• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من مائدة الحديث: خيرية المؤمن القوي
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    وفاء القرآن الكريم بقواعد الأخلاق والآداب
    عمرو عبدالله ناصر
  •  
    خطبة: كيف أتعامل مع ولدي المعاق؟
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    تذكير (للأحياء) مِن الأحياء بحقوق الأموات عليهم!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    الوسيلة والفضيلة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حقوق الطريق (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    حديث: حسابكما على الله، أحدكما كاذب لا سبيل لك ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حديث: «نقصان عقل المرأة ودينها» بين نصوص السنة ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تحبيب الله إلى عباده
    عبدالرحيم بن عادل الوادعي
  •  
    خطبة: المصافحة
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    دور السنة النبوية في وحدة الأمة وتماسكها (خطبة)
    د. مراد باخريصة
  •  
    خطبة عن الافتراء والبهتان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    خطبة: الشهوات والملذات بين الثواب والحسرة
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    تخريج حديث عائشة: "أن رسول الله - صلى الله عليه ...
    أحمد بن محمد قرني
  •  
    خطبة (المنافقون)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تفسير: (وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن)
    تفسير القرآن الكريم
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

اختلاف الناس (خطبة)

اختلاف الناس (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/5/2021 ميلادي - 18/10/1442 هجري

الزيارات: 40814

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

اختلاف الناس

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ؛ خَلَقَ الْبَشَرَ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَبَايَنَ بَيْنَهُمْ فِي صُوَرِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَأَفْكَارِهِمْ ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الرُّومِ: 22]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ ابْتَلَى عِبَادَهُ بِالْإِسْلَامِ لِيَلْزَمُوهُ، وَبِالرَّسُولِ لِيَتَّبِعُوهُ، وَبِالْقُرْآنِ لِيَأْخُذُوهُ، وَوَعَدَهُمْ بِالْبَعْثِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، وَبِالْجَزَاءِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ وَعَى عَنِ اللَّهِ تَعَالَى رِسَالَتَهُ فَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَهِلَ وَأَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ﴾ [النِّسَاءِ: 55]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَتَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَخُذُوا بِأَسْبَابِ النَّجَاةِ، وَاسْلُكُوا طَرِيقَ السَّعَادَةِ؛ فَإِنَّ الدُّنْيَا إِلَى زَوَالٍ، وَإِنَّ الْآخِرَةَ دَارُ الْقَرَارِ، وَلَنْ يَجِدَ الْعَبْدُ فِي أُخْرَاهُ إِلَّا مَا عَمِلَ فِي دُنْيَاهُ ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 8-9].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: الِاخْتِلَافُ سُنَّةٌ كَوْنِيَّةٌ قَضَى اللَّهُ تَعَالَى بِهَا بَيْنَ النَّاسِ؛ لِتَعْمُرَ الْأَرْضُ بِالتَّنَافُسِ وَالصِّرَاعِ وَالْحُرُوبِ، وَتَلَاقُحِ الْأَفْكَارِ، وَمُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ، وَإِعْمَالِ الْفِكْرِ، وَازْدِهَارِ الصِّنَاعَةِ وَالتِّجَارَةِ، وَلَوْلَا الِاخْتِلَافُ الَّذِي يُؤَدِّي -فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْيَانِ- إِلَى الصِّرَاعِ لَكَسِلَ الْإِنْسَانُ، وَذَبَلَ عَقْلُهُ، وَخَارَتْ قُوَاهُ، وَلَتَخَلَّفَتِ الْبَشَرِيَّةُ فِي كَافَّةِ الْمَجَالَاتِ ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 253].

 

فَالْخِلَافُ وَالِاخْتِلَافُ سُنَّةٌ كَوْنِيَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ أَرَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِمَصْلَحَةِ الْعِبَادِ ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هُودٍ: 118-119]. «أَيِ: اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ لِيَكُونَ مِنْهُمُ السُّعَدَاءُ وَالْأَشْقِيَاءُ، وَالْمُتَّفِقُونَ وَالْمُخْتَلِفُونَ، وَالْفَرِيقُ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ، وَالْفَرِيقُ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ؛ لِيَتَبَيَّنَ لِلْعِبَادِ عَدْلُهُ وَحِكْمَتُهُ؛ وَلِيَظْهَرَ مَا كَمَنَ فِي الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ؛ وَلِتَقُومَ سُوقُ الْجِهَادِ وَالْعِبَادَاتِ الَّتِي لَا تَتِمُّ وَلَا تَسْتَقِيمُ إِلَّا بِالِامْتِحَانِ وَالِابْتِلَاءِ».

 

وَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ فِي حَالِ الِاخْتِلَافِ بِالْتِزَامِ الْحَقِّ، وَالِاجْتِهَادِ فِي الْوُصُولِ إِلَيْهِ؛ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا تَجَرَّدَ مِنَ الْهَوَى وَحُظُوظِ النَّفْسِ، وَاتَّبَعَ الْحَقَّ. وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَزَالَ جَهْلَهُ بِالْعِلْمِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْعِلْمِ قَلَّدَ عَالِمًا تَقِيًّا يُرْضَى عِلْمُهُ وَدِينُهُ. وَالِاخْتِلَافُ يَكُونُ سَبَبًا لِلضَّلَالِ إِذَا حَضَرَهُ الْهَوَى، فَيَنْتَقِي صَاحِبُ الْهَوَى مِنَ الْخِلَافِ مَا يَتَوَافَقُ مَعَ هَوَاهُ وَلَوْ خَالَفَ شَرْعَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُهْدَى أَهْلُ الْحَقِّ بِاجْتِنَابِهِمْ الْهَوَى؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 213].

 

وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكِتَابِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ قَدَّمُوا الْهَوَى عَلَى الْهُدَى، وَرَكِبُوا الْبَاطِلَ دُونَ الْحَقِّ، وَاخْتَلَفُوا فِي كُتُبِهِمْ، وَخَالَفُوا أَنْبِيَاءَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 19]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾ [يُونُسَ: 93].

 

وَالِاخْتِلَافُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْأَهْوَاءِ يُؤَدِّي -وَلَا بُدَّ- إِلَى الِافْتِرَاقِ وَالشِّقَاقِ؛ لِأَنَّ أَهْوَاءَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُرِيدُ لِهَوَاهُ أَنْ يَنْتَصِرَ، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 176]؛ «أَيْ: مَا كَانَ ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ إِلَّا حَسَدًا بَيْنَهُمْ، وَطَلَبًا مِنْهُمْ لِلرِّيَاسَةِ وَحُظُوظِ الدُّنْيَا». وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ [الْبَيِّنَةِ: 4].

 

وَلِذَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الِاتِّكَاءِ عَلَى الْخِلَافِ؛ لِاخْتِيَارِ مَا تَهْوَاهُ نُفُوسُهُمْ وَلَوْ كَانَ مُجَانِبًا لِلْحَقِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلتَّفْرِقَةِ، فَتَفْرِقَةُ الدِّينِ وَالْكِتَابِ سَبَبٌ لِتَفَرُّقِ الْقُلُوبِ وَتَبَاغُضِهَا، وَسَبَبٌ لِلِاخْتِلَافِ الْمُؤَدِّي إِلَى الِاحْتِرَابِ ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 105]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ* مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الرُّومِ: 31-32]، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ بَرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ رَكِبُوا أَهْوَاءَهُمْ، وَفَرَّقُوا دِينَهُمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ أَحْكَامِهِ وَتَرَكُوا بَعْضَهَا؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 159]. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَوَصِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لَنَا وَلِمَنْ قَبْلَنَا أَنْ نَأْخُذَ الْكِتَابَ كُلَّهُ، وَنَتَمَسَّكَ بِالدِّينِ كُلِّهِ، وَلَا نُفَرِّقَهُ فَنَأْخُذَ مَا نَهْوَى، وَنَتْرُكَ مَا لَا نَهْوَى، وَنُؤْمِنَ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرَ بِبَعْضٍ ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشُّورَى: 13]، فَهَذِهِ وَصِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لَنَا وَلِمَنْ كَانُوا قَبْلَنَا، ثُمَّ بَعْدَهَا بِآيَةٍ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ تَفَرُّقَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ [الشُّورَى: 14]، فَهُمْ مَا تَفَرَّقُوا جَهْلًا، بَلْ تَفَرَّقُوا بِسَبَبِ الْهَوَى وَحُبِّ الدُّنْيَا، وَانْتِقَاءِ مَا يَهْوَوْنَ مِنْ دِينِهِمْ، وَتَرْكِ مَا لَا يَهْوَوْنَ.

 

نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ، وَمِنَ الضَّلَالِ بَعْدَ الْهُدَى، وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ الِاسْتِقَامَةَ عَلَى دِينِهِ، وَالثَّبَاتَ عَلَيْهِ إِلَى الْمَمَاتِ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ* وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102-103].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْمَوْضُوعَاتُ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا النَّاسُ أَفْرَادًا وَأُمَمًا كَثِيرَةٌ، وَمِنْهَا اخْتِلَافُ الْمَلَاحِدَةِ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْكَارُهُمْ لِوُجُودِهِ سُبْحَانَهُ أَوْ لِقُدْرَتِهِ. وَمِنْهَا اخْتِلَافُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي نُبُوَّةِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَفِي وُجُوبِ طَاعَتِهِمْ؛ وَلِذَا اتَّهَمُوا الْأَنْبِيَاءَ بِالسِّحْرِ وَالْكِهَانَةِ وَالِافْتِرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. ثُمَّ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ الدِّينِ الْوَاحِدِ فِي دِينِهِمْ وَفِي كِتَابِهِمْ كَمَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكِتَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ﴾ [هُودٍ: 110]، فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِمْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيُزِيلَ اخْتِلَافَهُمْ، وَيُجَدِّدَ مَا دَرَسَ مِنْ دِينِهِمْ ﴿ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [الزُّخْرُفِ: 63]، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي عِيسَى كَمَا اخْتَلَفُوا فِي مُوسَى؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [مَرْيَمَ: 37]، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ لِيُزِيلَ اخْتِلَافَهُمْ ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [النَّحْلِ: 64]. وَهَذَا يَشْمَلُ اخْتِلَافَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَفِي خُصُوصِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [النَّمْلِ: 76]. فَأَهْلُ الْإِيمَانِ لَزِمُوا الْحَقَّ، وَأَهْلُ الشِّقَاقِ وَالْفِرَاقِ قَضَوْا بِأَهْوَائِهِمْ عَلَى الْحَقِّ، فَأَخَذُوا بِبَعْضِ الدِّينِ وَتَرَكُوا بَعْضَهُ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْجَمِيعِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَقَدْ كُرِّرَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [يُونُسَ: 93]، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 25]، ﴿ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [الْحَجِّ: 69]، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَضَى أَنْ تَكُونَ دَارُ الدُّنْيَا دَارَ اخْتِلَافٍ لِيَتَحَقَّقَ الْبَلَاءُ؛ لَقَضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي اخْتِلَافِهِمْ، وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَرْجَأَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ فَصْلِ الْقَضَاءِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [يُونُسَ: 19].

 

فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَلْزَمَ الْحَقَّ وَلَوْ كَثُرَ الشَّارِدُونَ، وَأَنْ يَحْفَظَ إِيمَانَهُ وَلَوْ زَادَ الْبَائِعُونَ؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ أَغْلَى مَا يَمْلِكُ الْمُؤْمِنَ، وَلَوِ اشْتُرِيَتِ الدُّنْيَا كُلُّهَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا بِنَافِلَةٍ وَاحِدَةٍ لَرَجَحَتِ النَّافِلَةُ بِكُلِّ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، فَكَيْفَ بِالْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَالْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ﴾ [الْفَتْحِ: 1]»، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ».

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • اختلاف الناس سنة كونية وتمايزهم ضرورة بشرية: وقفة تدبرية مع تناول القرآن لغزوة الحديبية
  • اختلاف الفرق

مختارات من الشبكة

  • كف الأذى عن الناس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (26) «كل سلامى من الناس عليه صدقة» (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: كيف أتعامل مع ولدي المعاق؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: المصافحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دور السنة النبوية في وحدة الأمة وتماسكها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عن الافتراء والبهتان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الشهوات والملذات بين الثواب والحسرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة (المنافقون)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • من غشنا فليس منا (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • خطبة: وقفات مع اسم الله العدل(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المؤتمر السنوي الرابع للرابطة العالمية للمدارس الإسلامية
  • التخطيط لإنشاء مسجد جديد في مدينة أيلزبري الإنجليزية
  • مسجد جديد يزين بوسانسكا كروبا بعد 3 سنوات من العمل
  • تيوتشاك تحتضن ندوة شاملة عن الدين والدنيا والبيت
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية
  • بدأ تطوير مسجد الكاف كامبونج ملايو في سنغافورة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/2/1447هـ - الساعة: 14:45
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب