التربية على السكينة (2)

بوح القلم

(تأملات في النفس والكون والواقع والحياة)

التربية على السكينة (2)

♦ السكينة في مدلولها اللغوي تحمل معاني الراحة والطمأنينة، والحلم والوقار، والأناة والأمان، والثبات والاستقرار.

♦ والسكينة في معناها الاصطلاحي: هي ما يشعر به الفرد من طمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وأناة العقل، واستقرار النفس، وثبات الذات، أمام القلق والاضطراب، والخوف والانزعاج.

♦ السكينة هِبة ربانية ومنحة إلهية ينزلها المولى جل وعلا على عباده المؤمنين لتكون معينة لهم على ما يواجههم في حياتهم من الحوادث والاقدار الكونية والشرعية، قال ابن القيم: (هذه المنزلة من منازل المواهب، لا من منازل المكاسب) مدارج السالكين (٢ / ٤٧٠).

♦ السكينة تتحقق كذلك للفرد بالمجاهدة للنفس والتربية للذات على خصال الرفق واللين والحلم والأناة والحكمة والتعقل والسمت والوقار.

جاءت النصوص الشرعية بالحث والحض على السكينة شمل عددًا من الجوانب؛ منها:

• التعبد: كالصلاة: عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أُقِيمت الصَّلاة، فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، وعليكم السَّكِينَة)، والحج (السكينة السكينة).

• المعاملة: (عليكم بالرفق): (إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة).

موجبات السكينة ومقتضيات الطمأنينة تتمثل في العوامل التالية:

1) اليقين الراسخ والاعتقاد الجازم بأركان الإيمان الستة.

2) ظهور أثر لتعبد بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا في النفس والحياة والكون والمجتمع.

3) اشتمال النصوص الشرعية على القواعد والأصول العامة للتصور الفكري الصحيح، والتعامل السلوكي في كافة الأزمنة والأمكنة.

4) التاريخ الرسالي والتوقع المستقبلي للأمة المسلمة ومخالفيها عبر القرون.

5) معرفة الضعف البشري والقصور الإنساني أمام التقدير الكوني والشرعي.

6) تجنب المغريات والملهيات والصوارف والعوارض عن السكينة والحكمة.

7) البحث عن المعين والرفيق الحكيم الذي يعين على نوائب الزمن.

طرق تحصيل السكينة والتحلي بها:

1) الموازنة بين المصالح والمفاسد.

2) اليقين بجميل الحال وحسن العاقبة في التقدير الإلهي.

3) الانطراح بين يدي المولى جل وعلا بالسؤال والطلب.

4) الاقتداء والاهتداء بالمنهج النبوي.

5) العلم الشرعي المتضمن للقواعد والأصول الفكرية والسلوكية.

6) ترسُّم هدي وسمات القدوات من العظماء والنبلاء.

7) الرجوع لأهل العلم والمعرفة والحكمة والتجربة وقت الأزمات.

8) الإعراض والابتعاد عن مجالسة ومصاحبة المتهورين.

9) مجاهدة النفس وتقوية الإرادة وتربية الذات.

10) التأمل والتفكر في العواقب الحميدة الناتجة عن التحلي بهذه الخصلة.

11) الالتفاف حول جماعة المسلمين والأئمة المهتدين.

12) التوازن في التعامل بين مسوغات العزلة والخلطة.

للسكينة فوائدها الحميدة وآثارها الجليلة على الفرد والمجتمع ومن أبرزها:

1) تثبيت القلوب الطَّائرة، وتهدئة الانفعالات الثَّائرة.

2) الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالسكينة).

3) السلامة من مساوئ الأخلاق والأقوال والأفعال.

4) تحصيل الأجر الدنيوي والثواب الأخروي.

5) حفظ الأفراد والمجتمعات من عواقب الاستعجال والتهور: (ولكنكم تستعجلون).

6) الوصول للآراء السديدة والمآلات الحميدة.

7) رعاية المصالح العليا والمكتسبات الكبرى والمنجزات العظمى للأمة.

8) الصيانة من مضلات الفتن وغوائل المحن.

• ومضة: قال ابن القيِّم: وكان شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إذا اشتدت عليه الأمور: قرأ آيات السكينة، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه، تعجز العقول عن حملها - من محاربة أرواح شيطانية ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة - قال: فلما اشتد عليَّ الأمر، قلت لأقاربي ومن حولي: اقرؤوا آيات السكينة، قال: ثم أقلع عني ذلك الحال، وجلست وما بي قلبة.وقد جربت أنا أيضًا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه، فرأيت لها تأثيرًا عظيمًا في سكونه وطمأنينته)؛ مدارج السالكين (٢ / ٤٧١).