• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

مظاهر اليسر في الصوم (1): التدرج في فرض الصيام (خطبة)

مظاهر اليسر في الصوم (1): التدرج في فرض الصيام (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/4/2021 ميلادي - 3/9/1442 هجري

الزيارات: 21591

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مظاهر اليسر في الصوم (1)

التدرج في فرض الصيام


الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ؛ فَرَضَ الصِّيَامَ فِي رَمَضَانَ، وَأَنْزَلَ فِيهِ الْقُرْآنَ ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ فَتَحَ أَبْوَابَ الْخَيْرِ لِلْعِبَادِ، وَهَدَاهُمْ لِمَوَاسِمِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، فَمُشَمِّرٌ فِيهَا رَابِحٌ، وَمُفَرِّطٌ فِيهَا خَاسِرٌ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ يَجِدُ كُلُّ عَامِلٍ مَا عَمِلَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يَفْرَحُ بِرَمَضَانَ، وَيُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ بِهِ، وَيَحُضُّهُمْ عَلَى الْعَمَلِ فِيهِ، وَيَقُولُ: «قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ»، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَحْسِنُوا لِأَنْفُسِكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ، بِصِيَامِ نَهَارِهِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَقِيَامِ لَيْلِهِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَإِتْيَانِ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَتَطْهِيرِ الْقُلُوبِ مِنْ أَدِوَاءِ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ، وَتَخْلِيَتِهَا مِنَ الْإِحَنِ وَالضَّغَائِنِ وَالْأَحْقَادِ؛ فَإِنَّ سَلَامَةَ الْقُلُوبِ تُعِينُ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَزَوَالَ رَيْنِهَا يُذِيقُهَا لَذَائِذَهَا وَحَلَاوَتَهَا، وَمَنْ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ لَمْ يَبْحَثْ عَنْ غَيْرِهَا مَهْمَا عَظُمَ عِنْدَ النَّاسِ، وَالْمُوَفَّقُ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلطَّاعَةِ؛ ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [الْأَحْقَافِ: 16].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: صَوْمُ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ. فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ، وَجَعَلَهُ الرُّكْنَ الرَّابِعَ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ. وَالصِّيَامُ تَكْلِيفٌ يَخْتَلِفُ عَنِ التَّكَالِيفِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهَا عَمَلٌ وَهُوَ كَفٌّ، فَهُوَ كَفٌّ عَنْ مُشْتَهَيَاتِ الْعَبْدِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَجِمَاعٍ بِنِيَّةِ التَّعَبُّدِ لِلَّهِ تَعَالَى. وَرَغْمَ ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَدَرَّجَ بِعِبَادِهِ فِي فَرْضِ الصَّوْمِ، لِيَأْلَفُوهُ وَيَعْتَادُوهُ؛ رَحْمَةً مِنْهُ سُبْحَانَهُ بِهِمْ، وَتَيْسِيرًا عَلَيْهِمْ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ خِلَالَ آيَاتِ الصِّيَامِ: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185].

 

فَمِنَ التَّدَرُّجِ فِي الصِّيَامِ أَنَّهُ فُرِضَ عَلَى مَرَاحِلَ:

فَالْمَرْحَلَةُ الْأُولَى: فُرِضَ عَلَيْهِمْ فِي الْبِدَايَةِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ، وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَهُوَ يَوْمٌ وَاحِدٌ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ: أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ: أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ: «مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيَصُمْ، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَفِي الْمَرْحَلَةِ الثَّانِيَةِ: شُرِعَ صَوْمُ رَمَضَانَ، لَكِنْ كَانَ عَلَى التَّخْيِيرِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَطْعَمَ بَدَلَ الصِّيَامِ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الصِّيَامِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 184]، وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 184]، كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ، حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَفِي الْمَرْحَلَةِ الثَّالِثَةِ: فُرِضَ عَلَيْهِمْ صَوْمُ رَمَضَانَ بِلَا تَخْيِيرٍ، بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185]، وَفِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ كَانَ لِلصَّائِمِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيُجَامِعَ مَا لَمْ يَنَمْ، فَإِنْ نَامَ حَرُمَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالْجِمَاعُ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ التَّالِي، وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ عَلَيْهِمْ؛ حَتَّى كَانَ يُغْمَى عَلَى الْوَاحِدِ مِنْهُمْ بِسَبَبِ طُولِ الصِّيَامِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ فِي النَّهَارِ، فَمَتَى نَعَسَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ فِي اللَّيْلِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ؛ بِسَبَبِ نَوْمَتِهِ، وَلَوْ كَانَتْ خَفْقَةً قَلِيلَةً، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ، لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ، قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 187]، فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَنَزَلَتْ: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 187]» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

فَكَانَتِ الْمَرْحَلَةُ الرَّابِعَةُ هِيَ الَّتِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهَا الصِّيَامُ، وَهِيَ صَوْمُ نَهَارِ رَمَضَانَ، وَالْإِفْطَارُ لَيْلَهُ، سَوَاءٌ نَامَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَمْ لَمْ يَنَمْ.

 

وَفِي الْحِكْمَةِ مِنَ التَّدَرُّجِ فِي الصَّوْمِ يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «لَمَّا كَانَ غَيْرَ مَأْلُوفٍ لَهُمْ وَلَا مُعْتَادٍ، وَالطِّبَاعُ تَأْبَاهُ؛ إِذْ هُوَ هَجْرُ مَأْلُوفِهَا وَمَحْبُوبِهَا، وَلَمْ تَذُقْ بَعْدُ حَلَاوَتَهُ وَعَوَاقِبَهُ الْمَحْمُودَةَ، وَمَا فِي طَيِّهِ مِنَ الْمَصَالِحِ وَالْمَنَافِعِ؛ فَخُيِّرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِطْعَامِ، وَنُدِبَتْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَرَفَتْ عِلَّتَهُ -يَعْنِي حِكْمَتَهُ- وَالْفِقْهَ، وَعَرَفَتْ مَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْمَصَالِحِ وَالْفَوَائِدِ؛ حُتِّمَ عَلَيْهَا عَيْنًا، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا سِوَاهُ، فَكَانَ التَّخْيِيرُ فِي وَقْتِهِ مَصْلَحَةً، وَتَعْيِينُ الصَّوْمِ فِي وَقْتِهِ مَصْلَحَةً؛ فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ شَرْعَ كُلِّ حُكْمٍ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ».

 

فَجَدِيرٌ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ شُكْرُ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ عَلَى نِعْمَةِ رَمَضَانَ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْأُجُورِ الْعِظَامِ، وَشُكْرُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى نِعْمَةِ فَرْضِ الصِّيَامِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْمَنَافِعِ الْكِبَارِ، وَشُكْرُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى نِعْمَةِ التَّدَرُّجِ فِي فَرْضِ الصِّيَامِ حَتَّى يَأْلَفَهُ الْعِبَادُ، وَشُكْرُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى التَّخْفِيفِ وَالتَّيْسِيرِ فِي إِبَاحَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنِّكَاحِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ، فَكُلُّهَا نِعَمٌ تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ، وَالتَّوْفِيقُ لِلصِّيَامِ وَالْقِيَامِ يَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النَّحْلِ: 18].

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ فَإِنَّكُمْ فِي بِدَايَاتِ شَهْرِ التَّقْوَى، وَمَا فُرِضَ الصِّيَامُ عَلَى الْعِبَادِ إِلَّا لِيُحَقِّقُوا بِهِ التَّقْوَى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 183].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: عِبَادَةُ الصَّوْمِ حَبْسٌ لِلنَّفْسِ عَنْ مُشْتَهَيَاتِهَا، وَالنَّفْسُ الْبَشَرِيَّةُ نَزَّاعَةٌ لِلشَّهَوَاتِ؛ وَلِذَا دَرَّجَ اللَّهُ تَعَالَى فَرِيضَةَ الصَّوْمِ عَلَى عِبَادِهِ؛ لِيَأْلَفُوهَا وَيَعْتَادُوهَا وَيُرَوِّضُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهَا، وَهَذَا مِنْ حِكْمَةِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ.

 

وَالتَّدَرُّجُ فِي فَرْضِ الصِّيَامِ يَأْخُذُ مِنْهُ الْعَبْدُ مَنْهَجًا فِي حَيَاتِهِ كُلِّهَا؛ بِأَنْ يَتَدَرَّجَ فِي كُلِّ أَمْرٍ عَسِيرٍ حَتَّى يَأْلَفَهُ وَيُصْبِحَ سَهْلًا عَلَيْهِ، وَهُوَ شَاقٌّ عَلَى غَيْرِهِ.

 

وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَدَرَّجَ فِي حِزْبِهِ الْيَوْمِيِّ مِنَ الْقُرْآنِ، فَيَزِيدَهُ وَلَا يَنْقُصَهُ، وَيَتَدَرَّجَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَفِي صِيَامِ النَّافِلَةِ، وَفِي الصَّدَقَةِ، وَفِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ؛ فَإِنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ زَادَتْ أَعْمَالُهُ الصَّالِحَةُ وَلَمْ تَنْقُصْ، وَكَانَ يَوْمُهُ خَيْرًا مِنْ أَمْسِهِ، وَكُلَّمَا تَقَدَّمَ بِهِ الْعُمْرُ زَادَتْ طَاعَاتُهُ، حَتَّى تَسْتَوْعِبَ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ، وَهُوَ مُتَلَذِّذٌ بِهَا، لَا يَجِدُ مَشَقَّةً وَلَا نَصَبًا، وَلَا يُحِسُّ بِمَلَلٍ أَوْ سَأَمٍ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ نَفْسَهُ بِالتَّدَرُّجِ.

 

إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ أَقْبَلُوا عَلَى الْقُرْآنِ وَالصَّلَاةِ وَالْإِحْسَانِ، ثُمَّ يَنْقَطِعُونَ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا أَنْفُسَهُمْ بِالتَّدَرُّجِ فِي الْعِبَادَاتِ قَبْلَ رَمَضَانَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْقَطِعُ بَعْدَ رَمَضَانَ، وَسَبَبُهُ أَنَّهُمْ لَمْ يُرَوِّضُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الطَّاعَاتِ. فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْ حِكْمَةِ التَّدَرُّجِ فِي فَرْضِ الصِّيَامِ بِالتَّدَرُّجِ فِي سَائِرِ الطَّاعَاتِ، وَتَعْوِيدِ النَّفْسِ عَلَيْهَا شَيْئًا فَشَيْئًا، وَقَلِيلٌ دَائِمٌ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مُنْقَطِعٍ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ؛ وَلِذَا كَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدَوْمَهُ وَإِنْ قَلَّ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

وَيَسْتَفِيدُ الْعَبْدُ مِنْ حِكْمَةِ التَّدَرُّجِ فِي فَرْضِ الصِّيَامِ حَتَّى فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، كَالدِّرَاسَةِ وَالْوَظِيفَةِ وَغَيْرِهَا، فَيَتَدَرَّجُ مِنَ الْأَسْهَلِ إِلَى الْأَعْسَرِ؛ حَتَّى يَبْلُغَ مَبْلَغًا لَا يَعْسُرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ بِسَبَبِ إِلْفِهِ لَهُ وَتَعْوِيدِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ.

 

كَمَا يَسْتَفِيدُ مِنْ حِكْمَةِ التَّدَرُّجِ فِي الرِّيَاضَةِ وَالطِّبِّ سَوَاءٌ بِحَجْبِ نَفْسِهِ عَمَّا يَضُرُّهَا مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ، وَهُوَ مُعْتَادٌ عَلَيْهِ، فَيَمْنَعُ نَفْسَهُ مِنْهُ بِالتَّدَرُّجِ؛ حَتَّى يَسْتَطِيعَ الِامْتِنَاعَ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ.

 

وَهَكَذَا نَجِدُ أَنَّ حِكْمَةَ التَّدَرُّجِ فِي فَرِيضَةِ الصِّيَامِ لَوْ نَظَرَ إِلَيْهَا الْمُؤْمِنُ نَظْرَةَ مُسْتَفِيدٍ لَاسْتَفَادَ مِنْهَا فِي كُلِّ جَوَانِبِ حَيَاتِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَ النَّفْسَ الْبَشَرِيَّةَ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِحَاجَتِهَا إِلَى التَّدَرُّجِ فِي الِامْتِنَاعِ عَمَّا أَلِفَتْهُ، أَوْ فِي فِعْلِ مَا لَمْ تَعْتَدْهُ ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الْمُلْكِ: 14].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ما يستحب في الصوم
  • حقوق الله تعالى في الصوم (خطبة)
  • أصحاب الأعذار في الصوم
  • أحكام القضاء والكفارة والفدية في الصوم
  • مراحل فرض الصيام
  • مظاهر اليسر في الصوم (2): الفطر لأهل الأعذار
  • مظاهر اليسر في الصوم (3) تعجيل الفطور وتأخير السحور
  • مظاهر اليسر في الصوم (4) النهي عن صوم الأبد
  • الحكمة في فرض الصيام (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • مظاهر اليسر في عبادة العمر(مقالة - ملفات خاصة)
  • مظاهر وحدة المسلمين في عبادة الصوم(مقالة - ملفات خاصة)
  • من مظاهر يسر الشريعة .. مضاعفة الحسنات دون السيئات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مظاهر يسر الشريعة .. إباحة المحظورات عند الضرورة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مظاهر يسر الشريعة .. إلحاق الرخص بالفرائض(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مظاهر يسر الشريعة .. وحدة المصدر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مظاهر التيسير في الصيام (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • مظاهر العيد في بلاد المسلمين(مقالة - ملفات خاصة)
  • مقتضى يسر الإسلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مظاهر التوفيق في رحلة الإسراء والمعراج (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب