• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة
علامة باركود

فضائل سورة الفاتحة وتفسيرها

الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/3/2016 ميلادي - 7/6/1437 هجري

الزيارات: 36639

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فضائل سورة الفاتحة

وتفسيرها


الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ:

لا ريب أيها الإخوة الكرام أن هذا القرآن الكريم كلام الله جل وعلا هو أعظم الكلام وأشرفه وأجله، وما تقرب أحد لله جل وعلا بمثل ما تقرب إلى الله سبحانه بتلاوة كلامه وتدبُّره، وحفظه والعمل بمقتضاه، فذلك مما يحبه الله جل وعلا من عبده، ويضاعف له به الحسنات، ويرفع له به الدرجات.

 

والناس يتفاوتون في قربهم من الله جل وعلا بحسب قربهم من هذا الكلام العظيم، وعملهم به، وتلاوتهم له وتدبرهم له، وكم يفوت كثير من الناس القرب من هذا القرآن الكريم وتدبُّر معانيه والعمل بمقتضاه! وفي هذا يقول أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه: "لو سلِمت قلوبكم ما شبِعت من كلام ربكم"، ولكن هذه القلوب يعتريها أنواع من المكدرات والمغيرات التي تؤدي بكثير من الناس إلى البعد عن فَهْم القرآن الكريم وعن التعلق به والقرب منه.

 

وكلما تزاحمت الآثام على القلب، فإنها تبعد هذا القرآن الكريم عن ذلك القلب، فهذا القرآن كلام عظيم مقدس طاهر مبارك، لا يقبل أن يزاحمه شيء من الآثام والذنوب، وبخاصة تعلق القلب بالمزامير والغناء، ولذلك ذكر العلماء رحمهم الله أن القلب إذا أُشرب حب الغناء، فإن القرآن ينفذ منه ويخرج عنه، ويكون تاركًا له لهذه المزامير والأغاني، وهكذا بقية السيئات، فكلام ربنا كلام معظم مقدس، لا يزاحمه شيء من كلام الناس، ولا من الآثام والخطايا.

 

ونحن أيها الإخوة الكرام قد أنعم علينا بأن نقرأ هذا القرآن الكريم في صلواتنا، فهي نعمة عظيمة؛ حيث إن الإنسان مهما قلَّ نصيبه من هذا القرآن الكريم، وتشاغل عنه، فلا مناص من أن يقرأ منه وأن يسمعه في الصلاة؛ لأنه لا يمكن لمسلم أن يمر يوم وليلة ولا جزء من اليوم، دون أن يقيم صلاته، ففي كل قسم من اليوم تلاوة لآيات كريمات؛ إما تلاوة، وإما سماعًا.

 

بل إنه ولا بد أن يتلو في الصلوات من القرآن الكريم ما هو ركن فيها، ألا وهي هذه السورة العظيمة سورة الفاتحة، فكثيرًا ما نقرأ هذه السورة، بل لا تصح هذه الصلوات منا إلا بتلاوة الفاتحة فيها، إنها السورة التي عُطِّرت بها المجالس والمحاريب، وزُيِّنت بقراءتها الأصواتُ، ولا يمكن لأحد من أهل الإسلام أن يبقى أيامًا، ولا يمكن لأحد دخل الإسلام أن يبقى أيامًا - إلا وقد حفظ هذه السورة العظيمة؛ إذ لا بد أن يكون حافظًا لها حتى تصح منه الصلاة.

 

وهذا يقتضي أيها الإخوة الكرام أن نتأمل معاني هذه السورة العظيمة، وأن نتدبر ما تضمنته من المعاني الغزيرة والدلائل الجليلة، فإنه قبيح بالإنسان أن يتلو هذا القرآن العظيم، ولا يتدبر معانيه، ولا يفرح قلبه، ولا يستأنس بما حوى من الكنوز العظيمة والمعاني الجليلة التي تفرح القلب، وتؤنس النفس، والإنسان كلما كان متدبرًا لكلام ربه، فاهمًا لمعانيه، ناله من السعادة والأنس ما لا يكون لذلك الذي يتلو القرآن وهو لا يفهمه ولا يتدبر ما اقتضاه.

 

وأتوقف وإياكم مع شيء من فضائل هذه السورة العظيمة سورة الفاتحة، فقد ثبت أنها أولًا أعظم سورة في القرآن؛ كما جاء عن أبي سعيد بن المعلا رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لأُعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد)، قال: فأخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج من المسجد، قلت: يا رسول الله، إنك قلت: لأُعلمنك أعظم سورة في القرآن قال: (نعم، الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أُوتيته)، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "وصح تسميتها بالسبع المثاني؛ لأنها تُثنَّى في الصلاة، فتقرأ في كل ركعة".

 

قال العلماء: إن الشيء إذا عَظُمَ وجَلَّ وفُضِّل، كانت أسماؤه متعددة كثيرة، ولذلك كان من أسماء هذه السورة: أم الكتاب، وأم القرآن، وسورة الحمد والشفاء، والواقية والكافية، والأساس، وسورة الصلاة، ورؤية الحق، والسبع المثاني؛ كما تقدم، فهذه الأسماء تدل على شرف هذه السورة، ورجوع معاني القرآن كله إليها، كما نبَّه إلى ذلك أهل العلم.

 

ومن فضائلها أيضًا أن الله عز وجل لم ينزل مثلها في أي من الكتب السماوية التي أنزلها من قبل على أنبيائه؛ فقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأُبي بن كعب رضي الله عنه: (أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها؟)، قال أُبي: قلت: نعم، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كيف تقرأ في الصلاة)، قال: فقرأت أم القرآن، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (والذي نفسي بيده، ما أُنزل في التوراة ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها، وإنها سبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أُوتيته)؛ رواه الإمام الترمذي.

 

ومن فضائل هذه السورة العظيمة أيضًا أن الصلاة لا تصح بدون تلاوتها، فهي ناقصة غير تمام؛ كما قال عليه الصلاة والسلام، فقد روى الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الحمد لله رب العالمين أم القرآن وأم الكتاب، والسبع المثاني والقرآن العظيم)، وجاء أيضًا عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خداج)؛ رواه الإمام مسلم في صحيحه، ومعنى خداج: أي ناقصة غير تمام.

 

وجاء أيضًا في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)، ولذلك كان الصحيح من أقوال أهل العلم ما دلَّ عليه هذا الحديث، أن الإنسان إذا صلى - وبخاصة إذا كان إمامًا أو منفردًا - ولم يقرأ بفاتحة الكتاب، أن الصلاة لا تصح منه، وأما إن كان مأمومًا، فإن الذي تبرأ به الذمة، ويخرج به الإنسان من الخلاف - أنه ينبغي أن يقرأ الفاتحة في سكتات الإمام، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للصحابة رضي الله عنهم لما كانوا يقرؤون بالقرآن من ورائه، قال: (لا تفعلوا - يعني وهو إمام بهم - لا تفعلوا إلا بأم الكتاب)؛ يعني: بالفاتحة.

 

فالمسلم إذا كان مأمومًا يستمع للإمام في تلاوته للفاتحة، فإذا قضى الإمام تلاوة الفاتحة، شرع المأموم في تلاوتها وقراءتها حتى يتمها، ثم يرجع لسماع الإمام فيما يتلو من الصلاة؛ عملًا بقول الله جل وعلا: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204].

 

قال الإمام البخاري رحمه الله في أول كتاب التفسير من الجامع الصحيح: "سُميت أم الكتاب؛ لأنه يُبدأ بكتابتها في المصاحف، ويُبدأ بقراءتها في الصلاة، وقيل: إنما سُميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله لما تضمنته هذه السورة العظيمة، وقال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "العرب تسمي كل جامع لأمر أو مقدم لأمر، تُسميه إمامًا جامعًا"، وقيل غير ذلك في سبب تسميتها بهذا الاسم، والمقصود أن هذه السورة العظيمة بما حوته من هذه المعاني الغزيرة، فإن الله جل وعلا جعل لها هذه الخصيصة، وهي أنها تتلى في كل ركعة من ركعات الصلاة، ومن فضائلها أيضًا أن الله جل وعلا قسمها بينه وبين عبده قسمين، وسماها صلاة؛ فقد ثبت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال الله جل وعلا: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله جل وعلا: حمدني عبدي، فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله جل وعلا: أثنى عليَّ عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله تعالى: مجَّدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله جل وعلا: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصرط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله جل وعلا: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل".

 

فحريٌّ بالمسلم أن يكون متأملًا عند تلاوته لهذه السورة أن الله جل وعلا يخاطبه، إذا قال: الحمد لله رب العالمين، فإن الله جل وعلا يرد عليه: حمدني عبدي، وهذا يقتضي من المؤمن أن يكون مستحضر القلب أنه إذا حمِد، وإذا أثنى على الله جل وعلا، وإذا مجَّده سبحانه، وأن يستحضر دلائل إياك نعبد وإياك نستعين، فهو لا يعبد إلا ربه الله جل وعلا، ولا يستعين إلا به؛ حتى ينال ما وعد الله به: "هذا لعبدي ولعبدي ما سأل".

 

ومن فضائل هذه السورة العظيمة أنها رقية شافية بإذن الله جل وعلا؛ كما ثبت في الصحيح أن أناسًا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في سفر، فمروا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فلم يضيفوهم، ثم إن سيدهم - سيد أهل هذا الحي - لُدِغ، فجاؤوا إلى هؤلاء الصحب الكرام رضي الله عنهم، فقالو لهم: هل فيكم من راق؟ قالوا: لا نَرقي إلا بجعل تجعلونه، فجاء أحد الصحابة رضي الله عنه وقرأ الفاتحة على سيدهم، قال: فقام كأنما نشط من عقال، يعني كأنما كان مربوطًا، ثم قام ليس به من بأس، ولَمَّا رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذكروا له ما كان منهم وأنهم أخذوا على ذلك جُعلًا، أخذوا على ذلك مكافأة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما أدراك أنها رقية؟)، من الذي أخبرك؟ وما الذي جعلك تختار هذه السورة لترقي بها الرجل وتقرأ عليه، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا منهم واضربوا لي معكم بسهم)؛ رواه البخاري، ومسلم.

 

وكان منه عليه الصلاة والسلام: (واضربوا لي معكم بسهم)، حتى تطيب نفوسهم بأن ما أخذوه حلال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعاطى من المال ما كان حرامًا.

 

قال الإمام النووي رحمه الله: في هذا الحديث التصريح بأنها رقية، فيستحب أن يُقرأ بها على اللديغ والمريض، وسائر أصحاب الأسقام والعاهات، فيرقي المسلم بها نفسه، ويرقي بها أهله، ويرقي بها من عاده من المرضى، فإذا دخل عليه قرأ عليه هذه السورة، ونفث عليه بها، والنفث: هو هواء مع ريق خفيف، أو كما ذكره بعض أهل العلم.

 

وأيضًا من جملة ما جاء من فضائل هذه السورة العظيمة أنها نور من نورين أُوتيهما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لم يؤتهما نبي قبله، فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده جبرائيل، إذ سمع نقيضًا فوقه يعني صوتًا من السماء، فرفع جبريل عليه السلام بصره إلى السماء، فقال: هذا باب فتح من السماء ما فتح قط، فنزل منه ملك، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ حرفًا منهما إلا أُوتيته"؛ رواه النسائي، وروى الإمام مسلم نحوه.

 

فهذه الفضائل أيها الإخوة الكرام تدل على عظمة هذه السورة، وما ينبغي أن يكون مستحضرًا له المسلم عند تلاوتها، حتى ينال فضائلها ويتدبر معانيها، ويعمل بما تضمنته، فمن عمل بمقتضى ذلك ناله من نور هذه السورة ومن بركاتها ما الله به عليم.

 

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ:

قد تقدم أيها الإخوة الكرام ما ينبغي للمؤمن إذا قرأ كلام الله جل وعلا وتلاه - وبخاصة إذا كان في الصلاة - أن يكون متدبرًا معاني ما يقرأ، فإن الناس يتفاوتون في قربهم من الله جل وعلا، وفي انتفاعهم بالقرآن الكريم بحسب فَهمهم معانيه، ولذلك كما يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: قد يقوم الرجلان في الصلاة في صف واحد، وهما متجاوران، ولكن بينهما كما بين السماء والأرض، فهذا قلبه يطوف حول العرش، أما الآخر فدون ذلك لا يزال في الأرض متعلقًا بزخارفها وما يلهيه، وأما الأول فإنه قد تعلق قلبه بالله جل وعلا، فهنا من التفاوت العظيم الذي ينصرف به الناس من الصلاة بحسب تدبُّرهم لما تلوه وما دعوا به في صلواتهم.

 

ولأجل ذلك، فهذه وقفة سريعة مع دلائل هذه السورة - سورة الفاتحة ألفاظها ودلالاتها - وهي حَرِيَّة بأن يتأملها المرء تأملاً أوسع من ذلك، ولكن هذا اختصار وإيجاز لمناسبة المقام، فقول الله جل وعلا: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، هذا ثناء على الله سبحانه بصفات الكمال وبأفعاله جل وعلا الدائرة بين الفضل والعدل، فالله سبحانه له الحمد الكامل بجميع الوجوه، فقول المؤمن: ﴿ الْحَمْدُ ﴾ هذه للاستغراق، فكل صيغ الحمد وكل مجالات الحمد، فالله جل وعلا هو أهلها سبحانه وتعالى، فإنه الخالق المنعم المتفضل، وقوله جل وعلا: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، الرب قال العلماء: هو المالك والمربي المنعم، وقوله: ﴿ الْعَالَمِينَ ﴾ العالم كما يقول العلماء: هو كل ما سوى الله جل وعلا، وفي هذا العالم وفي هذا الوجود عوالم الله أعلم بها، قد نعلم بعضها ويغيب عنا كثير؛ في البر والبحر والجو، وفي غير ذلك مما لا تُحيط به عقولنا.

 

قال العلماء رحمهم الله: إن تربية الله سبحانه وتعالى لخلقه على نوعين؛ ثمة تربية عامة، وهي ما يتكفل الله به جل وعلا للمخلوقين كافة، من أرزاقهم وهدايتهم لِما فيه مصالحهم، فالله جل وعلا كما قال عن نفسه سبحانه: ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾[طه: 50]، فما من دابة إلا على الله رزقها، وقد يسَّر للخلائق معايشها، وثمة تربية خاصة، وهي تربية الله جل وعلا لأوليائه يُربيهم بالإيمان، يُوفِّقهم له ويُكملهم به، ويُثبتهم عليه، ويدفع عنهم الصوارف، فمهما تعرضوا في هذه الحياة للعوائق الحائلة بينهم وبينه، فالله جل وعلا يحفظهم ويَكلؤهم، وهذا على نحو ما قاله موسى عليه السلام لَما قال له قومه: إنا لمدركون، ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62]، فهي معية خاصة مقتضاها التأييد والنصرة؛ كما كان مع نبينا صلى الله عليه وسلم لَما قال له أبو بكر رضي الله عنه وهما في الغار، لَما قال: يا رسول الله، لو أن أحدهم أبصر موضع قدميه لأبصرنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما)؛ يعني: بالتأييد والنصرة والإعانة والحفظ، وهذا ما دل عليه قوله سبحانه: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40].

 

فهذه المعية معية خاصة، وإنما هي للمؤمنين، وأخص منهم الأولياء الصادقين، وكلما قرب العبد من ربه، وكان مخلصًا له، أعطاه الله تعالى من هذه المعية ومن هذا التأييد والنصرة، ومن هذه التربية بحسب إقباله على ربه جل وعلا، وإخلاصه له سبحانه.

 

وقوله جل وعلا: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾: هذان اسمان دالان على أنه جل وعلا ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، لكن الله جل وعلا يخص برحمته بعض عباده بما يتفضل به عليهم جل وعلا؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 156].

 

وقوله جل وعلا: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾: المالك هو صاحب الملك المتصرف كيف يشاء، ويوم الدين هو يوم الجزاء؛ حيث تُجزى كل نفس بما كسبت، والله سبحانه هو مالك كل شيء، لكن جاء النص على أنه مالك يوم الدين؛ لأنه في هذه الحياة الدنيا يدَّعي كثير من الناس ملكهم وتملُّكهم أشياءَ، كل أحد بحسبه، قد يقول الإنسان: إنه مالك أو ملك هذه الدار، أو مالك هذه السيارة، أو مالك هذا الشيء، لكن هذا الملك في حقيقته لكل هؤلاء الخلائق ملك محصور قاصر، ليس فيه تمام معاني الملك التي تقتضي الإحاطة بكل شيء، والقدرة على كل شيء، والعلم بكل شيء، ولذلك في يوم الدين لا يمكن لأحد أن يدعي ملكًا، أو أن يدعي شيئًا من التصرف فيه، ولذا جاء في الحديث القدسي أن الله جل وعلا يمسك السموات يوم القيامة بيمينه، ويمسك الأرضين، ثم يهزهنَّ ويقول جل وعلا: "لمن الملك اليوم؟ أين ملوك الأرض؟ لمن الملك اليوم؟ أين ملوك الأرض؟ فلا يجيبه أحد، فيجيب نفسه بنفسه سبحانه، فيقول: لله الواحد القهار".

 

والمقصود أنه جاء النص على أن الله سبحانه مالك يوم الدين، وفي القراءة الأخرى ملك يوم الدين؛ لأنه تتقاصر في ذلك اليوم ادعاءات أي مُدعٍ أنه يملك شيئًا.

 

وقوله سبحانه: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾؛ أي: نخصك يا ربنا وحدك بالعبادة والطاعة، مع غاية الذل والتعظيم والحب لك، ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾: نخصك يا ربنا وحدك بطلب العون لنا على طاعتك، والقيام بعبادتك سبحانك، والاستعانة بك يا ربنا على كل ما نحتاجه في هذه الحياة الدنيا، وهذه الاستعانة تتحقق بها السعادة الأبدية للإنسان والنجاة من جميع الشرور.

 

ومعنى قوله سبحانه: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾؛ أي: دُلَّنا وأرْشِدنا ووفِّقنا للطريق الواضح الموصل إليك، الموصل إلى جنتك وهو القرآن وهو الإسلام، وهو الهدي والدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ولذا قال الله عنه: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾، وهم أهل الطاعة من النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين.

 

﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾: المغضوب عليهم هم من عرفوا الحق وتركوه كاليهود، ومن أشبههم، والضالون هم الذين عبدوا الله تعالى على غير علم، ولَما استبان لهم الحق تركوه، ولم يعملوا به، وهؤلاء كحال النصارى ومَن أشبههم!

 

فالمؤمن يعبد ربه على علم ويقين وبيِّنة، بما جاء في كتابه وعلى هدي نبيه محمد عليه الصلاة والسلام.

 

كانت هذه بعض الإشارات أيها الإخوة الكرام بما ينبغي معه أن يكون المؤمن متدبرًا هذه السورة العظيمة التي تتكرر منه القراءة والتلاوة لها في يومه الواحد مرات متعددة.

 

أسأل الله جل وعلا أن يُفقهنا في كتابه، وأن يجعل هذا القرآن العظيم شافعًا لنا، ومُقربًا إلى رضوانه.

 

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا الله بذلك، فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفِّقهم لما فيه رضاك يا رب العالمين.

اللهم عجِّل بفرج إخواننا في بلاد الشام.

اللهم احقن دماءهم، اللهم احمِ أعراضهم.

اللهم ارفَع ما نزل بهم من الضر والبلاء.

اللهم اقبَل مَن توفِّي منهم شهيدًا عندك يا رب العالمين.

اللهم اشفِ مرضاهم، اللهم أمِّن خوفهم، اللهم فكَّ أسراهم.

اللهم يا حي يا قيوم، لا تَجعلهم فتنة للقوم الظالمين.

اللهم عجِّل لهم بفرج ونصر قريب من عندك.

اللهم لا تَحوجهم لأحد من خلقك، فأنت على كل شيء قدير يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وعليك بطغاتهم ومَن تسلَّط عليهم وأعانهم على الطغيان.

اللهم اشدد وطأتك عليهم، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف يا قوي يا عزيز.

اللهم إنه قد ضاقت الحيل.

اللهم إنه قد قلَّ الأمل والرجاء إلا بك.

اللهم إن التعلق بك وحدك لا شريك لك.

اللهم فعجِّل بفرج ونصر لإخواننا في بلاد الشام يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الفاتحة (السبع المثاني والقرآن العظيم)
  • قراءة الفاتحة وأحكامها
  • فوائد حول سورة الفاتحة
  • الباقيات الصالحات ما هي؟
  • فضائل بعض السور القرآنية
  • قراءة الفاتحة في الصلاة
  • تعليم الأطفال سورة الفاتحة (1)
  • تفسير ابن باز لسورة الفاتحة
  • تفسير أعظم سورة في القرآن
  • الفاتحة وتوحيد الألوهية

مختارات من الشبكة

  • تفسير سور المفصَّل ( 14 ) فضائل سورة الإخلاص (الجزء الثاني)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 13 ) فضائل سورة الإخلاص (الجزء الأول)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • فضائل سورة الفاتحة وتفسيرها(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • فضائل سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي: منزلة الفضيلة ومعجزة القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • محضر سماع (الأربعون في فضائل الأعمال) على مؤلفها فضيلة الشيخ محمد بن لطفي الصباغ(مقالة - موقع د. محمد بن لطفي الصباغ)
  • 45 فضيلة من فضائل أذكار الصلاة(كتاب - آفاق الشريعة)
  • 30 فضيلة من فضائل أذكار الصباح والمساء(كتاب - آفاق الشريعة)
  • 23 فضيلة من فضائل أذكار النوم والاستيقاظ (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصَّل (5) أسماء وفضائل سورة الفاتحة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب