دور مؤسسات المجتمع المدني في حماية جمهور وسائل الإعلام

دور مؤسسات المجتمع المدني في حماية جمهور وسائل الإعلام

(جمعية حماية المشاهدين في مصر نموذجًا)

مقدمة:

في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية عام 1991 لجمْع مادة علمية لرسالة الدكتوراه الخاصة بي، فوجِئت بعد وصولي بيومين بمباراة قانونية على شاشات التليفزيون الأمريكي، نتيجة قيام جمعية حماية المشاهدين برفع قضية ضد إحدى الشبكات الأمريكية التي أذاعت فيلمًا يحتوي على مشاهد للكبار دون أن تنوِّه عنها قُبيل بثِّ الفيلم، ودون وضع الكود (إس) لتنبيه أولياء الأمور، فحكَمت المحكمة الفيدرالية بغرامة مالية كبيرة، كادت الشبكة أن توشك على الإفلاس بسببها.

يومها وجدتني في حالة من الدهشة الممزوجة بالإعجاب بيقظة المجتمع المدني الأمريكي، ودفاعه عن حقوق المشاهدين أمام سطوة الآلة الإعلامية الأمريكية، التي تسلع كل شيء حتي القِيَم، حتى رئيس الدولة.

إعلام يبيع ويشتري ويتاجر - كما كنت أظن - في كل شيء، فوجدت مؤسسات المجتمع المدني تقف في وجه الإسفاف، وتحارب التدني، ووجدت قضاءً ينحاز للقِيم في وجه تغوُّل رأس المال في دولة رأسمالية!

وعدتُ إلى مصر عاقدًا العزم على إنشاء جمعية مماثلة في عام 1992، حال دون إشهارها السيد وزير الإعلام آنذاك صفوت الشريف، وكنت أعمل في ذلك الحين مذيعًا بالإذاعة المصرية، ولم أستطع الوقوف في وجه الوزير ونسيتُ الجمعية.

حتي إذا أشرَقت ثورة يناير وأزاحت نظامًا استطال عمره أكثر مما ينبغي، سارعت بمراجعة الشؤون الاجتماعية مرة أخرى، وعرَضت فكرتي على زملائي من هيئة التدريس بالجامعات المصرية، على سبيل المثال من جامعة القاهرة: الدكتور العميد حسن عماد، ومن جامعة حلوان: الدكتورة نائلة عمارة، ومن جامعة المنصورة: الدكتور أحمد عثمان، ومن جامعة قنا: الدكتور عبدالعزيز السيد، ومن جامعة بني سويف: الدكتور أنس جعفر المحافظ، ورئيس الجامعة الأسبق، وجامعة الاسكندرية: الدكتور طه نجم، ومن جامعة عين شمس: الدكتور محمد معوض، والدكتور محمود إسماعيل، ومن كلية الإعلام كان الانطلاق والدعم من الزملاء: الدكتور عدلي رضا، والدكتورة نجوى كامل، والدكتور محمود علم الدين.

كما عرَضتها على زملائي من كبار الإعلاميين: الأستاذ المخرج على عبدالرحمن رئيس قطاع المتخصصة، والأستاذ إبراهيم الصياد رئيس قطاع الأخبار، والأستاذ خالد جبر نائب رئيس تحرير الأخبار، والخبراء أمثال: لويس جريس، وماجدة موريس، ووجدت تشجيعًا كبيرًا من الزملاء؛ زملاء المهنة، وزملاء الجامعة، وانضمَّ إلينا مجموعة من شباب المحامين المحترمين من حلوان: (الأستاذ خالد حسني، والأستاذ ياسر، والأستاذ أحمد)، الذين تكفَّلوا بإجراءات الإشهار، وأُشهِرت الجمعية في أغسطس 2012 بعد ستة أشهر من الصراع مع البيروقراطية الحكومية والإجراءات الأمنية!

وأوَد هنا أن أقدِّم نموذجًا لجمعية تقوم بدورها قبل الإشهار، وتقاتل من أجل حماية المصري من الغش والخداع، وتُدافع عن قِيَمه وأخلاقه في مواجهة أباطرة الإعلام المصري المطبوع والمرئي تحديدًا، وخلال مدة قصيرة قُمنا بالآتي:

♦ إقامة المرصد الأول للحملات الانتخابية الرئاسية المصرية، وقدمنا تقارير المرصد إلى حملة الدكتور مرسي، والدكتور شفيق، والسيد حمدين صباحي، والسيد عمرو موسى، ودار نقاش بيني وبين حملة مرسي وشفيق تحديدًا في الجولة الثانية.

♦ إقامة المرصد الثاني للإعلانات المُضللة، وخصصناه لإعلانات الأدوية والأغذية، وأجرينا الرصد لخمس وعشرين قناة تليفزيونية، منها خمس حكومية، وعشرون للقنوات الخاصة، وانتهينا إلى طلب إحالة 10 قنوات للنيابة العامة بعد تعاون مع جهاز حماية المستهلك ووزارة الصحة.

♦ إقامة ندوة بكلية الإعلام جامعة القاهرة حول تقرير الإعلانات المضللة المُرفق مع هذه الورقة، ونشرتها معظم الصحف المصرية الكبرى.

♦ يجري حاليًّا الاتفاق مع وزارة الصحة؛ لإقامة مرصد دائم للإعلانات والبرامج الطبية، ومتابعة ما يمس صحة المواطن المصري مع مقاضاة بائعي الوهم.

♦ يجري التحضير لاتفاق وندوة مع المجلس القومي لحقوق الإنسان لتتكاتَف الجهود من أجل قِيم الإنسان المصري، والوقوف في وجه الإعلام المخادع المضلل، ولسنا أكثر ديموقراطيةً وحرية من أمريكا التي بها مثل جمعيتنا، وتُقاضي الإعلام المنحرف عن الجادة، المخالف لقواعد المهنية والجودة.

أهداف الجمعية:

♦ نشر الثقافة الإعلامية من خلال إنشاء معاهد عليا للدراسات الإعلامية.

♦ تنظيم دورات تدريبية مجانية للعاملين في المؤسسات الإعلامية من غير خريجي كليات ومعاهد الإعلام.

♦ إقامة ندوات وورش عمل بأجر رمزي لطلاب الإعلام وللجمهور العام؛ لتعريفه بطبيعة عمل المؤسسات الإعلامية.

♦ إصدار مطبوعات شهرية وسنوية لمتابعة أخبار المؤسسات الإعلامية.

♦ نقد وتقييم الأعمال الفنية الإذاعية والتليفزيونية والمسرحية والسينمائية.

♦ متابعة مدى التزام المنتج الإعلامي بمواثيق الشرف والقواعد المهنية المعروفة لأهل الاختصاص.

♦ تلقي شكاوى الجمهور من المنتج الإعلامي المخالف لمواثيق الشرف وقوانين النشر وقواعد المهنة.

♦ مقاضاة المؤسسات الإعلامية المنفلتة والتي تبتز الجمهور.

♦ مساعدة الجهود النقابية في ضبْط مسيرة العمل الإعلامي، وإبلاغ الجهات الرسمية عن المخالفات.

♦ إنشاء مرصد لمتابعة ما ينشر ويُذاع ويبث عبر وسائل الإعلام المختلفة.

♦ الارتقاء بالمهنة ودعم الجهود النقابية العاملة في الميدان.

♦ نشر الثقافة القانونية المرتبطة بتشريعات الإعلام بين العاملين في الإعلام وكذلك الجمهور.

اللجان النوعية:

• لجنة المرصد الإعلامي.

• لجنة شكاوى الجمهور والمتابعة.

• اللجنة القانونية وشؤون التقاضي.

لجنة العضوية.

• لجنة العلاقات الخارجية والمؤتمرات.

• لجنة البحوث والرأي العام.

• لجنة التقارير والإصدارات العلمية والصحفية.

تقرير المرصد الإعلامي للجمعية حول الإعلانات المضللة المذاعة

خلال شهر رمضان للعام 1433هـ

مقدمة:

في إطار التعاون والتنسيق بين الجمعية - وهي منظمة شعبية حيادية تطوُّعية، لا علاقة لها بالدولة، ويؤسِّسها نشطاء المجتمع من كافة فئاته - وجهاز حماية المستهلك من أجل مكافحة الإعلانات المضللة المذاعة خلال شهر رمضان المبارك، قامت الجمعية بإنشاء مرصد إعلامي لمتابعة الإعلانات التليفزيونية التجارية والخدمية المذاعة عبر الفضائيات المصرية الحكومية والخاصة خلال المدة من الأول من رمضان وحتى نهايته.

وقد أشرف على المرصد الأستاذ الدكتور حسن علي محمد أستاذ الإعلام بجامعة المنيا ورئيس مجلس إدارة الجمعية، وشارك في الرصد كل من الدكتورة غادة سيف مدرس الإعلان بجامعة المنيا، والدكتورة لمياء محمود نائب رئيس شبكة صوت العرب بالإذاعة المصرية بالقاهرة، بالإضافة إلى عددٍ من الخبراء ومعاوني هيئة التدريس بالجامعات المصرية الحكومية والخاصة، وعدد من طلاب الدراسات العليا بأقسام وكليات الإعلام.

ومن حيث المبدأ لسنا - كجمعية - ضد الإعلانات بصفة عامة، إنما نحن ضد التضليل الإعلاني، وضد الكذب، وبيع الوهم للناس، وتقديم السلعة على أنها أجود وأفضل وأنسب وأرخص! وعندما يشتري المستهلك السلعة أو يلجأ إلى خدمة معينة نتيجة الإعلان الذي أبهرَه - وربما أقنَعه - يكتشف أنه قد غُرِّر به، وأن مواصفات السلعة التي تم الإعلان عنها غير متوفرة، وهي مخالفة من حيث الجودة والالتزام بالمواصفة المُتبعة ومعايير الجودة المعروفة؛ لهذا نحن ندعم الإعلان المتوافق مع مواثيق الشرف والمعايير الدولية الإعلانية؛ لأنه:

يساعد القنوات التليفزيونية المصرية والعربية على أداء مهمتها في خدمة الصالح العام وتقديم أفضل خدمة لجمهورها؛ حيث يحقِّق الإعلان موردًا ماليًّا، يُمكِّنها من مواجهة الأعباء المتزايدة، ولتكون قادرة على التصدي للبث الأجنبي المباشر عبر الأقمار الصناعية، وعلى كسْب معركة الحفاظ على الهُوية الثقافية في ظل ظروف جديدة لم تَعُد فيها التلفزيونات الوطنية قادرة على الحفاظ على احتكارها للفضاء التلفزيوني الوطني.

يساعد على رفع ذوق الجمهور وزيادة وعْيه، وتحسين مهارات استخدامه للسلع الجديدة، كما يعمل الإعلان على زيادة التطلُّعات بما يدفع لزيادة العمل؛ لرفْع مستوى الدخل لتوفير هذه المتطلبات الجديدة؛ مما يُحقِّق في النهاية الارتقاء بمستوى المعيشة.

يلعب دورًا اجتماعيًّا؛ حيث يوفر للناس مادة للحديث عنها، وبذلك فهو يقوي علاقاتهم الاجتماعية، كما أنه يوفر مادة مُسلية؛ سواء في مشاهدتها، أو التعليق عليها مع الغير.

وقد كان من الضروري رفْع الستار عن الجوانب الخفيَّة التى تتوارى خلفها هذه الإعلانات المضللة التي تُهدِّد المشاهد في صحته وماله وذوقه العام، باستخدام العرض المُكثَّف الذي اعتمَد على التَّكرار والإلحاح عبر الفضائية؛ بقصْد إقناع المشاهد الشراء ودفْعه للسقوط في (فخ) إغراءاتها المزيفة؛ ليُصبح ضحية لجريمة عمدية هى (النصب) عن (بعد) تحت سمْع وبصر الجميع!

عيِّنة الدراسة:

تم رصْد وتقييم الإعلانات المذاعة - خلال شهر رمضان المعظم - على شاشات عينة مكونة من 20 قناة فضائية - (حكومية وخاصة عامة ومتخصصة، دينية وثقافية ومنوعات) - موزعة على النحو التالي:

6 قنوات حكومية هي: الأولى، المصرية2، بانوراما دراما، كايرو دراما، النيل الثقافية، نايل لايف، ولقد كان التليفزيون المصري هو الأكثر التزامًا بالكود الدولي ومواثيق الشرف، ولم تسجل مخالفات إعلانية إلا في قناتي نايل لايف وكايرو دراما بقطاع المتخصصة.

6 قنوات دينية إعلانية تجمع بين بثِّ القرآن الكريم بأصوات المشاهير من القرَّاء، وبين الإعلان المكتوب أو المصور على رول متحرك، وهي: العراب، جنة، كنوز الطبية، الدوائية الإعلانية، ماجيك، جرين لايف، (وهذه القنوات مجتمعة نقدم فيها اليوم بلاغًا للنائب العام، ولرئيس هيئة الاستثمار؛ لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدها؛ لتجاوزها كل الأخلاقيات ومواثيق الشرف بإذاعة أدوية ومقوِّيات جنسية غير مرخَّص بها من وزارة الصحة، أو من أي جهة حكومية في المنطقة العربية).

6 قنوات عامة هي: دريم، المحور، سي بي سي، وصدى البلد، الخليجية، الحياة.

2 قناة منوعات ترفيهية متخصصة في الرقص الشرقي، هما: التت، والفرح.

وقد لاحظنا أثناء الرصد والتحليل ما يلي:

أن نظام الباقات الإعلانية الذي اتَّبعته كثير من الشبكات والقنوات، أدى إلى انخفاض حاد في أسعار الإعلانات، ترتَّب عليه تراجع كبير في عوائد الإعلانات بالتليفزيون الحكومي، الأمر الذي يزيد من الأزمة المالية لاتحاد الإذاعة والتليفزيون.

• أدَّى الصراع بين المعلنين إلى تحطيم قواعد المهنة ومواثيق الشرف؛ مثلاً: (إعلان اتصالات الأخير) يحض المشاهد على ترْك شبكته والانتقال إليهم!

• أدى الصراع بين القنوات إلى اجتذاب أكبر عددٍ من الإعلانات على حساب المشاهدين، ومتعة المشاهدة بشكل يتنافى مع المعايير والنِّسب الدولية في مُدد الإعلانات إلى وقت الإرسال، فقد وصَل في بعض القنوات الخاصة إلى 30 دقيقة إعلانات لكل ساعة بثِّ (في ألمانيا 5 دقائق) في بريطانيا بحد أقصى 10 دقائق، وكان التليفزيون المصري حتى عام 1990 فقط يحافظ على رُبع ساعة إعلانات لكل ساعة بثٍّ.

• وفي تعدٍّ وتحدٍّ سافرٍ لحقوق الأداء وحقوق الملكية الفكرية، استغنت كثير من المحطات عن بث تترات بعض المسلسلات؛ لإفساح المجال أمام الإعلانات بما يُخِل بحقوق الأداء العلني وحق التأليف.

• أن الإعلان التليفزيوني الرمضاني يمر بأطوار الاندفاع الكمي العشوائي، الذي لا يعنيه حماية المشاهد بقدر حرْصه على العائد المالي عن الدعاية لمنتجات مجهولة المصدر، يتهرب من ينتجها ويبيعها من الضرائب، ويروِّج لها بلا تصريحٍ من أي جهة مسؤولة عن تداوُلها في ظلِّ عدم وجود ضوابط تحكم عرْض الإعلانات على شاشاتها، وفي مقدمتها ضرورة الحصول على تصريح بسلامة المنتج المعلن عنه من الجهات المسؤولة.

• ظهور فئات اجتماعية تبحث عن ربحٍ آني مضمون، بعيدًا عن هموم التنمية، وتفتقر في معظمها إلى خلفيات علمية وثقافية ومعرفية، وإلى خبرة في مجال المعطيات الحديثة لاقتصاد السوق، وتروِّج هذه الفئات لمنتجاتها وخدماتها عبر بثِّ رسائل إعلانية تعكس عقليتها وسلوكيَّاتها وقِيَمها الاجتماعية؛ مما أدَّى إلى اقتران الكم العشوائي بالكيف الرديء.

• أن أكثر القائمين على صناعة الإعلان التليفزيوني منبهرون بالفكر الإعلاني الأمريكي؛ مما أدى إلى هذا الكم المنفلت والمضمون الغربي صورًا ورموزًا، تُسهم في طمْس الثقافة العربية؛ لتُعمم أنماطًا حياتية مُشوهة.

• تتسرَّب عبر شاشة التلفزيون أحيانًا مواد إعلانية أجنبية، لا يتلاءم بعضها مع خصوصية مجتمعاتنا وتقاليدنا الدينية، أُخِذت من سياقاتها كما هي، وخير مثال لها: (قنوات التسوق عبر التليفزيون ذات الطابع الدولي).

• غياب تشريعات إعلانية واضحة تنظِّم الظاهرة الإعلانية، وتحدِّد المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية والجمالية.

هذا بلاغ للنائب العام

ملخص نتائج الرصد والتحليل

أولاً: إعلانات الأدوية ومستحضرات التجميل:

لا يهتم لصحة المصريين أحد في هذا البلد، وإلا أين الدولة المصرية مما يجري على شاشات الفضائيات: (أدوية جنسية، ومستحضرات تجميل على قناة التت، وأدوية عشبية على القنوات الدينية، وأحزمة تخسيس، وأدوية للكبد وللسرطان)، تشارك في الترويج لها قناة حكومية تبيع الوهم للناس دون حسيبٍ أو رقيب!

ومن خلال الرصد تبيَّن الآتي:

• على قناتي الروح والعراب، جل لإزالة التجاعيد، وصابون وزيت زيتون لتكبير أو تصغير الثدي، وعلى قناة كنوز الطب زيت الحشيشة الخضراء، يُطوِّل ويكثِّف الشعر بدون تصريحٍ من وزارة الصحة، وعلى قناة جنة أجهزة تعويضية جنسية يعلن عنها على خلفية من القرآن الكريم.

• على قناة كايرو دراما إعلان حزام فيبرا أكشن، يقضي على الدهون والترهلات، يقدِّمه ممثلون عُراة تقريبًا وغير حاصل على تصريح من وزارة الصحة.

• على قناة كايرو دراما إعلان عشبة بن علي، العشبة المعجزة في علاج تأخُّر الإنجاب، وزيادة معدلات الخصوبة، والإعلان رغم أنه في قناة حكومية غير حاصل على تصريح من وزارة الصحة!

• على عدد من القنوات الدينية المشار اليها أعلاه، تبث إعلانات أدوية جنسية؛ منها: إعلانات تايجر كينج الجنسية (تُطيل، وتُطوِّل، وتُضخِّم) في لغة مُسفة، ومعها في الخلفية قرآن كريم يتلى، وهنا ترتكب جرائم تداوُل أدوية غير مصرح بها، وفي نفس الوقت يستخدم القرآن الكريم لجذْب المتدينين في مقام لا يليق أبدًا أن يوظَّف فيه القرآن على هذا النحو.

• على قناة كايرو دراما الحكومية إعلانات عن الحزام السحري، الذي يقضي على الدوالي وآلام الركبة والعمود الفقري بدون تصريح من وزارة الصحة!

وعلى غراره إعلان اللاصقة السحرية التي تشفي من عدد من الأمراض، ويذاع على معظم القنوات الدينية؛ مثل: الرحمة، والطب النبوي، والناس.

• على كايرو دراما أيضًا: شاي الدكتور من شركة بيراميدا العالمية، به فيتامينات، وكوب واحد يدمِّر الدهون، ويَجعلك رشيقًا، وتعلن عنه فتيات بملابس النوم، وبدون تصريح من وزارة الصحة.

ثانيًا: إعلانات الأغذية (أطعمة وأشربة):

• إعلان حلاوة البوادي على قناة المحور، تتقاتل فيه الأسرة المصرية - الأم والأبناء - بالسواطير والمسدسات والديناميت على (لحسه حلاوة)، البوادي الباقية على السفرة، أفكار تهدم قِيَم الأسرة والسلام الاجتماعي، فضلاً عن المبالغة الممقوتة!

• على قناة كايرو دراما الحكومية إعلان أيس كريم ماكس بون، يهدم صورة الأب الذي يلتهمه ممثِّل يأكل ماكس بون، فيصرخ الابن: "أبويااااا"، فينقض على الابن، فيلتهمه؛ وذلك لأن من يأكل ماكس بون، يقدر على أي حاجة!

• على قناة دريم إعلان زيت شطارة، يقلي عشر مرات وهي كافية لقتل الشعب المصري الذي يعاني شظف العيش.

• على قناة الحياة إعلان زبادي أكتيفيا، يساعد على الهضم، وقد تم تقديم 100بلاغ ضده في الجزائر؛ لأنه إعلان كاذب يخلو من خميرة ريجولارس، ولا تستخدم سوى في الأدوية.

• زيت عافية خالي من الكولسترول ولم يثبت ذلك علميًّا، وغير حاصل على تصريح من الجهات المختصة؛ مثل: هيئة المواصفات القياسية والجودة.

ولقد تضمَّنت بعض هذه الإعلانات ألفاظًا سوقية، تجرح مشاعر المشاهدين، وتُثير الشهوات والغرائز؛ مثل: إعلان سيراميكا لابوتيه على قناة سي بي سي.

ثالثًا: إعلانات الخدمات:

• إعلان اتصالات يحرِّض الجمهور على ترْك شبكاتهم والانتقال إليهم في غمْزٍ ولمز يتنافى مع قواعد المهنة ومواثيق الشرف.

• إعلان فودافون المبالغ فيه بحشد من نجوم السينما والمسرح، وبعض المذيعين بتكلفة طائلة دون مُبرر في معرض الصراع مع اتصالات وموبينيل.

• سرقة فكرة إعلان موبنيل (أنا موبونيل) إلى (أنا قطونيل).

• إعلان أونست للتطوير العقاري يقدِّم صورًا بالكمبيوتر والتسليم بعد عام، ومَن يسدِّد كامل القيمة، يحصل على التشطيب والفرش مجانًا!

رابعًا: المسابقات:

وقد درجت بعض القنوات المتخصصة في المسابقات عبر التليفون - على بث صورتين لأحد المشاهير مع الطلب من المشاهد توضيح الفروق بين الصورتين، ولا يُعلَن للمشاهد عن سعر الدقيقة اعتمادًا على إثارة غريزة الطمع عند الجمهور بالإعلان عن جوائز تصل إلى عشرة آلاف دولار، بدون شفافية أو وجود مُحكِّمين، وهو نوع من النصب العلني تُمارسه قنوات: قناة بيرجس، قناة توب، قناة مزيكا زووم...، حتى القنوات الحكومية دخلت المزاد؛ مثل: نايل لايف في مسابقة الأنبياء في القرآن الكريم!

وأخيرًا، لقد خرج صنَّاع الإعلان التليفزيوني في رمضان عن غاياته التي يتعين أن يكون رائدها خدمة المشاهد، الذي لن يفيد شيئًا من مشاهدة هذه البذاءات، فالعمل الإعلاني - سواء كان مقروءًا أو مرئيَّا، أو مسموعًا أو رقميًّا - يتعيَّن أن يتمتَّع بوظيفة اجتماعية، فيُقيم التوازن بين حرية الرأي والتعبير، وبين مصلحة المجتمع وأهدافه.

• أن الإعلانات المذاعة خلال شهر رمضان، قد جرحت مشاعر ملايين المشاهدين، وخدَشت حياءهم، وصارت منبرًا لنشر الألفاظ النابية، ودون استخدام العبارات الملائمة، الأمر الذى يُعَد مخالفة صريحة للقوانين والمواثيق الإعلامية وللشريعة الإسلامية، واعتداءً على السكينة العامة التي يتعيَّن أن يتمتَّع بها المواطن وأُسرته لدى مشاهدة البث التليفزيوني، فلا يخجل شخص من المادة الإعلامية التي تتضمن العلم والمعرفة، ولا يتحول بأُسرته عما يبث خشية أن يَخسر أعوامًا قضاها في تربية أبنائه على القِيَم والفضائل، فضلاً عن المخالفة الجسيمة لأحكام المواد (1) و (2) و (4/3،4) من القانون رقم 13 لسنة 1979، المعدل بالقانون رقم 223 لسنة 1989، والمادتان (56) و(63) من قانون ضمانات وحوافز الاستثمار الصادر بالقانون رقم 8 لسنة 1997.

التوصيات والمقترحات:

1- إن الأجهزة الرقابية والجهات الحكومية المَعنية بتقديم الخدمات المختلفة - غير كافية لحماية المستهلك من الإعلانات المضللة في المرحلة الراهنة، ولا بد من اعتماد آلية جديدة لذلك في ضوء التحديات المستقبلية.

2- لا بد من التعاون الفوري لإنشاء مرصد دائمٍ على مدار العام يُموِّله جهاز حماية المستهلك، مع إنشاء لجنة استشارية فنية لمعاونة رئيس جهاز حماية المستهلك.

3- السعي لإصدار قانون تنظيم الإعلانات يتضمَّن كافة الإجراءات التي تحافظ على حقوق المستهلك والدفاع عنه.

4- التعاون مع المنظمات المَعنية بحماية المستهلك الإقليمية والعربية والدولية للاستفادة من خبراتها في مجال حماية المستهلك.

5- السعي للتعاون مع المؤسسات الإعلامية؛ لإعداد برامج موجهه تهدف إلى خلْق الوعي لدى المستهلك حول السلع والخدمات المتعلقة بصحته، وتَوْعيته بمضارِّ الدعايات والإعلانات التجارية المُضللة.

6- إعطاء أوليَّة لتعديل كافة التشريعات التي تُعنى بحماية المستهلك؛ لتحديثها بما يتوافق مع متطلبات المرحلة القادمة: (قانون منع الغش / قانون التسعير / قانون حماية الملكية / أنظمة التجارة الخارجية).

7- تطوير منظومة المؤسسات التعليمية والبحثية وأجهزة الرقابة، وتوفير مستلزماتها (البشرية المادية)؛ للاستفادة من خدماتها لمصلحة المستهلك.

من البحوث المشاركة في مؤتمر مستقبل الإعلام في مصر؛ والذي عُقد في القاهرة 29 ديسمبر 2012