• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فتنة الابتلاء بالرخاء
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الحج ويوم عرفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    خطبة (المساجد والاحترازات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لماذا قد نشعر بضيق الدين؟
    شهاب أحمد بن قرضي
  •  
    حقوق الأم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الدرس الواحد والعشرون: غزوة بدر الكبرى
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    أهم مظاهر محبة القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    تفسير سورة المسد
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    الحديث: أنه سئل عن الرجل يطلق ثم يراجع ولا يشهد؟
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    التجارب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    خطبة مختصرة عن أيام التشريق
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    قالوا عن "صحيح البخاري"
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (12)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    عشر أيام = حياة جديدة
    محمد أبو عطية
  •  
    من مائدة الحديث: فضل التفقه في الدين
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    خطبة: فما عذرهم
    أحمد بن علوان السهيمي
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

من أخبار الشباب (10) سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى

من أخبار الشباب (10) سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/9/2020 ميلادي - 20/1/1442 هجري

الزيارات: 20738

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من أخبار الشباب (10)

سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ ﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرَّحْمَنِ: 2 - 4]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَنَارَ الطَّرِيقَ لِلسَّالِكِينَ، وَأَقَامَ حُجَّتَهُ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النِّسَاءِ: 165]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ إِمَامُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَعَلَّمُوا مِنَ الْعِلْمِ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُكُمْ؛ فَإِنَّ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ أَعْلَى الْعُلُومِ وَأَشْرَفُهَا ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [الْمُجَادَلَةِ: 11].

 

أَيُّهَا النَّاسُ:

مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ فِي الصِّغَرِ صَارَ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْكِبَرِ؛ وَلِذَا قَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ: «الْحِفْظُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ عَلَى الْحَجَرِ».

 

وَهَذِهِ لَمَحَاتٌ مِنْ سِيرَةِ إِمَامٍ كَبِيرٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَحُفَّاظِهَا، تَوَجَّهَ لِلْعِلْمِ مُنْذُ صِغَرِهِ، فَكَانَ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ، وَأَئِمَّةِ الْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ، ذَلِكُمْ هُوَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ الْهِلَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي وَصْفِهِ: «وَطَلَبَ الْحَدِيثَ وَهُوَ حَدَثٌ بَلْ غُلَامٌ، وَلَقِيَ الْكِبَارَ، وَحَمَلَ عَنْهُمْ عِلْمًا جَمًّا، وَأَتْقَنَ وَجَوَّدَ وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَعُمِّرَ دَهْرًا، وَازْدَحَمَ الْخَلْقُ عَلَيْهِ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الْإِسْنَادِ، وَرُحِلَ إِلَيْهِ مِنَ الْبِلَادِ، وَأَلْحَقَ الْأَحْفَادَ بِالْأَجْدَادِ».

 

وُلِدَ فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ الْهِجْرِيِّ الثَّانِي، وَأَدْرَكَ جُمْلَةً مِنَ التَّابِعِينَ، وَعُمِّرَ حَتَّى جَاوَزَ التِّسْعِينَ، قَضَاهَا فِي الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ وَالْعِبَادَةِ، مَعَ زُهْدٍ وَوَرَعٍ.

 

وَجَّهَهُ أَبُوهُ لِلْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ مُنْذُ طُفُولَتِهِ، ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ فَقَالَ: «حَجَّ بِهِ أَبُوهُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ حَجَّةً، حَجَّ بِهِ وَلَهُ سِتُّ سِنِينَ إِلَى أَنْ بَلَغَ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً» ثُمَّ اسْتَمَرَّ يَحُجُّ إِلَى أَنْ وَافَتْهُ الْمَنِيَّةُ، حَتَّى جَاوَزَ سَبْعِينَ حَجَّةً، وَقِيلَ: أَكْمَلَ ثَمَانِينَ حَجَّةً، وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ يَقِفُهُ بِعَرَفَةَ: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْكَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا، وَقَالَ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كَثْرَةِ مَا سَأَلْتُهُ ذَلِكَ».

 

ابْتَدَأَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَهُوَ طِفْلٌ صَغِيرٌ، وَطَلَبَ الْحَدِيثَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَذَكَرَ رَغْبَتَهُ فِي الْعِلْمِ وَهُوَ صَغِيرٌ فَقَالَ: «كَانَ أَبِي صَيْرَفِيًّا بِالْكُوفَةِ، فَرَكِبَهُ الدَّيْنُ، فَحَمَلَنَا إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَصِرْتُ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، إِذَا شَيْخٌ عَلَى حِمَارٍ، فَقَالَ لِي: يَا غُلَامُ، أَمْسِكْ عَلَيَّ هَذَا الْحِمَارَ حَتَّى أَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَأَرْكَعَ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ أَوْ تُحَدِّثُنِي، قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ أَنْتَ بِالْحَدِيثِ؟ وَاسْتَصْغَرَنِي، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي، فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَحَدَّثَنِي بِثَمَانِيَةِ أَحَادِيثَ، فَأَمْسَكْتُ حِمَارَهُ، وَجَعَلْتُ أَتَحَفَّظُ مَا حَدَّثَنِي بِهِ، فَلَمَّا صَلَّى وَخَرَجَ، قَالَ: مَا نَفَعَكَ مَا حَدَّثْتُكَ، حَبَسْتَنِي، فَقُلْتُ: حَدَّثْتَنِي بِكَذَا، وَحَدَّثْتَنِي بِكَذَا، فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ، فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، تَعَالَ غَدًا إِلَى الْمَجْلِسِ، فَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ». وَقَالَ الْإِمَامُ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ: «رَأَيْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ غُلَامًا، مَعَهُ أَلْوَاحٌ طَوِيلَةٌ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَفِي أُذُنِهِ قُرْطٌ». وَقَالَ الْإِمَامُ الزُّهْرِيُّ: «مَا رَأَيْتُ طَالِبًا لِهَذَا الْأَمْرِ أَصْغَرَ سِنًّا مِنْهُ». فَهَذَا قَوْلُ كِبَارِ الْأَئِمَّةِ فِيهِ وَهُوَ لَا يَزَالُ غُلَامًا صَغِيرًا، فَلَا عَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي كِبَرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ.

 

وَكَانَ -وَهُوَ صَغِيرٌ- لَا يَكْتَفِي بِالْكِتَابَةِ، وَإِنَّمَا يَحْفَظُ مَا يَكْتُبُ، وَيَسْأَلُ الشُّيُوخَ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «مَا كَتَبْتُ شَيْئًا إِلَّا حَفِظْتُهُ قَبْلَ أَنْ أَكْتُبَهُ». وَكَانَ شَيْخُهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ يَقُولُ لِأَهْلِ بَلَدِهِ: «انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْغُلَامِ يَسْأَلُنِي وَأَنْتُمْ لَا تَسْأَلُونِي».

 

وَكَبِرَ الْغُلَامُ حَتَّى احْتَاجَ إِلَى الزَّوَاجِ، فَأَخَذَ الْعِبْرَةَ فِي زَوَاجِهِ مِنْ أَخَوَيْنِ لَهُ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَطَلَبَ ذَاتَ النَّسَبِ فَأُذِلُّ بِسَبَبِهَا، وَأَمَّا الْآخَرُ فَطَلَبَ ذَاتَ الْمَالِ فَافْتَقَرَ بِسَبَبِهَا، وَلَمْ تُعْطِهِ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا، وَأَمَّا سُفْيَانُ فَعَمِلَ بِالسُّنَّةِ فَطَلَبَ ذَاتَ الدِّينِ الْقَانِعَةَ، يَقُولُ بَعْدَ أَنْ حَكَى قِصَّةَ أَخَوَيْهِ: «فَاخْتَرْتُ لِنَفْسِي الدِّينَ، وَتَخْفِيفَ الظَّهْرِ؛ اقْتِدَاءً بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَمَعَ اللَّهُ لِيَ الْعِزَّ وَالْمَالَ مَعَ الدِّينِ». وَهَذَا مِنْ بَرَكَةِ الْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ وَالْعَمَلِ بِهَا.

 

وَمِنْ عَجِيبِ مَا وَقَعَ لِسُفْيَانَ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ جَمِيعًا؛ فَأَبُو حَنِيفَةَ شَيْخُهُ، وَمَالِكٌ قَرِينُهُ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ مِنْ تَلَامِذَتِهِ، وَهَذَا شَرَفٌ قَلَّ أَنْ يَحْصُلَ لِغَيْرِهِ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «دَخَلْتُ الْكُوفَةَ وَلَمْ يَتِمَّ لِي عِشْرُونَ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَصْحَابِهِ وَلِأَهْلِ الْكُوفَةِ: جَاءَكُمْ حَافِظُ عِلْمِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. قَالَ: فَجَاءَ النَّاسُ يَسْأَلُونِي عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. فَأَوَّلُ مَنْ صَيَّرَنِي مُحَدِّثًا أَبُو حَنِيفَةَ».

 

وَلَوْلَا أَنَّ سُفْيَانَ أَكَبَّ عَلَى الْعِلْمِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَحَفِظَ الْحَدِيثَ وَضَبَطَهُ وَأَتْقَنَهُ؛ لَمَا تَوَجَّهَتْ هِمَّةُ طُلَّابِ الْعِلْمِ إِلَيْهِ وَهُوَ لَا يَزَالُ شَابًّا حَدَثًا، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «أَوَّلُ مَنْ أَسْنَدَنِي إِلَى الْأُسْطُوَانَةِ: مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي حَدَثٌ. قَالَ: إِنَّ عِنْدَكَ الزُّهْرِيَّ وَعَمْرَو بْنَ دِينَارٍ». وَقَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَخْتَبِرُ الْحَدِيثَ إِلَّا وَيُخْطِئُ، إِلَّا سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ». وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: «وَكَانَ قَوِيَّ الْحِفْظِ، وَمَا فِي أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ أَصْغَرُ سِنًّا مِنْهُ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مِنْ أَثْبَتِهِمْ».

 

وَكَانَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ -وَهُوَ مَنْ هُوَ فِي الْحِفْظِ وَالْفِقْهِ وَالْعِلْمِ- مُعْجَبًا بِشَيْخِهِ سُفْيَانَ أَيَّمَا إِعْجَابٍ، حَتَّى قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا فِيهِ مِنْ آلَةِ الْعِلْمِ مَا فِي سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَمَا رَأَيْتُ أَكَفَّ عَنِ الْفُتْيَا مِنْهُ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ تَفْسِيرًا لِلْحَدِيثِ مِنْهُ»، وَقَالَ: «لَوْلَا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ لَذَهَبَ عِلْمُ الْحِجَازِ». وَقَالَ: «وَجَدْتُ أَحَادِيثَ الْأَحْكَامِ كُلَّهَا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ سِوَى سِتَّةِ أَحَادِيثَ، وَوَجَدْتُهَا كُلَّهَا عِنْدَ مَالِكٍ سِوَى ثَلَاثِينَ حَدِيثًا».

 

وَلَمْ يَكُنْ سُفْيَانُ مُقْتَصِرًا فِي عِلْمِهِ عَلَى الْحَدِيثِ فَقَطْ، بَلْ لَهُ آرَاءٌ فِي الْفِقْهِ مَتِينَةٌ، وَكَلَامُهُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَكُونُ، فَقَدْ آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهْمَ الْقُرْآنِ، وَاسْتِحْضَارَ آيَاتِهِ وَمَعَانِيهِ، حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: «لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ مِنَ ابْنِ عُيَيْنَةَ».

 

وَمِنْ أَقْوَالِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «لَيْسَ فِي الْأَرْضِ صَاحِبُ بِدْعَةٍ إِلَّا وَهُوَ يَجِدُ ذِلَّةً تَغْشَاهُ، قَالَ: وَهِيَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالُوا: وَأَيْنَ هِيَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قَالُوا: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، هَذِهِ لِأَصْحَابِ الْعِجْلِ خَاصَّةً، قَالَ: كَلَّا، اتْلُوا مَا بَعْدَهَا: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾ [الْأَعْرَافِ: 152]، فَهِيَ لِكُلِّ مُفْتَرٍ وَمُبْتَدِعٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». وَمِنْ أَقْوَالِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «لَيْسَ الْعَالِمُ الَّذِي يَعْرِفُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، إِنَّمَا الْعَالِمُ الَّذِي يَعْرِفُ الْخَيْرَ فَيَتْبِعُهُ، وَيَعْرِفُ الشَّرَّ فَيَجْتَنِبُهُ» وَقَالَ أَيْضًا: «غَضَبُ اللَّهِ الدَّاءُ الَّذِي لَا دَوَاءَ لَهُ، وَمَنِ اسْتَغْنَى بِاللَّهِ تَعَالَى أَحْوَجَ اللَّهُ إِلَيْهِ النَّاسَ».

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلَّمَنَا.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوهُ وَلَا تَعْصُوهُ، وَاخْشَوْهُ حَقَّ الْخَشْيَةِ، فَلَا يَخْشَاهُ إِلَّا عَالِمٌ بِهِ سُبْحَانَهُ ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فَاطِرٍ: 28].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ أَفْضَلُ الْعُلُومِ وَأَجَلُّهَا، وَيَجِبُ أَنْ لَا يُطْلَبَ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ طَلَبَهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا كَانَ وَبَالًا عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ؛ لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَعْنِي: رِيحَهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

 

وَأَمَّا إِذَا طَلَبَ الْعُلُومَ الدُّنْيَوِيَّةَ كَالطِّبِّ وَالْهَنْدَسَةِ وَغَيْرِهَا لِأَجْلِ الدُّنْيَا فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ؛ إِذْ هِيَ مُبَاحٌ طَلَبُهَا، وَيُبَاحُ التَّكَسُّبُ بِهَا. فَإِنْ نَوَى بِهَا نَفْعَ النَّاسِ فَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَى نِيَّتِهِ. قَالَ مَيْمُونٌ: «يَا أَصْحَابَ الْقُرْآنِ، لَا تَتَّخِذُوا الْقُرْآنَ بِضَاعَةً تَلْتَمِسُونَ بِهِ الشَّفَّ؛ يَعْنِي: الرِّبْحَ فِي الدُّنْيَا، وَالْتَمِسُوا الدُّنْيَا بِالدُّنْيَا، وَالْتَمِسُوا الْآخِرَةَ بِالْآخِرَةِ».

 

وَقَدْ تَسُوءُ نِيَّةُ الطَّالِبِ فَيَطْلُبُ الْعِلْمَ الشَّرْعِيَّ لِلدُّنْيَا، ثُمَّ تُحِيطُ بِهِ بَرَكَةُ الْعِلْمِ فَيُصَحِّحُ نِيَّتَهُ؛ وَلِذَا قَالَ عَدَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: «طَلَبْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَبَى أَنْ يَرُدَّنَا إِلَّا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى». أَيْ: «دَلَّنَا عَلَى الْإِخْلَاصِ».

 

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ:

وَهَذَا الْعَامُ لَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَعْوَامِ عَلَى الطُّلَّابِ وَالْمُدَرِّسِينَ؛ إِذِ اضْطُرُّوا -بِسَبَبِ الْوَبَاءِ- إِلَى الدِّرَاسَةِ مِنَ الْبُيُوتِ عَبْرَ الشَّبَكَةِ الْإِلِكْتِرُونِيَّةِ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي تَرَاخِي الْمُدَرِّسِينَ عَنْ أَدَاءِ وَاجِبِهِمْ تُجَاهَ الطُّلَّابِ، وَالِاجْتِهَادِ فِي تَعْلِيمِهِمْ مَا أَمْكَنَ ذَلِكَ، وَإِخْلَاصِ النِّيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ. وَيَجِبُ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إِلَى تَرَاخِي الطُّلَّابِ، وَفَرَحِهِمْ بِالْوَبَاءِ لِأَجْلِ الِابْتِعَادِ عَنِ الْمَدَارِسِ؛ فَإِنَّ الْجَهْلَ قَبِيحٌ بِأَصْحَابِهِ، وَيَكْفِي الْجَهْلَ قُبْحًا أَنَّ الْكُلَّ يَتَبَرَّأُ مِنْهُ حَتَّى الْجُهَلَاءُ، وَيَكْفِي الْعِلْمَ شَرَفًا أَنَّ الْكُلَّ يَنْتَسِبُ لَهُ حَتَّى غَيْرُ الْعُلَمَاءِ. كَمَا يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ أَنْ يُتَابِعُوا أَوْلَادَهُمْ فِي دُرُوسِهِمْ عَنْ بُعْدٍ؛ فَهُمْ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِهِمْ، وَتَعْلِيمُهُمْ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التَّحْرِيمِ: 6]، وَلَا يُمْكِنُ وِقَايَتُهُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا بِتَرْبِيَتِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ وَتَأْدِيبِهِمْ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إِطْعَامِهِمْ وَكِسَائِهِمْ وَرَفَاهِيَتِهِمْ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من أخبار الشباب (1) زيد بن ثابت رضي الله عنه
  • من أخبار الشباب (2) ابن عباس رضي الله عنهما
  • من أخبار الشباب (3) مصعب بن عمير رضي الله عنه
  • من أخبار الشباب (4) عبدالله بن عمر رضي الله عنهما
  • من أخبار الشباب (5) الإمام مالك
  • من أخبار الشباب (6) الإمام الشافعي رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (11): الإمام الليث بن سعد رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (12) الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى
  • من أخبار الشباب (14) الإمام ابن مهدي رحمه الله تعالى

مختارات من الشبكة

  • من أخبار الشباب (13) الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • كتاب أخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطي (ت 646هـ / 1248م)(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • التنبيه على خبر باطل في أخبار مكة(كتاب - موقع الشيخ حمود بن عبد الله التويجري)
  • من أخبار الشباب (9) ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • من أخبار الشباب (8) أبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • من أخبار الشباب (7) أبو حاتم الرازي رحمه الله تعالى(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • مخطوطة أخبار عمر بن عبدالعزيز وسيرته(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة كل المرام في أخبار عروة بن حزام(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة أخبار محمد بن سليم القرشي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الإحاطة في أخبار غرناطة للسان الدين بن الخطيب(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/12/1446هـ - الساعة: 23:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب