• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    البطالة النفسية: الوجه الخفي للتشوش الداخلي في ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حقوق الأولاد (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    مقومات نجاح الاستقرار الأسري
    د. صلاح بن محمد الشيخ
  •  
    تطوير المهارات الشخصية في ضوء الشريعة الإسلامية
    يوسف بن طه السعيد
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    المحطة الحادية عشرة: المبادرة
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    تحليل محتوى المواقع الإلكترونية لحوادث انتشار ...
    عباس سبتي
  •  
    طلب طلاق وشكوى عجيبة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    المحطة العاشرة: مقومات الإيجابية
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    أنماط التعليم الإلكتروني من حيث التدرج في ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    وصية امرأة لابنتها في زفافها
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    المحطة التاسعة: العادات
    أسامة سيد محمد زكي
  •  
    الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    هبة فيها النجاة!
    أ. رضا الجنيدي
  •  
    بركة الزوج الصالح على الزوجة في رفع درجتها في ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تربية الأطفال في ضوء توجيهات سورة الحجرات
    محمد عباس محمد عرابي
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / التربية والتعليم
علامة باركود

تربية الأفراد وكيفية غرسها فيهم

تربية الأفراد وكيفية غرسها فيهم
جمال بامسعود

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/11/2021 ميلادي - 7/4/1443 هجري

الزيارات: 8091

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تربية الأفراد وكيفية غرسها فيهم

 

المحاور:

• تمهيد:

1- مفهوم تربية الأفراد.

2- الفرق بين التربية والتعليم.

3- أهداف تربية الأفراد.

4- طبائع المتربين.

5- صفات المربي وشروطه.

6- مجالات تربية الأفراد.

7- طرق ووسائل غرس التربية في الأفراد.

8- طرق التعامل مع أخطاء المتربين.

9- معوقات تربية الأفراد.

 

التمهيد:

مما لا شك فيه أنه لا توجد تربية للأفراد كتربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه؛ لِما تميزت به من تفوقٍ بديع في مختلِف الجوانب والمجالات، وإذا أردنا أن نحقق تربية متميزة للأفراد، فعلينا أن نهتديَ بهديِ النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية تربيته لأصحابه؛ ولذا سيكون موضوعنا هذا معتمدًا على منهجية النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية تربيته لأصحابه.

 

أولًا: مفهوم تربية الأفراد:

لغة: مصدر من الفعل ربا؛ بمعنى: الازدياد والنمو، أو التنشئة والتغذية.

 

واصطلاحًا: عملية تشكيل الشخصية السَّوِيَّةِ المتكاملة والمتزنة في جميع جوانبها روحيًّا وعقليًّا وجسميًّا، والقادرة على التكيف مع البيئة الاجتماعية التي تعيش فيها.

 

ومن خلال المفهوم السابق يُفهم أن التربية عملية متكاملة في تنشئة الفرد المسلم، وأنه حينما يختل جانب من جوانبها، تكون نتيجةُ ذلك شخصيةً ناقصة وغير سوية، وقد تتعرض للفتن والْمِحن في أمور الدين أو الدنيا، فلا تثبت فيها.

 

ثانيًا: الفرق بين التربية والتعليم:

هناك فرق واضح بين عملية التربية من جهة، والتعليم من جهة أخرى، فالتعليم يمثل جزءًا من التربية، والتربية تشمل التعليم، والعكس غير صحيح.

 

فالتربية - كما ذكرنا سابقًا - عملية متكاملة تشمل جميع جوانب الإنسان الروحية والعقلية والجسمية، وأما التعليم فهو جزء من عملية التربية الكاملة، تسعى إلى تنمية العقل وصَقْلِه وتمكينه من اكتساب بعض المعارف والمهارات التي تلزمه في حياته.

 

ثالثًا: أهداف تربية الأفراد:

من الطبيعي أن يكون لكل شيء هدف أو أهداف، وهذه الأهداف هي عبارة عن نتيجة في الواقع للمستهدف، ومن أجل أن نحقِّق النتائج الجيدة، علينا أن نضع نُصبَ أعيننا الأهداف التي نسعى إليها من خلال هذه التربية.

 

ويمكن تقسيم أهداف التربية إلى نوعين من الأهداف:

‌أ. الهدف العام للتربية الإسلامية:

ويتمثل الهدف العام للتربية الإسلامية في تحقيق معنى العبودية لله تعالى؛ انطلاقًا من قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

 

فالهدف الأساسي لوجود الإنسان في الكون هو عبادة الله، والخضوع له، وتعمير الكون؛ بوصفه خليفة الله في أرضه.

 

والعبودية لله تعالى لا تقتصر على مجرد أداء شعائرَ ومناسكَ معينةٍ؛ كالصلاة، والصيام، والحج مثلًا، وإنما هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.

 

فالإنسان الذي يريد أن يتحقق فيه معنى العبودية، هو الذي يخضع أموره كلها لِما يحبه الله تعالى ويرضاه؛ سواء في ذلك ما ينتمي إلى مجال الاعتقادات، أو الأقوال، أو الأفعال، فهو يُكيِّفُ حياته وسلوكه جميعًا لهداية الله وشَرْعِهِ، فلا يفتقده الله حيث أمره، ولا يجده حيث نَهَاه، وإنما يلتزم بأوامر الله فيأتي منها ما استطاع، وينزجر عن نواهيه سبحانه فلا يقربها؛ تصديقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا نهيتُكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم))[1]؛ فالمسلم دائمًا إذا أمره الله تعالى أو نهاه، أو أحل له، أو حرم عليه - كان موقفه في ذلك كله: ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].

 

‌ب. الأهداف الفرعية للتربية:

إن تحقيق الهدف العام للتربية - متمثلًا في العبودية الحقة لله تعالى - يتطلب تحقيق أهداف فرعية كثيرة؛ منها:

1- التنشئة العقدية الصحيحة للأفراد: لإعداد الإنسان الصالح الذي يعبد الله عز وجل على هدًى وبصيرة.

 

2- أن يتخلق الفرد بالأخلاق الحميدة: من صدق، وأمانة، وإخلاص... إلخ؛ مقتديًا في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي شهد له ربه سبحانه بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، وعملًا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما بُعثتُ لأتُمِّمَ مكارم الأخلاق))[2]؛ وبذلك يمكن تهيئة المجتمع المسلم للقيام بمهمة الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

3- تنمية الشعور الجماعي للأفراد: بحيث يرسخ لدى الفرد الشعور بالانتماء لإخوانه؛ فيهتم بقضاياهم وهمومهم، ويرتبط بهم؛ عملًا بقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان، يَشُدُّ بعضُهُ بعضًا، ثم شبَّك بين أصابعه))[3]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالحمَّى والسَّهَرِ))[4]، وبذلك تتأكد روابط الأخوة الإيمانية الصادقة بين أبناء الأمة المسلمة.

 

4- تكوين الفرد المتزن نفسيًّا وعاطفيًّا: وذلك بحسن التوجيه وحسن الحوار، ومعالجة المشاكل... إلخ؛ مما يساعد على تكوين شخص فاعل، وعضو نافع لدعوته وإخوانه.

 

5- صقل مواهب الأفراد ورعايتها:لتكوين الفرد المبدع، الذي يتمتع بالمواهب والمَلَكَاتِ التي باتت ضرورة مُلِحَّة في الوقت الحاضر، وذلك بتنمية قدرات الفرد على التفكير الابتكاري، ووضع الحلول للمشكلات المختلفة، وتنمية قدراته على التركيز والتخيل والتعبير، واستثارة الذهن بالأسئلة والمناقشات، وتوجيهه إلى الأمور التي قد تكون أكبر من سنِّهِ، ورفع همته، وتنظيم تفكيره.

 

6- تكوين الفرد الصحيح جسميًّا وبدنيًّا:الذي يستطيع القيام بدوره وواجبه في عمارة الأرض، واستثمار خيراتها، والقيام بأعباء الاستخلاف في الأرض ومهامِّه التي جعله الله خليفته فيها؛ عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف))[5]؛ ولهذا شجع الإسلام أمورًا تقوِّي الجسم؛ كالرمي، والفروسية، والسباحة، وكان الصحابة يتبارَون ويتمرَّنون على رمي النبل، وصارع الرسول صلى الله عليه وسلم ركانة بن عبديزيد، فَصَرعَهُ صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك سببًا في إسلامه[6].

 

رابعًا: طبائع المتربين:

من المعلوم أن البشر بمختلف أشكالهم وألوانهم، وأعمارهم وبلدانهم، المتقدمين منهم واللاحقين - لديهم جِبِلَّةٌ واحدة، وخِلْقَة واحدة منذ ولادتهم؛ وهي التسليم لله ولدينه، ولكن المؤثرات التي حولهم هي التي تؤثر في معتقداتهم وسلوكهم؛ ((يقول الله: إني خلقتُ عبادي حنفاءَ، وإنهم أتتهم الشياطين فاجْتالتْهُم عن دينهم، وحرَّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتهم أن يُشركوا بي ما لم أُنزل به سلطانًا))[7]؛ يقول الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى في معرِضِ ردِّه على سؤال حول الحديث المتفق عليه: ((ما من مولود إلا يُولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانِه وينصِّرانه ويمجِّسانه...))[8]: "فبيَّن سبحانه أنه خلق عباده حنفاء موحدين، ولكن طرأ الشرك عليهم بعد ذلك بسبب المضللين من آبائهم وأمهاتهم وغيره، والشياطين تشمل شياطين الإنس والجن، وكذلك ما يفعله الإنس هو من تزيين الشياطين... شياطين الجن لهم، حتى يجروهم إلى هذا الباطل بوساوسهم وتزيينهم"؛ ا.هـ.

 

ولذلك أصبحت طبيعة البشر بسبب هذه المؤثرات فيها صفات ربما لا تنفك عنها، أو ربما تعود إليها بين الفَينة والأخرى ما لم يرْدَعْها الوازع الديني لدى المتربي، الذي ينبغي على المربي أن يغرسه ويزرَعه فيه.

 

ومن المهم معرفة طبائع المتربين؛ لأنهم بشر يَعتريهم ما يعتري البشر، فمعرفة المربي لهذه الطبائع يُبعد الصورة المثالية التي قد تكون في ذهنه، فإذا تعامل معهم أو ربَّاهم، يربيهم ويتعامل معهم كبشر ناقصين، يقعون في السهو والخطأ، وهذا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كما سيأتي، ومن أهم هذه الصفات التي تعتري البشر التي وردت في القرآن والسنة، ويجدر بالمسلم تجنُّبها:

1- التسرع: فقد خُلق الإنسان متسرعًا؛ كما ورد في قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾ [المعارج: 19 - 21]؛ أي: إن الله سبحانه خلق الإنسان سريعَ التأثر والانفعال، شديدَ الخوف إن مسَّه مكروهٌ، كثير المنع إن نزلت به نعمة، ويُراد بالهلع الوارد في الآية السابقة أن الإنسان شديدُ الحزن والخوف، إن تعرض للشر أو الضر، كما أنه ييئَس من نيل الخير بعد الشر، وفي المقابل فإنه يبخل على غيره إن نال نعمةً أو خيرًا، فخُلق الإنسان متسرعًا في سبيل نَيْلِ ما يستلذه، ولا يتمسك بما يشتهيه، وإن لم يكن خيرًا، ويصيبه الخوف والقلق بالشر، ويبخل على غيره بالخير الذي أنعم الله به عليه، وقد استثنى الله تعالى من أدى فروضه، والتزم بأوامر الله سبحانه؛ فقال: ﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 22، 23].

 

2- القنوط واليأس: قال تعالى: ﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ [الروم: 36]، فالإنسان يفرح بما أصابه من النعم، واليُسْرِ، والرخاء، وإن أصابته شدة أو مصيبة، وكثرت عليه الجائحات، أصابه القنوط من رحمة الله تعالى، واليأس من التخلص مما هو فيه.

 

3- الضعف: فقد قال تعالى: ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]، وقال أيضًا عز وجل: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الروم: 54].

 

4- الجحود: فمن الصفات الذميمة الجحودُ وعدم الاعتراف بالفضل والنعم، والجدير بالإنسان أن يتذكر دائمًا أن الحياة الدنيا موضع ابتلاء واختبار، فإن أحْسَنَ العمل، نجا وفاز، وإن أساء خسِر وضلَّ، فالله تعالى مطلع على كل أعمال العباد، خبير بها، يُحصيها بدقة، لتكون حُجَّةً وإثباتًا؛ كما قال عز وجل: ﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 67]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]، وقد ورد الجحود بصيغة المبالغة؛ لأنه كثير الوقوع من الإنسان بخلاف الشكر.

 

5- القَتْر: ويُراد به قلة النفقة والشح والبخل، وقد ذمَّه الله في قوله: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾ [الإسراء: 100].

 

6- الجدال: قال تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: 54]، ويُقصد بذلك أن الإنسان كثير الخصومة والنزاع في الرأي، فيُراد بالجدال محاولة كل طرف إثبات صدق وصحة كلامه وحديثه، وقد يكون ذلك بالباطل لإثبات ما يوافق الهوى والرغبة، وقد يكون بالحق بهدف الوصول للحقيقة، دون الانحياز للأهواء والرغبات.

 

7- الحسد: وقد ورد ذكره في العديد من المواضع في القرآن الكريم؛ منها: قوله تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النساء: 54]، وقوله: ﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [الفلق: 5].

 

8- المنع: قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾ [المعارج: 21]؛ أي: المنع وعدم العطاء مما منَّ به الله على عباده من الخير والغِنى والمال، وعدم أداء حق الله في ذلك.

 

9- العجلة في إجابة الدعاء: فقد قال تعالى: ﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ﴾ [الإسراء: 11]، وقال الإمام الطبري رحمه الله: "يدعو الإنسان على نفسه وولده وماله بالشر، فيقول: اللهم أهلِكه والْعَنه عند ضَجَرِهِ وغضبه، كدعائه بالخير: يقول: كدعائه ربه بأن يهب له العافية، ويرزقه السلامة في نفسه وماله وولده، يقول: فلو استُجيب له في دعائه على نفسه وماله وولده بالشر، كما يُستجاب له في الخير، هَلَكَ، ولكن الله بفضله لا يستجيب له في ذلك".

 

10- عدم الرضا: فقد قال تعالى: ﴿ لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ ﴾ [فصلت: 49]، ويقصد بذلك أن الإنسان لا يَمَلُّ من التوجه لله بالدعاء لتحقيق ملذات الحياة الدنيا، سواءً في الغِنى والمال، أو الولد، وغير ذلك من الملذات، دون القناعة والرضا بما نال، ودون التطلع لِما أعده الله في الآخرة من النعيم المقيم.

 

11- النسيان: يطلق لفظ النسيان في القرآن، ويُراد به معنيان؛ الأول: نسيان الشيء، وزوال العلم به، والثاني: ترك العمل بشكل متعمد، وهو المقصود بقوله تعالى: ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾ [التوبة: 67]؛ أي: تركوه فتركهم؛ ذلك لأن الله لا ينسى، وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ [مريم: 64]، والنسيان في الآية السابقة يُراد به التَّرْكُ العمد.

 

12- الظلم والجهل: وقد قال الحسن: "ظلومًا لنفسه، جهولًا لأمر ربه"، في تفسير قول الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]، وقد ورد وصف لطبائع الإنسان مجملًا في القرآن؛ بقوله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]، فقد بيَّنت الآية أن التكاليف التي يفرضها الدين من الأمور الواجبة، ويأمر بها الشارع - أمرٌ يصعب تنفيذه، ويخافه كل صاحب قوة، لا تستطيع الجبال حمله، بالرغم من مكانتها وحجمها، وإن حاولت، ومع ضعف الإنسان وجهله، فإنه حملها، وقد ظلم نفسه بذلك؛ إذ حمَّلها ما لا تُطيقه.

 

13- الخطأ والوقوع في المعاصي: قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [فاطر: 32]، فهو سبحانه جعل ممن اصطفاهم وذكرهم من عباده الظالمَ لنفسه؛ وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، فها هنا سبحانه لم يُخرجهم من كَونِهم عبادَه مع إسرافهم في الذنوب والمعاصي؛ ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوابون))[9]؛ فالخطأ واقع من كل ابن آدم، والمعصوم من عصمه الله تعالى.

 

ومن خلال ما سبق، يتضح أن المسلم تعتريه حالاتٌ ضعف يقع فيها؛ فيُقصِّر في الطاعة، أو يقع المعصية، أو قد ينحرف عن الطريق، وقد حدث مثل ذلك في الصدر الأول لبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ودور المربي هنا متابعته والمحافظة عليه، ونصحه ورده إلى الطريق الصحيح، لا هجره والبعد عنه، والكلام عليه، والتنفير منه.

 

فإذا عرفت هذه الصفات وغيرها، كانت وظيفة الدعاة والمربين مسايسة المتربين وتوجيههم، وتقويمهم وتهذيبهم، حتى يتخلَّقوا بأضدادها.

 

خامسًا: صفات المربي وشروطه:

وبما أننا تعرفنا على صفات المتربين السلبية، فينبغي أن نتعرف على صفات المربين وشروطهم المطلوبة التي من خلالها يستطيع المربي أن يسوسهم ويقودهم ويوجِّههم، ومن أهم هذه الصفات والشروط:

1- الربانية: أن يكون هدفه وسلوكه وتفكيره ربانيًّا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾ [آل عمران: 79]؛ أي: تنتسبون إلى الرب جل جلاله بطاعتكم إياه، وعبوديتكم له، واتباعكم لشريعته، ومعرفتكم لصفاته، وإذا كان المربي ربانيًّا، استهدف من كل أعماله ودروسه أن يجعل الأفراد أيضًا ربانيين، يَرَون آثار عظمة الله، ويستدلون عليها في كل ما يدرسون، ويخشعون لله، ويشعرون بإجلاله عند كل عِبرة من عِبَرِ التاريخ، أو سُنَّة من سُنن الحياة، أو سُنن الكون، أو قانون من قوانين الطبيعة، فينبغي على المربي أن يهتم بحاله مع ربه، فيعطي وقتًا لنفسه، فيرعاها ويُزكِّيها باليقين الصادق والعبادة الصحيحة، فيهتم بكل ما يسمو بروحه، ويقرِّبه من ربه، فالبناء الإيماني والتعبدي للمربي يسهم في تكوين الشخصية الربانية التي يتعلق قلبها بخالقها، ولا تنخدع بزخارف الدنيا ومباهجها ومناصبها وألقابها، ويعين في ذلك الإكثار من العبادات والنوافل بخشوع وخضوع، وكثرة الذكر والدعاء، وتلاوة القرآن وتدبُّر آياته، وأول ميادين تربية النفس (التربية الإيمانية)، فهي المحرك لكل خير، والدافع لكل رشد، وليعلم المربي أن التربية زاد وعطاء، وأنه لا يستطيع العطاء المستمر لإخوانه دون زاد مستمر؛ ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]، ومن الغفلة المُهلِكة أن يظن المربي أنه سيُغير من إخوانه بتربيتهم، وهو غير قادر على تغيير ما بنفسه؛ لأن فلاحَهُ في تربية إخوانه يقوم أساسًا على نجاحه في ميدان نفسه، وبدون هذه الصفة لا يمكن للمربي أن يحقق هدف التربية؛ لأن عبادة الله تعالى يجب أن تعمَّ نظرتنا إلى الكون، وأعمالنا كلها في الحياة، وتفكيرنا كله.

 

2- الإخلاص: أن يكون مخلصًا، وهذا من تمام صفة الربانية وكمالها؛ أي: ألَّا يقصد بعمله التربوي وسَعَةِ علمه واطلاعه إلا مرضاة الله، والوصول إلى الحق، وإحقاق الحق؛ أي: نشره في عقول الأفراد، وجعلهم أتباعًا له، فإذا زال الإخلاص، حلَّ محله التحاسد بين الأفراد، فيصبح كلٌّ منهم يتعصب لرأيه أو طريقته، ويسود الغرور والأثَرَةُ عِوَضًا عن التواضع للحق وعن الإيثار؛ إيثار الحق على الهوى، وهكذا بدون إخلاص، تصبح الدعوة مسرحًا للمهاترات، أو بثِّ الدعوات المغرِضة وتمزيق الأُخوَّة، وتفريق الإخوة، أو تضليل عقول الأفراد بدعوتهم إلى ما يراه، لا ما تراه الدعوة، ولا مجدَ لهذه الأمة إلا بتربية أجيالها على تحقيق مرضاة الله وشريعته، واستهداف ذلك في كل المجالات التعليمية والتربوية بإخلاص وعناية، لا بأن يكتفيَ بكلمة في مقدمة الدرس أو الكتاب قد لا تؤدي الغرض المطلوب، وقد يقصد بها التمويه، أو مجرد مسايرة المنهج، فالإخلاص معناه أن ينبعث الهدف من أعماق النفس عن قناعة، وأن يصبر المربي على تحقيقه وبلوغه.

 

3- الصبر: أن يكون صبورًا على معاناة التعليم، وتقريب المعلومات إلى أذهان المربين؛ لأن ذلك يقتضي مِراسًا وتكرارًا، وتنويعًا للأساليب، ومكارهة للنفس على تحمل المشقة، ولأن الناس ليسوا سواءً في القدرة على التعلم؛ فلا يستطيع المربي أن يساير هوى نفسه، فيتعجل رؤية نتائج عمله قبل نضج المعلومات في نفس المتربي نضجًا تصبح معه قابلة للتطبيق العملي، وقبل تطوير السلوك، وقبل أن تكتمل القناعة عند المتربين، تتحمس نفوسهم وعواطفهم، وتُستثار انفعالاتهم استثارة كافية لتحقيق ما يتعلمونه في حياتهم ومجتمعهم، فتنهض به أمَّتُهم.

 

4- الصدق: أن يكون صادقًا فيما يدعو إليه، وعلامة الصدق أن يُطبِّقَهُ على نفسه، فإذا طابق علمُهُ عملَهُ، اتبعه المتربون، وقلَّدوه في كل أقواله وأفعاله، أما إذا خالف عمله لِما يدعو إليه، فإن طلابه يشعرون بعدم عزمه على تحقيق ما يقول، أو بعدم إيمانه بما يقول، أو بعدم جدية أقواله.

 

5- الاتصاف بكريم الأخلاق: أن يتحلى الأخ المربي بكريم الأخلاق والسمعة الطيبة وحسن المعاملة، مقتديًا في ذلك بحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبذلك يستطيع أن يَسَعَ إخوانه بأخلاقه؛ ففي الحديث: ((إنكم لا تَسَعُون الناس بأموالكم، ولكن لِيَسَعْهم منكم بسطُ الوجه، وحسن الخلق))[10]، ومما يلزم المربي من أخلاق أساسية سعةُ الصدر، والرفق والرحمة، ولين الجانب، والعفو والصفح: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، والإنسان أسير الإحسان، والقلوب دائمًا تُقبل على المحسنين وتلتف حولهم، ولنا في أصحاب يوسف بالسجن عبرة وآية: ﴿ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 36]، وكما أننا نَسَعُ مَن نربي بأخلاقنا، فإننا أيضًا نربيهم على هذه الأخلاق عمليًّا من خلال ما يَرَونه فينا من كريم الشمائل، وجميل الخِصال، ونستطيع أن نخرج من هنا بحقيقة، وهي: أن أخلاق المربى عبادة يتقرب بها إلى ربه، وطريقة يجمع بها قلوب إخوانه، وميدان لتربية إخوانه.

 

6- توسيع علمه ومداركه: أن يجتهد المربي في تحصيل العلوم النافعة التي يتزود بها لنفسه، ويفيض بها على إخوانه، فعليه أن يأخذ من كل باب بقدر أهميته في مجال عمله التربوي، والضابط في ذلك: (تعلق ما يحصِّل بما يعمل)، والإفادة العلمية هنا لا تتوقف عند الفوائد النظرية، ولكن تتعدَّاها إلى الخبرات والتجارب العملية التي تمثل ترجمة حقيقية للمعارف والعلوم، ومن واجبات المربي نحو نفسه في هذا الباب هو البناء الفكري المرتبط بميدان الدعوة والتربية؛ كفهمه لخصائص الدعوة ومنهجها، ومعرفته قدرًا من تاريخها، مع استيعابه لثوابت الدعوة ومتغيراتها وفِقْهِ الدعوة، ويعين في ذلك القراءةُ العميقة لسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، ورسائل وكتابات فقه الدعوة.

 

7- تطوير ذاته وقدراته: أن يبذل المربي جهدًا في تطوير ذاته وقدراته التي تؤهله ليمارس مهامه بفاعلية، وترفع من كفاءته في العملية التربوية، ومن ذلك اكتساب بعض المهارات الأساسية اللازمة؛ مثل: مهارات (التخطيط التربوي، وحل المشكلات، والعرض والإلقاء، والحوار والمناقشة، والمتابعة والتقويم التربوي، وتوظيف الطاقات، وغرس القيم، وتعديل السلوك...؛ إلخ)، ويلزمه أيضًا استيعابه لمنهج المرحلة التي يربى فيها الأفراد، وكيفية السير بالمنهج لتحقيق أهدافه، وكيفية توظيف وسائل التربية المختلفة لخدمة مفردات المنهج وأهدافه، ومن مكملات البناء الذاتي للمربي أن يحرص على التعرف على أنماط الشخصية، وكيفية التعامل مع كل نمط، ثم عليه أن يستوعب مجالات وميادين العمل الدعوي المتاحة؛ ليستطيع توجيه إخوانه فيها كلٌّ حسب طاقاته وقدراته.

 

8- المعايشة التربوية للمتربي: أن يحرص المربي على تحقيق وتعميق المعايشة التربوية مع وبين إخوانه، سواء كانت معايشة فردية أو جماعية، والمعايشةُ بصورتَيها: الفردية، والجماعية - تُسهم كثيرًا في تحقيق التربية من تعارُفٍ وتفاهم وتكافل، وتعزز من روابط القلوب ووحدة المشاعر بين الأفراد، وتهيئ المعايشة البيئية الداعمة للنمو التربوي؛ لأنها تسمح للمربي أن يتعرف عن قُرْبٍ على إخوانه، سواء على ما لديهم من قدرات ومواهب وطاقات، فيوجِّهها ويُحسن توظيفها، أو على ما لديهم من مشكلات وصعوبات، فيسعى معهم لحلِّها وتجاوزها، ولكي تحقق المعايشة مغزاها من الانفتاح المنضبط والمخالطة التربوية الهادفة، لا بد أن تتنوع وسائلها ومناشطها وأساليبها، وحينئذٍ سيربي المربي إخوانه في بيئات وأجواء تربوية متنوعة، وأحوال مختلفة، عندها يستطيع التربية الفاعلة، والتوجيه القائم على المعايشة العملية لواقع الأفراد، ونخلُص منذ ذلك إلى حقيقة مفادها: (أن المعايشة العميقة أساس التربية الصحيحة).

 

9- تعميق الجانب الإيماني التعبدي عند المتربي: أن يركز في تربيته لإخوانه على الجانب الإيماني التعبدي، من خلال تزكية نفوسهم بالطاعات والقربات، وتحقيق العبودية لله تبارك وتعالى، مع تربيتهم على الإخلاص لله، وحسن القصد في القول والعمل، دون تطلُّعٍ إلى مَغنمٍ، أو لقب أو جاه، أو تقدم أو تأخر، ثم ينطلق من هذه الحالة الإيمانية والعبادية عند إخوانه إلى تزكية روح الجهاد والتضحية بالنفس والمال، والوقت والجهد في سبيل الله، وأن يحثهم دائمًا على عقد الصفقة الرابحة مع الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ [التوبة: 111]، ثم يعمق في نفوسهم روح التجرد لدعوتهم، ولأن التضحية والجهاد والتجرد أمور تتطلب استشعار روح الجندية، فكان لزامًا عليه أن يربيَ إخوانه على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمَنشط والمَكره، في غير معصية، ويُعوِّدهم على الدقة في أداء ما يُكلَّفون به من أعمال وواجبات.

 

10- تثبيت معاني الأخوَّة: أن يهتم المربي كثيرًا بتزكية معاني الأخوة والحب في الله بين إخوانه عمليًّا لا نظريًّا؛ لأن في الأخوة سرَّ القوة، وأن يقوِّيَ في نفوسهم مبدأ الثقة في طريق دعوتهم، وما يرتبط به من عناصر أساسية؛ كالثقة في القيادة، والثقة في المنهج، والثقة في إخوانه على طريق الدعوة، والثقة في نصر الله لهذا الدين، وأن يغرس فيهم دائمًا الأمل في تأييد الله ونصره لعباده الصالحين، وأن يُبصِّرهم دائمًا بطبيعة الطريق، مع تأكيد ضرورة الثبات رغم المِحن والعقبات، والفتن والابتلاءات، في العسر واليسر: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]، ومن واجبه أن يبصر إخوانه بالانحرافات الفكرية والحركية التي ينزلق فيها البعض، وتُبعدهم عن الطريق، حتى يتحرَّزوا منها، خاصة أنها تبدأ يسيرة ثم تزداد مع الزمن.

 

11- توظيف قدرات وطاقات المتربي: أن يتعرف المربي على قدرات وطاقات إخوانه، ويبذل الجهد في توظيفها لخدمة الدعوة، ودفعهم نحو الحركة والعمل، وذلك من خلال وضع البرامج العملية لذلك، ولا يقبل المربي القدوة أن يكون من بين إخوانه مَن لا يحمل همَّ الدعوة ويتحرك بها، ويعين في ذلك كثرة الاحتكاك والمخالطة والمعايشة، ومعرفته بميادين الدعوة ومجالاتها الممكنة، وهي كثيرة، وأن يدربهم عمليًّا ويتدرج معهم في ممارسة الدعوة والحركة بها، فينقل إليهم تجاربه أو تجارب غيره، ومن ميادين الحركة بالدعوة أن يوجِّهَهم للقيام بأدوار دعوية وتربوية نحو بيوتهم لتحقيق صفات البيت المسلم القدوة، وأيضًا توجيههم للحركة والعمل في محيط الجيران والأهل والأرحام، كذلك الحركة بالدعوة في محيط الدراسة أو محيط العمل، أو يدفعهم للعمل بأحد مجالات الدعوة التي تُناسِب قدراتهم وظروفهم، كنشر الدعوة من خلال الجامعات والمدارس، والمساجد والمراكز واللجان الدعوية، أو البر، والخدمات الاجتماعية...، أو غيرها.

 

12- تهيئة البيئات التربوية الداعمة: أن يهيئ المربي لإخوانه البيئات التربوية الداعمة لنموهم التربوي وَفق منهج المرحلة، فيعدد من النشاطات، ولا يقصر علاقته بهم في لقاء الحلقة فقط، ويحرص على تفاعلهم مع محاضن التربية المجمعة؛ كالدورات والندوات والمخيمات، وغيرها من البرامج الجماعية، ومع تهيئة البيئة للنمو، يجب عليه متابعة تقدم إخوانه، ورصد نموهم التربوي، وتقويم حالتهم وفق منهج المرحلة، إعمالًا لمبدأ (التربية بالأهداف)، فنراه يعزز المتقدم منهم ويدفعه، ويشجع المتعثر منهم ويأخذ بيده، ويُعِينه في تجاوز عثرته، ومع تهيئة البيئة ومتابعة النمو التربوي، يجب على المربي أن يجمع في تربيته لإخوانه بين أسلوبَي: التربية الفردية، والتربية الجماعية، مع مراعاة مبدأ (الفروق الفردية) في التربية، ولا يغفل أن ينميَ الذاتية في نفوس إخوانه، باعتبارها إحدى صور التربية الفردية، من خلال تربيتهم على الذاتية العبادية والاجتماعية والدعوية، وغيرها من صور الذاتية، طالَما في إطار الانضباط الحركي والتنظيمي.

 

13- التواصل البنَّاء مع الأفراد: ويكون من خلال متابعة الفرد متابعةً حثيثة للتعرف على حاله مع ربه ومع الناس، ومشاركته همومه وأفراحه وأتراحه، والوقوف إلى جانبه في أزماته، ودعوة الأفراد إلى ذلك، ومن أهم وسائل ذلك: حضور فعالياته، ومهاتفته في حال عدم التمكن، وتقديم الخدمات له؛ لِما لذلك من أثر نفسي إيجابي لدى المتربي، يُشعره باهتمام مَن حوله له، ومشاركتهم له، وهذه الصفة مهمة خصوصًا لمشايخ وقيادات الدعوة، يشعر من خلالها الأفراد بأهميتهم لدى قياداتهم ومشايخهم؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يجالس أصحابه ويمشي معهم، ويأكل من طعامهم، ويصافحهم إذا التقى بهم، ويلاطف ويداعب أولادهم، ويزورهم ويزور مرضاهم، ويتفقد أحوالهم، ويسأل عن غائبهم؛ فعن عبدالله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعهد الأنصار، ويعودهم، ويسأل عنهم))، وفي هذا قصة الصحابية التي جزعت من موت ولدها جزعًا كبيرًا، فذهب إليها وعزاها وصبرها؛ [رواه الحاكم وحسنه الألباني][11]، وفي غزوة تبوك تفقَّد أصحابه، وسأل عن كعب بن مالك عندما لم يجده بقوله: ((ما فعل كعب بن مالك؟))[12]، فسأل عنه من بين تلك الألوف، ويلحظ غيابه بين هذا العدد الضخم، ولم ينشغل بالحرب ولا مشاغلها، وسؤاله لصاحبه جابر بن عبدالله عن حاله عندما وجد فرصة في مؤخرة الجيش، عندما أخرَّه بعيره، فسأله عن حاله وأحوال أخواته، وقد كان له سبعة من الأخوات تركهن له أبوه[13]، وكذا عندما افتقد صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس، ثم عرف مشكلته، فأرسل إليه قائلًا له: ((اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكن من أهل الجنة))[14]، وكذلك قصة موت ابن صغير لصحابي الذي كان يأتيه ابنه في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم من خلف ظهره، فيُقعده بين يديه، وكان يحبه كثيرًا، فانقطع أبوه عن المجلس لحزنه عليه، فقابله النبي صلى الله وسلم وصبَّره وبشَّره[15].

 

سادسًا: مجالات تربية الأفراد:

أبرز مجالات التربية التي ينبغي على المربي أن يعطيَها الأولوية ويغرسها في المتربي ما يأتي:

1- التربية الإيمانية: ومن أهمها:

• الإيمان بالله تعالى وعظمته، والتركيز على أهم صفات الربوبية ومدلولاتها، وآثارها على حياتنا؛ كصفات: (الخالق، الرازق، المحيي، المميت، القهار، الكبير، المدبر، الضار، النافع، المعز، المذل، القابض، الباسط...).

 

• الإيمان بالملائكة وقربهم من البشر، وحمايتهم لهم بإذن الله تعالى.

 

• الإيمان باليوم الآخر ومراحله، والجنة والنار.

 

• الإيمان بالقضاء والقدر، ونتائج هذا الإيمان على حياتنا.

 

2- التربية العقَدية: ومن أهمها:

• تثبيت معرفة الله ووجوده، ودلائل ذلك، وتفنيد شبهات المنكرين لوجوده.

 

• تثبيت معرفة صفات الله تعالى، والإيمان بها كما جاءت بمفهوم السلف الصالح لها، والرد على شبهات الفرق في ذلك الجانب.

 

• تثبيت معرفة توحيد العبادة، ورد شبهات الذين يَرَون جواز صرف بعض أنواع العبادة لغير الله تعالى.

 

3- التربية العلمية: ومن أهمها:

العلم بمسائل فقه العبادات والمعاملات مما لا يمكن أن يستغنيَ عنه المسلم في تصحيح عباداته ومعاملاته.

 

4- التربية التعبدية: ومن أهمها:

وذلك من تثبيت العلم بالعمل من المحافظة على صلاة الجماعة، وقراءة القرآن والأذكار، ونوافل الصلوات، والصوم، وقيام الليل...؛ إلخ.

 

5- التربية الأخوية: ومن أهمها:

الاهتمام بمبدأ الأخوة وتعميقه بين الأفراد؛ من التآخي والتناصر، والتكاتف والتزاور، والمساندة في الأفراح والأتراح، والبعد عن التنازع والخلاف والشقاق، وأنه مهما حدث بين الإخوة من اختلاف في مسائل الدنيا أو الدين، فهم إخوة لا يهجر بعضهم بعضًا، ولا يعادي بعضهم بعضًا.

 

6- التربوية الدعوية: ومن أهمها:

استشعار أهمية الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصح الآخرين وتوجيههم وتحبيبهم في الدين وأهله، سواء الدعوية الفردية أو الجماعية، وكلٌّ بحسب قدرته من خلال الوسائل المتنوعة، وفي البيئات المختلفة.

 

7- التربية الأخلاقية والسلوكية: ومن أهمها:

التركيز على بعض الصفات الإيجابية من الأخلاق الحميدة؛ مثل: خُلُق (التواضع، والصبر، والحلم، والعفو، والتسامح، والنصرة، والإحسان إلى الآخرين، ومساعدتهم ونصرتهم...).

 

8- التربية على الإنفاق في سبيل الله تعالى:

وذلك من خلال الإنفاق بالصدقات للدعوة والمحتاجين من فقراء المسلمين.

 

9- التربية الجهادية: ومن ذلك:

التربية على الجهاد بكل مراتبه وأنواعه؛ فمراتبه: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين، وأنواعه: بالقلب، واللسان، والمال، والنفس؛ قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "الجهاد أقسام: بالنفس، والمال، والدعاء، والتوجيه والإرشاد، والإعانة على الخير من أي طريق، وأعظم الجهاد: الجهاد بالنفس، ثم الجهاد بالمال، والجهاد بالرأي والتوجيه، والدعوة كذلك من الجهاد، فالجهاد بالنفس أعلاها"[16].

 

سابعًا: طرق ووسائل غرس التربية في الأفراد:

كما ذكرنا آنفًا أن هناك مجالات للتربية ينبغي على المربي أن يركز عليها في تربيته، فهناك وسائل وطرق أيضًا لغرس تلك المجالات؛ منها:

1- التربية بالقدوة: وهي من أهم الطرق وأكبرها أثرًا في المتربين.

 

2- التربية بالقصة: إن القصة أمر محبب للناس، وتترك أثرها في النفوس، ومن هنا جاءت القصة كثيرًا في القرآن، ولهذا فقد سلك النبي صلى الله عليه وسلم هذا المنهج، واستخدم هذا الأسلوب.

 

3- التربية بالموعظة: للموعظة أثرها البالغ في النفوس؛ لذا فلم يكن المربي الأول صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم يغيب عنه هذا الأمر، أو يهمله.

 

4- الجمع بين الترغيب والترهيب: النفس البشرية فيها إقبال وإدبار، وفيها شِرَّةٌ وفترة، ومن ثَمَّ كان المنهج التربوي الإسلامي يتعامل مع هذه النفس بكل هذه الاعتبارات، ومن ذلك الجمع بين الترغيب والترهيب، والرجاء والخوف.

 

5- الإقناع العقلي: كقصة الشاب الذي استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الزنا.

 

6- استخدام الحوار والنقاش: لَمَّا أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، قسَّم الغنائم في المؤلفة قلوبهم، ولم يُعْطِ الأنصار شيئًا، فكأنهم وجدوا في أنفسهم؛ إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم وذكَّرهم وأوضح لهم.

 

7- استخدام التوجيه غير المباشر: ويتمثل التوجيه غير المباشر في أمور؛ منها: قوله صلى الله عليه وسلم لتصحيح بعض الأخطاء: ((ما بالُ أقوامٍ...))، دون أن يخصص أحدًا بعينه.

 

8- استثمار المواقف والفرص: في قصة مرور الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه على السبيِ، ومشاهدة إرضاع المرأة لولدها.

 

9- التشجيع والثناء وإضفاء الألقاب على الصحابة: عندما سأله أبو هريرة رضي الله عنه يومًا: من أسعد الناس بشفاعتك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((لقد ظننتُ ألَّا يسألني أحد عن هذا الحديث أول منك؛ لِما علمتُ من حرصك على الحديث))، فتخيل معي موقف أبي هريرة، وهو يسمع هذا الثناء، وهذه الشهادة من النبي صلى الله عليه وسلم، وتصوَّر كيف يكون أثر هذا الشعور دافعًا لمزيد من الحرص والاجتهاد والعناية، وقد أضفى صلى الله عليه وسلم عددًا من الألقاب على بعض الصحابة رضي الله عنهم تشجيعًا وتثبيتًا لهم؛ كالصديق، والفاروق، وأمين الأمة، وسيف الله... إلخ.

 

10- التربية بالمعاشرة والمجالسة: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مع مشاغله الكثيرة - كان كثير المجالسة والتفرغ لأصحابه، وعاتبه ربه سبحانه عندما انشغل بغيرهم، كما نهاه عن ذلك: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].

 

ثامنًا: التعامل مع أخطاء المتربين:

هذه أهم أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع أخطاء الصحابة رضي الله عنهم، وهو منقول من كتاب الشيخ المنجد: (الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس):

• أولًا: تنبيهات وفروقات ينبغي مراعاتها عند معالجة الأخطاء: وذلك قبل الشروع في معالجة الخطأ:

1- الإخلاص: بحيث يكون لا يكون القصد التشفي والانتقام، ولا السعي لنَيلِ استحسان المخلوقين، بل يكون القصد وجه الله تعالى، وإذا صدرت النية من الناصح، حصل الأجر والتأثير والقبول بإذن الله.

 

2- الخطأ من طبيعة البشر: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)[17] (، فلا نفترض المثالية في الآخرين ثم نحاسبهم بناء عليها... بل يُعامَلوا معاملة واقعية صادرة عن معرفة بطبيعة النفس البشرية المتأثرة بعوارض الجهل والغفلة، والنقص والهوى والنسيان، وهذه الحقيقة أيضًا تفيد في منع فِقدان التوازن نتيجة المباغتة بحصول الخطأ؛ مما يؤدي إلى ردات فعل غير حميدة، وإدراك هذه الحقيقة فيه كذلك تذكيرٌ للداعية والمربي الآمِرِ بالمعروف، الناهي عن المنكر بأنه بشرٌ من البشر، يمكن أن يقع فيما وقع فيه المخطئ، فيعامله من شق الرحمة أكثر مما يعامله من شق القسوة؛ لأن المقصود أصلًا هو الاستصلاح لا المعاقبة، ولكن كل ما سبق لا يعني أن نترك المخطئين في حالهم، ونعتذر بأنهم بشر وغير ذلك من التبريرات، بل ينبغي الإنكار والمحاسبة، ولكن بميزان الشرع.

 

3- أن تكون التخطئة مبنية على دليل شرعي مقترن بالبينة، وليست صادرة عن جهل أو أمر مزاجي.

 

4- كلما كان الخطأ أعظم، كان الاعتناء بتصحيحه أشد: فالعناية بتصحيح الأخطاء المتعلقة بالمعتقد ينبغي أن تكون أعظم من تلك المتعلقة بالآداب مثلًا، وهكذا، وقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم غاية الاهتمام بتتبُّع وتصحيح الأخطاء المتعلقة بالشرك بجميع أنواعه؛ لأنه أخطر ما يكون على الفرد.

 

5- اعتبار موقع الشخص الذي يقوم بتصحيح الخطأ: فبعض الناس يُتقبَّل منهم ما لا يُتقبل من غيرهم؛ لأن لهم مكانة ليست لغيرهم، أو لأن لهم سلطة على المخطئ ليست لغيرهم، ومن أمثلة هذا الأب مع ابنه، والمدرس مع تلميذه، والإدراك لهذه الفروق يؤدي بالمربي إلى وضع الأمور في نصابها، وتقدير الأمور حقَّ قدرها، فلا يؤدي إنكاره أو تصحيحه إلى منكر أكبرَ، أو خطأ أعظم، ومكانة المنكر وهيبته في نفس المخطئ مهمة في تقدير درجة الإنكار، وضبط معيار الشدة واللين.

 

6- التفريق بين المخطئ الجاهل والمخطئ عن علم: فالجاهل يحتاج إلى تعليم... وصاحب الشبهة يحتاج إلى بيان، والغافل يحتاج إلى تذكير، والمصر يحتاج إلى وعظ، وهكذا... من الأمثلة: قصة معاوية بن الحكم عندما عطس أحدهم فشمَّته وهو في الصلاة، وكيف كان رد الصحابة، وكيف كان توجيهه صلى الله عليه وسلم... وقصة الأعرابي الذي بال في المسجد مثله أيضًا.

 

7- التفريق بين الخطأ الناتج عن اجتهاد صاحبه، وبين الخطأ العمد والغفلة والتقصير: ويجب أن يكون الاجتهاد الذي يُعذَر به صاحبه اجتهادًا سائغًا من شخص مؤهل، بخلاف من يُفتي بغير علم أو لا يراعي الأحوال... كقصة صاحب الشجة في الحج عندما أُفتيَ بالاغتسال فمات، فعاتبهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.

 

8- إرادة المخطئ للخير لا تمنع من تصحيح خطئه وتنبيهه عليه: كقصة ابن مسعود من الذين جلسوا في المسجد يذكرون الله بعدِّ الحصى، فأنكر عليهم هذا.

 

9- العدل وعدم المحاباة في التنبيه على الأخطاء: ولم يمنع كون أسامة بن زيد حِبَّ النبي صلى الله عليه وسلم وابن حِبِّه أن يشتد عليه في الإنكار، حينما حاول أن يشفع في حدٍّ من حدود الله.

 

10- الحذر من إصلاح خطأ يؤدي إلى خطأ أكبر: من المعلوم أن من قواعد الشريعة تحمُّل أدنى المفسدتين لدَرْءِ أعلاهما، فقد يسكت الداعي عن خطأ؛ لئلا يؤديَ الأمر إلى وقوع خطأ أعظم، وهذه من قواعد الشرع... كسكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن المنافقين... فقد يسكت المربي عن منكر، أو يؤجل الإنكار، أو يغير الوسيلة إذا رأى في ذلك تلافيًا لخطأ أو منكر أكبر، ومما يلاحظ أن من الأسباب المؤدية إلى الوقوع في خطأ أكبر عند إنكار خطأ ما - هو الحماس غير المنضبط بالحكمة.

 

11- إدراك الطبيعة التي نشأ عنها الخطأ: هناك بعض الأخطاء لا يمكن إزالتها بالكلية لأمر يتعلق بأصل الخلقة... ولكن يمكن التقليل منها؛ لأن التقويم النهائي يؤدي إلى كارثة، كما هو الشأن في المرأة: ((إن المرأة خُلقت مِن ضِلَعٍ لن تستقيم لك على طريقة...))[18]، وكمن هو سهل الاستثارة سريع الغضب، وكذا غلبة النوم: ((فإنَّا أهل بيت قد عُرف لنا ذاك، لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس، قال: فإذا استيقظت فصلِّ))[19].

 

12- التفريق بين الخطأ في حق الشرع، والخطأ في حق الشخص: فإذا كان الدين أغلى عندنا من ذواتنا، وجب علينا أن ننتصر له، ونحامي عنه، ونغضب له أكثر من غضبنا لأنفسنا وننتصر لها.

 

13- التفريق بين الخطأ الكبير والخطأ الصغير: وقد فرقت الشريعة بين الكبائر والصغائر.

 

14- التفريق بين المخطئ صاحب السوابق في عمل الخير، والماضي الحسن الذي يتلاشى خطؤه أو يكاد في بحر حسناته، وبين العاصي المسرف على نفسه، وكذلك فإن صاحب السوابق الحسنة لا يُحتمل منه ما يُحتمل من غيره.

 

15- التفريق بين من وقع منه الخطأ مرارًا، وبين من وقع فيه لأول مرة.

 

16- التفريق بين من يتوالى منه حدوث الخطأ، وبين من يقع فيه على فترات متباعدة.

 

17- التفريق بين المجاهر بالخطأ، والمستتر به.

 

وهذه الاعتبارات التي مضى ذكرها لا تتعارض مع العدل المشار إليه آنفًا.

 

18- عدم الإشغال بتصحيح آثار الخطأ وترك معالجة أصل الخطأ وسببه.


19- عدم تضخيم الخطأ والمبالغة في تصويره.


20- ترك التكلف والاعتساف في إثبات الخطأ، وتجنُّب الإصرار على انتزاع الاعتراف من المخطئ بخطئه.


21- إعطاء الوقت الكافي لتصحيح الخطأ، خصوصًا لمن درج عليه واعتاده زمانًا طويلًا من عمره، هذا مع المتابعة والاستمرار في التنبيه والتصحيح...

 

22- تجنب إشعار المخطئ بأنه خصم، ومراعاة أن كسب الأشخاص أهم من كسب المواقف.

 

• ثانيًا: الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس:

هذه بعض ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلكه من الوسائل والأساليب في التعامل مع الأخطاء، كما جاء ذلك في السنة الصحيحة التي نقلها أهل العلم:

1- المسارعة إلى تصحيح الخطأ وعدم إهماله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبادر إلى ذلك، ولا سيما أنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة، وعدم المبادرة إلى تصحيح الأخطاء قد يُفوِّت المصلحة، ويُضيِّع الفائدة، وربما تذهب الفرصة، وتضيع المناسبة، ويبرد الحدث، ويضعُف التأثير.

 

2- المسارعة إلى إزالة أي شك أو ظن أو إشاعة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسارع في إزالة أي شك أو ظن أو إشاعة من نفوس أصحابه رضي الله عنهم، والقضاء عليها في مهدها؛ حتى لا يتطور الأمر لديهم، ويكبر ويستفحل، وشعاره: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم))[20]، وذلك في قصة الصحابيَّيْنِ اللذين رَأَيَاه صلى الله عليه وسلم مع زوجته صفية، فناداهما وقال لهما: ((إنها صفية))، وقصة الأنصار لَمَّا رأَوا النبي صلى الله عليه وسلم يؤثِرُ بالغنائم في حنين المؤلفةَ قلوبهم من قريش، فذهب صلى الله عليه وسلم إليهم، وأوضح لهم السبب[21].

 

3- رد المخطئ إلى الشرع وتذكيره بالمبدأ الذي خالفه: في غمرة الخطأ وملابسات الحادث يغيب المبدأ الشرعي عن الأذهان، ويضيع في المعمعة، فيكون في إعادة إعلان المبدأ والجهر بالقاعدة الشرعية ردٌّ لمن أخطأ، وإيقاظ من الغفلة التي حصلت.

 

4- تصحيح التصور الذي حصل الخطأ نتيجة لاختلاله: فالأخطاء عمومًا تنشأ من خلل في التصورات، فإذا صلح التصور، توارت الأخطاء كثيرًا، ومن الخلل في التصورات ما يكون متعلقًا بموازين تقويم الأشخاص والنظرة إليهم.

 

5- معالجة الخطأ بالموعظة وتكرار الموعظة: والتذكير بقدرة الله تعالى؛ كقصة أبي مسعود الذي كان يضرب غلامه بالسوط.

 

6- إظهار الرحمة بالمخطئ: وهذا يكون في حال من يستحق ممن عظُم ندمه، واشتد أسفُه، وظهرت توبته.

 

7- عدم التسرع في التخطئة: فيمن حكى قولًا يخالف ما يعرفه إلا بعد التثبت، فربما يكون ذلك القول قولًا معتبرًا من أقوال أهل العلم، وكذا عدم التسرع في العقوبة.

 

8- الهدوء في التعامل مع المخطئ: كقصة الذي بال في المسجد، فالقاعدة في مواجهة الخطأ: التيسير وعدم التعسير.

 

9- بيان خطورة الخطأ ومضرته.


10- الإرشاد إلى ما يمنع وقوع الخطأ.


11- عدم مواجهة بعض المخطئين بالخطأ والاكتفاء بالبيان العام: وأسلوب التعريض بالمخطئ وعدم مواجهته له فوائد؛ منها:

• تجنب رد الفعل السلبي للمخطئ، وإبعاده عن تزيين الشيطان له بالانتقام الشخصي والانتصار للنفس.

 

• أنه أكثر قبولًا وتأثيرًا في النفس.

 

• أنه أستر للمخطئ بين الناس.

 

• ازدياد منزلة المربي وزيادة المحبة للناصح.

 

وينبغي الانتباه إلى أن هذا الأسلوب إنما يكون إذا كان أمر المخطئ مستورًا لا يعرفه أكثر الناس، أما إذا كان أكثر الحاضرين يعرفونه وهو يعلم بذلك، فإن الأسلوب حينئذٍ قد يكون أسلوبَ تقريعٍ وتوبيخ وفضحٍ بالغَ السوء والمضايقة للمخطئ، بل إنه ربما يتمنى لو أنه وُوجه بخطئه، ولم يُستعمل معه ذلك الأسلوب، وذلك ممن له التأثير عليه، فالأسلوب غير المباشر أسلوب تربوي نافع للمخطئ ولغيره، إذا استُعمل بحكمة.

 

12- تجنب إعانة الشيطان على المخطئ: كما جاء في عدد من الروايات: ((... فقال رجل من القوم: اللهم الْعَنْه ما أكثر ما يُؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه؛ فوالله ما علمتُ إلا أنه يحب الله ورسوله))[22]، و((... وقال رجل: ما له أخزاه الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم))[23]، ويُستفاد من هذا أن المسلم وإن وقع في معصية، فإنه يبقى معه أصل الإسلام، وأصل المحبة لله ورسوله، فلا يجوز أن يُنفى عنه ذلك، وأن يُدعَى عليه بما يُعين عليه الشيطان، بل يدعى له بالهداية والمغفرة والرحمة.

 

13- طلب الكف عن الفعل الخاطئ: من الأهمية بمكان إيقافُ المخطئ عن الاستمرار في الخطأ؛ حتى لا يزداد سوءًا، وحتى يحصل القيام بإنكار المنكر، ولا يتأخر؛ كما جاء في متخطي رقاب الناس: ((اجلس؛ فقد آذيت))[24]، و((كفَّ عنا جُشاءك...))[25].

 

14- إرشاد المخطئ إلى تصحيح خطئه: فقد كان صلى الله عليه وسلم ينتبه لأفعال الناس من حوله كي يُعلِّمَهم، فمن صفة المربي أن يكون يقِظًا لأفعال من معه، وقد كان ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بعدة أساليب؛ منها:

• محاولة لفت نظر المخطئ إلى خطئه؛ ليقوم بتصحيحه بنفسه.

 

• طلب إعادة الفعل على الوجه الصحيح، إذا كان ذلك ممكنًا.

 

• طلب تدارك ما أمكن لتصحيح الخطأ.

 

• إصلاح آثار الخطأ.

 

15- إنكار موضع الخطأ وقبول الباقي: ولا شك أن مثل هذا التصرف يُشعر المخطئ بإنصاف وعدل القائم بالإنكار والتصحيح، ويجعل تنبيهه أقربَ للقبول في نفس المخطئ، بخلاف بعض المنكرين الذين قد يغضب أحدهم من الخطأ غضبًا يجعله يتعدى في الإنكار يصل به إلى تخطئة ورفض سائر الكلام بما اشتمل عليه من حق وباطل؛ مما يُسبِّب عدم قبول كلامه، وعدم انقياد المخطئ للتصحيح.

 

16- إعادة الحق إلى صاحبه وحفظ مكانة المخطئ: كما جاء عندما منع خالد رضي الله عنه رجلًا من أخذ سلب رجل قتله، وإخبار عوف بن مالك رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم بالواقعة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم خالدًا بإعطائه، ولكن لتهكُّمِ عوف بخالد؛ غضِب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تُعْطِهِ يا خالد، لا تعطه يا خالد، هل أنتم تاركون لي أمرائي؟ إنما مَثَلُكم ومثلهم كمثل رجل استُرعيَ إبلًا، أو غنمًا، فرعاها، ثم تحيَّن سقْيَها، فأوردها حوضًا، فشرعت فيه فشربت صفوَه، وتركت كَدْرَه، فصفوُه لكم، وكدره عليهم)) [26]، وهذا من باب رد الاعتبار إلى الأمير والقائد؛ لأن في حفظ مكانته بين الناس مصلحة ظاهرة، ومن الأمور المهمة حفظ مكانة المخطئ بعد توبته ورجوعه؛ لكي يثبُتَ على الاستقامة، ويمارس حياة عادية بين الناس.

 

17- توجيه الكلام إلى طرفَي النزاع في الخطأ المشترك: في كثير من الأحيان يكون الخطأ مشتركًا، ويكون المخطئ مُخطَأً عليه في الوقت نفسه، ولكن نسبة الخطأ ربما تتفاوت بين الطرفين، فينبغي توجيه الكلام والنصح إلى طرفي الخطأ.

 

18- مطالبة المخطئ التحلل ممن أخطأ عليه؛ كما جاء عندما اغتاب أبو بكر وعمر رجلًا يخدمهما، وكان نائمًا؛ ((... والذي نفسي بيده، إني لأرى لحمه بين أنيابكما - يعني: لحم الذي استغاباه - قالا: فاستغفر لنا، قال: هو فليستغفرْ لكما))[27].

 

19- تذكير المخطئ بفضل من أخطأ عليه ليندم ويعتذر: وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيما حصل بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ ((... هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ إني وقلتُ: يا أيها الناس، إني رسول الله إليكم جميعًا، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت))[28].

 

20- التدخل لتسكين الثائرة ونزع فتيل الفتنة بين المخطئين.


21- إظهار الغضب من الخطأ: إن انفعال المربي المتوازن مع الخطأ عند حدوثه أو رؤيته أو سماعه، بحيث يُرى ذلك في وجهه، ويُعرف في صوته وأسلوبه - هو علامة حياة في القلب ضد الخطأ، وعدم السكوت عليه، حتى يقع في قلوب المتربي الرهبةُ من ذلك الخطأ، ويعمل الكلام وقت الانفعال في النفوس عمله المؤثر، هذا بخلاف كتم الأمر أو تأخيره، فربما يبرد أو يزول أثر التعليق، وقد يكون من الحكمة تأخير التعليق على الحادثة المنكرة، أو الكلام الخطير الخاطئ إلى حينِ جمعِ الناس أو اجتماعهم لأجل أهمية الأمر، أو لعدم وجود العدد الكافي الذي يتَّعظ وينقل، ولا مانع من تعليقين: خاصٍّ مباشر، وعام مؤخر؛ كما في صحيح البخاري في قصة العامل الذي أرسله لجمع الزكاة، وما قال له مباشرة، وما قاله بعد ذلك لعامة الناس[29].

 

22- التولي عن المخطئ، وترك جداله لعله يرجع إلى الصواب؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عند قول علي رضي الله عنه عندما دعاهما إلى الصلاة: ((إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا، بعثنا، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا))[30].

 

23- عتاب المخطئ؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع حاطب رضي الله عنه، حينما علِم أنه أرسل إلى كفار قريش يخبرهم بنية المسلمين في التوجه إلى مكة لفتحها، فاستدعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: ((ما حملك على هذا؟))[31]، وفي هذه القصة عدد من الفوائد التربوية العظيمة:

• معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي المخطئ خطأً بالغًا بقوله له: ((ما حملك على ما صنعت؟)).

 

• الاستعلام عن السبب الذي دفع بالمخطئ إلى الخطأ، وهذا لا شك سيؤثر في الموقف الذي سيُتخذ منه.

 

• أن أصحاب الفضل والسابقة ليسوا معصومين من الذنب الكبير.

 

• أن على المربي أن يكون واسع الصدر في تحمل أخطاء أصحابه؛ ليدوموا معه على المنهج السوي، فالغرض إصلاحهم لا إبعادهم.

 

• أن على المربي أن يقدِّر لحظة الضعف البشري التي قد تمر ببعض مَن معه، وأن يُؤخذ بسقطة قوية وخطأ فظيع قد يقع من بعض القدامى.

 

• المدافعة عمن يستحق الدفاع عنه من المخطئين.

 

• أن المخطئ إذا كانت له حسنات عظيمة سابقة، فلا بد أن تُؤخذ بالاعتبار عند تقويم خطئه، واتخاذ موقف منه.

 

24- لوم المخطئ وذلك في الخطأ الواضح: الخطأ الواضح لا يمكن السكوت عليه، ولا بد من توجيه لوم وتأنيب إلى المخطئ بادئ ذي بدئ ليُحِسَّ بخطئه.

 

25- هجر المخطئ: وذلك فيمن ينتفع بالهجر وليس لكل أحد... وهو من الأساليب النبوية المؤثرة، خصوصًا إذا عظُم الخطأ والذنب، وذلك لِما يُحدِثه الهجران والقطيعة من الأثر البالغ في نفس المخطئ، ومن أمثلة ذلك ما حصل لكعب بن مالك وصاحبيه الذين خُلِّفوا في قصة غزوة تبوك، ومن ذلك أيضًا: ((كان صلى الله عليه وسلم إذا اطَّلع على أحد من أهل بيته كذب كَذْبةً، لم يزل معرضًا عنه، حتى يُحدِث توبة))[32].

 

ويتضح مما سبق أن الإعراض عن المخطئ حتى يعود عن خطئه أسلوبٌ تربوي مفيد، ولكن لكي يكون نافعًا لا بد أن يكون الهاجر والمعرض له مكانة في نفس المهجور، وإلا فلن يكون لهذا الفعل أثر إيجابي عليه، بل ربما يشعر أنه قد استراح.

 

26- الإعراض عن المخطئ: كقصة صاحب نجران الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم من ذهب، فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم[33].

 

27- الإعراض عن بعض الخطأ: اكتفاء بما جرت الإشارة إليه تكرمًا مع المخطئ؛ ﴿ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ﴾ [التحريم: 3]، قال الحسن: "ما استقصى كريم قط"، وقال سفيان: "ما زال التغافل من فعل الكرام".

 

28- ملاقاة المخطئ ومجالسته لأجل مناقشته؛ كقصة عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما وقد زوَّجه أبوه امرأة وكان ينشغل عنها بالصيام والقيام، فشكاه أبوه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل النبي صلى عليه وسلم إلى عبدالله وناقشه في صيامه وعبادته، ثم وجَّهه.

 

29- مصارحة المخطئ بحاله وخطئه؛ كحال أبي ذر رضي الله عنه: ((إنك امرؤ فيك جاهلية))[34]، وهذه المصارحة والمفاتحة من النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه كانت لعلمه صلى الله عليه وسلم بقبول الصحابي لذلك، فالصراحة وسيلة مفيدة تختصر الوقت، وتوفر الجهد، وتبين المقصود بأيسر طريق، ولكنها تكون فيما يناسب من الأحوال والأشخاص.

 

وقد يعدل المربي عن مصارحة المخطئ إذا كان في ذلك حصول مفسدة أكبر، أو تفويت مصلحة أعلى، أو أن يكون في المصارحة إحراج بالغ للمخطئ، أو يكون ذا حساسية زائدة تجعله ذا ردٍّ فعل سلبي، ولا شك أن المصارحة مكروهة للمخطئ وثقيلة على نفسه؛ لِما فيها من المواجهة والإحراج والظهور بمظهر الناقص، في مقابل ظهور الناقد في موضع المستعلي والأستاذ، وكذلك فإنه يجب التنبه إلى أن أسلوب "اللف والدوران" قد يكون له سلبيات مضاعفة تفوق المصارحة أحيانًا، وذلك لِما قد يشعر به المخطئ من الاستغفال والتلاعب، ويتضايق من الإشارات الخفية (اللُّكَع)؛ لشعوره بأنها غمز وإيذاء مبطن، ثم إن التوجيه قد لا يصل أصلًا لخفاء المقصود وبُعده عن ذهن المخطئ، فيمضي في خطئه قدمًا، وعمومًا فإن الأشخاص يتفاوتون في التقبل، والأسلوب الأمثل المناسب لكل منهم، ولكن يبقى أن حسن الخلق في العرض والتوجيه له الأثر الأكبر في نجاح المهمة.

 

30- إقناع المخطئ: إن السعي لمناوشة المخطئ بُغية إقناعه يؤدي إلى إزالة الحاجز الضبابي الذي يعتري بصيرته، فيعود إلى الحق، وإلى طريق مستقيم، ومن أمثلة ذلك ما ورد من قصة الغلام الذي طلب الإذن بالزنا[35].

 

31- إفهام المخطئ بأن عذره الزائف غير مقبول: يحاول بعض المخطئين تقديم مبررات مُختلَقة وغير مقبولة، وخصوصًا إذا انكشف أمرهم بغتة على حين غِرَّةٍ منهم، بل قد يبدو على بعضهم التلعثُم وهم ينطقون بالعذر الزائف، وخصوصًا الذين لا يُحسنون الكذب لنقاء في سرائرهم؛ كقصة خوات بن جبير رضي الله عنه عندما رأى نسوة يتحدثن فجلس بينهن، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ((أبا عبدالله؟)) معاتبًا له، فلما رأى النبي هابه وتلعثم وأُحرج، فقال: جملٌ لي شرد أبتغي له قيدًا، وذلك ليبرر فعله، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم عرف أن عذره كاذب، فكان كلما لاقاه - في قصة ظريفة - يقول له مبتسمًا: ((أبا عبدالله، ما فعل شراد جملك؟))، حتى اعتذر الصحابي عن فَعلته تلك[36]، إنه درس رائع في التربية والخطة الحكيمة المؤدية إلى النتيجة المطلوبة، ويمكن أن يؤخذ من القصة أيضًا الفوائد الآتية:

• المربي صاحب الهيبة يستحيي منه المتربي الذي لابَسَ المعصية إذا مرَّ به.

 

• إن نظرات وسؤالات المربي - على وجازتها وقصرها - لها دلالتها الكبيرة وأثرها في النفوس.

 

• عدم مناقشة العذر الملفق لحظة سماعه - مع وضوح الثغرة فيه - والإعراض عن صاحبه - يكفي في إشعار المخطئ بعدم قبوله؛ مما يدفعه للتوبة والاعتذار.

 

• المربي الجيد هو الذي يجعل المخطئ يشعر بالاستحياء منه الموجِب للتواري عنه، والحاجة إليه الموجبة للإتيان إليه، ثم يتغلب الثاني على الأول.

 

• إن تغيير الموقف من المخطئ ينبني - في مثل هذه الحالة - على إظهار اعترافه ورجوعه عما حصل منه.

 

• إن موقع المربي والقدوة في نفس أصحابه كبير وعظيم، ولومه لبعضهم أو تخطئته تقع بموقعٍ، وقد يُلاحِظ المربي مصلحة أشخاص آخرين في إنكاره على أحد أصحابه من أجل المنفعة العامة، ولكن هذا لا يعني ترك الأثر السلبي الخاص باقيًا، بل يمكن تداركه ومحو أثره بطرق؛ منها: المعاتبة من قِبل التابع ولو بطريق، وفي المقابل إيضاح الموقف، وتأكيد مكانة التابع، وحسن الظن به من قِبل القدوة والمربي.

 

32- مراعاة ما هو مركوز في الطبيعة والجبلة البشرية؛ كالغَيرة مثلًا في حديث: ((غارت أمكم))[37]، ومثله سريع الغضب وشديده، ومن يغلبه النوم... إلخ.

 

تاسعًا: معوقات التربية:

مما لا شك فيه أن غرس التربية لا ينجح إلا إن كان خاليًا من المعوقات، فإذا وُجدت المعوقات أو بعضها، تكون نسبة نجاحها بحسب تلك المعوقات.

 

ومن هذه المعوقات:

1- بُعْد المربين من المشايخ والقادة عن الأفراد، وضعف تفرُّغهم لهم والقرب منهم.

 

2- كثرة الأعباء على المربين، وعدم تفرغهم للأفراد.

 

3- قلة خبرة وكفاءة بعض المربين، وفقر معلوماتهم التخصصية عن التربية والسلوك، والنفس والصفات والقدرات.

 

4- ضعف تأهيل المربين من خلال الدورات التدريبية وغيرها.

 

5- ضعف الوعي بأهمية الجانب التربوي عند بعض المربين والأفراد.

 

6- عدم وجود معايير واضحة لاختيار المربين الأكفاء.

 

7- ضعف انتماء بعض المربين والأفراد للدعوة، ونظرتهم غير الإيجابية لقادتها.

 

8- ضعف متابعة وتواصل المربين مع الأفراد.

 

9- ضعف الترابط الأخوي بين الأفراد.

 

10- ضعف الانسجام بين المربي والمتربي.

 

11- التأخر في حل المشكلات التي تطرأ بين المربين والأفراد، أو بين الأفراد وبعضهم.

 

12- ضعف التواصل والتآزر والمساندة ما بين المربين والأفراد في الأفراح والأتراح.

 

13- عدم استقرار منهجية التربية وآلياتها.

 

14- عدم توافق المنهجية التربوية مع بعض الأفراد.

 

15- التلوث الثقافي والاجتماعي والبيئي الذي يحيط بالمتربين.

 

المراجع:

1- الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس؛ للشيخ محمد المنجد.

 

2- تربية النبي لأصحابه في الكتاب والسنة؛ لخالد القرشي.

 

3- أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع؛ لعبدالرحمن النحلاوي.

 

4- أهداف التربية الإسلامية ومقاصدها؛ لمحمد بن سالم بن علي جابر.

 

5- صفات الإنسان في القرآن؛ لإيمان بطمة.

 

6- الوصايا العشر للمربي القدوة؛ لمحمد حامد عليوة.

 

7- دور الحلقة التربوية في بناء شخصية متكاملة؛ لوفاء مشهور.

 

8- معوقات التربية العملية؛ لهايل الجازي.

 

9- معوقات غرس القيم؛ لعواض مبارك الحارثي.

 

10- السؤال عن الغائب سنة نبوية؛ موقع الشبكة الإسلامية.

 

11- مهارات نبوية في تفقد الناس؛ شبكة الألوكة.



[1] البخاري (٧٢٨٨)، ومسلم (١٣٣٧).

[2] الألباني، السلسلة الصحيحة (٤٥).

[3] البخاري (٦٠٢٦، ٦٠٢٧)، ومسلم (٢٥٨٥).

[4] البخاري (٦٠١١)، ومسلم (٢٥٨٦).

[5] مسلم (٢٦٦٤).

[6] ابن كثير البداية والنهاية (٣‏/ ١٠١)، مرسل؛ الباحث الحديثي.

[7] الألباني، غاية المرام (٩)، صحيح.

[8] البخاري (٤٧٧٥)، ومسلم (٢٦٥٨)

[9] الألباني، صحيح الترمذي (٢٤٩٩).

[10] أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى، وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِمُ.

[11] رواه الحاكم وحسنه الألباني.

[12] صحيح ابن حبان (٣٣٧٠).

[13] صحيح البخاري (٥٠٧٩).

[14] صحيح البخاري (٣٦١٣).

[15] رواه النسائي وصححه الألباني.

[16] فتاوى الشيخ ابن باز، (7/ 334، 335).

[17] الألباني، صحيح الترمذي (٢٤٩٩).

[18] صحيح مسلم (١٤٦٨).

[19] الألباني، السلسلة الصحيحة (٥‏/ ٢٠٦).

[20] صحيح البخاري (٧١٧١).

[21] القصة في فقه السيرة (٣٩٥)، الألباني، صحيح.

[22] صحيح البخاري (٦٧٨٠).

[23] صحيح البخاري (٦٧٨١).

[24] صحيح ابن حبان (٢٧٩٠).

[25] الجامع الصغير (٦٢٤٧)، حسن.

[26] صحيح مسلم (١٧٥٣).

[27] الألباني، السلسلة الصحيحة (٦‏/ ٢١١)، وإسناده صحيح.

[28] صحيح البخاري (٤٦٤٠).

[29] الألباني، غاية المرام (٤٦١)، صحيح.

[30] صحيح البخاري (٧٣٤٧).

[31] ابن كثير، البداية والنهاية (٤‏/ ٢٨٢)، مرسل.

[32] صحيح الجامع (٤٦٧٥).

[33] صحيح ابن حبان (٥٤٨٩).

[34] البخاري (٣٠)، ومسلم (١٦٦١).

[35] الألباني، السلسلة الصحيحة (١‏/ ٧١٢).

[36] الهيثمي (ت: ٨٠٧)، مجمع الزوائد (٩‏/ ٤٠٤)، [رُوي] من طريقين، ورجال أحدهما رجال الصحيح، غير الجراح بن مخلد وهو ثقة؛ موقع الباحث الحديثي.

[37] صحيح البخاري (٥٢٢٥).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصيام وتربية المسلم
  • الثواب والعقاب في تربية الأبناء
  • التربية بالأماني
  • تربية الأبناء
  • تربية الأسرة المسلمة في بلاد الغرب

مختارات من الشبكة

  • التربية والتوفيق(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • التربية الجمالية في الإسلام ومفهومها(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تربية أولادنا (8) التربية بالعقوبة وضوابطها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية أولادنا (6) التربية الخلقية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية أولادنا (5) التربية بالقصة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية أولادنا (4) التربية بالمواقف والأحداث (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية أولادنا (3) أساليب تربوية: التربية بالتحفيز (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية أولادنا (2) التربية بالحب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تربية أولادنا (1) التربية بالدعاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مؤتمر علمي عن التربية والتعليم بكلية التربية الإسلامية بجامعة بيهاتش(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 9:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب