• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    السيرة النبوية وتعزيز القيم والأخلاق في عصر ...
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    وقفات تربوية مع سورة الكوثر (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    مناظرة رائعة بين عالم مسلم وملحد
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    إياكم ومحقرات الذنوب
    محمد أحمد عبدالباقي الخولي
  •  
    كلمتان حبيبتان إلى الرحمن
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    أحكام تكبيرة الإحرام: دراسة فقهية مقارنة (PDF)
    أ. د. عبدالمجيد بن محمد بن عبدالله ...
  •  
    القرآن ميزان المعاملات – 100 فائدة
    د. خالد بن حسن المالكي
  •  
    الأعمار تفنى والآثار تبقى (خطبة)
    رمضان خضير خضير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    صبغ الشعر في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    أعذار المعترضين على القرآن (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    من درر العلامة ابن القيم عن التقوى
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    خطبة: احتساب الثواب والتقرب لله عز وجل (باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    خطبة: يا شباب احذروا من الغيبة والنميمة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (40) «كن في ...
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    آية الكرسي
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

عرفة.. يوم كمال الدين

عرفة.. يوم كمال الدين
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/6/2022 ميلادي - 1/12/1443 هجري

الزيارات: 11354

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عرفة.. يوم كمال الدين

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ، الْوَلِيِّ الْحَمِيدِ؛ جَادَ عَلَى عِبَادِهِ بِالْخَيْرَاتِ، وَدَلَّهُمْ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَحَذَّرَهُمْ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِمَوَاسِمِ الْبَرَكَاتِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا حُكْمَ إِلَّا حُكْمُهُ، وَلَا شَرْعَ إِلَّا شَرْعُهُ، وَلَا دِينَ إِلَّا دِينُهُ؛ ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانِ: 85]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ عَظُمَتْ بِهِ الْمِنَّةُ، وَتَمَّتْ بِهِ النِّعْمَةُ، وَكَمُلَتْ بِشَرِيعَتِهِ الْمِلَّةُ؛ فَمَنْ أَطَاعَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ عَصَاهُ فَفِي الْحُطَمَةِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ، وَاذْكُرُوهُ إِذْ هَدَاكُمْ؛ فَلَوْلَا هِدَايَتُهُ سُبْحَانَهُ لَضَلَلْتُمْ، وَلَوْلَا عَطَاؤُهُ لَهَلَكْتُمْ ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 198].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ تَعَالَى؛ اجْتَمَعَ فِيهِ عِيدُ الْجُمُعَةِ مَعَ عِيدِ عَرَفَةَ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يُوَافِقُ وُقُوفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، حِينَ كَمُلَ الدِّينُ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [الْمَائِدَةِ: 3].

 

مَا أَعْظَمَهُ مِنْ يَوْمٍ؛ فَهُوَ يَوْمُ كَمَالِ الدِّينِ، وَتَمَامِ النِّعْمَةِ، وَرِضَا الرَّبِّ سُبْحَانَهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ. عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ، لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [الْمَائِدَةِ: 3]، قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَكَمَالُ الدِّينِ يَعْنِي كَمَالَ بَيَانِ عَقَائِدِهِ وَشَرَائِعِهِ؛ فَلَيْسَ نَاقِصًا يَحْتَاجُ إِلَى تَكْمِيلٍ، وَلَا غَامِضًا يَلْزَمُهُ كَشْفٌ وَتَبْيِينٌ. فَمَنْ تَعَلَّمَ عُلُومَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَرَفَ الْعَقَائِدَ وَالشَّرَائِعَ؛ فَفِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هُودٍ: 1]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النَّحْلِ: 89]. وَفِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَالَ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [آلِ عِمْرَانِ: 164]؛ أَيِ: الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾ [النِّسَاءِ: 113]، فَالسُّنَّةُ وَحْيٌ كَالْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النَّجْمِ: 3-4].

 

وَلِذَا نَجِدُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَمَالَ الْعَقِيدَةِ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْرِفَةِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَمَعْرِفَةِ بِدَايَةِ الْخَلْقِ، وَبِدَايَةِ الْبَشَرِ، وَأَصْلِهِمْ وَتَارِيخِهِمْ، وَأَخْبَارِ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَأَخْبَارِ الْمُكَذِّبِينَ وَمَا حَلَّ بِهِمْ. كَمَا نَجِدُ فِيهِمَا أَخْبَارَ الْمَوْتِ وَالْقَبْرِ وَالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَأَوْصَافِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَهَذَا كَمَالُ الْعَقِيدَةِ، فَلَا يَحْتَاجُ الْمُؤْمِنُ إِلَى الْعِلْمِ بِأَيِّ شَيْءٍ فِيمَا يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَهُ إِلَّا وَفِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عِلْمُهُ، بِخِلَافِ مَنْ ضَلُّوا فِي هَذَا الْبَابِ فَطَلَبُوا عَقَائِدَهُمْ مِنَ الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ الْفَلْسَفِيَّةِ، أَوْ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمَوْضُوعَةِ الْخُرَافِيَّةِ؛ أَوْ مِنَ النَّظَرِيَّاتِ وَالْأَوْهَامِ الْإِلْحَادِيَّةِ، فَلَمْ يَصِلُوا إِلَى الْحَقَائِقِ فِي الْعَقَائِدِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 28-29]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 54]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الْإِخْلَاصِ: 1-4].

 

وَنَجِدُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَمَالَ الشَّرَائِعِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ، وَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَالْعُقُوبَاتِ، وَالْقَضَاءِ وَالِاقْتِصَادِ وَالسِّيَاسَةِ، وَأَحْكَامِ الْأُسْرَةِ وَالْأَفْرَادِ، بِمَا لَا يَحْتَاجُ الْمُؤْمِنُ مَعَهُ إِلَى قَوَانِينَ تُكْمِلُهُ، أَوْ أَنْظِمَةٍ تَسُدُّ نَقْصَهُ؛ لِأَنَّهُ كَامِلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَصَمَدَتْ أَحْكَامُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَرْنًا، وَشَهِدَ عَدَدٌ مِنْ كِبَارِ الْقَانُونِيِّينَ وَالْمُشَرِّعِينَ الْوَضْعِيِّينَ مِنَ الْبَشَرِ أَنَّهُ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ. بَلْ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمُ اقْتَبَسَ مِنْ أَحْكَامِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ مَا يُكْمِلُونَ بِهِ نَقْصَ قَوَانِينِهِمْ، وَيَسُدُّونَ عَجْزَهَا عَنْ تَلْبِيَةِ مَا يَحْتَاجُهُ النَّاسُ مِنْ أَحْكَامٍ وَتَشْرِيعَاتٍ؛ ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 48-50] أَيْ: لَا حُكْمَ أَحْسَنُ مِنْ حُكْمِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَمَا أَنَّهُ لَا شَرْعَ أَكْمَلُ مِنْ شَرْعِهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَالْآيَاتُ فِي بَيَانِ كَمَالِ الشَّرِيعَةِ وَأَحْكَامِهَا كَثِيرَةٌ، وَفِي الْقُرْآنِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مَبْثُوثَةٌ فِي سُوَرِهِ، يَقْرَؤُهَا الْمُؤْمِنُ فَيَعْرِفُ كَثِيرًا مِنْهَا فِي كَافَّةِ الْمَجَالَاتِ. وَالْقُرْآنُ يُتَعَبَّدُ بِتِلَاوَتِهِ، فَكَانَ قُرَّاءُ الْقُرْآنِ أَعْلَمَ بِأَحْكَامِ شَرِيعَتِهِمْ وَكَمَالِهَا مِنْ عِلْمِ أَهْلِ الْمِلَلِ الْأُخْرَى بِأَدْيَانِهِمْ وَأَحْكَامِ شَرَائِعِهِمْ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُبَدَّلَةً أَمْ كَانَتْ مُخْتَرَعَةً.

 

وَفِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بَيَانُ كَمَالِ الْأَخْلَاقِ وَالْخِصَالِ، وَدَعْوَةُ الْمُؤْمِنِ لِلتَّخَلُّقِ بِهَا، وَذَلِكَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. فَالْمُؤْمِنُ حِينَ يَتَخَلَّقُ بِكَمَالِ الْأَخْلَاقِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْإِسْلَامُ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيَكُونَ قُرْبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ مَا يَكُونُ فِي الدَّعْوَةِ لِحُسْنِ الْأَخْلَاقِ وَكَمَالِهَا. فَكَيْفَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَهَمِّ مَحَاوِرِ رِسَالَتِهِ لِلنَّاسِ فَقَالَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلَا عَجَبَ أَنْ نَجِدَ هَذَا الْكَمَالَ الْأَخْلَاقِيَّ يَأْخُذُهُ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْقُرْآنِ حِينَ يَدْعُوهُ رَبُّهُ سُبْحَانَهُ لِاخْتِيَارِ الْأَحْسَنِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ؛ ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [الْبَقَرَةِ: 83]، ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 53]، ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 46]، ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 96].

 

إِنَّهَا الشَّرِيعَةُ الْكَامِلَةُ فِي كَافَّةِ الْمَجَالَاتِ، الصَّالِحَةُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، الْمُصْلِحَةُ لِأَحْوَالِ النَّاسِ، أَكْمَلَهَا الرَّبُّ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ، وَنَزَلَ الْإِخْبَارُ بِكَمَالِهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، يَوْمِ عَرَفَةَ، فِي مَشْعَرِ عَرَفَةَ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْمَلَ لَنَا دِينَنَا، وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا، وَرَضِيَ لَنَا الْإِسْلَامَ دِينًا، وَنَسْأَلُهُ الثَّبَاتَ عَلَيْهِ إِلَى الْمَمَاتِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: يَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ يَوْمُ كَمَالِ الدِّينِ، وَتَمَامِ النِّعْمَةِ، وَهُوَ عِيدٌ كَبِيرٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

 

وَمِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ أَنَّهُ جَعَلَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَكْثَرَ أَيَّامِ السَّنَةِ عِتْقًا مِنَ النَّارِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَيَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ يَوْمُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ، فَيُعْتِقُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ النَّارِ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَمَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَلِذَلِكَ صَارَ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِيهِ عِيدًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فِي جَمِيعِ أَمْصَارِهِمْ، مَنْ شَهِدَ الْمَوْسِمَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهُ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْعِتْقِ وَالْمَغْفِرَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ» اهـ.

 

وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ فَاجْتَمَعَ الْعِيدُ الْأُسْبُوعِيُّ مَعَ الْعِيدِ الْحَوْلِيِّ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، وَهُوَ خَيْرُ الْأَيَّامِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهُوَ يَوْمُ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ؛ فَإِنَّ فِي عَصْرِ الْجُمُعَةِ سَاعَةَ اسْتِجَابَةٍ لَا يُوَافِقُهَا دَاعٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ، وَرُوِيَ فِي عَرَفَةَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ.

 

فَلْنُكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ عَشِيَّةَ هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ، فَلَرُبَّ دَعْوَةٍ فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَسَعِدَ بِهَا صَاحِبُهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أحكام يوم عرفة
  • يوم عرفة: فضائله وأسباب تحصيلها
  • وقفة عرفة
  • غدا يوم عرفة
  • صور من يوم عرفة (خطبة)
  • من فضائل يوم عرفة
  • الحج عرفة
  • عشر ذي الحجة وعرفة وأحكام الأضحية

مختارات من الشبكة

  • الوافي في فضائل يوم عرفة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • موت العلماء (رحيل خطيب عرفة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيع التلجئة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تجرد العطف من المعية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • بيع الاستجرار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحديث الخامس: خطورة الرياء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاحتكار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يوم عرفة لمن عرفه!(مقالة - ملفات خاصة)
  • معنى عالمية الدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: مواسمنا الإيمانية منهج استقامة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم المسجد المفتوح ببلدة بالوس الأمريكية
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد
  • اختتام مؤتمر دولي لتعزيز القيم الأخلاقية في مواجهة التحديات العالمية في بلقاريا
  • الدورة العلمية الثانية لتأهيل الشباب لبناء أسر مسلمة في قازان
  • آلاف المسلمين يشاركون في إعادة افتتاح أقدم مسجد بمدينة جراداتشاتس
  • تكريم طلاب الدراسات الإسلامية جنوب غرب صربيا
  • ختام الندوة التربوية لمعلمي رياض الأطفال المسلمين في البوسنة
  • انطلاق سلسلة محاضرات "ثمار الإيمان" لتعزيز القيم الدينية في ألبانيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/4/1447هـ - الساعة: 15:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب