المهارات العشر لوقاية الفكر (8) كسر التأطير

المهارات العشر لوقاية الفكر (8)

المهارة السابعة: كسر التأطير

"يا بني، لا توجد قناة حيادية": هذا ما تكلم به أحدُ رجال الأعمال في برنامج تلفزيوني يعرض فيه الشبابُ أفكارهم التجارية على بعض الرجالات، ويَسْعون في كَسْبهم كداعمين لمشروعهم.

وأظن أن هذا لا يتعلَّق بالقنوات الفضائية فقط، بل في عموم الميادين الإعلاميَّة، بل حتى في العَلاقات الشخصية، فالمخلوق لا يقصدُ منفعتَك بالقصد الأول، بل يقصد منفعتَه بك، فهو يريد نفسه لا يريدُك، وانتفاعه بك لا لك، وكما قال ابن قيِّم الجوزية: "فهم (الخلق) يريدون أن يُصيِّروك كالكير يُنفخُ بطنُك، وتُعصرُ أضلاعك في نفعهم ومصالحهم... واتخذوك جسرًا ومعبرًا إلى رغباتهم وأنت لا تشعرُ، وكم بِعْتَ آخرتَك بدنياهم!" ا.هـ بتصرُّف يسير.

ولأجل تحقيق ذلك؛ فهم يَسعون للسَّطْو على أفكار المتلقِّين واستخدامها لمصالحِهم، وذلك بتأطيرهم وَفْق ما يريدون؛ مما ينتج عنه أمران خطيران:

1- تحديد مصدر التلقِّي في مختلف الأمور والقضايا، فتكون قراراتُك وأعمالك بل ومشاعرك نحو ما يوجهونك إليه، وإن كنت لا تشعر.

2- إسقاط الآخرين، وتكوين النظرة المضادَّة لكل ما يُطرح خارج هذا الإطار، وربما يصل الحال إلى الدفاع المستميت عن ذلك الإطار.

ولكل إنسان إطارٌ يعيش به في حياتِه، ويُحدِّد مسارها، وعلى مقدارِ مرونة وجودةِ هذا الإطار، تكون الحياةُ، وتكون السلوكيَّات والتوجُّهات، بل حتى المشاعر، ومن هنا كان على المربِّين السعْيُ في بناء الأُطُر السليمة للأبناء والأجيال؛ لأن ذلك هو ما سيحدِّد مستقبلهم في الحياة - بعد الله - وكيفية التعامل مع كافة المعطياتِ.

ومن البديهيِّ أن تسأل: كيف نحصل على الإطار السليم؟

سلامةُ الإطار تَكْمُن في خصائص مصدره، ومن أبرز خصائص المصدر: معرفتُه التامة بالإنسان وبالحياة، ورغبته في نفع الإنسان لا نفع شخصِه، بالإضافة إلى حكمتِه، وبالاستقراءِ لتلك الخصائصِ ندركُ بما لا يقبلُ الشكَّ أن ذلك الإطارَ هو الإطار الربَّاني؛ فالله هو الخالقُ الخبيرُ بالإنسان، والعليم بالماضي والحاضر والمستقبل، كما أن له الحكمةَ المطلقة.

وبناءُ هذا الإطار لا يعني: عدمَ التعامل الخلوق مع العباد، بل يعني: أن يعامل الله فيهم ولا يعاملهم في الله، ويخافُ اللهَ فيهم ولا يخافهم في الله، ويُرضي الله بسخطِهم ولا يُرضِيهم بسخط الله، ويراقب الله فيهم ولا يراقبهم في الله، ويُؤثِرُ الله عليهم ولا يؤثرهم على الله.

ومن المهمِّ جدًّا التذكيرُ أن بناء الإطار الربَّاني يكون وَفْق المنهج الرباني، وليس بالمفهوم القاصر لبعض عبادِه مهما كان موقعهم؛ فالتأطيرُ لمنهج الله لا لمنهج فلان أو علَّان، إلا في حدود اقترابه وبُعده من التأطير الربَّاني.

أنا على يقين أن ما يحدثُ في المجتمعات البشرية عمومًا وفي مجتمعنا خصوصًا، وفي فئة الشباب بالأخص - إنما هو نِتاج التسلُّل للعقول وتأطيرها لصالح جهاتٍ أو أشخاص أو منظَّمات أو غير ذلك، بطرق مختلفة، ووسائل متنوعة، من أبرزها الإعلامُ الناعم، سواء شَعَر الشاب بذلك أو لم يَشعُرْ.

فهل ننجح في تدريب أبنائنا على "كسر التأطير"، وإحسان التعاملِ مع الجميع دون أن يكون بإطارِهم، وبدون سقوطٍ في فخِّهم، وذلك بترسيخ التأطير الربَّاني فقط دون غيره؟

يقيني أننا قادرون بإذن الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.