من وصايا هشام ومسلمة ابني عبدالملك لمؤدبي أولادهما

أبا عمر، أبا الزهراء
جزاكما الله خيرًا، ورفع في الدارين مقامكما، وأقر عينًا بكما..
ولا تحرمنا أبا عمر فوائدكم.. ولو كنت أعرف الاسم لذيلت به ما يصح لي نقله مما كتبتم...

الأخ الفاضل وائل -حفظه الله- فكرة رائعة، أن تستخرج هذه الوصايا التربوية لتبرهن أن أهل الإسلام أمهر في التربية من الفرج، وأن الانبهار أمام نظرياتهم التربوية فيه مبالغة مفتعلة تركنا بسبها الدرر التي تستخرجها تباعاً، وبعد هذه المقدمة أقول:
وصية هشام بن عبد الملك، ذكرها من هو أقدم من ابن الجوزي، فقد وقفت عليها مطولةوبألفاظ مختلفة وفيها التصريح باسم المؤدب، ففي تاريخ دمشق لابن عساكر تاريخ دمشق لابن عساكر (22/ 330-331) قال ابن عساكر:"سليمان بن سليم بن كيسان مولى كلب والد أبي نوفل علي بن سليمان الكيساني الكاتب ذكره أبو الحسين محمد بن عبد الله في تسمية كتاب أمراء دمشق وقال كتب لعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب على الكوفة وارتضاه هشام بن عبد الملك لتأديب ابنه محمد بن هشام وأوصاه بما ينبغي أن يأخذه به بلغني عن سليمان الكلبي أنه قال بعث إلي هشام بن عبد الملك وهو بالرصافة فأتيته فلما دخلت عليه أومأ إلي أن اجلس فجلست فأضرب عني حتى سكن جانبي ثم قال إنه قد بلغني عنك فضلن وإذا بلغني عن رجل من رعيتي مثل الذي بلغني عنك سارعت إليه بكل ما يجب (1) واستعنت به على مهم (2) أموري وإن محمد بن أمير المؤمنين بالمكان الذي بلغك وهو جلدة ما بين عيني وأنا أرجو أن يبلغ الله به أفضل ما بلغ من أهل بيته وقد ولاك أمير المؤمنين تأديبه وتعليمه والنظر فيما يصلح الله به أمره فعليك بتقوى الله وأداء الأمانة... إلى أن قال:وإذا سمعت منه الكلمة العوراء فاصمت عنها فلعل القوم لم ينتبهوا لها فإذا خرجوا من عنده فانقله منها إلى غيرها وخبره بفسادها...".
وبنحو ذلك ذكرها أبو حاتم السجستاني (المتوفى سنة 248) في كتاب "المعمرون والوصايا" (ص/66-67) قال أبو حاتم :" وذكر بعض أهل العلم أن هشام بن عبد الملك أرسل إلى سليمان الكلبي، وكان رجلاً جامعاً للأدب فاضلًا، ذا رأي.
قال سليمان: فدخلت عليه، وهو في غرفة له، قد علا نفسي وانتفخ سحري، فسلمت عليه، فردّ عليّ، وأضرب عني حتى سكن جأشي، ثم قال لي: - يا سليمان، قد بلغني عنك ما أحب، وإذا بلغني عن أحد من رعيتي مثل الذي بلغني عنك أسرعت إليه بما يحب، واستعنت به على مهم أمري، وإن محمد ابن أمير المؤمنين بالمكان الذي بلغك، وهو جلدة ما بين عيني، وإني أرجو أن يبلِّغ الله به أفضل ما بلّغ بأحد من أهل بيته، وقد ولاك أمير المؤمنين تأديبه وتعليمه... إلى أن قال: وانظر إذا سمعت منه الكلمة العوراء فلا تؤنبه بها فتمحِّكه، ولكن احفظها عليه، فإذا قام من مجلسه فانقله إلى ما هو أحسن منه؛ وإذا سمعت منه الكلمة المعجبة ففطِّن القوم لها، فإنهم عسى ألا يكونوا فهموها وفهمتها باهتمامك بها، حتى يقوموا وقد سمعوا منه كلاماً حسناً، ويروونه عنه، ويرفعونه به". هذا ما أحببت إعلامك به. والله أعلم.
وقوله:"فتمحكه": لعل المراد منها: أي تدفعه إلى الجدال بالباطل،والتمادي في اللجاجة.يقال:محَك الشَّخصُ: أكثر من الجَدَل بالباطل، والله أعلم. فلو كان لها معنى آخر أدق مما ذكرته، فليتفضل بذكره مشكوراً.
هذا ما أردت ذكره لأخي الفاضل. وأعتذر على الإطالة.

ليتنا نتعلم منهم هذا الأسلوب الجم في تربية الأولاد