• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تطوير المهارات الشخصية في ضوء الشريعة الإسلامية
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / أسرة / حوارات وتحقيقات
علامة باركود

بين يدي تفكك الأسرة

محمود المختار الشنقيطي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/7/2009 ميلادي - 16/7/1430 هجري

الزيارات: 12995

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بين يدي تفكك الأسرة
(خلط الأوراق)


تعمدتُ فيما سبق أن أطيل النقل ممَّا كتبتْه الدكتورة نورة السعد، وهي - كما سبق أن ذكرنا - امرأة عاملة، وقد أكملتْ دِراستَها العليا في الغرب، كما أطلْتُ النَّقل ممَّا كتبتْه الأستاذة الدكتورة نجاح الظهار، وهي أيضًا امرأة عاملة، وقد حصلت مؤخَّرًا على درجة الأستاذيَّة، نعم أطلْتُ النَّقل عنهُما؛ لأنَّ الرَّجل حين يكتب عن المرأة، قد يجد من يتَّهمه بأنَّه ضدّ المرأة أو يخشى أن تتفوَّق عليه، إلى آخر تلك الأسطوانة التي نقرؤها ونسمعها كثيرًا، أمَّا حين تكتب المرأة عن المرأة، فالزَّعم بأنَّها ضدّ المرأة فيه الكثير من الإسفاف.

كما أنَّنا كنَّا نتمنَّى من الَّذين يُحاولون الدَّفع بالمرأة في كل مجال، أن يردُّوا على الحُجَج الَّتي يقدِّمُها الَّذين يخشون على المرْأة من السُّقوط في نفس المستنقع الَّذي سقطت فيه المرأة الغربيَّة، ومن بعدها المرْأة العربية في بعض الدول التي غادرتْ فيها المرأة المنزل قبل المرْأة السعوديَّة، كنَّا نتمنَّى أن يقولوا لنا: ليس صحيحًا أنَّ المرأة في الغرب بدأت تشتكي من هذا الكدِّ الَّذي لا ينتهي، ومن تشقُّق الأيدي النَّاعمة نتيجة العمل الشاق، وأن يقولوا لنا: إنَّ المشكلات الاجتِماعية لم تتفاقم - باعتراف الغرب - نتيجة ترْك المرأة بيتها وعدْوها خلف فرص العمل، ومزاحمة الرَّجُل لتثبِت - لمن؟! - أنَّها ندٌّ للرَّجُل .. إلخ، حينها نراجع نحن أفكارَنا، أو معلوماتِنا الخاطئة!

كتب الأستاذ أنيس منصور: "فالمشكلة تبدأ من البيت وتعود إلى البيت، وهذا يجعل المسؤوليَّة الثقيلة فوق دماغ كلِّ مَن قرَّر أن يكون له طفل ثم يترك البيت هو وزوجتُه لكي يعملا، أمَّا الطفل فهو كلبٌ ضالٌّ تعلِّمُه الخادمات، ويُصيبه التِّليفزيون في جِسْمِه وعقله، وما دامت المرْأة قرَّرت أن تعمل وأن يكون لها دور قيادي، فالمصيبة تقع فوق دماغ طفلها، فإمَّا أن تكون أمًّا لطفلٍ سليم ومواطن كريم، وإمَّا أن تكون سيِّدة عاملة، مهْما كان الثمن، من فشل حياتها الزوجيَّة، ودخول أطفالها إلى السُّجون مجرمين ولصوصًا يلعنون اليوم الذي تزوَّج فيه أبوهم من أمهم"؛ مجلة كاريكاتير المصرية العدد 122 في 15/ 10/ 1413هـ = 13/ 4/ 1993م.

يقينًا أنَّ ما يسمَّى عندنا بالتطوُّر، أو التَّحديث، ليس أكثر من استيراد للتجْرِبة الغربيَّة، بكل سلبيَّاتِها،ومشكلنا أنَّنا (نجرِّب المجرَّب)، والمشكل الأكبر أنَّنا لا ننصت للأصوات التي تعلو في الغرْب مشتكِية من واقع اجتماعي مأزوم!

كتب الأستاذ مصطفى درويش، تحت عنوان: "أمريكا القرن الحادي والعشرين، وهموم دولة كبرى": 
يقول أستاذ أمريكي زوَّدتْه سنوات عُمْرِه الطَّويلة بالخبرة والحكمة: "في الستينيات كان السكَّان ينامون وبيوتُهم غير مغْلقة من الدَّاخل، ويمشي المرءُ في الشَّارع عند منتصف الليل وهو آمن، واليوم أكبر تِجارة هي تجارة تَحصين البيوت وتأْمينها واتِّصالها بالشرطة".

يسير المجتمع الأمريكي على حبل مشدود بين السَّماحة التي تولدها الحضارة، والإباحية التي كانت دائمًا سبب سقوط الحضارات، وقد تجاوز المجتمع الأمريكي السَّماحة ووصل إلى حد الإباحية، عندما وصل بالحرِّيَّة إلى أقصى مداها، فتحوَّل الجنس إلى سلعة، وتخلَّى الكثيرون عن طهارتِهم القديمة ونظرتِهم الرومانسية، وتزايد عددُ الأبناء غير الشَّرعيِّين، وقويت حركة الشذّاذ جنسيًّا، ولم يكتفوا بأن يُقبَلوا بل أخذوا يبشِّرون بشذوذهم وكأنَّهم أصحاب دعوة جديدة، وانقلبت حركة تَحرير المرأة إلى مشاحنة بين الرَّجُل والمرأة، حتَّى أوْشك النَّسيج الاجتماعي على التمزُّق"، وهذا ما تؤكده الإحصاءات الاجتماعيَّة في 1993، زاد الطَّلاق خلال الثلاثين عامًا الأخيرة بنسبة 200 %، وزاد الأبْناء غير الشَّرعيِّين بنسبة 420 %، وارتفعت الجرائم العنيفة بنسبة 560 %. مجلة الهلال القاهرية، أغسطس 1994م.

هل يستطيع أحد أن ينكر انتِشار الطلاق لدينا؟! كل يوم يخرج عليْنا مَن يصرُخ محذِّرًا من انتِشار الطَّلاق، مثل مقالةٍ نُشِرت في 14/ 4/ 1428هـ، حذَّرت فيها الدُّكتورة دانية آل غالب من انتِشار الطَّلاق في المجتمع السُّعودي، وأنَّ نسبتَه وصلت 60%، وأنَّه أصبح ظاهرة. وهل يستطيع أحدٌ أن ينكر انتِشار الأبناء غير الشَّرعيين؟.. إلخ.

كما لا يخفى على أحد هذا التدافُع نحو الاختِلاط.

قبل عدَّة سنوات رقصتِ الشَّاعرة فوزية أبو خالد طربًا على أنغام أمسية قصصيَّة نسائيَّة، أجريت في العاصمة السعودية، الرياض، رغْم أنَّ الرجال كانوا في مكان، والنساء في مكان آخر، إلاَّ أنَّها أشادت - كما ذكر الدكتور محمد الفاضل -: "بهذه الأمسية المختلطة من وراء حجاب تكنولوجي"، ثمَّ تساءلت: "مَن كان يتصوَّر قبل خمسة عشر عامًا أن يجتمع الرِّجال والنساء في مكان واحد في مدينة الرياض"؛ المجلة العربية العدد 132 / محرم 1409هـ.

وقد زفَّت إليْنا إحْدى الصُّحُف الخبر التالي: 
"توقيع اتِّفاقيَّة بين كلية عفت وجامعة ديوك بالولايات المتَّحدة الأمريكية للتخطيط: تأسيس أوَّل كلية هندسة للفتيات بالمملكة"، وذلك كما جاء في الخبر: "لتعزيز الفرص الوظيفيَّة للمرأة والتي تتناسب في الوقْت نفسِه مع ظروفها البيئيَّة والأسرية، وتقاليد مجتمعها الإسلامية والعربيَّة"؛ جريدة البلاد العدد 17520 في 4/ 8/ 1425هـ = 18/ 9/ 2004م.

ليست القضيَّة قضيَّة هندسة فقط، فقد كتب المهندس طلال القشقري، تحت عنوان: "عرض أزياء جدَّة: لا تقسوا على الوردة": 
"لو فتحت في الصَّباح نافذة حجرتي فرأيت في حديقتي وردة جميلة تتفتَّح، وعاصفة توشك على الهبوب، فلن أُثْنِي على الوردة؛ بل سأوقظ زوجتي النَّائمة لأحذِّرَها من العاصفة الهوجاء، هذا قول أديب إنجليزي، وقد خطر على بالي عندما قرأتُ في جرائدنا المحلِّيَّة خبر قرار الغُرْفة التِّجاريَّة في جدَّة منع عرض الأزْياء النسائي، الَّذي كان من المفترَض إقامته مؤخَّرًا في فندق هيلتون الرَّابض على كورنيش العروس، قرار المنْع جميل مثل الوردة؛ بل ربَّما فاقها جمالاً، فليْس في مشْي عارضات أزياء أجنبيَّات على ثرى بلادِنا متبخْترات ومائلات سوى المصائب، ولكني ومع هذا لا أُثْنِي على قرار منعه؛ لأنَّه أتى في وقت شبه ضائع".

لا شكَّ أنَّ ذلك نتيجة (صراع التيَّارات)، فربَّما لم يتمكَّن التيَّار المضاد - أو لم يعلم - من استصدار قرار المنع، إلاَّ في الوقت شبه الضائع.

"حين أشرفت ستارة العرْض على الفتح، بل سأقول لزوْجتِي النَّائمة لأحذِّرَها من العاصفة الهوجاء طبعًا قبل أن تهبَّ، فالثانية مهمَّة ناهيكم عن اليوم والسَّاعة، وسأقول لها أن ترْتقي على سطح منزلنا وتستشعر مكامِن الأخطار لترصُدَها قبل دنوِّها منَّا، لا بعد أن ترْسو سفينتها على شواطئنا، وحبَّذا لو رصدناها قبل بدء إبْحارها إليْنا، فعلى ما يبدو فإنَّ هناك مَن يخطط لتهْييج عواصف عليْنا من وراء البحار تدمِّر موروثاتنا"؛ جريدة المدينة العدد 15368 في 13/ 4/ 1426هـ. 

على ذِكْر عروض الأزياء، فقد شاهدت لقاءً بثَّته قناة (عين) التَّابعة لمجموعة (إيه آر تي)، مع مصمِّمة الأزْياء السعودية، زاكي بن عبود، وكان اللقاء عبر برنامج، يقدِّمه ثلاثة من الشباب، في البدْء نهنئ أنفسنا، والشَّعب السعودي كافَّة، بفوز ابنتنا (زاكي)، بجائزة (أميرة الموضة العربية)، والتي حصلت عليْها من إيطاليا!

نعود إلى اللقاء، وقد كان معظم حديث السيِّدة (زاكي)، خليطًا من اللغتين العربية والإنجليزية، وقد سألها أحد الشباب سؤالاً كرَّره مرَّتين، وهو أنَّها تصمِّم الأزياء، ولكن الرَّجُل هو أكثر من يقدِّر جمال المرأة، فكيف تصمِّم زيًّا، حين يراه الرَّجل يقول: (واااو)، قالها مرتين، فقالت بدهشة: "سؤال زي دا مسموح في الإعلام السعودي؟!"

وضحكت، بل قهقهتْ، ثم ذكرت أنَّها تركِّز على الصَّدْر كي يبدو نافرًا، وتحبُّ الوسط الضيق، فتصنع ما يجعله يبدو كذلِك، كما أنَّها لا تحب الأرْداف الكبيرة، ولذلك فهي تعمل على إخفائها.

خصوصيَّة المجتمع السعودي التي جعلت مصمِّمة الأزياء، تستغرب من السؤال الذي طُرح عليها، يبدو أنَّ هناك من يقدِّر تلك الخصوصيَّة أكثر من بعض السعوديِّين، فقد قال الفنَّان المصري محمد نجم، معلِّقًا على إمكانية قيام مسرح دون عنصر نسائي:

"نحن نحترم ونقدِّر خصوصيَّة كل بلد، خاصَّة المملكةَ العربية السعوديَّة قلب العالم الإسلامي، وفيها مقدَّسات المسلمين، الشيء الذي يَجعلها في وضع يختلف عن أي بلد عربي وإسلامي، ومن هنا نستطيع أن نُوجد مسرحًا بدون مشاركة العنصر النسائي، إذا ما اخترنا النَّصَّ الجيِّد والفكرة الجيدة، التي تقدِّم العمل للمشاهد بدون ابتذال".

يظْهر أنَّ كلام (نجم) لم يعجب الصحيفة الَّتي تصدر من جوار بيت الله الحرام، فنشرت اللقاء تحت عنوان ضخم: 
"الفنَّان نجم يرمي المرْأة خارج حلبة الخشبة!"؛ جريدة الندوة العدد 13911 في 8/ 6/ 1425هـ = 25/ 7/ 2004م.

من الملاحِظ أنَّ الَّذين يروِّجون للثقافة الغربيَّة، والطَّريقة الغربيَّة في الحياة، يفضلون عدم الحديث عن سلبيَّات تلك الثقافة، فهم يركِّزون على (شتم) تخلُّفنا، و(مدح) التقدم الغربي، ولعلَّ ذلك ما جعل امرأة غربيَّة تتبرَّع بتذكيرنا ببعض الإيجابيَّات الموجودة في المجتمعات الشرقيَّة، والَّتي يتجاهلُها دعاة التَّغريب، كتب الأستاذ محمد المفرجي - رحِمه الله - مقالة تحت عنوان: "ثلاث عربيات وغربية":  "قبل مدَّة قرأت تعليقًا على أمسيَّة - أو بتعبير أدقّ: ندوة - عن الإبداع النسائي الشرقي، اشترك فيها ثلاث نساء عربيَّات: نوال السعداوي، وآسيا جبار - عينت آسيا، قبل فترة في منصب كبير في الجزائر، وزيرة أو شيئًا من هذا القبيل، إذا لم تَخُنِّي الذَّاكرة - وحنان الشيخ، عُقد في مركز الفنون المعاصرة في العاصمة البريطانيَّة.

جاءت الأمْسية مخيِّبة للآمال، متجنِّية على العروبة، مهينة للعقليَّة، مزدرية للعقل العربي، واصفة الأوْضاع بالتخلُّف، متَّهمة التقاليد والعادات بالعقم.

يقول الكاتب في معرض تعليقه: "وكان من الممكن أن تمضي الأمسية على تلك الوتيرة المملَّة والشنشنة التي نعرفها من (الخزيمات) العربيَّات، لولا تدخُّل "ماريا كاردينال" التي بعثت الحيويَّة في أوْصال قاعة بدأت كراسيُّها تتثاءب تذمُّرًا من الموبقات الفكريَّة التي قيلت في ذلك المساء الخريفي، تسلمت "ماريا كاردينال" الحديث وبدأَتْه بهجوم صاعق على كاتباتِنا العربيَّات، فأصابتْ منهنَّ مقتلاً؛ لمعرفتها بنقطة ضعفهنَّ الأساسيَّة في تملُّق المستمع الغربي، قالت "ماريا" - الَّتي لم تكن مضطرَّة لتملُّق مستمعيها - لكاتباتنا المتربِّعات على المنصَّة:
"حسنًا تحدَّثتُنَّ عن الحجاب والاختِلاط، والقيود المفروضة على النساء، وغير ذلك من القضايا التي يعرِفُها الغرب جيِّدًا؛ ولكن لماذا لم نسمعْ عن الوجه الآخَر للمجتمع العربي؟لماذا لم تتحدَّثْنَ عن تكامُل الأسرة العربيَّة وتضامُنها، ودفْء وحميميَّة العلاقات بين البشر؟! 


ولماذا إغفال التَّعاطف الإنساني، واحترام حقوق الطُّفولة والشيْخوخة والأمومة، وآداب المعاملة.. و ... و .....؟!"؛ جريدة الندوة العدد 10326 في 13/ 6/ 1413هـ.

الأسر ... ة "ا ..ل .. أ .. س .. ر .. ة":
أقرب شيء أمثِّل به الخلل الذي يصيب المنزل، حين تغادره المرأة لتعمل - خصوصًا المرأة الأم - هو العنوان الَّذي وضعته أعلى هذه الأسطر، فابتِعاد المرأة عن المنزل، يبدأ بِما يشبه تلك التَّاء المربوطة - خشية أن يخرج علينا من يقول: إننا ندعو إلى "ربط" المرْأة في المنزل، فنحن لا ندعو لذلك، ولعلَّ جلوسها في المنزل أقرب إلى "الرباط" منه إلى "الربط" - التي نفرت عن بقية الكلمة، والَّذي نَخشاه أن يصل بنا الحال، إلى مرحلة تفتُّت الأسرة، وتحوُّلها إلى أحرف مبعثرة، "ا . ل . أ . س . ر . ة"، وهذا ليس ضربًا من الخيال، فالأنموذج الغربي يعطينا مثالاً حيًّا لتفكُّك الأسرة، ونقطة البداية كانت من خروج المرأة للعمل، حيث بقِي البيت وكأنه شركة، غاب مديرها، فتسلَّل الموظفون (كل إلى طريق)، ولعلَّ بعضَهم لا يدري أيْن يذهب؛ ولكنَّها فرصة سنحت والسلام.

ليستْ هذه نهاية المطاف، فما سبق يُبنى عليْه شيء آخر، وهو ما بدأْنا نشتكي منه مرَّ الشكوى؛ أعني: إهْمال كبار السن، ورمْيهم في المصحَّات، أو دور العجزة، وتلك ظاهِرة بدأت تطلُّ عليْنا برأْسِها، فما أكثرَ القصصَ التي يتداولُها النَّاس حول عقوق الأبناء والبنات، ورمْيهم لوالديهم، أو أحدِهما في المصحَّات! وفئة أخرى، يتمُّ إرسالها إلى دور الرِّعاية الاجتماعيَّة، أمَّا الأثرياء من (العاقِّين)، فوضعهم يختلف، حيث يقوم بعضُهم على الأقل بتوفير شغَّالة أو أكثر، وسائق لوالده أو والدته، ويعتبر نفسَه قد أدَّى ما عليه من حقوق، رغْم أنَّ بعضَهم - كما نسمع ونقرأ - قد يَغِيب الشُّهور الطِّوال عن زيارة والديْه، مجرَّد زيارة!

إذا أردْنا أن نأخذ الموضوع من بدايته، فإنَّ خروج المرأة للعَمَل يعدُّ الخطوة الأولى، التي تلتْها خطوات، فحين أصبحتِ المرأة تعمل، ولها دخْلُها المستقل، لم يكن الرَّجُل الغربي، وهو غير ملتزم بنفقة شرعيَّة، لم يكن الرَّجُل الغربي من الغباء بِحيث يقوم بالصَّرف على امرأة، لها دخل قد يفوق دخلَه، وهذا الاستِقْلال المادِّي للمرأة مع ما صاحبه - بل وسبقه - من أفكار عن التحرُّر - صنع فجْوة بين الرجل والمرأة، وأدْخل الصِّراع إلى الحياة الزوجيَّة، بدلاً من التكامل، الأطفال الذين نتجوا عن تلك الزِّيجات المفككة يُخطَّأ من يطلب منهم الاهتمام بأب أو أم، أو الجد أو الجدَّة، فالاهتمام بهم غير وارد، بطبيعة الحال لا يمكن تجاهل ما نتج عن النِّظام الرَّأسمالي المتوحِّش من دفع الآباء والأمهات أبناءهم في سن معيَّنة - تَختلف من بلد غربي إلى آخر - لتدبُّر أمورهم الحياتيَّة، كما لا يمكن أن نتجاهل أيضًا أنَّ انتقال المجتمع الغربي من الأسرة (الممتدة) إلى (الأسرة النَّووية) - أغلقت المدرسة التي كان الأبناء يتعلمون فيها العناية بالوالدَين، فحين ينشأ الابن والبنت وهُما يَرَيان العناية الَّتي تُعْطَى للأجْداد، فسوف يطبِّقان حين يصِلُهما الدَّور ما طبِّق أمام أعينهما من عناية بالوالدين، وحين أُغْلِقت تلك المدرسة، خرج الجيل الجديد دون أن يحصل على دُروس الاهتِمام بالوالدين.

هذه التجربة الغربيَّة انتقل إلينا جزء منها عبر استيراد الأفكار، وجزء آخَر نشأ عبر طبيعة الأشياء؛ أي: الأثر التسلْسُلي للخطوات المذْكورة في التجربة الغربيَّة؛ ولربْط التجربة الغربيَّة بواقعنا - هنا في المملكة العربيَّة السعوديَّة - نأْخذ مثالاً واحدًا، فقد استضاف الأستاذ محمَّد رضا نصر الله - الكاتب والإعلامي المعروف - المهندس المصري د. ميلاد حنَّا، وطرح عليْه سؤالاً في البداية عن رأيه في (عمارة) مدينة الرياض، يبدو أنَّ الضَّيف أراد أن يربِط بين شكل العمارة في مدينة الرياض وبين النِّظام السائد لدينا، فأشار إلى نظام (الأسرة الممتدَّة) وكأنَّ الضيف شتمَنا، فلم يستطع الأستاذ (نصر الله) أن يمرِّر هذا (الشَّتم)، دون تعْليق، فقاطع الضَّيف معلِّقًا بأنَّ (الأسرة النَّووية) بدأت تنتشِر عندنا، فهل الأسرة الممتدَّة خطيئة يَجب أن ننفيها عن أنفسنا؟! أو خطئية نسأل الله ألا نقع فيها؟!

يبدو أنَّ استيرادنا للتجرِبة الغربيَّة ولَّد لديْنا نوعًا من التضارُب في الأفكار - لدى البعض على الأقل - فنحن نجد الأستاذة ليلى العثمان - الكاتبة والقاصَّة الكويتيَّة - تكتب - حسبما نقلت عنها الأستاذة فاطمة العتيبي - في مقالتها: (الرَّكض للخلف): "الأمومة هي الاستِعْمار الحقيقي للكاتبة، ولو عدت إلى الوراء لرفضتُ مؤسَّسة الزَّواج"؛ جريدة الجزيرة، العدد 7940 في 16/ 1/ 1415هـ = 20/ 6/ 1994م.

ليلى العثمان هذه هي التي قال عنها الدكتور محمَّد حسن عبدالله، وهو يقرأ روايَتَها (حالة حب مجنونة)، قراءة نقديَّة: 
"إنَّ ليلى العثمان صوت متميِّز في الفن القصصي في الكويت، إذا كنَّا نبحث عن الأقلام النسائيَّة التي توجد الكتابة الأدبيَّة كقضيَّة ليس هدفها أن توجد أسماء نسائيَّة على صفحات المجلات وأغلِفة الكتب؛ بل توجد رؤية نسائيَّة للكون وللحياة، وللمجتمع ومؤسَّساته المختلفة، للرجل - بصفة خاصَّة للرَّجُل - صادرة من منبعها الحقيقي الطبيعي المرأة وليست مزيَّفة، أو من خلال وكالة مزعومة يقوم بها الرَّجُل. مجلة العربي الكويتيَّة، العدد 416 / يوليو 1993م.

هنا نصِل إلى ما يتعلَّق بتضارُب الأفكار، فهذه أقْوال للأستاذة ليلى العثمان، نتمنَّى ألاَّ تصْدم الدكتور محمد حسن عبدالله، وهو المتحمِّس حماسًا شديدًا للكاتبة، ومع ذلك فهو - كما يبدو - غير متابع لما تكتب، فهي تصرخ: 
"أرفض بشدَّة هذه الموضة الفكريَّة في كتابات المرأة العربيَّة، حيث الصراخ العاطفي والاستجداء الوجداني من الرجُل، أو العُنْف ضدَّه وتحدِّيه ومحاربته، إنَّني أرفض هذه الموضة تمامًا في آرائي وكتاباتي، فأنا أحبُّ الرَّجُل بكل صوره، وبكلِّ أشْكاله، ولو كانت فيه عيوب الدُّنيا كلها، وذلك أنَّني أؤمن أنَّ المرأة هي القادِرة على خلْق الرَّجل، بما لديها من قوَّة صبر، وطاقة احتِمال، وإحساس وقيمة بأنَّ الرَّجُل هو شريكها، وحياتها، ووطنها.

يبقى أن أقول لكل امرأةٍ كاتبة أو غير كاتبة: كيف أكون كاتبة ناجحة وأنا في البيت امرأة فاشلة؟! إنَّ تكريس طاقة المرْأة المبدِعة في البيت هو جزء من تكوينها الأنثوي"؛ مجلة السراج العمانية، العدد الخامس ذو القعدة 1412هـ / مايو 1992م.

ما لنا وللآراء المختلفة أو المتناقضة لليلى العثمان، نعود لمسألة عقوق الأبناء والتي تزداد يومًا بعد آخر، فبعد رمْي الآباء والأمَّهات في المصحَّات أو في دور الرِّعاية الاجتِماعية، بدأنا نقرأ عن ضرب أحد الوالدين أو كليهما، ثمَّ تطوَّر الأمر إلى (قتل) أحد الوالدين!

من أكثر  تلك الحالات شناعةً: تلك الحالة التي قام فيها (الابن) بإحراق سيارة، وبداخلها والده المسن!

بعض تلك الحالات صدرت بها بيانات من وزارة الداخليَّة، تبيِّن الأحكام التي صدرت بحق أولئك العاقّين؛ أي: إنَّها ليست مجرَّد عناوين صحفيَّة.

لا شكَّ أنَّ الفرق كبير جدًّا - بل ويفوق التصوُّر - بين قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء: 23]، أي بون شاسع بين تلك الآيات الكريمة وبين واقعِنا المعاش؟!

نعم، البون شاسعٌ جِدًّا، بين وصيَّة الخالق - جلَّ وعلا - بالوالِدين، وبين تلك السِّلْسلة التي تبدأ بالرمي في المصحَّات أو دَوْر العجَزة، ثمَّ السَّب والشَّتم، الذي قد يتطوَّر إلى الضَّرب، وختامها (حميم وغساق) قتل أحد الوالدين!

كنَّا نقْرأ في صُحُفنا كلامًا لا ينتهي عن (إيذاء) الأطفال من قِبَل والديهم، أو من قِبَل الأقرباء أو غيرهم، ولا شكَّ أنَّ ذلك قد يكون من الأسْباب التي تدْفع إلى العقوق، وإن كان ذلك لا يبرِّر بِحالٍ من الأحْوال حالات العُقوق تلك، بعد حملة تَحْريض الأبناء على الآباء الآن بدأت بوادر دعْوة بدت وكأنَّها تحرض الآباء على الأبناء!

طبعًا مسألة تشكِّي المرْأة من الأطفال، بصفتهم يمثِّلون عبئًا على المرْأة العاملة، وعلى المرأة المبدعة، أو (قيدًا) حسب تعبير إحدى المبدعات! كل هذا تجاوزناه، والدعوة التي قلنا: إنَّ بوادرها بدأت نقصد بها هذا العنوان: "التفرُّغ لرعايتِهم يضعف علاقة والديهم ببعض: الأطفال يحرمون الأزْواج من التمتُّع بعطلات خاصة".

"مهما بلغت درجة حبِّك لأطفالك فإنَّ تركهم بالمنزل لقضاء إجازة نهاية الأسبوع مع شريك حياتك بِمفردكما - هو أمر يهفو إليه كثير من الآباء؛ لكن تصاحب هذه الأمنية الكثير من المشاعر والعواطف المختلطة ما بين شعور بالذَّنب إلى تساؤلات مثل: هل سيتسبَّب ذلك في إيذاء الأطفال إذا حدث لهم شيء ما ونَحن لسنا معهم؟ هل نحن أنانيُّون ونفكِّر في أنفُسِنا فقط؟ ولكن شارون جليك مستشارة العلاقات الزَّوجيَّة في هونج كونج أكَّدت أنَّ كلَّ زواج بحاجةٍ للتَّجديد بين الحين والآخر، وقالت: "العلاقات الزَّوجيَّة مثل السيَّارات، يُمكِنُك تملُّك سيَّارة من أحدث طراز؛ ولكنَّها ستتوقَّف إذا لم تضع لها الزَّيت والماء؛ لذا يجب صيانة ورعاية الزَّواج بين الحين والآخر"؛ جريدة الوطن العدد 2142 في 17/ 7/ 1427هـ = 11/ 8/ 2006م.

أوَّلاً: نُحيل الأمر إلى المختصِّين في علم النفس، لنسأل: ما هو شعورك تجاه من يحرمك من التمتُّع بعطلاتك الخاصَّة؟ وخصوصًا أنَّنا في زمن طغت عليه (المادية)، وتَحوَّل فيه الإنسان إلى (وحش) صغير، لا همَّ له إلاَّ الحصول على أكبر قدر من (المتعة)، والهروب من أي شيء قد يجلب (الألم)، وذلك - من وجهة نظَرِنا - أحد أهمِّ الأسباب، التي تقِف خلْفَ (ظاهِرة) انتِشار الطَّلاق، بِهذا الشَّكْل المفزع.

إنِّي لأُشْفِق على الجيل الجديد الَّذي لم يحظَ بالعيش في جنَّة حنان الجدَّات، فهذا النِّظام الجديد الذي تمَّ استيراده من الغرب، والذي أضيف إليْه خروج المرأة للعمل، فكَّك بنية الأسرة، لم يترك فرْصة للأطفال كي ينعموا بِحنان الأجداد، الجدَّة نفسها قد تكون امرأة عاملة، ثمَّ إنَّها لا تعيش أصلاً مع أحْفادها؛ لأنَّ أوَّل ما يقوم به الشَّاب الحديث حين يتزوَّج هو الاستقلال عن والديه.

من اللاَّفت للنَّظر أنَّه في إيطاليا هناك مَن يفضِّل البقاء في منزل العائلة:
"يفضِّل معظم الرجال الإيطاليِّين البالغين البقاءَ في منزل العائلة؛ حيث الراحةُ العائلية عن الاستقلال عنها في مساكن مستقلَّة، ويعيش غيوفاني استروني، البالغ من العمر 38 عامًا ويعمل فني صوتيات في منزل العائلة مع والدتِه وشقيقين، ويقول غيوفاني: إنَّ المرء الَّذي يعيش في منزل مستقلٍّ مع زوْجته تقع عليه مسؤوليات كبيرة، مشيرًا إلى أنَّ ذلك يختلف كثيرًا عن العيش مع الأم التي هي في حاجة إليْه.

وتشير بعض الدراسات التي أُجْرِيت في هذا الصَّدد إلى ارْتفاع أعداد الإيطاليِّين الذين يعيشون مع آبائهم وأمهاتهم، حيث إنَّ حوالي 50 % من الرِّجال الَّذين يبلغون 29 عامًا لا يزالون يعيشون في منازل عائلاتِهم"؛ جريدة الرياض العدد 10250 في 2/ 3/ 1417هـ = 17/ 7/ 1996م.

يا تُرى كم نسبة الَّذين لا يغادِرونَ منازل أهليهم عندنا؟ الَّذي لا شكَّ فيه، أنَّنا لا نَملك إحصائيَّات دقيقة، ولا غير دقيقة، ولكن التوجُّه العام هو (الفرار) من قيد (الأسرة الممتدَّة).

أليس الشاب المسلم أولى من الإيطالي بالبقاء في منزل الأسرة، خصوصًا في حالة احتياج أحد الوالدين إلى ذلك؟!

إنَّ أوَّل فوائد ذلك البقاء هو تَخفيف تكاليف الزَّواج، فالفرق كبير بين تأثيث منزل كامل، وتأثيث جزء من منزل الأسرة.

أضِف إلى ذلك أنَّ الأسرة هنا تكون مثل (العش)، الذي يؤهِّل الزوجين الصغيرين للدخول إلى معترك الحياة الزوجيَّة ومسؤوليَّاتها، وخصوصًا أنَّ الفتاة سابقًا كانت لا تتزوَّج إلاَّ وهي (ربَّة بيت) كما يقولون، أمَّا الآن فالفتاة تتزوَّج وهِي - في الغالب - لا تعرِف شيئًا عن الأعمال المنزليَّة؛ بل يتمُّ تَحريضها ضدَّ تلك الأعمال، كما أنَّها مشغولة بدراستها أو بعملها، ليس هذا فقط، بل إنَّ معظم الأزواج يعودون في حالات كثيرةٍ إلى حياتِهم السَّابقة وكأنَّهم غير متزوِّجين، وحين يعيش الشَّاب مع أسرته فإنَّ الزوجة - والتي غادرت حضن أسرتها - قد تجد في أسرة الزوج حضنًا بديلاً، فشتَّان بين الجلوس بين جدران أرْبعة وبين العيش داخل أسرة والدة الزوج وأخواته .. إلخ.

كما أنَّه عند الإنجاب، تجد الزَّوجة الصغيرة في أم الزَّوج - إذا لم تكن تعْمَل هي الأخرى - معلِّمة تعينها على التعامل مع القادم الجديد، كما أنَّها قد تجد في أخوات الزَّوج مساعدات على رعاية الصَّغير.

هناك أيضًا التخلُّص من الإحساس بالذَّنب، الَّذي تحدَّثت عنه الباحثة من هونج كونج، فترْك الأطفال عند الجدَّة خدمة مجَّانيَّة، تقدِّمها الجدَّات منذ القِدَم، ولا أظن أبًا أو أمًّا سوف يؤنِّبُه ضميره حين يترك أبناءَه عند والديْه.

والأهم من كل ما سبق: أنَّ العيش مع الوالدَين يُعَدُّ فرصة لربْط الأبناء بأجدادِهم، وهو كذلك مدرسة يتعلَّم فيها الصغار معنى (البر) بالوالدين.

هناك نقطة أخرى جديرة بالاهتِمام، وهي أنَّ الابن الأكبر يجب أن يتحمَّل مسؤوليَّة أكبر من المسؤوليَّة التي يتحمَّلها من هم أصغرُ منه سنًّا، فقد كان سبَّاقًا للتفرُّد بحنان الأبويْن، كما أنَّه - في الغالب - أوَّل المغادرين للمنزل عند زواجه، ومن المفترض أن تقَع على عاتقه مسؤوليَّة (العودة) ليعيش مع والديْه أو أحدهما، في حال المرض أو الكبر، أو إذا تزوَّج جميع الأبناء وغادروا، لو نظرنا في قول الحق - سبحانه وتعالى -: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا} [الإسراء: 23]، فسوف نجِد أنَّ "عندك" لا تتحقَّق إلاَّ لمن كان يعيش مع والديه، أو كانا يعيشان معه، فالزِّيارة الخاطفة أو الاتِّصال الهاتفي ليسا مظنَّة التأفُّف والنهر، وإنَّما يكون ذلك مع الملازمة والخدمة المتواصلة، والله تعالى أعلم.

طبعًا هذه الفوائد التي تفوق فوائد السفر، تبدو خارج السياق الزمني، أو خارج أسوار الحياة الحديثة، ولكنَّنا لو اقتنعنا بما لتلك الطَّريقة من فوائد، وأنَّ أيَّ جهد يُبْذَل من أجلها، فهو جهد غير ضائع، عندها يُمْكننا أن نحاول صُنع واقع نحصُل من خلاله على فوائد العيش مع الأسرة.

إنَّ أوَّل ما نلفت النَّظر إليه هو أنَّ (معمارنا) يجب أن يكون نابعًا من خصوصيَّتنا، أو من ثقافتنا، فإذا كنَّا قد أشرْنا إلى أنَّ عمل المرأة عندنا يجب أن ينطلق من: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ} [الحشر: 9]، فإنَّ مِعْمارنا يجب أن ينطلق من: ((المؤمِن للمؤمن كالبُنيان يشدُّ بعضَه بعضًا))، فعمارتنا يجب أن تتمثَّل ذلك التقارب، وتلك الحميميَّة، التي هي جزءٌ من ثقافتنا، فبنيانُنا القديم كان يمثِّل شيئًا من ذلك، حيثُ تستنِد المباني بعضها إلى بعض، فتوحي بالدِّفْء المعنوي، وتُساعد على التَّصدِّي لضربات الشَّمس المُحْرِقة، في جوِّنا ذي الصَّيف الطَّويل جدًّا، والحارّ جدًّا، أمَّا عمارتنا الآن - وخصوصًا نِظام (الفيلا) - فكثيرٌ منها يوحي بأنَّ صاحِبَها يريد أن ينعزِل عن الآخرين، مبنى سكني لا يلاصِقُه أيُّ مبنًى آخَر، ثمَّ سور تليه مساحة من الأرض، ثمَّ المبنى القابع في مشهد متكامل من (العزلة)، أو ما يوحي بها، ولعلَّ في ذلك ما يرمز إلى الرَّغبة في ممارسة (الحرية) الشَّخصية في (حريَّة) تامَّة.

عمومًا، أعتقِد أنَّنا إذا أردنا صنع الواقع الجديد، فعلينا أن نهيِّئ المساكن وفق تصميم جديد، يضمن نوعًا من الخصوصيَّة، للشَّابِّ الَّذي يريد العيش مع والديْه، وفي نفس الوقت يكون متداخِلاً مع بقيَّة الأسرة، في المأْكل والمشْرب وغيرهما، ممَّا يدعو إليه العيش المشترك، لله يا زمري!

وأنا أعيد قراءة هذه الأسطر التي كتبتُ بعضَها قبل عامين أو أكثر، أظنُّ أنَّني قد حذفت في مرحلة التصحيح قبل أكثر من عام جزءًا كنت قد تحدَّثت فيه عن عمارة تتكوَّن من شقق كبيرة للأُسرة، وأخرى صغيرة مخصَّصة للمتزوِّجين حديثًا، أو شيء من هذا القبيل، وقد حذفت ذلك الجزء لأنَّني رأيت أنَّه حرث في البحر بأكثَر ممَّا يتحمَّل البحر.

في الحلْقة القادمة، سوف نُحاوِل الإجابة عن سؤال: هل نستطيع أن نعترِف بأنَّنا قد عشنا؟ وذلك في إطار الإجابة عن سؤال آخر: الزَّواج المبكِّر تحصين أم انفجار سكاني؟ سوف نتحدَّث عن ذلك إذا أذِن الله. 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أي البطالتين أهون؟!
  • التكنولوجيا وعلاقاتنا الاجتماعية
  • ملامح تربوية من الأخوة في النسب
  • من تغيير الجو إلى تغيير الزوجة
  • الزوجة والانشغالات الدعوية
  • لا تفش أسرار عائلتك (قصة للأطفال)
  • الأسرة ( المزورة )!
  • يوم الأسرة العربية ( خطبة )
  • الأسرة عمود المجتمع وتفككها يؤدي إلى انهيار الأمة
  • الخطة المالية للأسرة
  • منهج تربوي للأسرة في يومها من الاستيقاظ حتى المبيت

مختارات من الشبكة

  • تفسير آية: (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين يدي سورة العصر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النهي عن تقبيل الأرض ووضع الرأس بين يدي الشيوخ والملوك وغيرهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين يدي سورة ق (الجزء الثالث) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين يدي سورة ق (الجزء الثاني) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين يدي سورة ق (الجزء الأول) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين يدي الفاروق رضي الله عنه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا تقدموا بين يدي الله ورسوله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين يدي أعظم سورة في القرآن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مظاهر اختلال الموازين بين يدي الساعة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب