• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

فضائل بيت المقدس

فضائل بيت المقدس
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/7/2017 ميلادي - 23/10/1438 هجري

الزيارات: 19193

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فضائل بيت المقدس

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ جَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ بَلَاءٍ لِأَوْلِيَائِهِ، وَامْتِحَانٍ لِسَائِرِ عِبَادِهِ، فَكَمْ نَجَا فِي ابْتِلَائِهَا مِنْ مَرْحُومٍ! وَكَمْ فُتِنَ بِهَا مِنْ مَحْرُومٍ! أَحْمَدُ رَبِّي وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ. وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَفَرَّدَ بِالْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ، وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ. لَا يُذَلُّ مَنْ وَالَاهُ، وَلَا يُعَزُّ مَنْ عَادَاهُ. يَنْصُرُ أَوْلِيَاءَهُ، وَيَكْبِتُ أَعْدَاءَهُ، وَهُوَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ دَعَا إِلَى تَوْحِيدِ رَبِّهِ، فَأُوذِيَ وَأُخْرِجَ مِنْ بَلَدِهِ، وَفِي أُحُدٍ شُجَّ رَأْسُهُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، فَمَا فَتَّ ذَلِكَ فِي عَضُدِهِ، وَلَا زُعْزِعَ يَقِينُهُ بِرَبِّهِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، اخْتَارَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ، وَتَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ، فَكَانُوا عَلَى قَدْرِ الْمَسْؤُولِيَّةِ؛ أَدَّوْا مَا حُمِّلُوا، وَأَوْفَوْا بِمَا عَاهَدُوا ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الْأَحْزَاب: 23]، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ ضِيقِكُمْ مَخْرَجًا، وَمِنْ عُسْرِكُمْ يُسْرًا، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ مَخْلُوقٍ، وَفَاضَلَ بَيْنَ مَخْلُوقَاتِهِ؛ لِحِكْمَةٍ أَرَادَهَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. خَلَقَ الشُّهُورَ وَالْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ فَفَضَّلَ رَمَضَانَ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ، وَفَضَّلَ عَرَفَةَ وَالْجُمْعَةَ وَالْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَأَيَّامَ الْعَشْرِ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَلَيْلَةَ الْقَدْرِ عَلَى سَائِرِ اللَّيَالِي، وَثُلْثَ اللَّيْلِ الْآخِرِ عَلَى سَائِرِ اللَّيْلِ، وَسَاعَةَ الْجُمْعَةِ عَلَى سَائِرِ السَّاعَاتِ. وَخَلَقَ الْبَشَرَ وَفَاضَلَ بَيْنَهُمْ، فَفَضَّلَ الْمُؤْمِنَ عَلَى الْكَافِرِ، وَالْبَرَّ عَلَى الْفَاجِرِ، وَالنَّبِيِّينَ عَلَى سَائِرِ الْبَشَرِ، وَالرُّسُلَ عَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَخَاتَمَهُمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَائِرِ الرُّسُلِ. وَخَلَقَ الْبِقَاعَ فَفَاضَلَ بَيْنَهَا، وَجَعَلَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ وَأَرْضَ الشَّامِ أَفْضَلَ الْبِقَاعِ... فَفَضَّلَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَفَضَّلَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ بِحَرَمَيْهِمَا، وَفَضَّلَ الشَّامَ بِفِلَسْطِينَ، وَفِلَسْطِينَ بِالْقُدْسِ، وَالْقُدْسَ بِمَسْجِدِهَا، مَسْجِدِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَسْرَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ أَرْضِهَا، وَصَلَّى بِالنَّبِيِّينَ فِي مَسْجِدِهَا.

 

إِنَّهَا مَا فُضِّلَتْ بِتُرَابِهَا أَوْ بِنَائِهَا، أَوْ هَوَائِهَا أَوْ مَائِهَا، أَوْ جِنْسِ أَهْلِهَا أَوْ عِرْقِهِمْ أَوْ لَوْنِهِمْ أَوْ لِسَانِهِمْ؛ فَفِي الْأَرْضِ تُرَابٌ أَخْصَبُ مِنْ تُرَابِهَا، وَبِنَاءٌ أَعْلَى مِنْ بِنَائِهَا، وَهَوَاءٌ أَنْقَى مِنْ هَوَائِهَا، وَمَاءٌ أَعْذَبُ مِنْ مَائِهَا.

 

إِنَّهَا فُضِّلَتْ مَعَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى سَائِرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ خَالِقَهَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَضَّلَهَا، وَجَعَلَ لِمَسْجِدِهَا فَضْلًا عَلَى سَائِرِ مَسَاجِدِ الْأَرْضِ إِلَّا حَرَمَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدُهَا كَانَ الثَّانِيَ فِي تَارِيخِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عِنْدَ الْبَشَرِ؛ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً. ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ[1].

 

وَهُوَ مَسْجِدٌ مُبَارَكٌ، وَأَرْضُهُ مُبَارَكَةٌ، وَمَا حَوْلَهُ مُبَارَكٌ أَيْضًا ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ [الْإِسْرَاء: 1]. وَأَسْبَابُ بَرَكَتِهِ كَثِيرَةٌ، وَمِنْهَا: مَا لَحِقَهُ مِنَ الْبَرَكَةِ بِمَنْ صَلَّى فِيهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَمَنْ بَعْدَهُمَا مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، ثُمَّ بِحُلُولِ الرَّسُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِعْلَانِهِ الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ وَفِيمَا حَوْلَهُ، وَأَعْظَمُ تِلْكَ الْبَرَكَاتِ: حُلُولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ... ذَلِكَ الْحُلُولُ الْخَارِقُ لِلْعَادَةِ، وَصَلَاتُهُ فِيهِ بِالْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ [2].

 

وَوَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى أَرْضَ الْإِسْرَاءِ بِالْقُدْسِيَّةِ فَقَالَ عَلَى لِسَانِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [الْمَائِدَة: 21]. وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَهَا مِنَ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تُشَدُّ الرَّحَّالُ إِلَيْهِ لِلْعِبَادَةِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا تُشَدُّ الرَّحَّالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ [3].

 

وَجَعَلَ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ مَا لَيْسَ لِلْمَسَاجِدِ الْأُخْرَى إِلَّا الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ [4].

 

وَأَرْضُهُ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ؛ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ» قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: «فَتَهْدِي لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، قَالَ الْبُوصَيْرِيُّ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ [5].

 

وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الدَّجَّالَ يُمْنَعُ مِنْهَا [6]. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يُدْرِكُ الدَّجَّالَ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ [7]، وَلُدٌّ: قَرْيَةٌ قُرْبَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ نَوَاحِي فِلَسْطِينَ [8].

 

لَقَدْ عَرَفَ قَادَةُ الْمُسْلِمِينَ وَأَئِمَّتُهُمْ مَنْزِلَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي الْإِسْلَامِ؛ وَلِذَا صَرَفُوا لَهُ مِنَ الْهَمِّ وَالْهِمَّةِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مُنْذُ عَصْرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. فَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْحَلُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ لِيَسْتَلِمَ مِنَ النَّصَارَى مَفَاتِيحَ الْقُدْسِ بِيَدِهِ، وَلِيُبَاشِرَ الصُّلْحَ مَعَهُمْ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ هَذِهِ الْمُهِمَّةَ لِغَيْرِهِ، وَأَشْهَدَ عَلَى هَذَا الصُّلْحِ كِبَارَ الْقَادَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ حَفِظَهُ التَّارِيخُ، وَتَنَاقَلَتْهُ كُتُبُ الْمُؤَرِّخِينَ مِنَ الْعَامِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَنَصُّ هَذَا الصُّلْحِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هَذَا مَا أَعْطَى عَبْدُ اللَّهِ، عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَهْلَ إِيلِيَاءَ مِنَ الْأَمَانِ، أَعْطَاهُمْ أَمَانًا لِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَلِكَنَائِسِهِمْ وَصُلْبَانِهِمْ، سَقِيمِهَا وَبَرِيئِهَا، وَسَائِرِ مِلَّتِهَا أَنْ لَا تُسْكَنَ كَنَائِسُهُمْ وَلَا تُهْدَمَ، وَلَا يُنْتَقَصَ مِنْهَا وَلَا مِنْ خَيْرِهَا وَلَا مِنْ صُلُبِهِمْ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَا يُكْرَهُونَ عَلَى دِينِهِمْ، وَلَا يُضَارَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلَا يَسْكُنُ بِإِيلِيَاءَ مَعَهُمْ أَحَدٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَعَلَى أَهْلِ إِيلِيَاءَ أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ كَمَا يُعْطِي أَهْلُ الْمَدَائِنِ، وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْهَا الرُّومَ وَاللُّصُوتَ؛ أَيِ اللُّصُوصَ فَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ فَهُوَ آمِنٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَبْلُغُوا مَأْمَنَهُمْ، وَمَنْ أَقَامَ مِنْهُمْ فَهُوَ آمِنٌ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى أَهْلِ إِيلِيَاءَ مِنَ الْجِزْيَةِ. وَمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ إِيلِيَاءَ أَنْ يَسِيرَ بِنَفْسِهِ مَعَ الرُّومِ، وَيُخَلِّيَ بِيَعَهُمْ وَصُلُبَهُمْ فَإِنَّهُمْ آمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى بِيَعِهِمْ وَصُلُبِهِمْ حَتَّى يَبْلُغُوا مَأْمَنَهُمْ، فَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ قَعَدَ وَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى أَهْلِ إِيلِيَاءَ مِنَ الْجِزْيَةِ، وَمَنْ شَاءَ سَارَ مَعَ الرُّومِ، وَمَنْ شَاءَ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ حَتَّى يُحْصَدَ حَصَادُهُمْ، وَعَلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ عَهْدُ اللَّهِ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، وَذِمَّةُ الْخُلَفَاءِ، وَذِمَّةُ الْمُؤْمِنِينَ؛ إِذَا أَعْطَوُا الَّذِي عَلَيْهِمْ مِنَ الْجِزْيَةِ».

شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ. وَكُتِبَ وَحُفِرَ سَنَةَ 15ه [9].

 

وَحَضَرَ هَذَا الصُّلْحَ بِلَالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَذَّنَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بَعْدَ فَتْحِهِ، كَمَا أَذَّنَ مِنْ قَبْلُ فِي مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَوَلِيَ الْقَضَاءَ فِيهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَسَكَنَهَا إِلَى أَنْ مَاتَ وَدُفِنَ فِيهَا [10].

 

وَمِنْ يَوْمِهَا صَارَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَتَوَافَدُونَ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِزِيَارَتِهِ، وَيَشُدُّونَ الرِّحَالَ إِلَيْهِ، وَأَقَامَ بَعْضُهُمْ فِيهِ مُجَاوِرًا لِمَسْجِدِهِ، وَسَجَّلَتْ كُتُبُ التَّرَاجِمِ وَالتَّارِيخِ عَدَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ مَاتُوا مُجَاوِرِينَ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَأْتِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيُصَلِّي فِيهِ، وَلَا يَشْرَبُ فِيهِ مَاءً حَتَّى تُصِيبَهُ دَعْوَةُ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْلِهِ: «لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ» [11].

 

وَلَمَّا انْتَزَعَ النَّصَارَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ فِي الْحَمْلَةِ الصَّلِيبِيَّةِ الْأُولَى أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ حُزْنٌ كَبِيرٌ، وَعَلَاهُمْ كَرْبٌ شَدِيدٌ، وَخَطَبَ الْخُطَبَاءُ لِهَذَا الْأَمْرِ الْجَلَلِ، وَرَثَاهُ الشُّعَرَاءُ، وَظَلَّ الْمُسْلِمُونَ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعِينَ سَنَةً لَيْسَ لَهُمْ هَمٌّ يَشْغَلُهُمْ إِلَّا تَطْهِيرُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ رِجْسِ النَّصَارَى. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَرَى أَنَّهُ الْمَسْؤُولُ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ أَمَامَ اللَّهِ تَعَالَى، عَامَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ حَتَّى قَيَّضَ اللَّهُ تَعَالَى صَلَاحَ الدِّينِ الْأَيُّوبِيَّ لِفَتْحِهِ، وَتَطْهِيرِهِ مِنْ رِجْسِ عَبَدَةِ الصُّلْبَانِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَمْرًا سَهْلًا، بَلْ مَا حَصَلَ إِلَّا بَعْدَ إِصْلَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَجِهَادٍ طَوِيلٍ، وَتَضْحِيَاتٍ جَسِيمَةٍ طِيلَةَ تِسْعِينَ سَنَةً، وَنَقَلَ مَنْ كَتَبُوا سِيرَةَ صَلَاحِ الدِّينِ أَنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ لَا يُرَى إِلَّا مُهْتَمًّا مُغْتَمًّا، تَعْلُوهُ كَآبَةُ الْحُزْنِ وَالْأَسَى... بَلْ كَانَ عَزُوفًا عَنِ الطَّعَامِ، وَلَا يَتَنَاوَلُ مِنَ الْغِذَاءِ إِلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ، وَلَمَّا سُئِلَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ أَجَابَ: «كَيْفَ يَطِيبُ لِيَ الْفَرَحُ وَالطَّعَامُ وَلَذَّةُ الْمَنَامِ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ بِأَيْدِي الصَّلِيبِيِّينَ» [12].

 

وَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ الْمُنَجِّمِينَ يَتَذَاكَرُونَهُ وَيَقُولُونَ: إِنَّ صَلَاحَ الدِّينِ سَيَفْتَحُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَتَذْهَبُ إِحْدَى عَيْنَيْهِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «رَضِيتُ أَنْ أَفْتَحَهُ وَأَعْمَى» [13]، وَكَافَأَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هِمَّتِهِ تِلْكَ بِأَنْ يَسَّرَ لَهُ أَسْبَابَ الْفَتْحِ، وَأَعَادَهَا إِلَى حَظِيرَةِ الْإِسْلَامِ.

 

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: كَانَتْ تِلْكَ جُمَلًا مِنْ فَضَائِلِ الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ، وَجُزْءًا يَكْشِفُ مَنْزِلَتَهَا عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيِنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَهَا مِنْ كَيْدِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَنْ يَجْعَلَهَا عَامِرَةً بِذِكْرِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ...

 

♦ ♦ ♦ ♦

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ، حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ اللَّهِ- وَأَصْلِحُوا سِرَّكُمْ تَصْلُحْ عَلَانِيَتُكُمْ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

 

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ فِي اللَّهِ: كَمَا أَنَّ لِبُقْعَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَنْزِلَةً عَظِيمَةً عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَهَا كَذَلِكَ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَهُمْ فِيهَا أَحْلَامٌ وَنُبُوءَاتٌ، وَلَنْ يَتَخَلَّوْا عَنْهَا إِلَّا مُكْرَهِينَ. وَالْيَهُودِيُّ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّلَلِ وَالْخَرَسِ إِنْ هُوَ نَسِيَ الْقُدْسَ فَهُوَ يَتَرَنَّمُ بِالْمَزَامِيرِ يَقُولُ: «إِنْ نَسِيتُكِ يَا أُورْشَلِيمُ فَلْتَشُلَّ يَمِينِي، وَلْيَلْتَصِقْ لِسَانِي بِحَنَكِي إِنْ لَمْ أَذْكُرْكِ، إِنْ لَمْ أَرْفَعْ أُورْشَلِيمَ عَلَى قِمَّةِ ابْتِهَاجِي» [14].

 

وَلَنْ يُرْضِيَهُمْ مَا أَخَذُوهُ وَيَأْخُذُونَهُ مِنَ الْأَرْضِ حَتَّى يُسَيْطِرُوا عَلَى الْأَرْضِ كُلِّهَا، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ طَبَائِعِهِمْ، وَمِنْ تَجَارِبِ الْأُمَمِ مَعَهُمْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ تَلْمُودُهُمْ إِذْ يَقُولُ: «أَعْطِنِي شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ وَاتْرُكْنِي أَجْعَلْهُ لَكَ أَلْفَ شِبْرٍ، وَلَا تَسَلْنِي كَيْفَ» [15].

 

لَقَدْ تَوَحَّدَ أَكْثَرُ الْيَهُودِ عَلَى هَدَفٍ وَاحِدٍ، وَكَرَّسُوا جُهُودَهُمْ لِمُهِمَّةٍ وَاحِدَةٍ، هِيَ: الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْقُدْسِ، ثُمَّ التَّوَسُّعُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَبَسْطُ الْهَيْمَنَةِ وَالنُّفُوذِ عَلَى كُلِّ مَا جَاوَرَهَا، وَهَذِهِ الْغَايَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ عَلْمَانِيِّيهِمْ وَمُتَدَيِّنِيهِمْ، فَالْمُتَدَيِّنُونَ مِنْهُمْ تَدْفَعُهُمْ أَحْلَامُهُمْ، وَتُحَرِّكُهُمْ نُبُوءَاتُهُمْ، وَالْعَلْمَانِيُّونَ مِنْهُمْ يَحْدُوهُمْ أَمَلُ السَّيْطَرَةِ عَلَى كُلِّ الشَّرْقِ الْإِسْلَامِيِّ، وَاسْتِعْمَارِهِ سِيَاسِيًّا وَاقْتِصَادِيًّا. وَمَا كَانَ لِلْيَهُودِ أَنْ يَنْجَحُوا لَوْ أَنَّ مَنْ أَدَارَ الصِّرَاعَ مَعَهُمْ عَرَفُوا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَضْلَهُ، وَثَمَّنُوا قِيمَتَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَتَمَكَّنَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ إِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْهُ، كَمَا أَخْرَجَ النَّصَارَى مِنْهَا صَلَاحُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكَمَا فَتَحَهَا قَبْلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

 

إِنَّ مَنْ أَدَارُوا الصِّرَاعَ مَعَ الْيَهُودِ لَمْ تَكُنْ عَلْمَانِيَّتُهُمْ كَعَلْمَانِيَّةِ الْيَهُودِ، تَتَشَبَّثُ بِالْأَرْضِ، وَتَعْرِفُ لَهَا قِيمَتَهَا وَمِيزَتَهَا؛ وَلِذَلِكَ اخْتَصَرُوهَا فِي تُرَابٍ وَمَاءٍ وَأَشْجَارٍ وَبِنَايَاتٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَدَيْهِمْ مَانِعٌ مِنَ التَّخَلِّي عَنْهَا إِذَا تَمَّ تَعْوِيضُهُمْ بِتُرَابٍ آخَرَ، وَانْخَدَعُوا حِينَمَا اتَّخَذُوا السَّلَامَ خِيَارًا اسْتِرَاتِيجِيًّا؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ فِي الْأَحْدَاثِ الْأَخِيرَةِ لَقَّنُوهُمْ دَرْسَ السَّلَامِ الْيَهُودِيَّ، وَأَثْبَتُوا لَهُمْ أَنَّ عَلْمَانِيَّةَ الْيَهُودِ لَيْسَتْ كَعَلْمَانِيَّةِ الْقَوْمِيِّينَ الْعَرَبِ.

 

لَا تَظُنُّوا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ أَنَّ أُولَئِكَ الصَّحَفِيِّينَ الَّذِينَ يَتَبَاكَوْنَ عَلَى الدَّمِ الْفِلَسْطِينِيِّ كُلَّ يَوْمٍ فِي أَعْمِدَةِ كَثِيرٍ مِنَ الصُّحُفِ الْعَرَبِيَّةِ، مِنْ فُلُولِ الْمَارْكِسِيِّينَ وَاللِّيبْرَالِيِّينَ، لَا تَظُنُّوهُمْ يَبْكُونَ الدَّمَ الْفِلَسْطِينِيَّ، إِنَّمَا هُمْ يَبْكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَعَلَى مَشَارِيعِهِمُ الْفَاشِلَةِ، وَعَلَى مَشْرُوعِهِمُ الْاسْتِرَاتِيجِيِّ: عَمَلِيَّةِ السَّلَامِ الَّتِي ظَلَّتْ فِي غُرْفَةِ الْإِنْعَاشِ مُنْذُ وِلَادَتِهَا فِي مَدْرِيدَ إِلَى أَنْ تَمَّ قَبْرُهَا فِي الِانْتِفَاضَةِ الْأَخِيرَةِ.

 

لَقَدْ رَاهَنَ الْعَلْمَانِيُّونَ الْعَرَبُ عَلَى السَّلَامِ، وَاعْتَبَرُوا كُلَّ مُعَارِضٍ لَهُ، أَوْ مُنَاقِشٍ فِيهِ مُتَطَرِّفًا إِرْهَابِيًّا؛ فَإِذَا بِالْيَهُودِ يَخْذُلُونَهُمْ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ: إِنْ تَخَلَّيْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ وَقُدْسِكُمْ؛ فَإِنَّ الْيَهُودَ لَنْ يَتَخَلَّوْا عَنْ مَشَارِيعِهِمُ الدِّينِيَّةِ فِي الْقُدْسِ الْمُبَارَكَةِ. إِنَّ رُعْبَ الْعَلْمَانِيِّينَ الْعَرَبِ مِمَّا يَجْرِي أَشَدُّ مِنْ رُعْبِ الْيَهُودِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا يَجْرِي فِي الْأَرْضِ الْمُبَارَكَةِ يُحْيِي الشُّعُورَ الدِّينِيَّ فِي كُلِّ الْعَالَمِ. وَإِذَا مَا ظَهَرَ الدِّينُ، وَصَارَ هُوَ الْمُحَرِّكَ لِلنَّاسِ فَلَا مَكَانَ لِلْعَلْمَانِيَّةِ حِينَئِذٍ، فَلَابُدَّ مِنْ أَنْ تَنْسَحِبَ مِنْ سَاحَةِ الصِّرَاعِ، وَهَذَا مَا يَخْشَوْنَهُ حِينَمَا يُحَذِّرُونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ تَنَامِي الْأُصُولِيَّاتِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَرَغْمَ الْبُؤْسِ الَّذِي لَقِيَهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَيْدِي أُولَئِكَ الْمُنَافِقِينَ الْمُخَذِّلِينَ، وَرَغْمَ مُمَارَسَاتِ الْيَهُودِ الْعُدْوَانِيَّةِ عَلَى أَهْلِ الْأَقْصَى، وَتَخَاذُلِ أُمَمِ الْأَرْضِ عَنْ نُصْرَتِهِمْ وَمَعُونَتِهِمْ، فَإِنَّ الْمَقَادِسَةَ الْمُسْلِمِينَ أَثْبَتُوا أَنَّهُمْ عَلَى قَدْرِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى مُقَدَّسَاتِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْفِيَاءُ فِي حِفْظِ الْأَمَانَةِ، وَأَنَّ بِاسْتِطَاعَتِهِمْ مُوَاجَهَةَ الْيَهُودِ وَأَسْلِحَتِهِمْ، مَعَ مُوَاجَهَتِهِمْ لِلْمَكْرِ الْعَلْمَانِيِّ الْمُتَرَبِّصِ بِهِمْ. لَقَدْ هُدِّمَتْ دِيَارُهُمْ، وَقُتِّلَتْ أَطْفَالُهُمْ، وَرُمِّلَتْ نِسَاؤُهُمْ، وَأُتْلِفَتْ مَزَارِعُهُمْ، وَهُمْ صَامِدُونَ، لَا يَزْدَادُونَ مَعَ جَبَرُوتِ الْيَهُودِ وَعُلُوِّهِمْ إِلَّا صُمُودًا وَاسْتِبْسَالًا.

 

لَقَدِ اسْتَخْدَمَ الْيَهُودُ الدَّبَّابَاتِ وَالطَّائِرَاتِ لِيُوَاجِهُوا عُزَّلًا يَرْمُونَهُمْ بِالْحِجَارَةِ، فَمَا اسْتَطَاعُوا إِخْمَادَهُمْ، وَلَا إِطْفَاءَ نَارِ الْجِهَادِ مِنْ قُلُوبِهِمْ. حَتَّى نَقَلَتِ الْأَخْبَارُ أَنَّ أَرْتَالًا مِنَ الْيَهُودِ يُهَاجِرُونَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ فِلَسْطِينَ رُعْبًا مِمَّا يَجْرِي فِيهَا، وَحَتَّى صَارَ الْوَاحِدُ مِنَ الْيَهُودِ لَا يَنَامُ إِلَّا بِالْمُهَدِّئَاتِ وَالْمُسَكِّنَاتِ، لَقَدْ أَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ رَغْمَ مَا يَمْلِكُونَهُ مِنْ أَسْلِحَةٍ وَجِهَازِ مُخَابَرَاتٍ، وَجُيُوشٍ مِنَ الْمُخْبِرِينَ، وَرَغْمَ أَنَّ الْعَالَمَ النَّصْرَانِيَّ يَقِفُ خَلْفَهُمْ. إِنَّ وَاجِبَنَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ نَقِفَ مَعَ إِخْوَانِنَا الْمَقَادِسَةِ فِي جِهَادِهِمْ، فَنَمُدَّهُمْ بِالْمَالِ، وَنُكْثِرَ لَهُمْ مِنَ الدُّعَاءِ، حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ تَعَالَى بِنَصْرِهِ، وَلْنَكُنْ أَهْلًا لِلْمَسْؤُولِيَّةِ كَمَا كَانَ الْمَقَادِسَةُ لَهَا أَهْلًا.

 

وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ يَهُمُّنَا أَجْمَعِينَ، وَيَهُمُّ كُلَّ مُسْلِمٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ، فَأَعِينُوا إِخْوَانَكُمْ أَعَانَكُمُ اللَّهُ، وَأَحْسِنُوا إِلَيْهِمْ بِبَعْضِ الْمَالِ كَمَا أَحْسَنُوا إِلَيْكُمْ بِالدِّفَاعِ عَنْ قُدْسِكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّخَلِّيَ عَنْهُمْ فِي مِحْنَتِهِمْ؛ فَإِنَّكُمْ وَاللَّهِ مَسْئُولُونَ عَنْ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا تَبْذُلُونَهُ لَهُمْ سَيَصِلُ إِلَيْهِمْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِيُخَفِّفَ مُعَانَاتَهُمْ، وَيُضَمِّدَ جِرَاحَهُمْ، وَيَكُونَ عَوْنًا لَهُمْ فِي كَرْبِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ، وَيُقَوِّيَ عَزْمَهُمْ عَلَى الْمُضِيِّ فِي طَرِيقِ الْجِهَادِ إِلَى أَنْ يَتِمَّ إِخْرَاجُ الْيَهُودِ الْأَنْجَاسِ مِنَ الْأَرْضِ الْمُبَارَكَةِ.

أَلَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ.

 

 



[1] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء باب (10) (3366)، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة (520).

[2] انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور (15/20).

[3] أخرجه البخاري في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة باب مسجد بيت المقدس (1197)،ومسلم في الحج باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره (1338) (827)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وأخرجه البخاري (1189)، ومسلم (1397) (511) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[4] أخرجه النسائي في المساجد باب فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه (2/34)، وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنن فيها باب الصلاة في بيت المقدس (1408) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/149).

[5] أخرجه أحمد (6/363)، وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنن فيها باب الصلاة في بيت المقدس (1407)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (610) قال الهيثمي في الزوائد: رواه أبو يعلى بتمامه من حديث ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورجاله ثقات (4/7). وقد جعله الهيثمي من حديث ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تابعًا في ذلك لأبي يعلى رحمه الله؛ الذي جعله كذلك، والصواب أنه من حديث ميمونة مولاته لا زوجته. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/454): وإسناد طريق ابن ماجه صحيح رجاله ثقات.

[6] كما في حديث جنادة بن أبي أمية قال: أتينا رجلًا من الأنصار.. وذكر فيه أن الدجال يمنع من أربعة أماكن: المساجد الثلاثة: الحرام والنبوي والأقصى، إضافة إلى الطور... أخرجه أحمد (5/364)، قال الهيثمي في الزوائد: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (7/343).

[7] وذلك في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه عند مسلم في الفتن وأشراط الساعة باب ذكر الدجال وصفته وما معه (2937).

[8] معجم البلدان لياقوت الحموي (5/15).

[9] تاريخ الطبري وذكره فيه بنصه (2/449) وأشار إلى هذا الكتاب ابن كثير في البداية (7/49)، في أحداث سنة 15هـ، ونقل ابن كثير عن يعقوب بن سفيان أن فتح بيت المقدس كان سنة 16هـ وذكر ابن الجوزي في المنتظم (4/193) فتح بيت المقدس في أحداث سنة 15هـ.

[10] المذكور في السير أن بلالًا خرج للجهاد في الشام ومات فيها في دمشق سنة عشرين، أي: بعد فتح بيت المقدس بخمس سنوات، وفي بعض الروايات أنه أذن في الجابية من أعمال الشام، فلعله أذن فيها وفي بيت المقدس. انظر: سير أعلام النبلاء (1/356 ـ 357). وأما عبادة بن الصامت رضي الله عنه فمات سنة خمس وأربعين، وقبر ببيت المقدس كما في السير (2/11)، وانظر: ملف "القدس لنا"، إصدار جمعية إحياء التراث الإسلامي في الكويت (34).

[11] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (27/6).

[12] القدس لنا (40).

[13] شذرات الذهب لابن العماد (4/275).

[14] القدس مدينة الله/ د. حسن ظاظا (31).

[15] اليهود وتذكرة قبل أن نفقد الذاكرة د. رمضان حافظ (146).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فضائل بيت المقدس
  • بيت المقدس والمسجد الأقصى يحفظه الله جل جلاله (خطبة)
  • بيت المقدس يشتكي
  • من فضائل مصر

مختارات من الشبكة

  • الأربعون الصحاح في فضائل بيت المقدس والشام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة فضائل بيت المقدس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • فضائل مدينة بيت المقدس "موطن الأقصى"(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة الروض المغرس في فضائل بيت المقدس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • من فضائل النبي: منزلة الفضيلة ومعجزة القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • محضر سماع (الأربعون في فضائل الأعمال) على مؤلفها فضيلة الشيخ محمد بن لطفي الصباغ(مقالة - موقع د. محمد بن لطفي الصباغ)
  • 45 فضيلة من فضائل أذكار الصلاة(كتاب - آفاق الشريعة)
  • 30 فضيلة من فضائل أذكار الصباح والمساء(كتاب - آفاق الشريعة)
  • 23 فضيلة من فضائل أذكار النوم والاستيقاظ (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • القِبلة والتحول عن بيت المقدس(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب