الأسلوب القصصي في الدعوة ومتطلبات نجاحه

الأسلوب القصصي في الدعوة

ومتطلبات نجاحه

الأسلوب القصصي هو: (القدرة على مخاطبة الناس وتذكيرهم، بالاعتماد على الأحداث والسير الماضية)[1]، ويُعد الأسلوب القصصي من الأساليب المؤثرة في الناس بشكل كبير، حيث يهتمون به ويتفاعلون معه في الأعم الأغلب، وتزداد أهميته عند طالبة المرحلة الثانوية، لما تتميز به فتاة هذه المرحلة العمرية من اهتمام كبير بالقصص التي تثير الوجدان والخيال، حتى أن الفتاة تستطيع تقمص إحدى شخصياتها، وتجعل من نفسها محور الأحداث الواقعة في القصة، وقد تجد في سيرة بعض أبطال القصة ما يجعلها تعجب بمميّزاتهم وتحاول تقليدهم فيها، لذلك اعتنت الدعوة الإسلامية منذ إشراقها بالقصة كأسلوب دعوي يستثمره الدعاة في توجيه الناس إلى الخير ومنعهم من الشر.

متطلبات نجاح الأسلوب القصصي:

هناك متطلبات عدة ينبغي أن تتوفر في الأسلوب القصصي كي تحقق الداعية أهدافها الدعوية من خلاله، منها ما يأتي:

1)) تحري الصدق والصواب، واجتناب الكذب والزور، والأباطيل والتحريف، وعدم التقوّل بغير علم أو التكلّف في القصة.

2)) أن تكون القصة حسنة هادفة، بعيدة عن الباطل بأي وجه، وتكون ذات عظة وعبرة وانتفاع لمن تسمعها أو تقرأها.

3)) أن تكون مناسبة للطالبات المدعوات في أسلوبها وموضوعها وهدفها، حتى تحقق الهدف الذي سيقت لأجله.

4)) ألاّ تشتمل على هفوات ومعاصٍ بشكل ملفت للسمع والبصر، فقد يتعلق قلب الطالبة بها، وقد تتمنى تحققها في نفسها، فتؤدي إلى إفساد الطالبات[2].

5)) أن تتعدد الأهداف الدعوية المقصودة، فلا تقف عند الموعظة والعبرة، بل تتخطى المعلمة الدائرة التاريخية، فلا تكتفي بالسرد التاريخي للأحداث تبعا لتسلسها الزمني؛ بل تتناولها بالتحليل للمواقف والشخصيات، وربط الأسباب بمسبباتها.

6)) العناية بمصادر التلقي في الأسلوب القصصي؛ وهناك مصادر عديدة يمكن للداعية أن تأخذ منها، أهمها:

1- القرآن الكريم، فقد حوى القرآن أحسن القصص وأصدقه وأوفاه موعظة وأوجزه عبارة، قال تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ﴾ [3] ويعتبر القصص القرآني من الأساليب الدعوية الفاعلة في التأثير في المدعوين وإرشادهم، لأن (القصص القرآني يعتبر ترجمة عملية للعقيدة الإسلامية في أسلم صورها، حيث إنها تمثل أقوى المعطيات في تعزيز صدق الممارسات لقدسيتها وكمالها)[4]، كما أن القصص القرآني يقدم العبر والعظات والدلالات المختلفة، حيث إنه يشحذ العقول والأفكار للاتعاظ والاعتبار، كما أنه كان تثبيتا لقلب النبي - صلى الله عليه وسلم ولصحابته من بعده، ولقلوب الدعاة من أمته في أي زمان ومكان[5]، قال تعالى: ﴿ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ﴾ [هود: 122] [6]، أي: (وكلا نقص عليك يا محمد من أنباء الرسل الذين كانوا قبلك ما نثبت به فؤادك، فلا تجزع من تكذيب من كذّبك من قومك ورد عليك ما جئتهم به، ولا يضق صدرك...وجاءك موعظة تعظ الجاهلين بالله، وتبين لهم عبره ممن كفر به، وكذب رسله...وتذكرة تذكر المؤمنين بالله ورسله، كي لا يغفلوا عن الواجب عليهم)[7].

والقصة القرآنية عبارة عن مجموعة من الدروس المهمة التي تتوجه بها الداعية مباشرة إلى طالباتها بما تحويه من عبر وعظات وقيم ربانية، كما أنها تصلح للاستشهاد بها على المعاني التي تريد توضيحها لطالباتها لتثبيتها وتأكيدها.

2- السنة المطهرة والسيرة النبوية: حيث تجد الداعية بغيتها في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والمواقف الغنية التي جرت في عهده ومرّ بها، وفي القصص الذي كان يقصه النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه من أخبار وقصص الأمم الماضية.

3- سيرة السلف: حيث تجد الداعية الكثير من القصص التي تكون عونا لها وزادا مهما في رسالتها الدعوية، ونماذج وقدوات إنسانية تجسدها لطالباتها.

4- قصص الحياة الواقعية العامة وأحداثها: فتنتقي منها الداعية القصص الصالح المفيد الحاوي للعبر، مع الابتعاد عن القصص الخيالي الكاذب أو الذي لا نفع فيه.

5- أخبار بني إسرائيل وقصصهم المفيدة الصادقة[8]، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا؛ فليتبوأ مقعده من النار))،[9] مما قيل في شرح الحديث: (جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن؛ أما ما عُلم كذبه فلا، وقيل: المعنى حدثوا عنهم بمثل ما ورد في القرآن والحديث الصحيح)[10].

وللأسلوب القصصي أثر هام في تبسيط المعلومة وزيادة القدرة على استيعابها ومن ثم حفظها واسترجاعها عند الحاجة في المرحلة الثانوية، كما أشارت إلى ذلك إحدى الدراسات، حيث كان (الاستنتاج العام للدراسة أن استخدام الأسلوب القصصي في التدريس يساعد على رفع مستوى التحصيل لدى الطالبات في مادة العقيدة)[11].