• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. أمين بن عبدالله الشقاوي / تأملات في آيات
علامة باركود

تأملات في قوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار..}

د. أمين بن عبدالله الشقاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/10/2017 ميلادي - 7/2/1439 هجري

الزيارات: 165546

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تأملات في قوله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.. ﴾

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد..

فإن الله أنزل هذا القرآن العظيم لتدبره والعمل به، فقال: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]، ومن الآيات التي تحتاج منا إلى وقفة تأمل وتدبر قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ * لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ * وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 190 - 200].


روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث كريب مولى عبد الله بن عباس أن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي خالته قال: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي. الحديث[1].


وروى ابن حبان في صحيحه من حديث عبيد بن عمير أنه سأل أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قال: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسكتت ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي قال: «يَا عَاِئشَةُ، ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي»، قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ وَأُحِبُّ مَا يَسُرُّكَ. قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزلْ يَبْكِيِ حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزلْ يَبْكِيِ حَتَّى بَلَّ لِحيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزلْ يَبْكِيِ حَتَّى بَلَّ الأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤذِنَهُ بالصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لِمَ تَبْكِي، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟ لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَاتٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا:﴿ إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... ﴾ الآية كلها»[2].


قال الشيخ الألباني - رحمه الله -: «وفي الحديث فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - وكثرة خشيته وخوفه من ربِّه، وإكثاره من عبادته مع أنه تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فهو المنتهى في الكمال البشري، ولا جرم في ذلك فهو سيد البشر - صلى الله عليه وسلم - »[3].


قوله تعالى: ﴿ إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ أي هذه في ارتفاعها واتساعها، وهذه في انخفاضها وكثافتها، وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة: كواكب سيارات وثوابت، وبحار، وجبال، وقفار، وأشجار، ونبات، وزروع، وثمار، وحيوان، ومعادن، ومنافع مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص.


﴿ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ أي: تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر، فتارة يطول هذا ويقصر هذا، ثم يعتدلان، ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرًا، ويقصر الذي كان طويلًا، كل هذا تقدير العزيز الحكيم، ولهذا قال تعالى: ﴿ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ أي: العقول التامة الزكية، التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها، وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون، الذين قال الله فيهم ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 105، 106].


قوله تعالى: ﴿ لَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ روى البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»[4]. أي: لا يقطعون ذكره في جميع أحوالهم، بسرائرهم، وضمائرهم، وألسنتهم.


قوله تعالى: ﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ قال أبو سليمان الداراني: «إني لأخرج من منزلي، فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة، ولي فيه عبرة»، وقال الحسن البصري: «تفكُّر ساعة خير من قيام ليلة».


قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا ﴾ أي: ما خلقت هذا الخلق عبثًا، بل بالحق ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، ثم نزهوه عن العبث وخلق الباطل فقالوا ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾ أي: عن أن تخلق شيئًا باطلًا ﴿ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ أي: يا من خلق الخلق بالحق والعدل، يا من هو منزه عن النقائص، والعيب، والعبث، قنا من عذاب النار بحولك وقوتك، وقيضنا لأعمال ترضى بها عنا، ووفقنا لعمل صالح تهدنا به إلى جنات النعيم، وتجيرنا به من عذاب الأليم.


قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ﴾ أي: أهنته، وأظهرت خزيه لأهل النار ﴿ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ أي: يوم القيامة لا مجير لهم منك، ولا محيد لهم عما أردت بهم.


قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ ﴾ أي: داعيًا يدعو إلى الإيمان وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم - ﴿ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ﴾ أي يقول: آمنوا بربكم، فآمنا، أي فاستجبنا له واتبعناه ﴿ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ﴾ أي: بإيماننا واتباعنا نبيك فاغفر لنا ذنوبنا، أي: استرها ﴿ وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا ﴾ أي: فيما بيننا وبينك ﴿ وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ أي ألحقنا بالصالحين ﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ ﴾ قيل: معناه على الإيمان برسلك، وقيل معناه على ألسنة رسلك.. وهذا أظهر.


﴿ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ أي على رؤوس الخلائق، ﴿ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ أي: لابد من الميعاد الذي أخبرت عنه رسلك، وهو القيام يوم القيامة بين يديك.

قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ أي: فأجابهم ربهم، كما قال الشاعر:

وَدَاعٍ دَعَا: يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النِّدَا *** فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ


روى سعيد بن منصور من حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت:يَا رَسُولَ اللهِ! لا أَسْمَعُ اللَّهَ ذَكَرَ النِّسَاءَ فِي الْهِجْرَةِ بِشَيْءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ﴾ إِلَى آخِرِ الآيَةِ، وَقَالَتِ الأَنْصَارُ: هِيَ أَوَّلُ ظَعِينَةٍ قَدِمَتْ عَلَيْنَا [5].


ومعنى الآية: أن المؤمنين ذوي الألباب لما سألوا ما سألوا - مما تقدم ذكره - فاستجاب لهم ربهم عقَّب ذلك بفاء التعقيب، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].


قوله تعالى: ﴿ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ﴾ هذا تفسير للإجابة، أي: قال لهم مخبرًا أنه لا يضيع عمل عامل منكم لديه، بل يوفى كل عامل بقسط عمله من ذكر أو أنثى.


وقوله: ﴿ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾ أي: جميعكم في ثوابي سواء، ﴿ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا ﴾ أي تركوا دار الشرك، وأتوا إلى دار الإيمان، وفارقوا الأحباب، والخلان والجيران ﴿ وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ﴾ أي: ضايقهم المشركون بالأذى حتى ألجئوهم إلى الخروج من بين أظهرهم؛ ولهذا قال: ﴿ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي ﴾ أي: إنما كان ذنبهم إلى الناس أنهم آمنوا بالله وحده، كما قال تعالى: ﴿ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ﴾ [الممتحنة: 1] ، وقال تعالى: ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [البروج: 8].


قوله تعالى: ﴿ وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا ﴾ وهذا أعلى المقامات أن يقاتل في سبيل الله، فيعقر جواده ويعفر وجهه بدمه وترابه، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة أن رجلًا قال: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ،إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَيْفَ قُلْتَ؟»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إِلَّا الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِي ذَلِكَ»[6].


ولهذا قال تعالى: ﴿ لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ أي: تجري في خلالها الأنهار من أنواع المشارب: من لبن، وعسل، وخمر، وماء غير آسن.. وغير ذلك مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثوابًا من عند الله، أضافه إليه، ونسبه إليه ليدل على أنه عظيم؛ لأن العظيم الكريم لا يعطي إلا جزيلًا كثيرًا، كما قال الشاعر:

إِنْ يُعَذِّبْ يَكُنْ غَرَامًا وَإِنْ يُعْـ  *** ـطِ جَزِيلًا فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي


﴿ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴾ أي: عنده حسن الجزاء لمن عمل صالحًا.

قوله تعالى: ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ يقول تعالى: لا تنظر إلى ما هؤلاء الكفار مترفون فيه من النعمة، والغبطة والسرور، فعمَّا قليل يزول هذا كله عنهم، ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة، فإنما نمد لهم فيما هم فيه استدراجًا وجميع ما هم فيه ﴿ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ وقال تعالى: ﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 55].


وأما المتقون لربهم المؤمنون، فمع ما يحصل لهم من عز الدنيا ونعيمها ﴿ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيها ﴾ فلو قدر أنهم في دار الدنيا قد حصل لهم كل بؤس وشدة وعناء ومشقة، لكان هذا بالنسبة إلى النعيم المقيم والعيش السليم والسرور والحبور نزرًا يسيرًا، ومنحة في صورة محنة، ولهذا قال: ﴿ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾ وهم الذين برت قلوبهم، فبرت أقوالهم وأفعالهم، فأثابهم البر الرحيم من بِرِّه أجرًا عظيمًا، وعطاءً جسيمًا، وفوزًا دائمًا.


قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ يخبر تعالى عن طائفة من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالله حق الإيمان، ويؤمنون بما أُنزل على محمد مع ما هم مؤمنون به من الكتب المتقدمة، أنهم خاشعون لله: أي مطيعون له، خاضعون متذللون بين يديه ﴿ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾ أي: لا يكتمون ما بأيديهم من البشارة بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وذكر صفته، ونعته، ومبعثه، وصفة أمته، وهؤلاء خيرة أهل الكتاب وصفوتهم، سواء كانوا هودًا أو نصارى.


قال تعالى: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ [آل عمران: 113]، وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأعراف: 159]، وهذه الصفات توجد في اليهود، ولكن قليلًا كما وجد في عبد الله بن سلام وأمثاله ممن آمن من أحبار اليهود ولم يبلغوا عشرة أنفس، وأما النصارى فكثير منهم يهتدون وينقادون للحق، كما قال تعالى: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ﴾ [المائدة: 82].

وثبت في الحديث أن جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - لما قرأ سورة مريم: ﴿ كهيعص ﴾ [مريم: 1] بحضرة النجاشي ملك الحبشة، وعنده البطاركة والقساوسة، بكى وبكوا معه، حتى أخضبوا لحاهم[7].


وثبت في الصحيحين أن النجاشي لما مات نعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه وقال: «إِنَّ أَخًا لَكُمْ قَدْ مَاتَ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ»[8] يعني: النجاشي.


قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ حض المؤمنين على ما يوصلهم إلى الفلاح، وهو الفوز والسعادة والنجاح، وأن الطريق الموصل إلى ذلك لزوم الصبر الذي هو حبس النفس على ما تكرهه من ترك المعاصي، ومن الصبر على المصائب، وعلى الأوامر الثقيلة على النفوس، فأمرهم بالصبر على جميع ذلك، والمصابرة أي الملازمة والاستمرار على ذلك على الدوام، ومقاومة الأعداء في جميع الأحوال.


والمرابطة وهي لزوم المحل الذي يخاف من وصول العدو منه، وأن يراقبوا أعداءهم ويمنعوهم من الوصول إلى مقاصدهم ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾: تفوزون بالمحبوب الديني والدنيوي والأخروي، وتنجون من المكروه كذلك، فعلم من هذا أنه لا سبيل إلى الفلاح بدون الصبر والمصابرة والمرابطة المذكورات، فلم يفلح من أفلح إلا بها، ولم يفت أحدًا الفلاح إلا بالإخلال بها أو ببعضها[9].


والله الموفق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


[1] صحيح البخاري برقم 4571، وصحيح مسلم برقم 763.

[2] صحيح ابن حبان برقم 619، وحسنه الشيخ الألباني۴ في السلسلة الصحيحة (1/ 147) برقم 68.

[3] السلسلة الصحيحة (1/ 148).

[4] صحيح البخاري برقم 1117.

[5] (3/ 136) برقم 552، وقال شيخنا د. سعد الحميد: سنده ضعيف لجهالة حال سلمة، وهو صحيح لغيره لمجيئه من طريق آخر صحيح عدا قوله: قالت الأنصار: هي أول ظعينة قدمت علينا، فهو حسن لغيره.

[6] برقم 1885.

[7] قطعة من حديث في مسند الإمام أحمد (3/ 263 - 268) برقم 1740، وقال محققوه: إسناده حسن.

[8] صحيح البخاري برقم 1334، وصحيح مسلم برقم 953 واللفظ له.

[9] تفسير ابن كثير (3/ 294 - 330)، وتفسير ابن سعدي ص143 - 145.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تأملات في قوله تعالى: { إن المتقين في جنات ونهر ... }
  • تأملات في قوله تعالى: { قل اللهم مالك الملك }
  • تأملات في قوله تعالى { قل إن كان آباؤكم... }
  • تأملات في قوله تعالى: { من كان يريد العاجلة.. }
  • تأملات في قوله تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض }
  • تأملات في قوله تعالى : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق }
  • تأملات في قوله تعالى: {وفوق كل ذي علم عليم} وقوله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}
  • ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر
  • تأملات في قوله تعالى: { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا }
  • تأملات في قوله تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون...}

مختارات من الشبكة

  • تأملات في قوله تعالى: { كلا إذا دكت الأرض دكا دكا }(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تأملات في قوله تعالى { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار }(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تأملات في قوله تعالى: (أن أرضعيه)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في قوله تعالى: ( فاستقم كما أمرت )(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تأملات في قوله تعالى: { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم }(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تأملات في قوله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى}(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تأملات في قوله تعالى: ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾ (10)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تأملات في قوله تعالى: ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾ (9)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تأملات في قوله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} (8)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تأملات في قوله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} (7)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب