• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ عبد القادر شيبة الحمد / مقالات
علامة باركود

أدلة الأحكام (2) (السنة)

أدلة الأحكام (2) (السنة)
الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/3/2022 ميلادي - 3/8/1443 هجري

الزيارات: 8640

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أدلة الأحكام (2)

(السنة)

 

السُّنة:

وهي في اللغة الطريقة.

وفي الاصطلاح: قول النبي صلى الله عليه وسلم، أو فعله، أو تقريره.

وهي الأصل الثاني من الأصول المتَّفَق على الاحتجاج بها.

 

مراتب ألفاظ الصحابة في نقل الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الأولى: أن يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو حدثني، أو أخبرني، أو شافهني، وهذه أقوى المراتب؛ لأنه لا يتطرق إليهما احتمال.

 

الثانية: أن يقول الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا ظاهره النقل عنه مباشرة، ولكنه ليس بنص صريح فيه؛ لاحتمال أن يكون قد سمعه من غيره، كما حدث لابن عباس رضي الله عنهما في حديث: ((إنما الرِّبا في النَّسِيئة))، وقد اتَّفق السلف على قبول هذا الصيغة والاحتجاج بها.

 

الثالثة: أن يقول الصحابي: أمر رسولُ صلى الله عليه وسلم بكذا، أو نهى عن كذا.

 

وقد ذهب بعض أهل الظاهر إلى عدم الاحتجاج بمثل هذا؛ لاحتمال أن يكون سمِعه مِن غيره، أو أنه رأى ما ليس بأمر أمرًا؛ لاختلاف الناس في صيغة الأمر.

 

والصحيح أنه يحتج بمثل هذه الصيغة؛ لأنه لا يظن بالصحابي إطلاق ذلك إلا إذا علِم أنه أمرٌ.

 

الرابعة: أن يقول الصحابي: أُمِرنا بكذا، أو نُهِينا عن كذا.

 

وقد ذهب قوم إلى أن مثل هذا ليس بحجة؛ لاحتمال أن يكون قد سمِعه من غيره، أو أنه جعل ما ليس بأمر أمرًا، أو يكون الآمرُ غيرَ النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وقد ذهب الجمهور إلى الاحتجاج بمثل هذا؛ لأنه يحمل الأمر على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ غرض الصحابي من ذلك إثبات الحكم، ومثل هذه الصيغة قول الصحابي: من السُّنة كذا.

 

الخامسة: قول الصحابي: كنا نفعل كذا، أو كانوا يفعلون كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وقد احتجَّ بهذه الصيغة؛ لأن ذكرَه في معرِض الحجَّة يدل على أنه أراد ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم وسكت عنه.

 

الخبر:

تعريفه: هو في اللغة النبأ.

وفي الاصطلاح: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مرادف للحديث.

 

وقيل: الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والخبر ما جاء عن غيره، فهما متباينان.

 

وقيل: الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، والخبر ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، فبينهما عموم وخصوص، والخبر أعم.

 

أقسامه باعتبار وصوله إلينا:

ينقسم الخبر باعتبار وصوله إلينا إلى متواتر وآحاد.

 

المتواتر:

تعريفه: هو في اللغة المتتابع.

وفي الاصطلاح: ما يرويه جمعٌ تحيل العادة تواطُؤَهم أو توافُقَهم على الكذب.

 

شروطه:

1- أن يرويَه جمعٌ غيرُ محصور.

2- أن تحيل العادة تواطؤهم أو توافقهم على الكذب.

3- أن يكونوا بهذه الصفة مِن أول السند إلى منتهاه.

4- أن يكون منتهى استنادهم الحس؛ كـ: (سمعت، ورأيت).

 

المتواتر يفيد العلم:

لا خلاف بين المسلمين في أن المتواتر يفيد العلم؛ لأننا لا نشك في وجود الأنبياء، ولا في وجود الأئمة الأربعة، ولا في وجود (لندن)، و(واشنطن)، ولا يستريب النصارى في وجود مكة.

 

وخالف قومٌ مِن عَبَدة الأصنام في الهند - يقال لهم السمنية - فزعموا أن العلم لا يُدرَك بواسطة الأخبار وإن تواترت، وإنما يستفاد بالحواس فقط، وهذا ظاهر الفساد؛ لأننا نقطع بوجود البلدان النائية؛ كأوروبا وأمريكا، وبوجود الأمم الخالية.

 

وحصول العلم بذلك ليس من جهة الحس، ولا من جهة العقل، وإنما حصل من جهة الخبر المتواتر.

 

على أن كل خلاف لا ينبغي أن يُلتفت إليه؛ فقد خالف السفسطائية في وجود المحسوسات، وقالوا: حقائق الأشياء غير ثابتة، فأنكروا وجود أنفسهم.

 

نوع العلم الذي يفيده المتواتر:

العلم ينقسم إلى قسمين: ضروري ونظري.

 

فالضروري هو الذي لا يتوقف على نظرٍ واستدلالٍ؛ كقولك: السماء فوقنا، والأرض تحتنا، والواحد نصف الاثنين، ويسمى أيضًا قطعيًّا ويقينيًّا.

 

والنظري هو ما يحتاج إلى استدلال؛ كقول المتكلمين استدلالًا على حدوث العالم: العالم متغيِّر، وكل متغير حادث؛ فالعالم حادث.

 

وقد ذهب الجمهور إلى أن المتواتر يفيد العلم الضروري - واختاره القاضي أبو يعلى - لأننا نجد أنفسنا مضطرين إلى تصديقه، ولا يختص بعلمه أهل النظر، بل يشترك فيه الصبيان.

 

وذهب قوم - منهم أبو الخطاب - إلى أن المتواتر يفيد العلم النظري؛ لأنه لم يُفِدِ العلم بنفسه، بل بواسطة النظر في طريق وصوله إلينا.

 

وهذا الخلاف لفظي، كما جنح إليه الطوفي في مختصره؛ لأن القائل بأنه يفيد العلم الضروري لا ينازع في توقفه على النظر في هذا الطريق، والقائل بأنه نظري لا ينازع في أن العقل يضطر إلى التصديق به.

 

هل يشترط في رواة المتواتر عدد معين؟

ذهب قوم إلى تخصيصه بأربعين؛ أخذًا من العدد الذي تنعقد به الجمعة على قولٍ.

 

وذهب قوم إلى تخصيصه بسبعين؛ أخذًا من قوله تعالى: ﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا ﴾ [الأعراف: 155].

 

وذهب قوم إلى تخصيصه بعدد أهل بدر.

وكل هذه المذاهب تحكُّمات فاسدة.

 

والصحيح أنه ليس له عدد محصور؛ فإننا لا ندري متى حصل علمُنا بوجود مكة.

 

ولو قُتِل رجلٌ في السوق، وانصرف جماعة فأخبرونا بقتله، فإن قول الأول منهم يحرك الظن، والثاني والثالث يؤكده، ولا يزال يتزايد على التدريج حتى يصير ضروريًّا، لا يمكننا أن نتشكك فيه، كما يتزايد عقل الصبي المميز إلى أن يبلغ حد التكليف، وكما يتزايد ضوء الصبح إلى أن يصل حدَّ الكمال.

 

فإن قيل: كيف تعلمون حصول العلم بالمتواتر وأنتم لا تعلمون أقل عدده؟

فالجواب: كما نعلم أن الخبز مشبع، والماء مُرْوٍ، والخمر مُسكِر، وإن كنا لا نعلم أقل مقدار يحصل به ذلك.

 

هذا، ولو أخبر عددٌ معين، فحصل العلم الضروري بخبرهم، فهل يكون كل خبر لهؤلاء محصلًا للعلم الضروري؟

ذهب القاضي أبو يعلى إلى أن كل عدد يفيد العلم في واقعة بعينها، فإنه يفيده في كل واقعة مطلقًا.

 

وذهب قوم إلى أنه يكون كذلك إن تجرد الخبر عن القرائن، أما إذا انضمت إليه قرائن، فإنه يختلف باختلاف الوقائع والأشخاص.

 

وهذا هو الصحيح؛ فإنه لو أخبر عددٌ من الناس زيدًا وعمرًا بأن بكرًا تزوَّج البارحة، وكان زيدٌ قد رأى بكرًا قبلها يشتري جهاز العرس ولم يرَه عمرو، فلا شك أن العلم الذي يحصل لزيد بخبرهم يكون فوق العلم الذي يحصل لعمرو بخبرهم.

 

هل يشترط في رواة المتواتر أن يكونوا عُدولًا أو مسلمين؟

لا يشترط في رواة المتواتر أن يكونوا عدولًا أو مسلمين؛ لأن إفادة المتواتر العلم من حيث إن العادة تحيل تواطؤهم أو توافقهم على الكذب، وهذا لا فرق فيه بين المسلمين والكفار، والعدول والمتهمين، وكما أن العادة تحيل تواطؤهم أو توافقهم على الإخبار بخبر كاذب، فإن العادة تحيل أيضًا تواطؤهم أو توافقهم على كتمان خبر.

 

وذهب الإمامية من الشيعة إلى أن ذلك جائز، وإنما ذهبوا إلى هذا القول لزعمهم أن الصحابة مع كثرتهم كتموا النصَّ على إمامة علي رضي الله عنه، وهذا فاسد؛ لأن كتمانهم الواقع في قوة قولهم: هذا لم يقع.

 

أخبار الآحاد:

الأخبار جمع خبر، والآحاد جمع واحد، وخبر الواحد في اللغة: ما يلقيه الواحد.

 

وفي الاصطلاح: ما لم تجتمع فيه شروط المتواتر.

فإن جاء من طريق واحد، فهو الغريب.

وإن جاء من طريقين، فهو العزيز.

وإن جاء من ثلاثة طرق فأكثر، فهو المشهور.

 

أيفيد خبر الواحد العلم أم الظن؟

اختلف العلماء في ذلك:

فذهب الجمهور وأحمد - في المشهور عنه - إلى أن خبر الواحد يفيد الظن مطلقًا، واحتجوا بما يأتي:

أولًا: أننا لا نصدق كل خبر نسمعه.

 

ثانيًا: وجود التعارض بين بعض أخبار الآحاد، ولو كانت تفيد العلم ما تعارضت؛ كحديث غسل الإناء من وُلُوغ الكلب سبع مرات، فقد جاء في لفظ: إحداهن، وفي لفظ: أولاهن، وفي لفظ: أخراهن بالتراب.

 

ثالثًا: عدم جواز نسخ القرآن ومتواتر السُّنة به، ولو أفاد العلم لجاز ذلك؛ لاستوائهما حينئذٍ في إفادة العلم.

 

وذهب بعض أهل الظاهر وجماعة من المحدثين إلى أنه يفيد العلم مطلقًا.

 

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يفيد العلم عند وجود القرائن، ويفيد الظن عند عدمها، والقرائن التي تجعله يفيد العلم كوجوده في الصحيحين، أو كونه مسلسل الأئمة الحفَّاظ المتقنين.

 

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يفيد العلم إذا ورد في الصفات؛ كالرؤية، والنزول، والضحك، وإلا أفاد الظن، وقد نُقل عن أحمد رحمه الله أنه لَمَّا سُئِل عن أخبار الرؤية، أشار إلى أنها تفيد العلم.

 

الاحتجاج بخبر الواحد:

أنكَر أكثر المعتزلة، والقاشاني، وداود بن علي من أهل الظاهر، والرافضة، وجوبَ العمل بخبر الواحد؛ لأنه لا يفيد اليقين، والله تعالى يقول: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [الإسراء: 36]، ويقول: ﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 169]، ويقول: ﴿ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا ﴾ [يوسف: 81].

 

وذهب جمهور أهل العلم إلى أنه حجة يجب العمل به؛ لِمَا يأتي:

1- إجماع الصحابة والتابعين على وجوب العمل به، وقد اشتَهَر ذلك عنهم في وقائع لا تنحصر؛ منها:

أن أبا بكر رضي الله عنه لَمَّا جاءته جدَّة تطلب ميراثها، قال: لا أجد لكِ شيئًا، ثم نشد الناس، فأخبره المغيرة بن شعبة، ثم محمد بن مسلمة، بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السُّدُس، فعمل بخبرهما، وكذلك عمل به عمر بعده.

 

ومنها: أن عمر كان لا يرى توريثَ المرأة من دِيَة زوجها، حتى أخبره الضحاك بن سفيان العامري الكلابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأةَ أشيم الضبابي من دِيَة زوجها، فلما أخبره رجع إلى قوله.

 

ومنها: أن عثمان أخذ بخبر الفريعة بنت مالك - أختِ أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما - لَمَّا أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى لها بالسكنى لَمَّا مات زوجها ولم يترك لها مسكنًا، إلى غير ذلك من قضايا الصحابة والتابعين، ولم يحدث اختلاف في وجوب العمل بخبر الواحد إلا من بعدهم.

 

2- ما تواتر مِن بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسلَ والأمراء والقضاة وجُباة الصدقات، إلى أطراف دار الإسلام، ومن المعلوم أنه كان يجب قَبول خبرهم، مع أنهم آحاد.

 

3- وجوب العمل بالظن في كثير من الأمور الشرعية؛ كالحكم بالشهادة، والعمل بقول المفتي، وعند الاجتهاد في القِبْلة إذا اشتبهت جهتُها في وقت الصلاة.

 

وأما قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [الإسراء: 36]، وقوله: ﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 169]، وقوله: ﴿ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا ﴾ [يوسف: 81]، فهو دليل على المخالفين لا لهم؛ لأن إنكار خبر الواحد غيرُ معلوم بخبر قاطع، بل يجوز الخطأ فيه، فهو إذًا حكم بغير علم، ووجوب العمل بخبر الواحد معلوم بدليل قاطع، وهو إجماع الصحابة على العمل به.

 

على أن المراد من الآيات منعُ الشاهد من الجزم بالشهادة دون أن يسمع أو يبصر، ولو دلَّت على رد خبر الواحد، لدلت على رد شهادة الاثنين، والأربعة، والرجل والمرأتين، فلما علم بالنص في القرآن وجوب الحكم بهذه الأمور، مع احتمال الكذب، علم كذلك وجوب العمل بخبر الواحد، وإن احتمل الكذب.

 

هل يشترط في قبول الخبر أن يكون عزيزًا؟

ذهب أبو علي الجُبَّائي - أحد أئمة المعتزلة - إلى أنه يشترط في قَبول الخبر أن يكون عزيزًا؛ أي: واردًا من طريقينِ؛ قياسًا على الشهادة.

 

وادَّعى القاضي أبو بكر بن العربي في شرح البخاري بأن ذلك شرط البخاري، وذهب الجمهور إلى أنه لا يشترط ذلك؛ لأن الصحابة قبلوا خبر الواحد الفرد، كما ذكرنا في البحث السابق.

 

وقياس الرواية على الشهادة باطل؛ فإن الرواية تخالف الشهادة في أمور كثيرة؛ منها: أن رواية المرأة الواحدة كرواية الرجل الواحد، بخلاف الشهادة.

 

أما ما ادَّعاه القاضي أبو بكر بن العربي، فإنه يرده أول حديث في صحيح البخاري؛ فإنه فرد غريب، وكذلك آخر حديث فيه.

 

شروط الراوي لخبر الآحاد:

1- الإسلام: فلا تقبل رواية كافر؛ لأنه متَّهم في دينه، فلا يوثق بخبره.

 

2- البلوغ: فلا تقبل رواية الصبي؛ لأنه مظنَّة عدم التحرز، ولأنه إذا كان لا يقبل قوله مطلقًا فيما يخبر به عن نفسه من الإقرار، فمِن باب أولى لا يقبل خبره فيما يخبر به عن غيره.

 

3- العقل: فلا تقبل رواية المجنون؛ لأنه لا يمكنه الاحتراز عن الخلل.

 

4- الضبط: وهو التحرز في النقل، فلا تقبل رواية مَن يفحش غلطه، ولا المغفَّل، ولا مَن يروي على سبيل التوهم، ولا مَن يخالف الثقات، ولا سيِّئ الحفظ؛ لعدم الثقة بخبر هؤلاء.

 

5- العدالة: وهي الصلاح في الدين والمروءة، فلا تقبل رواية الفاسق؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [الحجرات: 6]، فإنه يدل على عدم الثقة بخبر الفاسق، وقد شرط في العدالة التوقِّي عن بعض المباحات القادحة في المروءة؛ كالأكل في الطريق، والبول في الشارع، وصحبة الأراذل، وإفراط المزاح؛ لأن مَن لم يتوقَّ صغائر الخسة يغلِب عليه اتِّباع الهوى عادةً.

 

أما المبتدع، وهو مَن يعتقد ما لم يكن معروفًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس عليه أمره ولا أصحابه، لا بمعاندة، بل بنوع شبهة، فإن كانت بدعته مكفِّرة - أي إنه اعتقد ما يُوجِب الكفر؛ كأن ينكر أمرًا مجمعًا عليه معلومًا من الدين بالضرورة - فهذا لا تقبل روايته مطلقًا، وإن كانت بدعته بمفسِّق، وهو ما لم يوجب اعتقاده الكفر، فقد اختلف في قَبول روايته:

فقيل: يرد مطلقًا.

وقيل: يرد إن كان داعية.

وقيل: يرد إن كان الحديث يُروِّج بدعة.

وقيل: يرد إن كان يجيز الكذب.

 

والمختار أن المبتدع بالمفسِّق إن كان صادق اللهجة، محرمًا للكذب، حافظًا لحديثه، وضابطًا له، تامَّ الصيانة والاحتراز، ولم يكن داعيًا إلى بدعته، ولم يكن مرويه مقويًّا لها، فإنه يقبل، وقد جزم الذهبي في الميزان بأن الرافضة ومَن يسب الشيخينِ لا يُقبلون مطلقًا.

 

مجهول الحال وهو المستور:

إذا قال الراوي مثلًا: حدثني فلان، أو رجل، أو شيخ، أو بعضهم، فهذا مبهم لا يقبل حديثه، ما دام الراوي مبهمًا؛ لأن شرط القَبول العدالةُ، ومَن أبهم اسمه لا تعرف عينه، فكيف بعدالته؟

 

أما إذا سمي، فإن روى عنه راوٍ واحد، فأهل العلم يسمونه أيضًا مجهول العين، كالمبهم، فلا يُقبَل حتى يوثق من غير راويه، أو مِن راويه إذا كان متأهلًا.

 

وأما إذا روى عنه راويان فصاعدًا، ولم يُوثِّقه أحد من أهل هذا الشأن، فهو مجهول الحال، ويسمى المستور أيضًا، وقد اختلف أهل العلم في قَبول روايته:

فذهب الجمهور إلى عدم قَبول روايته؛ لأن عدالته لا تعتبر إلا باختبار باطنه، والوقوف على سريرته.

 

وذهب جماعة منهم أبو حنيفة وأحمد - في رواية عنه - إلى قبول روايته ما دام لم يعلم فسقه؛ لأن العدالة عندهم عبارة عن إظهار الإسلام، مع سلامته عن فسق ظاهر، واختاره ابن حبان قائلًا: الناس (يعني المسلمين) في أحوالهم على الصلاح والعدالة، حتى يتبين منهم ما يوجب القدح، ولم يُكلَّفِ الناسُ ما غاب عنهم.

 

وذهب قومٌ إلى أن روايته موقوفة إلى استبانة حالته، وجزم به إمام الحرمين.

 

وذهب أبو يوسف ومحمد إلى قَبول روايته إن كان من الصحابة أو التابعين أو أتباع التابعين، فإنهم خيارٌ بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما إذا كان الراوي من غيرهم، فلا يقبل حتى يوثق؛ وهذا هو المختار.

 

الفرق بين الرواية والشهادة:

تشترك الرواية والشهادة في اشتراط الإسلام، والبلوغ، والعقل، والضبط، والعدالة.

 

ويختلفان في الحرية، والذكورة، والبصر، والقرابة، والعدد، والعداوة، فهذه الستة تؤثر في الشهادة دون الرواية، كما أن شهادة الفرع لا تقبل مع إمكان الأصل، بخلاف الرواية فإنها تقبل.

 

الجرح والتعديل:

الجَرح - بفتح الجيم - في اللغة: قطع جسم الحيوان بحديدة ونحوها، وأثره الجُرح بالضم.

وفي الاصطلاح: هو أن ينسب إلى شخص ما به تُرَدُّ روايته.

 

والتعديل في اللغة التزكية.

وفي الاصطلاح: هو أن ينسب إلى شخص ما به تُقبَل روايته.

 

ممَّن يُقبَل الجرح والتعديل؟

يقبل الجرح والتعديل من رجلٍ أو امرأة أو عبد، إذا كان متأهلًا لذلك؛ لأنه لا يعتبر في الرواية العدد ولا الذكورة ولا الحرية كما سبق، ومَن قُبِلت روايتُه يُقبَل تعديله.

 

هل يشترط بيان سبب الجرح والتعديل؟

لا يشترط بيان سبب التعديل؛ للعجز عن ضبط أسبابِه؛ لكثرتها.

 

أما الجرح، فقد ذهب أحمد - في رواية عنه - والشافعي إلى أن الجرح لا يقبل إلا إذا تبيَّن سببه؛ لاختلاف الناس في سبب الجرح، فقد يرى بعضهم ما لا يصلح للجرح جارحًا، كما جرح رجل للجهر بالبسملة في الصلاة، مع أن هذا السبب لا يصلح جارحًا.

 

ورُوي عن أحمد أنه لا يشترط بيان سبب الجرح؛ لأن الظاهر مِن الجرح أنه لا يجرح إلا بما يعلمه جارحًا حقًّا.

 

وقيل: يقبل الجرح المجمل مِن العالم البصير؛ كالبخاري ومسلم ونحوهما من أئمة الحديث دون غيرهما، وهذا هو المختار.

 

إذا تعارض الجرح والتعديل، فأيهما يقدم؟

يقدم الجرح على التعديل، حتى ولو زاد عدد المعدل؛ لأن الجرح اطِّلاع على زيادة خَفِيَتْ على المعدِّل، والمثبت مقدم على النافي.

 

كيفية التعديل:

1- حكم ذي الخبرة بشهادته؛ لأنه لو لم يكن عدلًا عنده لَمَا حكم بشهادته.

2- التصريح بعدالته، كأن يقول: هو عدل، أو رضا، أو ثقة، ونحو ذلك.

3- العمل بخبره؛ لأنه لو عمل بخبر غير العدل فَسَقَ.

 

وقيل: ليس تعديلًا له؛ لجواز أن يكون عمل بروايته احتياطًا، أو بدليل آخر غير روايته، والأول أصح.

 

4- أن يروي عنه مَن لا يروي إلا عن الثقات؛ كالبخاري، ومسلم، ومالك.

 

أمور ليست بجارحة:

هذا، وليس مِن الجرح ترك الحكم بشهادته؛ إذ قد يتوقف في قبول شهادته لأسباب سوى الجرح.

 

وكذلك المحدود في قذف بسبب الشهادة، فلو شهد على إنسان بالزنا، ولم يشهد عليه باقي الأربعة وحُدَّ في هذا، لا تُرَدُّ روايته؛ لأن نقصان العدد ليس مِن فعله، بخلاف مَن قال لغيره: يا زاني، وحُدَّ في القذف، فهذا يُرَد خبره حتى يتوب.

 

الصحابة كلهم عدول:

الصحابي: هو الذي اجتمع - حالَ كونِه مسلمًا - بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولو لم يَطُلِ اجتماعه به، ثم مات على الإسلام.

 

والذي عليه سلف الأمة وجمهور الخلف أن الصحابة كلهم عدول، فلا يبحث عن عدالتهم في رواية ولا شهادة؛ لأن الله أثنى عليهم في كتابه، ومدحهم رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((خير الناس قرني))، ولو لم يَرِدْ في النص تعديلهم، لكان فيه تواتر من حالهم وصلاحهم ما يقطع بعدالتهم.

 

كيفية الرواية وطرق الأداء:

1- قراءة الشيخ على التلميذ ليروي عنه:

فيجوز للتلميذ حينئذٍ أن يقول: حدثني، أو أخبرني، أو قال فلان، أو سمعت فلانًا يقول، وهذه أعلى الطرق.

 

2- أن يقرأ التلميذ على الشيخ فيُقِرَّه الشيخ:

فيجوز للتلميذ حينئذٍ أن يقول: أنبأنا، أو حدثنا فلان قراءةً عليه.

 

ولو اقتصر فقال: أنبأنا أو حدثنا - دون أن يقول: قراءة عليه - فجمهور الفقهاء والمحدثين على جوازه؛ لأن إقراره في قوة إخباره، فلا يكون كذبًا.

 

وهذه الطريقة هي المسمَّاة بالعرض، وشرط صحة هذه الطريقة أن يكون الشيخ عليمًا بما يقرؤه عليه التلميذ.

 

3- الإجازة:

وهي أن يأذن الشيخ لتلميذه برواية مرويه، وأعلاها أن يجيز له رواية كتاب معين، ودون ذلك أن يجيز له رواية جميع مروياته.

 

ويجب على التلميذ الفحص عن أصول المجيز فيما صح عنده مِن حديثه حدَّث به، ويجوز للتلميذ أن يقول: حدثني، أو أخبرني، إجازة أو مناولة.

 

4- المناولة:

وهي أن يقول الشيخ للتلميذ: خذ هذا الكتاب فاروِه عني، وهي نوع من الإجازة، إلا أنه شرط فيه أن يدفع الشيخ أصله للتلميذ، ويجوز للتلميذ أن يقول: حدثني أو أخبرني، إجازة أو مناولة.

 

5- الوجادة:

وهي أن يجد شيئًا مكتوبًا يعرف كتابه، فيقول: وجدت بخط فلان، فإن قرنت بإذن صاحبها قبلت، وإلا رُدَّت، هذا ولا ينبغي أن يروي إلا ما يعلم سماعه وحفظه وضبطه إلى وقت الأداء، بحيث يعلم أن ما أدَّاه هو الذي سمعه ولم يتغير منه حرف، فإن شك في شيء منه، فليترك روايته.

 

فلو كان في مسموعاته عن الزهري مثلًا حديث شكَّ في سماعه منه لم يَجُزْ له أن يقول: سمعت الزهري، ولا أن يقول: قال الزهري.

 

بل لو سمع مائة حديث من شيخ كالزهري مثلًا، إلا حديثًا واحدًا منها يعلم أنه لم يسمعه منه، ثم التبس عليه عينُ هذا الحديث، فإنه لا يصح له رواية شيء من هذه الأحاديث عنه؛ إذ ما من حديث إلا ويمكن أن يكون هو الذي لم يسمعه منه.

 

جحد الشيخ لمرويه لا يقدح في عدالة الثقة:

إذا جحد الراوي ما رُوي عنه، فالمختار أن تُرَدَّ روايته، ولا يكون ذلك قادحًا في الثقة، أما إذا احتمل كلامه الجحد ولم يجزم بذلك، كأن يقول: لا أدري، أو: لا أذكر، فالأصح أن تقبل تلك الرواية.

 

ويلتحق بهذا حديث مَن حدَّث ثم نسِي؛ كحديث سُهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهدٍ ويمين، قال عبدالعزيز بن محمد الدَّرَاوردي: حدثني به ربيعة بن أبي عبدالرحمن عن سهيل، فلقيت سهيلًا، فسألته عنه، فلم يعرفه، فصار يقول: حدثني عبدالعزيز عن ربيعة عني.

 

زيادة الثقة:

انفراد الثقة بالزيادة له ثلاثة أحوال:

1- أن تكون الزيادة معارضة لِما رواه سائر الثقات، فتُرَد الزيادة لترجيح رواية الثقات.

 

2- أن تكون الزيادة لا تخالف ما رواه الثقات أصلًا، فتقبل تلك الزيادة مطلقًا؛ أعني سواء كانت في اللفظ فقط؛ كزيادة الواو في ربنا ولك الحمد، أم في المعنى؛ نحو: ((إذا اختلف المتبايعان [والسلعة قائمة] تحالفا وترادَّا))، بزيادة والسلعة وقائمة.

 

وسواء علم اتِّحاد المجلس أو لا؟ كثر الساكتون عنها أم لا؟ لأن هذا الثقة لو انفرد بحديث تامٍّ لقُبِل، فكذلك إذا انفرد بجزء حديث.

 

ولو قيل: كيف ينفرد بالجزء دون سائر رواة الحديث، فالجواب: يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث به مرتين، وزاد في إحداهما، وحضر الراوي المنفرد هذه الزيادة دون غيره، أو أن راوي الحديث الناقص دخل أثناء المجلس، أو خرج أثناء الحديث، أو أصابه نعاس ونحوه.

 

3- أن تكون الزيادة ظاهرها التعارض مع إمكان الجمع؛ كحديث: ((وجُعِلَت لي الأرض مسجدًا وطَهورًا))، فقد تفرَّد أبو مالك الأشجعي عن سائر رواته، فقال: ((وجُعِلت تُربتها طَهورًا))، فهذا ظاهره التعارض، ويمكن الجمع بينهما بأن المراد من التربة الأرض، وهي الصعيد، أو أن المراد بالأرض التربة، والصحيح قَبول هذه الزيادة.

 

رواية الحديث بالمعنى:

لا تجوز رواية الحديث بالمعنى فيما يتعبَّد بلفظه كالأذان، وفيما هو مِن جوامع كَلِمِه صلى الله عليه وسلم.

 

أما ما عدا ذلك، فالمشهور عن الأئمة الأربعة جواز رواية الحديث بالمعنى، بشرط أن يكون الراوي عارفًا بمدلولات الألفاظ، واستدلوا بما يأتي:

1- إجماع العلماء على جواز شرح أحكام الكتاب والسنة للعجم بلسانهم للعارف بذلك، فإذا جاز بلغة العجم، فجوازه باللغة العربية أولى.

 

2- ما رواه الطبراني وغيره من حديث عبدالله بن سليمان الليثي قال: قلتُ: يا رسول الله، إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أؤدِّيه كما أسمع منك، أزيد حرفًا أو أنقص حرفًا، فقال: ((إذا لم تحلوا حرامًا ولم تحرموا حلالًا وأصبتم المعنى، فلا بأس)).

 

3- ومنع منه بعض أصحاب الحديث مطلقًا، وهو مذهب أهل الظاهر، ورواية عن أحمد؛ لِمَا رواه البخاري ومسلم من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنتُ بكتابك الذي أنزلت، ونبيِّك الذي أرسلتَ، فإن متَّ في ليلتك مت على الفطرة))، قال: فرددتهن لأستذكرهن، فقلت: (آمنتُ برسولك الذي أرسلتَ)، فقال صلى الله عليه وسلم: ((قل: آمنتُ بنبيِّك الذي أرسلت))، فدل على وجوب نقل اللفظ بصورته.

 

وقد يجاب عن هذا بأنه أمره بذلك للجمع بين لفظي النبوة والرسالة، هذا ولا نزاع في أن الأفضل رواية الحديث بلفظه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (( نضَّر الله امرأً سمِع مقالتي فوعاها، فأدَّاها كما سمِعها؛ فرُبَّ مبلَّغ أوعى مِن سامع)).

 

المرسل:

المرسَل في اللغة المطلق.

 

وفي اصطلاح الأصوليين: هو ما لم يتصل إسناده، وهو ينقسم إلى قسمين: مرسل الصحابي، ومرسل غير الصحابي.

 

هو أن يقول الصحابي فيما لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يذكر الواسطة؛ كقول ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الربا في النسيئة))، فلما استكشف قال: (حدثني به أسامة بن زيد)، وهو حجة؛ لأن الصحابي لا يروي غالبًا إلا عن صحابي، والصحابة كلهم عدول.

 

وشذَّ قوم فقالوا: لا يقبل مرسل الصحابي إلا إذا عرف أنه لا يروي إلا عن صحابي، والقول الأول هو الصحيح؛ لاتفاق الأمة على قبول رواية ابن عباس، مع أنه - فيما قيل - لم يروِ عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة إلا أربعة أحاديث.

 

وأما مرسل غير الصحابي، فهو أن يقول الثقة الذي لم يلقَ النبي صلى الله عليه وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حجَّة عند أبي حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه؛ لأن الثقة لا يُرسِل الحديث إلا حيث يجزم بعدالة الراوي.

 

وذهب الشافعي وأحمد - في الرواية الثانية - إلى أنه لا يحتج بمرسل غير الصحابي، سوى مراسيل سعيد بن المسيب، فإنه يحتج بها؛ إذ إنها فُتِّشَ عنها فوجدت كلها مسانيد قد رواها عن الصحابة.

 

أما غيره، فليست مراسيله بحجة؛ لاحتمال أن يكون الساقط مجروحًا، ولأن الراوي إذا ذكر شيخًا ولم يُعدِّله، بقي مجهولًا، فإنه لا يقبل، فكيف إذا لم يُسمِّه.

 

وهذا هو المختار، وعليه أكثر الحفاظ؛ كما أشار إليه مسلم بن الحجاج في صدر الصحيح.

 

خبر الواحد فيما تعمُّ به البلوى:

اختلف أهل العلم في قَبول خبر الواحد لإثبات حكم يكثر وقوعه وتعم به البلوى؛ كرفع اليدين في الصلاة، ونقض الوضوء من مس الذَّكر، وثبوت خيار المجلس في البيع.

 

فذهب الجمهور إلى الاحتجاج به؛ لثبوته بنقل العدل الجازم بالرواية، وصدقه غير مستحيل، فلا يجوز تكذيبه.

 

وذهب أكثر الحنفية إلى عدم قَبوله؛ لتوافر الدواعي على نقله، فكيف يختص بروايته الآحاد؟!

 

والأول هو المختار؛ لأن الصحابة قبِلوا خبر عائشة في الغسل مِن الجماع بدون إنزال، وخبر رافع بن خديج في المخابرة.

 

وما ذكره المخالف منقوضٌ بقبوله خبر الواحد في الوتر، ونقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة، فإن هذا مما تعمُّ به البلوى، وقد أثبتوه بخبر الواحد، على أن حديث القهقهة من مراسيلِ أبي العالية، وفي إسناده ومتنه مقالٌ.

 

خبر الواحد في الحدود:

وكذلك قبِل جماهير العلماء خبرَ الواحد في الحدود؛ لأن الحد حكمٌ شرعي يثبت بالشهادة، فيقبل فيه خبر الواحد كسائر الأحكام.

 

وحكي عن الكرخي أنه لا يقبل في الحدود؛ لأن مظنونٌ يلحقه الاشتباه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((ادرؤوا الحدود بالشبهات)).

 

والأول هو المختار؛ فإن الشهادة مظنونة، وقد قُبِلت في الحدود.

 

خبر الواحد فيما يخالف القياس:

إذا خالف خبرُ الواحد القياسَ، قُدِّم خبر الواحد عند كثير من أهل العلم؛ لِمَا روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا بعث معاذًا إلى اليمن قال له: ((بم تحكم؟))، قال: بكتاب الله، قال: ((فإن لم تجد؟))، قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((فإن لم تجد؟))، قال: أجتهد رأيي، فقد قدَّم معاذٌ الكتاب والسنة على الاجتهاد، وقد صوَّبه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

 

وحُكي عن مالكٍ أن القياس مقدَّم على خبر الواحد؛ لأن القياس معتضدٌ بأصله، فيترجح على خبر الواحد المعارض؛ لأنه تلحقه شبهة الكذب لهذه المعارضة.

 

وقال الحنفية: إن كان الراوي فقيهًا، كالخلفاء الراشدين والعبادلة وعائشة رضي الله عنهم، قُدِّم على القياس.

 

وإن كان الراوي غير فقيه، وخالف الخبرُ جميعَ الأقيسة، فإنه يقدم القياس على الخبر؛ لأن الراوي إذا لم يكن فقيهًا لم يؤمن مِن أن يذهب شيء من معانيه، فتدخله شبهة زائدة يخلو عنها القياس.

 

ومثال الخبر المعارض لجميع الأقيسة حديثُ المُصرَّاة، وهو ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُصَرُّوا الإبلَ والغنمَ، فمَنِ ابتاعها بعد ذلك، فهو بخير النظرينِ بعد أن يحلبها، إن رَضِيَها أمسكها، وإن سخِطها ردَّها وصاعًا من تمرٍ)).

 

فرد التمر بدل اللبن مخالف لجميع الأقيسة الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع؛ إذ إن تقدير ضمان العدوان بالمثل ثابت بالكتاب في قوله: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 194]، وتقديره بالقيمة ثابتٌ بالسُّنة في قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أعتق شِقْصًا له في عبدٍ، قُوِّم عليه نصيب شريكه إن كان موسرًا))، وقد انعقد الإجماع على وجوب المثل أو القيمة عند فوات العين، وليس التمر مثل اللبن، ولا قيمته.

 

كما أن هذا الخبر ليس مردودًا لمخالفة نص الكتاب أو السنة؛ إذ إن نصوصهما في العدوان الصريح، والصورة الواردة في الخبر ليس مِن ضمان العدوان الصريح؛ لأنه ظهر بعد فسخ العقدِ أنه تصرَّف في ملك غيره بغير رضاه؛ لأن البائع ما رَضِي بحلبها إلا على تقدير أنها ملك للمشتري.

 

والمختار هو القول الأول؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم إنما كانوا يعدلون إلى القياس عند عدم النص، فمتى وجدوا النص تركوا القياس، كما روي أن عمر رضي الله عنه كان يُفاضِل بين دِيَات الأصابع، ويقسمها على قدر منافعها، فلِمَا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((في كلِّ أصبع عشر من الإبل))، رجع عمر إلى الخبر، وكان بمحضر الصحابة، فكان إجماعًا، وأيضًا فإن الخبر كلام المعصوم، والقياس استنباط الراوي، وكلام المعصوم أقوى وأقوم، والله أعلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أدلة الأحكام (1): الكتاب
  • أدلة الأحكام (3) (الإجماع)
  • أدلة الأحكام (4) (استصحاب العدم الأصلي عند عدم الدليل الشرعي)
  • أدلة الأحكام (5) (الأصول المختلف فيها)

مختارات من الشبكة

  • الأربعون النبوية في السنة النبوية: السنة في السنة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أدلة انتشار الإسلام من السنة المطهرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أدلة من السنة على عذاب القبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أدلة تحريم جرائم الشرف من السنة(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • أدلة شرعية الأحكام وأدلة وقوعها(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • حجية السنة النبوية وبعض أدلتها من القرآن الكريم والسنة المطهرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أدلة وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • أصول الحياة الزوجية السعيدة من أدلة الكتاب والسنة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • وجوب التمسك بالكتاب والسنة وترك البدع: أدلة وفوائد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حصون العفاف للمسلمات من أدلة الكتاب والسنة(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب