الحقوق بين الزوجين

الحقوق بين الزوجين

• إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد:

أقول وبالله التوفيق:

الحقوق الزوجية تنقسم إلى ثلاثة أقسام؛ هي:

حقوق الزوجة، وحقوق الزوج، وحقوق مشتركة بينهما.

فيجب على كل واحد من الزوجين أداءُ ما عليه من الحقوق للآخر، والقيام بما عليه من الواجبات؛ ليصفوَ العيش بينهما، وتهنأ الأسرة، وتكمل السعادة الزوجية.

أولًا: حقوق الزوج على زوجته:

• للزوج على زوجته حقوق يجب عليها أن تقوم بها نحوه؛ ومن هذه الحقوق ما يلي:

1- أن تُطيعه فيما يأمرها.

وطاعة المرأة لزوجها ليست مطلقةً، بل هي طاعة مشروطة بأن تكون في غير معصية لله تعالى، فإنْ أمَرها زوجها بمعصية كأن تخلع حِجابها، أو تترك الصلاة، أو أن يجامعها في حيضها أو في دُبُرِها، فإنها لا تطيعه.

2- أن تحفظ سِرَّه، ولا تخبر به أحدًا.

3- أن تَقَرَّ في البيت، ولا تخرج إلا بإذنه.

4- أن تمكِّنه من نفسها إذا دعاها إلى فِراشه، ما لم يكن هناك مانع شرعي.

5- ألَّا تأذن لأحدٍ أن يدخل بيته إلا بإذنه.

أمَّا لو علِمت رضا الزوج بذلك، فلا حرج عليها إن كان ممن يجوز له الدخول عليها.

6- ألَّا تصوم صيامَ تطوعٍ وزوجها حاضر إلا بإذنه.

7- ألَّا تُنفق من ماله إلا بإذنه.

8- المحافظة على بيته وماله وأولاده، وحسن تربيتهم.

9- أن تقوم بخدمته وخدمة أولاده.

لا خِلاف بين العلماء في مشروعية خدمة الزوجة لزوجها في بيت الزوجية، والقول الراجح وجوب خِدمتها له بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوَّع ذلك بتنوُّع الأحوال، واختلاف طبقات الناس، وما جرى به عُرفهم وعاداتهم، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخِدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة.

وخِدمتها له مبنيَّة على العُرف، والعُرف يلزمها بالقيام بمصالح البيت الداخلية.

وليس معنى هذا ألَّا يقوم الزوج بمساعدة زوجته في بعض ما تقوم به، بل ينبغي عليه أن يراعي ظروف زوجته، فلا يرهقها ويحمِّلها ما لا تستطيع.

10- أن تحفظه في عِرضها وأولاده وماله.

11- ألَّا تجحد فضله وتعاشره بالمعروف.

أي: تُظهر السرور والراحة بالحياة في كنفه، والقيام على أموره وأمور ولده، وخدمته، وعدم التخلِّي عنه، وعدم الشِّكاية منه، وغير ذلك.

12- أن تتزيَّن له وتتجمل.

13- ألَّا تَمُنَّ عليه إذا أنفقت عليه وعلى أولاده من مالها.

14- أن ترضى باليسير وتقنع به، ولا تكلِّفه فوق طاقته.

15- ألَّا تفعل ما يؤذيه ويُغضبه.

16- أن تُحسن معاملةَ والديه وأقاربه.

17- أن تحرص على الحياة معه، فلا تطلب الطلاق لغير سبب شرعيٍّ.

18- أن تَحِدَّ عليه إذا مات أربعةَ أشهرٍ وعشرًا.

ثانيًا: حقوق الزوجة على زوجها:

• للزوجة على زوجها حقوق مالية؛ كالصَّداق وقد تقدم ذِكره وبيانه، والنفقة، وحقوق معنوية غير مالية؛ كالعدل وإحسان العِشرة، وطيب المعاملة؛ وتفصيل ذلك على النحو الآتي:

1- حسن العِشرة مع الزوجة: وذلك بإكرامها والتلطف معها، ومداعبتها والرفق بها، وأن يَسْمر معها، ويحدِّثها ويستمع إلى حديثها، وأن يعلِّمها ما ينفعها في أمور دينها، ويحثَّها على الطاعة، وأن يطيِّبَ خاطرها، ونحو ذلك مما يؤلِّف قلبها، ويجلب المحبة والمودة.

2- النفقة والكِسوة والسُّكنى بالمعروف.

أما النفقة فالمراد بها: ما ينفقه الزوج على زوجته وأولاده من طعام وكُسوة وسُكنى، ونحو ذلك، ونفقة الزوجة واجبة على الزوج بالكتاب والسنة والإجماع؛ لأنها محبوسة على الزوج، يمنعها من التصرف والاكتساب لتفرغها لحقِّه، فكان واجبًا عليه أن ينفق عليها إلا الزوجةَ الناشز.

وللزوجة مع زوجها عند الإنفاق سبع حالاتٍ؛ هي:

الأولى: يجب على الزوج أن ينفق على زوجته بما يصلح لمِثلها، وذلك يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة، والأحوال والعادات، وحال الزوج وعُسره.

الثانية: يجب على الزوج نفقة زوجته المطلَّقة الرجعية، وكسوتها وسُكناها، لكن لا قسم لها.

الثالثة: الزوجة البائن بفسخ أو طلاق لها النفقة إن كانت حاملًا، فإن لم تكن حاملًا، فلا نفقة لها ولا سكنى.

الرابعة: الزوجة المتوفَّى عنها زوجها لا نفقة لها ولا سكنى، إلا إن كانت حاملًا، فإن كانت حاملًا، وجبت نفقتها من نصيب الحمل من التركة، فإن لم يكن له مالٌ، فعلى وارثه المُوسِر.

الخامسة: إذا نشزت المرأة أو حُبست عن زوجها، سقطت نفقتها إلا أن تكون حاملًا.

السادسة: إذا غاب الزوج ولم ينفق على زوجته، لزِمَه نفقةُ ما مضى.

السابعة: للزوجة طلب الفسخ من الزوج إذا أُعسر بالنفقة، فإن غاب ولم يدَع لها نفقة، أو تعذر أخذها من ماله، فلها الفسخ منه بإذن الحاكم.

ولإيجاب النفقةِ للزوجة على زوجها شروط؛ منها:

أولًا: أن تمكِّنه من الدخول بها، فإن امتنعت من الدخول بها بغير عذرٍ، فلا نفقة عليه.

ثانيًا: أن تكون الزوجة مُطيقة للوطء بألَّا تكون صغيرة، أو بها مانع من الوطء.

ثالثًا: أن يكون الزواج صحيحًا، فإن كان فاسدًا فلا نفقة لها على الزوج.

رابعًا: أن يكون الزوج موسرًا، فلو كان مُعْسِرًا لا يقدر على النفقة، فلا نفقة عليه مدةَ إعساره.

خامسًا: أن تكون غير ناشز، فإذا خرجت عن طاعته فلا نفقة لها.

وتقدير هذه النفقة مبنيٌّ على اعتبار الكفاية للزوجة والأولاد بالمعروف، وهذا يختلف بحسب اختلاف الأحوال والأمكنة والأزمنة، ومبني أيضًا على حال الزوج في اليَسار والإعسار.

وفي حالة إذا كان الزوج بخيلًا لا يقوم بكفاية زوجته، فلها الحق أن تطلب من القاضي فرضَ ما يكفيها من نفقة الطعام والكِسوة والمسكن.

فإن امتنع الزوج عن أداء ما يجب عليه من النفقة، فلزوجته أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها بالمعروف.

أما الكسوة: فقد أجمع العلماء على أنه تجب الكسوة للزوجة على زوجها، إذا مكَّنته من نفسها على الوجه الواجب عليها.

ولأن الكسوة لا بد منها على الدوام، فلزمته كالنفقة.

كما أجمعوا على أنه يجب أن تكون الكسوة كافيةً للمرأة، وأن هذه الكفاية تختلف باختلاف طولها وقصرها، وسمنها وهزالها، وباختلاف البلاد التي تعيش فيها في الحر والبرد.

أما السُّكنى فهي واجبة للزوجة على زوجها باتفاق العلماء؛ لأن الله تعالى جعل للمطلقة الرجعية السكنى على زوجها، فوجوب السكنى للتي هي في صلب النِّكاح أولى.

ولأن الله تعالى أوجب المعاشرة بالمعروف بين الأزواج، ومن المعروف المأمور به أن يُسكنها في مسكنٍ تأمن فيه على نفسها ومالها.

كما أن الزوجة لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون، والاستمتاع، وحفظ المتاع؛ فلذلك كانت السكنى حقًّا لها على زوجها.

وصِفة المسكن المعتبر شرعًا للزوجة هو سَعَةُ الزوج، وحال الزوجة، قياسًا على النفقة، باعتبار أن كلًّا منهما حقٌّ مترتب على عقد الزواج.

واتفق الفقهاء على أنه لا يجوز الجمع بين امرأتين في مسكن واحد؛ لأن ذلك ليس من المعاشرة بالمعروف، ولأنه يؤدي إلى الخصومة التي نهى الشارع عنها، ولأن كل واحدة منهما قد تسمع حسَّه إذا أتى الأخرى، أو ترى ذلك؛ مما يثير بينهما العداوة والغَيرة، ونحو ذلك.

3- أن يَغضَّ الطرف عن بعض أخطائها، ما لم يكن فيه إخلال بشرع الله.

4- ألَّا يؤذيها بضربها في وجهها أو تقبيحها.

ويجوز ضرب الزوجة إذا نشزت وتركت طاعة زوجها، والضرب في هذه الحالة له ثلاثة ضوابط:

أولًا: أن يكون بعد عدم جدوى الوعظ والهجر في الفِراش.

ثانيًا: أن يكون ضربَ تأديبٍ غيرَ مبرِّحٍ يكسِر النَّفس، ولا يكسر العظم.

ثالثًا: أن يُرفع الضرب ويُمنع، إذا امتثلت لطاعة زوجها.

5- ألَّا يهجرها إلا في البيت، إلا أن تكون هناك مصلحة شرعية في الهجر خارج البيت.

6- أن يُعِفَّها؛ وذلك بأن يستمتع بها ويجامعها، ويلبي رغبتها الجنسية؛ ليقصر طرفها عن الحرام، وعن التطلع إلى غيره، فإن للمرأة شهوةً كالرجل.

7- أن يأذَن لها إذا استأذنته في الخروج لشهود الجماعة، أو زيارة الأقارب، إذا أمِنَتِ الفتنة.

8- ألَّا ينشر سِرَّها ويذكر عيبها.

9- أن يتزين لها كما تتزين له.

10- أن يُحسن الظن بها.

11- أن يعدِل بينها وبين ضَرتها في السكن واللباس، والطعام والشراب، والمبيت والنفقة بقدر الاستطاعة، فيعاشر زوجاته باللطف والبشاشة، ولا يمنعهن حقوقهن، ولا يحرمهن ما يطلبن من المباح، ولا يكلِّفهن ما لا يُطِقن، ويرعاهن ويخدمهن؛ لتتحقق سعادته وسعادتهن.

12- استشارتها في الأمور التي تخصها وأولادَها، وغيرها.

13- عدم الجمع بين الزوجات في مسكن واحد إلا برضاهن.

ثالثًا: الحقوق المشتركة بين الزوجين:

أغلب الحقوق الماضي ذكرها حقوق مشتركة بين الزوجين، وبخاصة حق الاستمتاع وما يتبعه من حقوق، وكذا تحسين كلٍّ من الزوجين خَلقه لصاحبه، وتحمُّل أذاه، ومعاشرته بالمعروف، فلا يماطله بحقه، ولا يَتَكَرَّه لبذله، ولا يتبعه أذًى ومِنَّةً.

ومن الحقوق المشتركة أيضًا: ثبوت التوارث بينهما بمجرد العقد إذا مات أحدهما.

وكذلك ثبوت حرمة المصاهرة بينهما، وقد سبق بيان ذلك فيما مضى عند ذكر المحرمات بسبب المصاهرة.

أخي الحبيب:

• أكتفي بهذا القدر، وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافيًا كافيًا في توضيح المراد، وأسأله سبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل، وما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ أو زَلَلٍ، فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، والله الموفِّق، وصلِّ اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.