اختيارات (6)

اختيارات (6)

الصبر والرضا بما قسم الله سُلَّمٌ رائع يقود إلى الراحة والصحة النفسية، رغم المصائب والمنغِّصات والابتلاءات؛ فالصبر والرضا بما قسم الله يجعلك تنظر للحياة بإيجابية، بعيدًا عن التشاؤم، وكذلك الإحباط واليأس، مهما حصل، ومهما جرى، ومهما خسِرنا من ممتلكات، أو أهل وأحباب، خاصة هذه الأيام كما سمعنا ما حلَّ بإخواننا في المغرب وليبيا، فحرِيٌّ بنا أن نقف وقفات عديدة مع الابتلاءات والمنغصات التي نلاقيها في الحياة؛ فمنها:

1- لا بد أن نعلم عِلْمَ اليقين، ونعرف أن كل شيء بأمر الله، وأن له حكمة عرَفها من عرف، وجهِلها من جهل، ونعلم أيضًا أن ما أراده الله كائن لا محالة، فلْنُسَلِّم ونرضَ بذلك.

2- ولتعلم أن البلاء والمصائب لا تصيب البعض دون البعض، فالكل مبتلًى على قَدْرِه، وليس الابتلاء فقط للعصاة والمقصرين، فقد ابتُلِيَ الأنبياء والمرسلون والصالحون، والصغار والكبار، والأغنياء والفقراء، وكله بأمر الله.

3- البعد كل البعد عن السخرية أو الشماتة بمن ابتلاهم الله، فلا تَشْمَتْ بأخيك، فيعافيه الله ويبتليك، فليس من أخلاق المسلم ذلك، وإنما ينبغي الشفقة والرحمة، والشعور بآلامهم وأحزانهم، فهذا من الأخوة الإسلامية.

4- العلم بلا شكٍّ ولا ريب أن الله أرحم الراحمين، وهو أرحم بنا من أنفسنا، ومن أمهاتنا، فمهما حصل، فالملك مُلْكُهُ يتصرف فيه كيف يشاء، وهو الحكيم الخبير سبحانه.

5- عندما نرى ونلاحظ هذه الزلازل والفيضانات، نستذكر ضعفنا وقلة حيلتنا، فمهما تكبَّر هذا الإنسان وطغى وظلم غيره، سيظل ضعيفًا أمام قوة الله وعظمته؛ قال تعالى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: 59].

6- ونعلم علم اليقين أيضًا أن هذه الدنيا لا تثبُت على حال؛ حيث تتقلب؛ إذ بين غمضة عينٍ وانتباهتها يغيِّر الله من حال إلى حال، من الفقر إلى الغِنى والعكس، ومن الصحة إلى المرض والعكس، فلا تدوم الدنيا بحال لأحدٍ؛ فالنجاة كل النجاة في القرب من الله، واللجوء إليه، والانطراح بين يديه.

7- الحياة قصيرة، فلا نعلم متى نودِّع الدنيا، فلا داعي للأضغان والأحقاد، والغل والحسد فيما بيننا، فلا بد من التسامح والتصالح، خاصة مع من نحب؛ فَقَدْ نَفْقِدهم ولا نراهم بعد ذلك، فالمتسامح رابح.

8- وفي مثل هذه الأحداث، فالناس مطالبون بالتكاتف والتراحم والتعاون، كل واحد قدر استطاعته؛ فما نقص مال من صدقة، ورُبَّ درهم سبق ألف درهم، وكذلك التعاون والتكاتف المعنوي؛ فلا نشمت بأحد، ولا نزيد من جراح أحد، وليُصبِّر بعضنا بعضًا؛ فالمؤمن أخو المؤمن.

9- وفي الأخير لا بد أن نعرف طرفًا من فوائد الابتلاء والحكمة من ذاك كما ذكرها العلماء؛ حتى نطمئن أكثر، ونسلم الأمر لله مهما حصل؛ فمنها:

♦ أن الابتلاء وسيلة للتمكين في الأرض، قيل للشافعي رحمه الله: يا أبا عبدالله، أيهما أفضل للرجل أن يمكَّن أو يُبتلى؟ فقال الشافعي: لا يُمكَّن حتى يُبتلى، فإن الله تعالى ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات الله عليهم أجمعين، فلما صبروا - على الابتلاء – مكَّنهم".

♦ إن في البلاء تمحيصًا للمؤمن، وتخليصًا له من الشوائب والمعاصي التي يقترفها، وإن كان غير ذلك، فيرفع الله درجته ومكانته عنده؛ فقد ابتُلي الأنبياء والمرسلون.

♦ البلاء يردع ويحذر من الغرور الذي يصيب الإنسان، فيتمادى في المعاصي والمنكرات، فتأتي البلايا والمصائب كجرس إنذار؛ ليرجع الإنسان إلى ربِّه ويُقبِل عليه.

♦ إن في البلاء رحمةً بالعصاة، وتخفيفًا عنهم يوم القيامة؛ فقد ناله بعض الجزاء في الدنيا، وعُوقب على تقصيره.

10- ولنعلم أن هناك أسبابًا ترفع البلاء وتكشف الضُّرَّ:

فمنها: محاولة معرفة الأسباب التي نزل العذاب لأجلها، فيتخلص منها، ومِن ثَمَّ يراجع العبد نفسه بالاستغفار والتوبة، والإنابة والتضرع إلى الله تعالى، والثبات على دينه، والصبر على قضائه، والاحتساب فيه، وعدم التسخط والاعتراض على القضاء والقدر.