• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    السلاسل الحقيقية لا ترى!
    أمين محمد عبدالرحمن
  •  
    تطوير العلاقات الإنسانية في الإسلام
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    المحطة الثامنة: القرارات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    التربية بالقدوة: النبي صلى الله عليه السلام
    محمد أبو عطية
  •  
    مهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    الإنذار المبكر من التقاعد المبكر
    هشام محمد سعيد قربان
  •  
    دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة العملية ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / التربية والتعليم
علامة باركود

منهج التربية الإسلامية في تنظيم الغريزة الجنسية

محمد علي الخطيب

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/2/2008 ميلادي - 2/2/1429 هجري

الزيارات: 62683

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

منهج التربية الإسلامية في تنظيم الغريزة الجنسية


• حرَّم الإسلامُ الرهبانيةَ؛ لأنها تخالف الفطرة، وتصادم السنن، وتعطل الحياة.
• الإسلام لا يستقذر الشهوات ولا ينكرها، ولكنه ينظمها ويضبطها.
• المثالُ الذي يسعى الإسلام إلى تحقيقه، لا يخرج عن حدود الطاقة البشرية.
• مشكلة الجنس في الغرب هي ثمرة موقف النصرانية المعادي للحياة الجنسية.
• مجتمع الصحابة لم يعرف المشكلة الجنسية، والزواج عندهم سهلٌ ميسَّر.

•     •     •     •     •

أ- ربَّانية لا رهبانية:
ذم القرآنُ الرهبانيةَ التي ابتدعها النصارى؛ لأنها تخالف الفطرة، وتعطل الحياة، وتصادم السنن، ولأنها طغيان في الميزان، ولذلك أنكر القرآنُ على الذين يحرمون زينة الله وطيباته {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ....} [الأعراف: 32].

إن الطيبات مائدة الله بسطها في أرضه ودعا إليها رسله، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، ودعا إليها المؤمنين، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ...} [البقرة: 172]، فهل يدعونا الله إلى مائدته ثم نعرض عن دعوته ولا نجيب؟! وهل نملك ألا نجيب؟! وهل يستطيع الإنسان أن يستغني عن خير ربه وفضله؟ ولو اتجه هذا الاتجاه، قسراً لطبيعته وقهراً لفطرته، فهل يطيق صبراً، ويواصل سيراً؟ وهل ستكون النتيجة لو تصبر وواصل السير في هذا الطريق المعاكس للفطرة إلا توقف الحياة وهلاك الإنسان؟. 

إن الله -سبحانه- أباح الطيبات، فما ينبغي لأحد أن يحرمها على نفسه، أو يحمل غيره على تحريمها، أو ينتقص ممن تناولها بلا وكس ولا شطط، والله أبصرُ من هذا المتنطع بما يُصلح حياةَ الإنسان ويسعده، ولو علم في الطيبات أذى، لوقاه منها، ولنهاه عنها.

إن حب الشهوات والميل إليها فطرةٌ جُبل عليها الإنسانُ، وهي تقوم بحفظ الحياة وإنمائها، فكيف تذم وتهجر؟ {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14]. فالإسلام لا يعرف الكبت؛ لأنه يعترف بالشهوات والغرائز والنوازع الفطرية عموماً، ولا يستقذرها، ولا يقوم نظامُه على قهرها وإلغائها، ولكنه ينظمها ويضبطها، وينبه الإنسانَ على استعداده للتسامي فوقها، والتطلع إلى ما هو أكبر من الدنيا وأحسن، إذ أتبعَ تقريرَ تلك الحقيقة، الدعوةَ إلى ما هو أسمى وأكبر، فقال: {وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 15]. والقرآن في أساليبه البيانية يقابلُ دوماً متاعَ الدنيا بنعيم الآخرة، لتحقيق التوازن في سلوك الناس حتى لا يسترسلوا في تناول شهوات الدنيا، ويستغرقوا فيها، فتشغلهم عن ذكر الله والآخرة، وعلى ضوء هذا نفهمُ ما ورد في ذم الشهوات وعيبها، فإنه لم يأت منعًا كاملاً لها، ولكنه ذم للطغيان فيها، ولو أخذ الإنسانُ منها بقدر المباح لما لحقه ذم أو عيب، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} [المائدة: 87–88]. 

وقد روى ابن جرير في تفسيره بسنده عن ابن عباس في سبب نزول هذه الآيات أن رهطاً من الصحابة قالوا: نقطعُ مذاكيرَنا ونتركُ شهواتِ الدنيا، ونسيح في الأرض كالرهبان. وعنه أيضاً أن رجلا أتى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني إذا أصبتُ من اللحم انتشرتُ وأخذتني شهوتي فحرمت اللحم؟ فأنزل الله تعالى ذكره الآية.

إنَّ تعذيبَ الجسد، وتحميلَه ما لا يطيق ليس من مقاصد الإسلام، ولا من وسائله لبلوغ الكمال الإنساني؛ لأن المثال الذي يسعى الإسلام إلى تحقيقه، لا يخرجُ عن حدود الطاقة البشرية، كما قال سبحانه: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} [البقرة: 286]، ولذلك نهى –صلى الله عليه وسلم- عن صوم الوصال؛ لأنه خرج من حدّ التهذيب إلى حدِّ التعذيب، ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: نهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن صوم الوصال رحمةً بالناس، فقالوا: إنك تواصل. فقال: (إني لست كهيئتكم؛ إنّي يطعمني ربي ويسقين). ومن وصاياه -صلى الله عليه وسلم- ما رواه أبو داود في سننه عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (اكلَفوا من العمل ما تُطيقون؛ فإن الله لا يملُّ حتى تملُّوا؛ فإن أحب العمل إلى الله أدومُه وإن قل). ومن شذَّ عن هذا المنهج الوسط المعتدل عن هوى أو خرج عنه لا يريد إلا الخير، وجب ردُّه إليه وتقويمُ سيره حتى يستقيم على الطريقة، كما فعل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مع النفر الثلاثة ومع عبد الله بن عمرو وعثمان بن مظعون وسواهم. 

ب- موقف الإسلام من الغريزة الجنسية بين الإباحية والرهبانية:
يمتاز الإسلامُ عن غيره من سائر الأديان والمذاهب في سياسته للجنس بأنه دين وسط بين المذاهب الإباحية التي أطلقت للغريزة العنان، وبين الرهبانية التي تتجه إلى كبت الغريزة وقهرها، فالإسلامُ لا يعادي الجنس ولا يستقذره، ولكن يستجيب للضرورة الجنسية عن طريق نظام الزواج وتشريعاته، وينظم العلاقةَ بين الرجل والمرأة، ويضع التدابيرَ الصحية كالنظافة والاعتدال ونحوه بصراحة متناهية دون نفاق أو مواربة.

يقول علي عزت بيغوفيتش -رحمه الله- في مقالة له بعنوان: (المرأة بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الغربي):
"إن الإسلام لا يرفض الحياة الجنسية، لأنه يدعو إلى حياة طبيعية وسعادة الحب، بقدر ما يدعو إلى صحة البدن والقوة والشجاعة والجهاد وكسب المال، ولأنه يعارض الإعراض عن الدنيا كما يعارض الإسراف فيها. يطالبنا الإسلام بجني (الثمار السماوية) إضافة إلى (الثمار الأرضية) ويسمح للإنسان أن تمتد يداه   –اللتان رفعتا إلى الله متذللة بالدعاء قبل قليل  –  نحو مسرات الدنيا، ولا تعلمنا الآدابُ الإسلامية الإلحاحَ في ذكر المحرمات؛ لأن الإسلام لا يسعى لإقامة جدار يحوط جميع الأنهار التي يمكنها إرواء العطش. ولا يطالب الإسلام بالقضاء على الشهوات، بل يطالب بالسيطرة عليها، ولا يسعى لقطع الشهوة الجنسية، لكنه يضع لها الضوابط والحدود"[1].

"إن مطالبة الإنسان بأمور تتنافى مع طبيعته، وتخرج عن دائرة طاقته، مثل إتلاف البدن والإعراض عن الجنس وقطع الشهوة، يمكن أن تأتي بنتائج عكسية كانتشار الزنى بالطريقة التي نشاهدها في دول الغرب، يؤكد الفيلسوف كيركيغارد أن موقف النصرانية المعادي للحياة الجنسية أنشأ مشكلة الجنس، ويضيف ديني دي روزمون في كتابه أساطير الحب: "إن المشكلة الجنسية تظهر فقط في أوربا في صورتها المعقدة؛ لأن التعاليم والأخلاق النصرانية هزت أوربا لكون النصرانية في صدام أبدي مع متطلبات حياة عامة الناس".

وفي حقيقة الأمر تكوّن المجتمع الأوربي -والكلام للسيد علي عزت بيغوفتش- تحت تأثير متزامن لفلسفتين متناقضتين: الفلسفة النصرانية المعادية كلياً للحياة الجنسية، والفلسفة المادية الداعية إلى التمتع بكل ما في هذه الدنيا الوحيدة، وبما أن الخيار النصراني مستحيل البلوغ في واقع الحياة -بغض النظر: اعترف هؤلاء بذلك أم لا - فإن الغلبة كانت من نصيب الفلسفة الثانية، وظل الإسلام أبداً يبحث ويجد طريق الوسطية في الحياة الجنسية شأنه في بقية أمور الحياة؛ لأن الإسلام كان وبقي فلسفة الممكن في الحياة" ا.هـ[2].

وهذا الذي نبه عليه فلاسفةُ الغرب سبقهم إليه علماء الإسلام؛ يقول ابن الجوزي، وهو يقرر هذه الحقيقةَ، أي أن الرهبانية وقطع الشهوة، يمكن أن تأتي بنتائج عكسية، يقول في كتابه الشهير (تلبيس إبليس) في باب: (ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ترك النكاح): واعلم أنه إذا دام تركُ النكاح على شُبان الصوفية أخرجهم إلى ثلاثة أنواع: -فذكر منها النوع الأول وهو المرض بحبس الماء. ثم (النوع الثاني) وهو: الفرار إلى المتروك-، فقال: "فإن منهم خلقاً كثيراً صابروا على ترك الجماع فاجتمع الماءُ فأقلقوا وجاعوا فلامسوا النساء، ولابسوا من الدنيا أضعافَ ما فروا منه، فكانوا كمن أطال الجوعَ ثم أكل ما ترك في زمن الصبر. والنوع الثالث: الانحرافُ إلى صحبة الصبيان؛ فإن قوماً منهم أيسوا أنفسهم من النكاح فأقلقهم ما اجتمع عندهم فصاروا يرتاحون إلى صحبة المرد"[3].

وعلى ضوء ذلك نتبينُ حكمةَ تشريع الزواج في الإسلام، وحض الشباب عليه، والإنكار على من اتجه إلى تحريمه بدعوى التفرغ للعبادة وهجر الدنيا.

ج- الإسلام يستجيب للطبيعة الجنسية:
يستجيب الإسلام للطبيعة الجنسية، فهو يحض على الزواج، ويرغّب فيه، وفي صحيح مسلم عن علقمة قال: كنت أمشي مع عبد الله بمنى فلقيه عثمان، فقام معه يحدثه فقال له عثمان: يا أبا عبد الرحمن ألا نزوجك جارية شابة لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك؟! قال: فقال عبد الله: لئن قلت ذاك، لقد قال لنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).

وهو لا يرغّب في الزواج فحسب، بل يدعو إلى مراعاة الحياة الزوجية، ويعد الجماع صدقة وعبادة، ففي الصحيحين أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (وفي بُضْع أحدكم صدقة). قالوا: يأتي أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجر!. قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟). قالوا: نعم، قال: (وكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر). ثم قال: (أفتحتسبون الشر ولا تحتسبون الخير!). فما أعظمَ هذا المنهج!. وما أحكمَه وأعدلَه وأصوبه حيثُ لا ينقطعُ المرءُ عن آخرته حتى في حالة جماعه لزوجه، وهو مستغرق في أكبر صور المتعة الحسية، ويؤجر ويثاب، ويسمي الله في أول الجماع، ويتعوّذ من الشيطان!. روى الشيخان من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال: رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدّر بينهما ولد في ذلك لم يضرّه الشيطان أبداً). وهذه - لعمر الحق - دقة متناهية في الوزن والحساب والربط والتوفيق بين المادية والروحية، لا يقدر عليها منهج آخر.

قد يقال: نعم الزواج يحل المشكلة الجنسية، ولكن لا سبيل إليه مع غلاء المهور وتكاليف المعيشة الباهظة، كما أن العفة تكليف شاق في مجتمع يعج بالشهوات، ويمتلئ بالمثيرات، ويهيج على ارتكاب الجريمة الجنسية!. وهذا صحيح، فحياة المدنية المعاصرة والتأجيل غير الطبيعي للحياة الزوجية يفضي إلى كل مثبط عن الزواج، في الوقت الذي يقدِّم فيه إلى الناس كلَّ باعث على الصلة الجنسية وكل سبيل يسهل أداءها، ولا مفر -والأمر كذلك- من أن تضعف قوةُ الضبط، ويأخذ الجسد في الثورة، ويستفحل في المجتمعات التحللُ الجنسي والإباحي، ويزهد الناس في الزواج، ويفضي ذلك -على المدى البعيد- إلى انهيار نظام الأسرة برمته ومن ثم انهيار النظام الأخلاقي والاجتماعي!.

هل الإسلام هو المسؤول عن المشكلة الجنسية في المجتمعات المعاصرة؟! كلا، الإسلام ليس مسؤولاً عنها؛ لأنه –باختصار- نُحِّيَ عن الحياة، واتخذه الناسُ وراءهم ظهرياً، فهو دين لا يعرف شيئاً اسمه "المشكلة الجنسية"، ولا يعاني أي عقد أو اضطرابات تجاه الحياة الجنسية، كتلك التي تعيشها الفلسفةُ النصرانية المتزمتة، فهو يعترف بالضرورة الجنسية، ويلبيها عن طريق الزواج، وييسر تكاليفه، ويزيل كل ما يعوقه، ويطهر المجتمع من كل ما يثير الفتنة، ويهيج على الجريمة، فالإسلام منهج معتدل وسط، لا يكبت المشاعر، ولا يطيل الحرمان[4]، ونظامه الاجتماعي والاقتصادي يعين على الزواج المبكر بتوفير أسبابه وفتح أبوابه وإزالة عوائقه، من خلال نظامه الكلي الشامل، حيث تتكامل تشريعاته ونظمه، وتتعاون فيما بينها، لتحقيق غاياته وأهدافه، أما تعقيداتُ المجتمع الحالية اجتماعياً واقتصادياً، فالمجتمع نفسه هو المسؤول عنه؛ لأنها من صنع يديه، وعلى الناس أن يرجعوا إلى دينهم، ويتكيفوا مع فطرتهم.

د- سهولة الزواج:
هذا الزواج الذي يعد في نظر كثير من الشباب اليوم حلماً، ودونه خرطُ القتاد، هذا الزواج سهل ميسور لكل أحد، بفضل تعاليم الحنيفية السمحة، ففي السنة: (إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة) رواه أحمد والبيهقي في شعب الإيمان. وقد ورد النهي في السنة عن التغالي في المهور، ففي الحديث الشريف: (إن من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها)، رواه أحمد والنسائي. وهذا خلاف ما عليه الناس اليوم من المغالاة في المهور والولائم والأثاث والجهاز وتكاليف الأفراح الباهظة؛ إذ تكثر أسباب الاستهلاك، وتتعدد أنواعه من الطعام والشراب والترفيه وسواه.

وعندما تطَّلع على زواج الصحابة -رضوان الله عليهم- يأخذُك العجبُ، وتستولي عليك الدهشةُ من سهولته ويسره، ولذلك خلا مجتمعُهم من شيء اسمه المشكلة الجنسية، وخلا من مشكلة الكبت الجنسي والعزوبة والعنوسة والعُقد التي يعانيها الناسُ اليوم، ويتجرعون مراراتِها، حتى الأيامى من نساء الصحابة كانت إحداهن لا تنقضي عدتُها حتى تصير ذات زوج، وتتمتع بطبيعتها الجنسية ولا تحرم منها، وقد يطول بنا الكلامُ لو أردنا عرض نماذج من زواجهم، ولكن خذ عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل مثلاً، تزوجها عمرُ بن الخطاب، وهي ابنة عمه وكان لها محباً وبها معجباً (كذا في البداية والنهاية)، وقد كانت قبله تحت زيد بن الخطاب، فقُتِل عنها، وكانت قبل زيد تحت عبد الله بن أبي بكر فقُتل عنها، ولما مات عمر تزوجها بعده الزبيرُ، فلما قُتِل خطبها علي بن أبي طالب فقالت: إني أرغب بك عن الموت!، وامتنعت عن التزوج حتى ماتت. [انظر: البداية والنهاية -ابن كثير- أحداث سنة إحدى عشرة- جزء 6 - صفحة 353]. ولما تزوج علي فاطمة -رضي الله عنهما- قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (أعطها شيئاً!). قال: ما عندي شيء!. قال: (أين درعُك الحُطَمِية فأعطها إياه)، رواه النسائي والحاكم. فهذا مهر فاطمة بنت محمد أكمل نساء العالمين، لقد زوجها أبوها بدرع، فهل أنقص ذلك من قيمتها؟. عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: (ألا لا تغالوا بصداق النساء؛ فإنها لو كانت مكرمةً في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله! ما علمتُ رسولَ الله –صلى الله عليه وسلم- نكح شيئاً من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية)، رواه الترمذي والنسائي وأحمد.

ولكن ماذا كان جهاز فاطمة؟ قال علي: جهز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاطمة خميلاً ووسادة حشوُها إذخر -أي قش-. ووصف جابر عرس فاطمة فقال: حضرنا عرس فاطمة، فما رأينا عرساً أحسن منه، حشونا الفراش ليفاً، وأتينا بتمر، وزبيب فأكلنا، وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش. أما عرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصفية -رضي الله عنها- فقد وصفه أنس، فقال: حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أمُّ سليم ، فأهدتها له من الليل، فأصبح النبي عروساً، فقال: من كان عنده شيء فليجئ به (وفي رواية: من كان عنده فضل زاد فليأتنا به). قال أنس: وبسط نطعاً فجعل الرجل يجيء بالأقط، وجعل الرجل يجيء بالسمن، وجعل الرجل يجيء بالتمر، فحاسُوا حَيْسًا، فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس، ويشربون من حياضٍ جنبَهم من ماء السماء، فكانت وليمة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. رواه الشيخان وغيرهما.

فأين هذه الوليمة اليسيرة من ولائم الأفراح الضخمة التي يقيمها المسلمون اليوم، فيبددون أموالهم، ويهدرون ثرَواتِهم، ويخربون بيوتهم بأيديهم ابتغاءَ الشهرة والسمعة والرياء؟!.

بل حدثنا التاريخُ عن أعراس لبعض أولاد الملوك والأمراء، انتهت بخزينة الدولة إلى الإفلاس.

[انظر: تحفة العروس، محمود مهدي الإستامبولي، المكتب الإسلامي، ط6، 1986م، ص 83].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] المجتمع، العدد 1109، المرأة بين المجتمع الإسلامي والمجتمع الغربي، علي عزت بيغوفيتش.
[2] المجتمع، العدد نفسه. 
[3] تلبيس إبليس - ابن الجوزي - دار الكتاب العربي - بيروت - ط1، 1405 - 1985 - تحقيق: د. السيد الجميلي - جزء 1 - صفحة 361.
[4] التطور والثبات في حياة البشر - محمد قطب - دار الشروق - ط4 - 1400هـ - 1980م - ص 305 وما بعده.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • منهج المالقي في شرحه: الدر النثير
  • أهمية التربية الإسلامية في المحافظة على المال العام
  • الانتكاسة التربوية
  • مجلة "جسد": مجلة جنسية من صناعة لبنانية
  • المرأة وجيل التحرير
  • التربية الجنسية في الإسلام: قواعد وضوابط
  • الاعتداء الجنسي على الأطفال (شهادة من الغرب)
  • العائدون بالموت والعار
  • الزنا الإلكتروني
  • الثقافة الجنسية في الغرب: سقوط المبادئ وزيف الادعاءات
  • مظاهر التربية الإسلامية
  • أهمية التربية الإسلامية
  • هل هناك حاجة لثقافة جنسية؟
  • الأمم المتحدة والدفاع عن اللواط والإباحية الجنسية
  • التربية القيمية وخطوات "تحل"
  • اختيار موضوع البحث في التربية الإسلامية
  • تنظيم الغريزة الجنسية
  • تابع لما مضى من تنظيم الغريزة الجنسية
  • لا هم يعلو فوق هم التربية (خطبة)
  • فن التربية بالفسحة للأطفال وأنواعها
  • أسطورة تغيير الجنس

مختارات من الشبكة

  • أولويات التربية "عقيدة التوحيد"(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • المناهج المعاصرة لقراءة النص "مناهج الفكر في الحضارة الإسلامية"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سيد المناهج (المنهج الوصفي)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مدلول المنهج والتواصل والحوار اللغوي والاصطلاحي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا إله إلا الله: منهج حياة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوجيز في مناهج المحدثين للكتابة والتدوين (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما هو منهج الفصحى؟(مقالة - حضارة الكلمة)
  • منهج النبي في تهذيب الغريزة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة العاشرة: أضواء على المنهج العقدي في وصايا لقمان)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة السادسة: تابع منهج الإمام الطبري في التفسير)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)

 


تعليقات الزوار
2- سوف اتبع ذلك مع ابنتى
على مبروك - مصر 21-02-2008 10:10 PM
سؤل الإمام البصرى لمن تزوج ابنتك قال لمن يتقى الله فان أحبها أكرمها وان كرهها لم يظلمها
1- التربية الجنسية
اسماعيل - المغرب 21-02-2008 04:04 PM
السلام عليكم،

لاشك في أن الإسلام دين الاعتدال و اليسر و الإلتزام به يوصل الإنسان إلى الكمال الذي يسعى إليه.

مع ذلك، نحتاج إلى تربية جنسية سليمة لتأهيل الأطفال لهذه المهمة الصعبة للغاية. فإن الجماع و التفكير فيه بالنسبة له هو صدمة كبيرة في مقتبل العمر.
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب