• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    وقفات مع الذكاء الاصطناعي (خطبة)
    خالد سعد الشهري
  •  
    تقنية الذكاء بين الهدم والبناء (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    تأملات في أخوة المصالح
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: مفهوم الرذيلة عند الشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    بيان فضل علم النبي صلى الله عليه وسلم
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (27) «البر حسن ...
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    نقد المنهج المعاصر في تضعيف الأحاديث الصحيحة: ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ذكر الله سبب من أسباب مغفرة الله لك
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    النهي عن إنزال الحاجة بالناس
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { ومن أهل الكتاب من ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    المراهقون بين هدي النبوة وتحديات العصر (خطبة)
    د. مراد باخريصة
  •  
    قسوة القلب (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    {وشاورهم في الأمر}
    د. خالد النجار
  •  
    بين عام غابر، وعام زائر (خطبة)
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    الهجرة النبوية والأمل
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    النظام في هدي خير الأنام صلى الله عليه وسلم
    السيد مراد سلامة
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

معنى الخشوع وموضعه

معنى الخشوع وموضعه
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/1/2019 ميلادي - 17/5/1440 هجري

الزيارات: 54564

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

روح الصلاة (1)

معنى الخشوع وموضعه

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمنِ، الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ؛ امْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ فَهَدَاهُمْ لِلْإِيمَانِ، وَعَلَّمَهُمُ الْحِكْمَةَ وَالْقُرْآنَ، وَدَلَّهُمْ عَلَى الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَفَرَّدَ بِالْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، وَتَنَزَّهَ عَنِ النُّظَرَاءِ وَالْأَنْدَادِ وَالْأَمْثَالِ؛ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشُّورَى: 11] وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَيَّنَ أَنَّ الصَّلَاةَ عِمَادُ الدِّينِ، وَالصِّلَةُ الْأَوْثَقُ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَنَّهَا مَفْزَعُ الْمُرْسَلِينَ، وَرَاحَةُ الْمَهْمُومِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، اتَّقُوهُ فِي أَنْفُسِكُمْ فَأَنْقِذُوهَا مِنَ الْعَذَابِ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَاتَّقُوهُ فِي صَلَاتِكُمْ فَحَافِظُوا عَلَيْهَا مَعَ الْجَمَاعَاتِ. وَاتَّقُوهُ فِي أَهْلِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ فَمُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ وَتَعَاهَدُوهُمْ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ عَنْهُمْ ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 45- 46].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: حِينَ شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِبَادَاتِ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَا قُرْبَ عِبَادِهِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِصَلَاحِ قُلُوبِهِمْ؛ وَلِذَا كَانَ الْمَقْصِدُ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ مَعْنَاهَا لَا مَبْنَاهَا، وَرُوحَهَا لَا حَرَكَاتِهَا. وَهَذَا مَا يَجْعَلُ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ أَدَاءً وَلَذَّةً وَأَجْرًا، حَتَّى يُصْبِحَ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ مِمَّنْ قَامُوا بِالْعِبَادَةِ أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.

 

وَالْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ هُوَ رُوحُهَا، وَإِذَا فُقِدَ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ مُجَرَّدَ حَرَكَاتٍ يَقُومُ بِهَا صَاحِبُهَا. وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِيهِ، وَأَجْرُهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ بِحَسْبِ خُشُوعِهِمْ وَحُضُورِ قُلُوبِهِمْ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ، تُسُعُهَا، ثُمُنُهَا، سُبُعُهَا، سُدُسُهَا، خُمُسُهَا، رُبُعُهَا، ثُلُثُهَا، نِصْفُهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ يَجِبُ أَنْ يَخَافَهُ كُلُّ مُصَلٍّ، وَأَنْ يَسْتَحْضِرَهُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ؛ لِئَلَّا تَكُونَ صَلَاتُهُ مُجَرَّدَ حَرَكَاتٍ.

 

وَ«الْخُشُوعُ هُوَ: قِيَامُ الْقَلْبِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ بِالْخُضُوعِ وَالذُّلِّ، وَالْجَمْعِيَّةِ عَلَيْهِ» قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «أَصْلُ الْخُشُوعِ لِينُ الْقَلْبِ وَرِقَّتُهُ وَسُكُونُهُ وَخُضُوعُهُ وَانْكِسَارُهُ وَحُرْقَتُهُ. فَإِذَا خَشَعَ الْقَلْبُ تَبِعَهُ خُشُوعُ جَمِيعِ الْجَوَارِحِ وَالْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ».

 

وَالْهَيْبَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَخَوْفُهُ وَتَعْظِيمُهُ وَمَحَبَّتُهُ وَخَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ كُلُّهَا تُوجِبُ الْخُشُوعَ حَالَ الْوُقُوفِ لَهُ سُبْحَانَهُ فِي الصَّلَاةِ؛ فَيَتَذَكَّرُ الْعَبْدُ تَقْصِيرَهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فِي مُقَابِلِ عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَتَتَابُعِ نِعَمِهِ عَلَيْهِ، وَيَتَذَكَّرُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَطْلُبُهُ فَهُوَ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلَّ شَيْءٍ يَخَافُهُ فَلَا عَاصِمَ لَهُ مِنْهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَيَتَذَكَّرُ أَنَّ سَعَادَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَفَوْزَهُ فِي الْآخِرَةِ هُوَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيَتَذَكَّرُ مَا يَنْتَظِرُهُ مِنْ ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَأَهْوَالِ الْقِيَامَةِ، فَلَا مَنْجَاةَ لَهُ مِنْهَا إِلَّا بِاللَّهِ تَعَالَى؛ فَيَقِفُ حِينَ يَقِفُ فِي صَلَاتِهِ بِقَلْبٍ يَعِي ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَسْتَحْضِرُهُ.

 

وَمِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَيْبَتِهِ خَشَعَ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 90]. وَخَشَعَ أَتْبَاعُهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: ﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 199].

 

وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ يُتْلَى فِي الصَّلَاةِ، وَلَا صَلَاةَ بِلَا قُرْآنٍ، وَمِنْ عَظَمَتِهِ وَثِقَلِهِ أَنَّ الْجِبَالَ تَخِرُّ خُشُوعًا لَوْ تَنَزَّلَ عَلَيْهَا: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الْحَشْرِ: 21]. أَيْ: لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ بِهَذَا الْمَثَلِ الْمَضْرُوبِ لَهُمْ فِي الْخُشُوعِ فَيَخْشَعُونَ. «فَإِذَا كَانَتِ الْجِبَالُ الصُّمُّ لَوْ سَمِعَتْ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَفَهِمَتْهُ لَخَشَعَتْ وَتَصَدَّعَتْ مَنْ خَشْيَتِهِ فَكَيْفَ بِكُمْ وَقَدْ سَمِعْتُمْ وَفَهِمْتُمْ؟» وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ خُشُوعِ الْحِجَارَةِ الْقَاسِيَةِ لَهُ سُبْحَانَهُ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 74].

 

وَحِينَ تَتَرَاءى عَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْأَهْوَالِ وَالْعَجَائِبِ؛ يَخْشَعُونَ لِمَا يَرَوْنَ: ﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾ [النَّازِعَاتِ: 8 - 9]. وَيَعُمُّهُمُ الْخُشُوعُ فِي ذَلِكُمُ الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ؛ هَيْبَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَخَوْفًا: ﴿ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾ [طه: 108].

 

وَخُشُوعُ الْكُفَّارِ يَوْمَئِذٍ هُوَ خُشُوعُ ذِلَّةٍ وَغَبْنٍ وَهَوَانٍ وَخَوْفٍ وَانْكِسَارٍ: ﴿ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ﴾ [الشُّورَى: 45]، ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ [الْقَلَمِ: 42-43]. فَمَنْ أَرَادَ النَّجَاةَ مِنْ خُشُوعِ الذُّلِّ وَالْخَوْفِ وَالْهَوَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَلْزَمَ خُشُوعَ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ.

 

وَالْخُشُوعُ نَوْعَانِ: خُشُوعٌ حَقِيقِيٌّ وَمَحَلُّهُ الْقَلْبُ، وَخُشُوعٌ مُتَصَنَّعٌ وَمَحَلُّهُ الْجَوَارِحُ. قَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِيَّاكُمْ وَخُشُوعَ النِّفَاقِ، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا خُشُوعُ النِّفَاقِ؟ قَالَ: أَنْ تَرَى الْجَسَدَ خَاشِعًا وَالْقَلْبُ لَيْسَ بِخَاشِعٍ» وَرَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلًا طَأْطَأَ رَقَبَتَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: «يَا صَاحِبَ الرَّقَبَةِ، ارْفَعْ رَقَبَتَكَ، لَيْسَ الْخُشُوعُ فِي الرِّقَابِ، إِنَّمَا الْخُشُوعُ فِي الْقُلُوبِ».

 

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَالْفَرْقُ بَيْنَ خُشُوعِ الْإِيمَانِ وَخُشُوعِ النِّفَاقِ: أَنَّ خُشُوعَ الْإِيمَانِ هُوَ خُشُوعُ الْقَلْبِ لِلَّهِ تَعَالَى بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَالْوَقَارِ وَالْمَهَابَةِ وَالْحَيَاءِ؛ فَيَنْكَسِرُ الْقَلْبُ لِلَّهِ تَعَالَى كَسْرَةً مُلْتَئِمَةً مِنَ الْوَجَلِ وَالْخَجَلِ وَالْحُبِّ وَالْحَيَاءِ، وَشُهُودِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَجِنَايَاتِهِ هُوَ؛ فَيَخْشَعُ الْقَلْبُ لَا مَحَالَةَ، فَيَتْبَعُهُ خُشُوعُ الْجَوَارِحِ. وَأَمَّا خُشُوعُ النِّفَاقِ فَيَبْدُو عَلَى الْجَوَارِحِ تَصَنُّعًا وَتَكَلُّفًا، وَالْقَلْبُ غَيْرُ خَاشِعٍ... فَالْخَاشِعُ لِلَّهِ عَبْدٌ قَدْ خَمَدَتْ نِيرَانُ شَهْوَتِهِ، وَسَكَنَ دُخَانُهَا عَنْ صَدْرِهِ، فَانْجَلَى الصَّدْرُ وَأَشْرَقَ فِيهِ نُورُ الْعَظَمَةِ، فَمَاتَتْ شَهَوَاتُ النَّفْسِ؛ لِلْخَوْفِ وَالْوَقَارِ الَّذِي حُشِيَ بِهِ. وَخَمَدَتِ الْجَوَارِحُ، وَتَوَقَّرَ الْقَلْبُ وَاطْمَأَنَّ إِلَى اللَّهِ وَذَكَرَهُ بِالسَّكِينَةِ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، فَصَارَ مُخْبِتًا لَهُ... وَأَمَّا التَّمَاوُتُ وَخُشُوعُ النِّفَاقِ فَهُوَ حَالٌ عِنْدَ تَكَلُّفِ إِسْكَانِ الْجَوَارِحِ؛ تَصَنُّعًا وَمُرَاءَاةً، وَنَفْسُهُ فِي الْبَاطِنِ شَابَّةٌ طَرِيَّةٌ ذَاتُ شَهَوَاتٍ وَإِرَادَاتٍ، فَهُوَ يَخْشَعُ فِي الظَّاهِرِ، وَحَيَّةُ الْوَادِي وَأَسَدُ الْغَابَةِ رَابِضٌ بَيْنَ جَنْبَيْهِ يَنْتَظِرُ الْفَرِيسَةَ».

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ قُلُوبَنَا وَأَعْمَالَنَا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَقَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَدُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، وَنَفْسٍ لَا تَشْبَعُ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاجْتَهِدُوا فِي تَحْصِيلِ الْخُشُوعِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ سُبُلِ الْفَلَاحِ: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 1- 2].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِخُشُوعِ الْقَلْبِ عَلَامَاتٌ ظَهَرَتْ عَلَى الْخَاشِعِينَ، مِنْهَا: أَنَّهُمْ يَسْتَغْرِقُونَ عُقُولَهُمْ وَقُلُوبَهُمْ وَحَوَاسَّهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ، فَلَا يَشْعُرُونَ بِمَنْ هُمْ حَوْلَهُمْ.

 

وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ لِلتَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ مَهْدِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ: «وَقَعَتْ أُسْطُوَانَةٌ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ عُقُودٍ، فَعَلِمَ بِهَا مَنْ كَانَ فِي أَصْحَابِ الْمَشَاحِبِ، وَمُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَشْعُرْ، وَوَقَعَ الْحَرِيقُ فِي دَارِهِ وَجَاءَ الْجِيرَانُ يُطْفِئُونَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي دَارِنَا وَجَاءَ الْجِيرَانُ يُطْفِئُونَ فَقَالَ: مَا شَعَرْتُ بِهِ». وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّكَ إِذَا كُنْتَ قَائِمًا بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرٍ أَحْبَبْتَ أَنْ تَكُونَ مُتَخَشِّعًا لِتَنْجَحَ لَكَ حَاجَتُكَ».

 

وَجَاءَ عَنْ حَاتِمٍ الْأَصَمِّ -وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ- أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَلَاتِهِ فَقَالَ: «إِذَا حَانَتِ الصَّلَاةُ أَسْبَغْتُ الْوُضُوءَ، وَأَتَيْتُ الْمَوْضِعَ الَّذِي أُرِيدُ الصَّلَاةَ فِيهِ، فَأَقْعُدُ فِيهِ حَتَّى تَجْتَمِعَ جَوَارِحِي، ثُمَّ أَقُومُ إِلَى صَلَاتِي، وَأَجْعَلُ الْكَعْبَةَ بَيْنَ حَاجِبَيَّ، وَالصِّرَاطَ تَحْتَ قَدَمَيَّ، وَالْجَنَّةَ عَنْ يَمِينِي، وَالنَّارَ عَنْ شِمَالِي، وَمَلَكَ الْمَوْتِ وَرَائِي. أَظُنُّهَا آخِرَ صَلَاتِي، ثُمَّ أَقُومُ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ، وَأُكَبِّرُ تَكْبِيرًا بِتَحْقِيقٍ، وَأَقْرَأُ قِرَاءَةً بِتَرْتِيلٍ، وَأَرْكَعُ رُكُوعًا بِتَوَاضُعٍ، وَأَسْجُدُ سُجُودًا بِتَخَشُّعٍ، وَأَقْعُدُ عَلَى الْوَرِكِ الْأَيْسَرِ، وَأَفْرِشُ ظَهْرَ قَدَمِهَا، وَأَنْصِبُ الْقَدَمَ الْيُمْنَى عَلَى الْإِبْهَامِ، وَأُتْبِعُهَا الْإِخْلَاصَ، ثُمَّ لَا أَدْرِي أَقُبِلَتْ مِنِّي أَمْ لَا».

 

وَالْخُشُوعُ يُطْلَبُ بِإِحْسَانِ الْوُضُوءِ، وَحُسْنِ الِاسْتِعْدَادِ لِلصَّلَاةِ، وَجَمْعِ الْقَلْبِ عَلَيْهَا، وَشَغْلِ الْفِكْرِ بِهَا، وَإِزَالَةِ الصَّوَارِفِ وَالْمَشَاغِلِ عَنْهَا، وَالتَّبْكِيرِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَتَدَبُّرِ مَا يُقْرَأُ وَمَا يُسْمَعُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَتَفَهُّمِ مَعَانِي أَذْكَارِ الصَّلَاةِ، وَاسْتِحْضَارِ وُقُوفِهِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى، وَرُكُوعِ قَلْبِهِ وَسُجُودِهِ مَعَ رُكُوعِ جَسَدِهِ وَسُجُودِهِ.

 

وَمَنْ طَلَبَ الْخُشُوعَ وَسَعَى إِلَيْهِ، وَصَدَقَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، وَاجْتَهَدَ فِي تَحْصِيلِهِ؛ هُدِيَ إِلَيْهِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 69].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لماذا أشعر بثقل أثناء الصلاة ولا أجد فيها الخشوع؟
  • ما هو الخشوع في الصلاة؟
  • من موانع الخشوع في الصلاة
  • حكم الخشوع في الصلاة
  • الخشوع في الصلاة (خطبة)
  • الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها
  • فوائد الخشوع في الصلاة
  • الخشوع ومغفرة الذنوب (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • شرح متن طالب الأصول: (1) معنى البسملة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخشوع المتخيل! الخشوع بين الأسطورة والواقع النبوي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل الخشوع في الصلاة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة كشف المعاني في شرح حرز المعاني(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الصرف بين معاني القرآن للفراء ومعاني القرآن للأخفش(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله وتحقيق معنى التوحيد والشرك بالله (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المعاني المهملة في بعض شواهد علم المعاني(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شرح مائة المعاني والبيان (علم المعاني - أحوال الإسناد الخبري)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • زعل: بين المعنى الفصيح والمعنى المولد(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة كشف معاني البديع في بيان مشكلات المعاني(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بدأ تطوير مسجد الكاف كامبونج ملايو في سنغافورة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/2/1447هـ - الساعة: 15:20
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب