تطوير المهارات الشخصية في ضوء الشريعة الإسلامية

تطوير المهارات الشخصية في ضوء الشريعة الإسلامية

المقدمة:

الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، ووهبه العقل والإرادة والعزم، وميَّزه بالقدرة على التعلم والتطور، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

إن تطوير المهارات الشخصية يُعَدُّ من الأمور الهامَّة التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع؛ حيث إن تطوير هذه المهارات يساعد في تحسين الأداء الشخصي والمهني، ويعزز من قدرة الإنسان على التفاعل الإيجابي مع الآخرين؛ مما يعود بالنفع في جميع الأصعدة. من جهة أخرى ومن منظور الشرع الإسلامي الحنيف، نجد أن الإسلام قد اهتمَّ بتطوير الإنسان في جميع الجوانب وعلى جميع المستويات، سواء الفكرية أو النفسية أو الأخلاقية، ولم يترك الإنسان هملًا؛ بل وضع لذلك منهجًا متكاملًا مستندًا إلى الوحي الإلهي من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

أهمية تطوير المهارات الشخصية في الإسلام:

تقدم كلامنا عن أهمية تطوير المهارات الشخصية بإيجاز، لكني هنا أُبيِّن أهم المحاور التي ترجع بالنفع في مسائل المهارات الشخصية، ومنها:

1. تحقيق مقصد الاستخلاف في الأرض:

معلوم أن الله تعالى خلق الإنسان ليكون خليفةً في الأرض، وجعله مسؤولًا عن بنائها وإعمارها وفق المنهج الذي حدَّده الشارع الحكيم، قال تعالى: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]. وهذا يقتضي أن يكون الإنسان قادرًا على تطوير ذاته ومهاراته ليحقق الغاية التي خُلِق لأجلها.

2. السعي في طلب العلم وتنمية القدرات:

لا يخفى على أحد أن الإسلام حثَّ على طلب العلم والبذل لتعلمه، وجعله من أهم وسائل تطوير المهارات الشخصية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "طلبُ العلم فريضةٌ على كل مسلم"[1] والعلم يشمل العلوم الشرعية والدنيوية التي تعود بالنفع على الأمة.

3. استثمار الوقت وتحقيق الإنتاج:

معلوم أن الوقت هو رأس مال كل إنسان، والإسلام أكَّد على أهمية استثماره في الأعمال النافعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه..."[2]، ومن أفضل وسائل استثمار الوقت تطوير المهارات وتنميتها.

مجالات تطوير المهارات الشخصية في الإسلام:

إن مجالات تطوير الشخصية في الإسلام كثيرة، ولعلي أُوجزها في النقاط التالية:

1. المهارات الاجتماعية والتواصل الفعَّال:

فقد حثَّ الإسلام على حسن التعامل مع الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلم مَنْ سَلِم المسلمون من لسانه ويده"[3]، كما أمر بحسن الخلق فقال: "إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا"[4].

2. مهارة ضبط النفس وإدارة المشاعر:

ولعل الكثير منا يحتاج إلى التركيز على هذا الجانب، فالإسلام يُوجِّه المسلم إلى التحلِّي بالحلم وكظم الغيظ، قال تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 134]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة؛ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"[5].

3. مهارات التخطيط والتنظيم:

يحثُّنا الإسلام على حُسْن إدارة التخطيط والتنظيم، ويتجلَّى ذلك في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يُرتِّب أعماله وينظمها، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "اعقلها وتوكَّل"[6]، وهو توجيه إلى ضرورة الجمع بين التخطيط والتوكُّل على الله.

4. مهارات الإبداع والتفكير الإيجابي:

الإسلام يدعونا إلى التفكير الإيجابي والإبداع في العمل وإتقانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه"[7]. والتفكير بإيجابية مع الإتقان في الأعمال لا يتحقق إلا بتطوير تلك المهارات وتنمية تلك القدرات والعمل على تغيير كل ما هو سلبي إلى إيجابي، ويبدأ ذلك بالتفكير والتدبير بإيجابية وطرد الأفكار التي من شأنها أن تثبط الهمم وتخور العزم.

5. مهارات القيادة واتخاذ القرار:

القائد الناجح هو الذي يملك القدرة على الإدارة والحكمة والبصيرة في اتخاذ القرار، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم القادة، ومن توجيهاته في القيادة قوله لأبي ذرٍّ: "يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة"[8]، وهذا يدل على أهمية امتلاك القائد للمهارات اللازمة لأداء الأمانة، وهذه المهارات يلزم تطويرها وتحديثها، إذ صحيح منها ما يكون جبِلِّيًّا، لكن مع تقدم العلم والتكنولوجيا لا بد من مواكبة هذه التطورات وتمكين الشخصية الإدارية من مهارات جديدة تمكنها من حُسْن التعامل مع المتغيرات.

وسائل تطوير المهارات الشخصية في الإسلام:

من أراد تطوير مهاراته الشخصية فإنه يحتاج إلى وسائل معينة تعينه على الوصول لمراده، والإسلام جعل لهذا الأمر وسائل عديدة، وعلى الطالب والمريد أن يلتزم تلك الوسائل والسعي لتطبيقها على الوجه الصحيح الذي وضعت له، ومن هذه الوسائل:

1. الالتزام بالعبادات:

العبادات تُهذِّب النفس، وتقوِّي الإرادة، وترفع الهمة، وتضبط بوصلة الالتزام بالقيم العليا من الأمر، والعمل بكل ما هو تحت سقف المعروف، والابتعاد عن الرذائل والنقائص التي تندرج تحت كل المناكير، وكل ذلك يبدأ بالتزام الصلاة والمحافظة عليها، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].

2. مصاحبة الصالحين:

المجالس مدارس كما يقولون، وتؤثر في الشخصية، والصحبة لها دور كبير من ناحية التأثير والاكتساب سواء على المستوى الشخصي أو السلوكي، قال الشاعر:

واختر قرينك واصطفيه تفاخرًا إن القرين إلى المقارن ينسب ودع الكذوب فلا يكن لك صاحبًا إن الكذوب يشين حرًّا يصحب وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن ثرثارة في كل نادٍ تخطب وارع الأمانة والخيانة فاجتنب واعدل ولا تظلم يطب لك مكسب واحذر مصاحبة اللئيم فإنه يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب

وخير منه قوله صلى الله عليه وسلم حين قال: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"[9].

3. القراءة والتعلم المستمر:

القراءة والتعلُّم المستمر من أهم وسائل تطوير الذات وتنمية الفكر؛ حيث يوسعان مدارك الإنسان ويفتحان له آفاقًا جديدة من المعرفة. يساعدان على تعزيز القدرة على التفكير النقدي وحل المشكلات بفعالية. كما يسهمان في تحسين المهارات اللُّغوية والتواصلية؛ مما ينعكس إيجابيًّا على الحياة المهنية والاجتماعية. يسهم التعلم المستمر في مواكبة التغيرات والتطورات في مختلف المجالات؛ مما يجعل الفرد أكثر استعدادًا لمواجهة التحديات.

إن القراءة تُعَدُّ غذاءً للعقل والروح، فهي تمنح الإنسان متعة الاكتشاف، وتزيد من ثقته بنفسه. وعلى هذا فالمسلم مطالب بتوسيع مداركه والمواصلة في مسيرة الطلب، قال الله تعالى: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 3].

4. التدرُّب على المهارات العملية:

من المهم بمكان التدرب على المهارات العملية؛ كـالتواصل، وإدارة الوقت، واتخاذ القرار، وتحمل المسؤولية. والإنسان كلما تدَرَّب وأعاد أتقن واستفاد.

5. التوكل على الله والسعي الجاد:

لا يتحقق النجاح إلا بالسعي الجاد مع التوكُّل على الله سبحانه وتعالى، فلو عملت ليلًا نهارًا والكل يدعمك دون خشية لله وطلب التوفيق منه سبحانه وتعالى؛ فلن تنجح أبدًا، والعكس بالعكس، فمن بذل واجتهد واتقى، فلن يخذله الله الكريم أبدًا، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2].

الخاتمة:

يتضح من خلال ما سبق أن الإسلام يُشجِّع على تطوير المهارات الشخصية، وجعل ذلك جزءًا من منهج حياة المسلم، ليكون أكثر نفعًا لنفسه ولمجتمعه. ومن خلال الالتزام بتوجيهات الشريعة الإسلامية، يمكن للفرد أن يسير في طريق التطور الشخصي والنجاح في الدنيا والآخرة.

نسأل الله أن يوفقنا جميعًا لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.