نور الوحيين في علاج نشوز الزوجين

نور الوحيين في علاج نشوز الزوجين

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلام على رسولهِ ومصطفاهُ، وبعد..

فإنَّ وقوعَ الخلافِ بينَ الزَّوجَينِ أمرٌ مُحتَّمٌ لا يكادُ يخلُو مِنهُ بيتٌ، وهُو راجعٌ للطَّبيعةِ البشريةِ غيرِ المعصومةِ، أو لاختلافِ طبائعِ الزَّوجَينِ، أو لتقصيرِ أحدِهما أو كلاهُما في أداءِ ما عليهِ مِن واجباتٍ نحوَ الآخرِ.

وقد شرعَ اللهُ - عزَّ وجلَّ - لنا مِن الشرائعِ والأسبابِ ما يكفُلُ القضاءَ على النزاعِ بينَ الزَّوجَينِ فورَ وقوعِهِ، وقبلَ استفحالِ أمرِهِ. فبيَّنَ اللهُ - عزَّ وجلَّ - حقوقَ كلٍّ مِن الزَّوجَينِ على الآخرِ، كما بيَّنَ الفروقَ بينَ طبيعةِ الرَّجُلِ وطبيعةِ المرأةِ، وكيفيَّةَ التعاملِ معَ نشوزِ المرأةِ أو الرَّجُلِ، إذا وقعَ.

والنُّشوزُ في اللغةِ هُو: الارتفاعُ، يُقالُ: أرضٌ ناشِزٌ وناشِزةٌ، أي: مرتفعةٌ.

وأمَّا في الشرعِ؛ فهُو: ترفُّعُ أحدِ الزَّوجَينِ عن إعطاءِ الآخَرِ حقَّهُ، بغيرِ سببٍ شرعِيٍّ.

فالنُّشوزُ يقعُ مِن الرَّجُلِ كما يقعُ مِن المرأةِ. ومثالُهُ في الرَّجُلِ: عدمُ إعطاءِ المرأةِ حقَّها في القَسمِ أو الجماعِ أو النَّفقةِ.

وأمَّا مثالُهُ في المرأةِ؛ فكنحوِ معصيتِها إيَّاهُ في المعروفِ، والإباءِ عن تلبيةِ دعوتِهِ إيَّاها إلى الفراشِ، والتَّطاوُلِ عليهِ في الخطابِ.

♦ ♦ ♦ ♦

ويعالجُ نشوزُ المرأةِ بالوعظِ، والهجرِ، والضَّربِ غيرِ المبرِّحِ[1]. فقد حدَّدَ اللهُ - عزَّ وجلَّ - للرَّجُلِ الخُطواتِ التي ينبغي أنْ يتَّبِعَها لعلاجِ نشوزِ زوجِهِ واستعلائِها عليهِ؛ وهي: الوعظُ، والهجرُ في الفراشِ، والضربُ غيرُ المُبرِّحِ. قالَ تعالى: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].

• فالوعظُ: تبصيرُ الزوجةِ بخطئِها، وترغيبُها في تركِهِ وترهيبُها مِن الإصرارِ عليهِ أو التَّمادي فيهِ.

• وأمَّا الهجرُ فهُو: الإعراضُ عن المرأةِ في الكلامِ أو الجماعِ، ونحوِ ذلكَ مما قد يُؤثِّرُ فيها.

والأفضلُ أنْ يكونَ الهجرُ في المنزلِ؛ بأنْ يُوليها الرَّجلُ ظهرَهُ في الفِراشِ ويُعرِضَ عن جماعِها لاسيما عندَ رغبتِها فيهِ، أو بأنْ ينامَ في فراشٍ آخرَ. ويدلُّ على ذلكَ قولُهُ تعالى: ﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾، وقولُهُ -صلى الله عليه وسلم- لمعاويةَ بنِ حيدَةَ - رضي الله عنه: «وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ»[2].

ويجوزُ أن يكونَ الهجرُ في غيرِ البيتِ إن اقتضَتْ ذلكَ مصلحةٌ؛ وقد هجرَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أزواجَهُ شهرًا في غيرِ البيتِ.

• وأمَّا الضربُ؛ فيكونُ للتَّأديبِ لا التَّعذيبِ. ولذلكَ لا يجوزُ أنْ يكونَ مُبرِّحًا، أو أنْ يمسَّ الوجهَ، أو أنْ تصحبَهُ إهانةٌ أو سِبابٌ وبذاءةٌ. ويدلُّ على ذلكَ ما أخرجهُ الشيخانِ[3] مِن حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ - رضي الله عنهما - أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ».

ولا يجوزُ لطمُ المرأةِ على وجهِها مهما بلغَ خطؤُها، إلَّا قصاصًا. ويدلُّ على ذلكَ قولُهُ -صلى الله عليه وسلم- لمعاويةَ بنِ حيدَةَ - رضي الله عنه - في الحديثِ المشارِ إليهِ آنفًا: «وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ».

♦ ♦ ♦ ♦

ويعالجُ نشوز الرجل بالصبر عليه ووعظه أو بمصالحةِ المرأةِ له على بعضَ حقِّها. فقد تقدَّمَ أنَّ النشوزَ يكونُ مِن الرَّجُلِ، كما يكونُ مِن المرأةِ. فإذا خافتِ المرأةُ مِن زوجِها بُغضًا لها وإعراضًا عنها وتفريطًا في حقِّها أو رغبةً في فِراقِها، فينبغي لها أنْ تسلُكَ السُّبلَ المشروعةَ لإصلاحِهِ؛ وأهمها:

• الصبرُ عليهِ: محتسبةً ذلكَ أجرَها عندَ اللهِ تعالى. وممَّا يدلُّ على ذلكَ ما أخرجهُ النَّسائيُّ في الكُبرى[4] مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ – رضي الله عنهما - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ، الْوَلُودُ، الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِي إِذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ، جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بَيْدَ زَوْجِهَا، ثُمَّ تَقُولُ وَاللهِ لَا أَذُوقُ غُمْضًا حَتَّى تَرْضَى».

و«الْعَؤُودُ»: «الَّتي تعودُ على زوجِها بالنفعِ»[5].

• الوعظُ والتذكيرُ باللهِ تعالى: فتعِظُهُ وتُذكِّرُهُ حقَّها عليهِ، وتُرغِّبُهُ في أدائِهِ وتُرهِّبُهُ مِن التَّفريطِ فيهِ. ويشهدُ لهذا المعنى ما أخرجهُ سعيدُ بنُ منصور[6] بإسنادِهِ إلى عن عَمروِ بنِ دينارٍ قالَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً لَهُ، فَقَالَتْ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَتْ: فَفِيمَ تُطَلَّقُ الْمَرْأَةُ الْعَفِيفَةُ الْمُسْلِمَةُ؟ قَالَ: فَارْتَجَعَهَا.

• مُصالحتُهُ على تركِ بعضِ حقِّها: فإذا آنستِ المرأةُ مِن الرَّجُلِ زهدًا فيها ورغبةً في فراقِها، فلا بأسَ أنْ تُصالِحَهُ على إبقائِها في مُقابلِ تنازُلِها عن بعضِ حقوقِها؛ كالنفقةِ أو القَسمِ، ونحو ذلك.

ودليلُ ذلكَ قولُهُ تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النساء: 128]. والمعنى[7]: «إذا خافتْ المرأةُ نشوزَ زوجِها، فالأحسنُ في هذِهِ الحالةِ أنْ يُصلِحا بينَهُما صُلحًا بأن تَسمحَ المرأةُ عن بعضِ حقوقِها اللازمةِ لزوجِها ليرضى بإبقائِها معهُ. فإذا اتَّفقا على ذلكَ فلا إثمَ عليهِما، وذلكَ خيرٌ مِن الفُرقةِ، ولهذا قالَ: ﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾» اهـ. مختصرًا مِن «تفسير السعدي».

هذا، وعمومُ الآيةِ يدلُّ على جوازِ سلوكِ الزَّوجِ نفسَ السبيلِ في علاجِ نشوزِ المرأةِ؛ بأنْ يضعَ عنها بعضَ حقِّهِ في مقابلِ رضاها بالبقاءِ معهُ؛ كأنْ يضعَ حقَّهُ في الخدمةِ أو الاستمتاعِ أو غيرِهِ إذا كرهتْهُ المرأةُ.

♦ ♦ ♦ ♦

وإن خيف شقاق بين الزوجينِ، بُعِثَ بينهما حكمٌ من أهل الزوج وآخر من أهل الزوجة، ويُلزمُ الزوجان بما يتفقان عليه.

فإذا لم يأخذِ الزوجانِ بما مرَّ مِن سُبُلِ الإصلاحِ، أو لم يُجدِ ذلك بينهما، فيجِبُ أنْ يُرسِلَ الحاكمُ أو أولياءُ الزَّوجَينِ بينهما حَكَمَينِ صالحينِ؛ أحدُهُما مِن أهلِ الزَّوجِ والآخرُ مِن أهلِ الزَّوجةِ. فإذا اتَّفقَ الحكَمانِ على شيءٍ - غيرِ مُحرَّمٍ - أُلزِمَ بهِ الزَّوجانِ، وإذا لم يتَّفقا لم يكُنْ حُكْمُ أحدِهِما بأَولى مِن الآخرِ!

ودليلُ ذلكَ كلِّهِ قولُ اللهِ تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 35]. وفي تسمِيَةِ اللهِ - عزَّ وجلَّ - لهما بـ «الحَكَمَينِ» دليلٌ على أنَّ لهما أنْ يحكُما في أمرِ الزَّوجَينِ بما يرياهُ خيرًا لهُما، ولو بالتَّفريقِ بينهُما، واللهُ أعلمُ.