمة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كلمة (رسالة أو الرسالة) - تأملات(مقالة - حضارة الكلمة)
  • إحكام الدلالة لأحكام الرسالة: أدلة مسائل رسالة ابن أبي زيد القيرواني في فقه الإمام مالك (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • رسائل إلى المواهب الصاعدة: رسالة إلى حنان(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أربع رسائل في الاجتهاد والتجديد للإمام السيوطي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مجموع الرسائل لابن القيم ( رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مجموع الرسائل لابن القيم ( الرسالة التبوكية ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الرسالة السينية والرسالة الشينية(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • رسالة قديمة من دفتر الرسائل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة مجموع فيه ثلاث رسائل أولها رسالة في الرسم(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
8- بارك الله فيكم جميعا
كاتب المقالة: محمد حداد - الجزائر 28-12-2013 09:49 PM

وبارك الله فيكم جميعا على كلماتكم الجميلة ودعواتكم الطيبة، وأثابكم ورفع قدركم.

وبالنّسبة لك أختي "نسيمة" صاحبة الاستشارة، فأقول لك مجيبا:

لم أقدّم لكِ شيئا أستحقّ عليه هذا الإكبار؛ بل هو واجب حاولت تأديته، فأسأل الله لك النفع ولي القبول.

أمّا بقاؤكِ على الحالة التي كنت عليها قبل الاستشارة، فهو شيء يدلّ على افتقارك للجرأة التي تكلّمتِ عنها واعترفت بعدم امتلاكها، فالعلاج بين يديك لا ينقصه إلّا قرار شجاع وإقدامٌ يحفّه توكّلٌ على الله.

قال ابن القَيِّم - رحمه الله - في كتابه "زاد المعاد في هَدْي خير العباد": "وإن كان الوِصال متعذرًا شرعًا لا قدرًا، فعِلاجُه بأن يُنزله منزلة المتعذر قدرًا، إذ ما لَم يأذَن فيه الله، فعِلاجُ العبد ونجاتُه موقوف على اجتنابه، فليُشعرْ نفسَه أنه معدوم مُمتنع لا سبيلَ له إليه، وأنه بمنزلة سائر المُحالات، فإن لَم تُجبْه النَّفْسُ الأمَّارة، فليَتركْه لأحد أمرين: إما خشيَّة، وإمَّا فوات محبوب هو أحبُّ إليه، وأنفعُ له، وخير ٌله منه، وأدْوَم لذَّةً وسرورًا، فإنَّ العاقل متى وازَنَ بين نَيْل محبوب سريع الزوال بفَوَات محبوبٍ أعظمَ منه وأدومَ وأنفعَ وألذَّ أو بالعكس، ظهَر له التفاوتُ، فلا تَبِعْ لذَّة الأبد التي لا خطرَ لها بلذَّة ساعة تَنقلب آلامًا، وحقيقتها أنها أحلام نائمٍ، أو خيالٌ لا ثبات له" اهـ.

امض أختي بقرارٍ يُعتقك من عبودية لم تزدك إلا تعبا وهوانا، واسألي الله أن يرزقك زوجا صالحا يحبك وتحبينه؛ ولن يخيبك ربك - إن شاء الله -؛ حينها تدركين كم أضعت من الوقت وأشغلت من البال من غير فائدة.

ولا بأس أن أدلك على بعض الاستشارات الواردة على موقع الألوكة، ذات مواضيع قريبة جدا من موضوعك ومشابهة، فتفضلي بالاطلاع عليها عبر الروابط التالية:

http://www.alukah.net/Fatawa_Counsels/11071/47108/

http://www.alukah.net/Fatawa_Counsels/11071/40905/

http://www.alukah.net/Fatawa_Counsels/11071/39506/

هذا؛ وأسأل الله أنْ يُذهب حزنك، ويدفع غمّك، ويرفع همّك، ويرزقك فرجا قريبا وغيثا حثيثا. اللهم آمين.

7- شكرا أخي محمد
نسيمة من الجزائر - الحزائر 26-12-2013 01:41 PM

أولا أريد أن أستسمحك وأعتذر منك لعدم الرد وعدم شكرك على الرد على رسالتي من قبل (فأنا صاحبة الرسالة المنشورة) والله كنت في ظروف صعبة وما زلت أعاني فلحد الآن لم أتمكن من قطع هذه العلاقة وما زال قلبي يحترق. أعلم أنك ستلومني أنا والله اقتنعت بكلامك وأشكرك جزيل الشكر على نصائحك القيمة التي أفدتني كثيرا وأخذتها بعين الاعتبار لكنني لم أتمكن من إنهاء هذا الحب الخيالي كما سميته أنت أخي الفاضل، لا أملك الجرأة لإنهاء هذه العلاقة فأنا أتألم الآن لبعده لكنني ما زلت لم أفقد الأمل لأن هذا الشاب الذي أحببته لم يتزوج بعد. أنا خائفة لو ابتعد عنه وأقرر نسيانه أعيش في عذاب أعظم وأصبح حقا تعيسة.
أرجو منك ومن كل من قرأ رسالتي أن يدعو لي الله بالثبات ويسر أمري إلى ما فيه خير لي في دني ودنيايا.
وأسأله سبحانه وتعالى أن يجازيك خير الجزاء على عملك القيم.
وأرجوك أن لا تنساني بحسن دعائك.

6- لاتشعرون
ميشو - المملكه العربيه السعوديه 05-12-2013 05:10 AM

لا يشعر بالحب الحقيقي إلا من أحب حقيقه تحسبونه عادي بل والله يمرض يميت يجعلكم تريدون ترك الحياة بعد أن يتركك من تحب كحالي

5- مشاركة
جمال - الجزائر 25-11-2013 09:16 PM

صحيح نعم الله - الجزائر
إن المحن مهما كانت قاسية هناك من لا يتعلّمون منها أي درس .

و
اللهم ارزق أبنائنا وإخواننا الزوجات الصالحات وارزق بناتا وأخواتنا الأزواج الصالحين وألف بين قلوبهم

4- جزاكم الله خيراً
حلا - فلسطين 25-11-2013 07:31 PM

لا أدري ما الذي كان يمنع هذا الشاب من الارتباط بها إن كان يحبها !! ولم لم يخف الله فيها !! في زمن يضج بالفتن والانفتاح والاختلاط ,ما أكثر من وقعن بهذا الابتلاء! ووما أشده من بلاء وما أصعب مواجهته , يكفي من عذابه أن القلب معذب بحب غير الله , ويبتعد عن الله !
ومنهن والله من كنّ قانتات خاشعات ,فهذه العاطفة أوجدها الله في القلب ,ولكنّ الإسلام هذبها بتشريع الزواج...! فيكون الحائل عادات اجتماعية بالية أو أسباب اقتصادية.

3- شكرا على الموضوع القيّم
نعم الله - الجزائر 25-11-2013 04:56 PM

إن المحن مهما كانت قاسية هناك من لا يتعلّمون منها أي درس .

2- الله المستعان
العائدة - أسبانيا 23-11-2013 01:38 AM

اللهم ارزق أبنائنا وإخواننا الزوجات الصالحات وارزق بناتا وأخواتنا الأزواج الصالحين وألف بين قلوبهم

بوركتم

1- رائع
صفية دراجي - الجزائر 22-11-2013 06:28 PM

كلمات قيلت بنبض العفاف وقلب محب للخير ينشد في الحب الكفاف.. بوركتم من نبض حي هو نبضكم.. ووعي صادق.. هو وعيكم.. فوالله إن الحب أخطر على الأنثى من القنابل المدمرة.. وهل من قنبلة أكثر تدمير من قلبها.. أو قلب تعطيه لمن هو ليس أهلا له وأهلا لها..
رزقنا الله جميعا أزواجا طاهرين مطهرين.. سئمنا من مجتمع يعيش فيه معنا أراذل القوم.. لا ينظرون إلى المرأة إلا بعين تكسرها وتجرحها وتهينها وتمتهن كرامتها...
بوركت أخي محمد.. مزيد توفيق ونجاح وإبداع ونصيحة..

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب