• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل عشر ذي الحجة (خطبة)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة (المروءة والخلق والحياء)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تساؤلات وإجابات حول السنة
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأيام المعلومات وذكر الله (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    من تجاوز عن المعسر تجاوز الله عنه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الدرس التاسع عشر: الشرك (2)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحذر من استبدال الأدنى بالذي هو خير
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    خطبة: اغتنام عشر ذي الحجة خير الأيام
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    إعلام النبلاء بفضل العلم والعلماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تفسير: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    التحذير من الإسراف والتبذير
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    استحباب أخذ يد الصاحب عند التعليم والكلام والمشي
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    مفهوم الخصائص لغة واصطلاحا وبيان أقسامها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    خطبة: عشر ذي الحجة فضائل وأعمال
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    علام يقتل أحدكم أخاه؟! خطورة العين وسبل الوقاية ...
    رمضان صالح العجرمي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات تاريخية
علامة باركود

بيزنطة وفارس (2/4)

د. عمر يحيى محمد

المصدر: مجلة الدرعية، السنة الثامنة، العدد الثاني والثلاثون، ذو الحجة 1426هـ - يناير 2006م
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/2/2010 ميلادي - 9/3/1431 هجري

الزيارات: 28693

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بيزنطة وفارس
قراءة جديدة لآخر جولات الصراع بين القوتين العظميين في العصور الوسطى

الأسباب التاريخية وأطوار الصراع البيزنطي الفارسي:
مثَّلت الدولتان: الفارسية والرومانية، وفيما بعد وريثتها البيزنطية - القوتين العظميين في العصور القديمة، وقرونٍ أخرى من العصور الوسطى.

وقد ظهر الصراع مُبكِّرًا بين المعسكرَيْن المتنافسَيْن، وكانت الحروب بينهما طوال القرون سِجالاً مُحتدمًا، وبالرغم من تعدُّد مُعاهدات السلام التي كانت تُفرزها نتائجُ الحروب، إلا أن هذه المعاهدات لم تكن تصمد طويلاً؛ إذ إن حقب الصراع قد تجاوزتْ بمراحلَ عدةٍ تلك المُددَ التي كان يسود فيها السلامُ بين المُعسكَرَيْن، وتحترم فيها مُعاهَدات السلام، وتتوقَّف الحروب.

ولا بُدَّ أن هناك عواملَ كثيرةً قد أوجدتْ هذا الصراع، وأجَّجَتْه على مدى هذه القرون الطويلة، وساعدتْ على بقائه وبروزه في أوقاتٍ، وتراجعه في أوقاتٍ أخرى، ولعلَّ منها:
1- أن منطق القوة لا يبرز إلا بمُواجَهة قوة أخرى:
ونظرية القوة العظمى لا تُختبر إلا بمحاذاة قوةٍ أخرى، وقد تمتَّعَت الإمبراطوريةُ الرُّومانية القديمة باتِّساع جغرافيٍّ كبير، امتدَّ - في حقبة من حقب التاريخ - من الجزر البريطانية غربًا، إلى حدود نهر الفرات شرقًا، وشمال إفريقيا ومصر وتخوم جزيرة العرب الشمالية، مرورًا ببلاد الشام جنوبًا، إلى الأطراف الشمالية للقارة الأوروبية شمالاً، أو كما يُحدِّدها أحد المُؤرِّخين بأنها تمتدُّ من إسكتلندا حتى السودان، ومن شواطئ المُحيط الأطلنطي عند البرتغال حتى جبال القوقاز[1]؛ فإمبراطوريةٌ بهذا الاتِّساع الهائل، من الطبيعي اعتبارُها قوة عُظمى لها مجال تحرُّكها الواسع وسيطرتها، وطموحاتها وأطماعها، وأنصارها وأعداؤها.

على الجانب الآخر، كان الفُرس بدَوْلتهم وحضارتهم، واتِّساعهم في أطرافٍ عدَّة من قارة آسيا؛ حيث امتدَّت دولتهم منَ الفرات حتى الهند، ومن بحر قزوين حتى المحيط الهندي[2]، ويُمثِّلون الطرف الثاني من القوتين العظميين.

وقد تمتَّعَت فارس طوال حكمها بنوعٍ منَ الاستقرار الحكومي، والثراء المالي، والبروز الحضاري، والجيش القوي[3]، وهي مقوماتٌ أساسيَّة لقيام دولة قويَّة، لها أطماعها ومصالحها، ومجال تحرُّكها الحيوي، واتساعها الجغرافي، الذي يستدعي الحمايةَ الدائمة وتوفير وسائلها بشكلٍ مُستمرٍّ.

لذلك فمن الطبيعي أن يكون صدام القوتين العظميين حادًّا وعنيفًا وواسع المدى؛ لأن هناك حدودًا مُشتركة، ومصالح مُتشابكة؛ بل ومُتضاربة أحيانًا، ومشروعات توسُّعية لدى كل طرف على حساب الآخر.

2- الصراع على مناطق النفُوذ والمناطق الحدودية:
كانت منطقة الفرات هي المنطقة الحدودية المشتركة بين الدولتين؛ ولذلك شهدت احتكاكًا دائمًا منذ حقبةٍ مُبكِّرة، وكانت كل دولة تستغلُّ ظروفَ الدولة الأخرى لإحداث تغييرات في هذه الحدود.

وكانت معظم هذه المناطق الحدودية غير مستقرَّة، فمرةً تكون تحت سيطرة الفرس، ومرةً أخرى تعودُ إلى سيطرة البيزنطيين؛ بل إن الصراع حول هذه المناطق الحدودية كان أحد الأسباب المُباشرة التي دَعَت الإمبراطورَ دقلديانوس (284 - 305م) - الذي عدَّه بعض المؤرخين أول أباطرة الإمبراطورية البيزنطية - إلى نقل عاصمة الدولة من روما إلى نيقوميديا في الشرق؛ حتى يكون قريبًا من مواقع الأخطار الفارسية، ويستطيع التصدِّي لهجماتهم المُتكرِّرة على الطرف الشرقي للإمبراطورية[4].

كما أن التحرُّكات الدبلوماسية والدِّينية من الطرفين في المناطق الحدودية، كانت واسعةً ومنتشرة؛ إذ سعى كلُّ طرفٍ إلى كسْب ولاء شعوب وقيادات هذه المناطق، كما حدث في أَرْمِينِيَة عندما بدأتِ الديانة النصرانية تزحف إليها، مما أثار غضبَ الفُرس وتدخُّلهم؛ حيث إن أرمينية كانت من مناطق نفوذهم، ومعنى اعتناقها لديانة جديدة خروجُها عن سُلطة الفرس[5].

بل كثيرًا ما أثار الصراعُ حول مدنٍ أو مناطق صغيرةٍ حربًا عنيفة بين الدولتين، مثلما حدث في عهد الإمبراطور جستنيان (527 - 565م)، حينما ثار الخلافُ مُجدَّدًا حول منطقة لازيقا الحدودية، التي لم تكن المعاهدات السابقة قد حدَّدت الموقف منها بشكل دقيق؛ مما أشْعَلَ الحرب بين هاتين القوتين[6].

كذلك فإنه في هذا الإطار امتدَّ صراع السيطرة بين الفرس والبيزنطيين للسيادة على العرب القاطنين في المناطق الحدودية بين الدولتين، فكان الفرس يدعمون عرب الحيرة، بينما كان البيزنطيون يدعمون عرب الضجاعمة، ومن بعدهم الغساسنة[7]؛ ليقفوا مناوئين للفرس وحلفائهم، كما خاض الطرفان حربًا دبلوماسية لكسب ولاء أَبْرَهة حاكم اليمن، كلٌّ يريدُ انضمامَهُ إلى جانبه في صراع القوتين العظميين الفرس والروم[8].

3- الصراع حول طرق التجارة الدولية:
كانت طرق التِّجارة الدولية أحدَ أهم أسباب الصراع بين القوَّتين؛ وذلك لأنَّ التحكُّمَ في التجارة الدولية وفي طرقها - أحدُ أهم مظاهر القوة والثراء للدولتين[9].

وكانت الكتلة الأساسية للتجارة العالمية في العصور الوسطى تسير من الشرق الأقصى إلى البحر المتوسط، وقد ازدهرت التجارة الشرقية ازدهارًا عظيمًا في القرون الأولى للحقبة المسيحية، فظلَّتْ أوربا تستورد الأفاويه، والأعشاب، وخشب الصندل، من الأقاليم الهندية، وتستورد من بلاد الصين الحريرَ، حيث كانت السلطات تجتهد في البحث عن أرخص طريقٍ يستطيعُ ذلك الحرير أن يسلكه[10].

كما كانت تجارة الشرق تخترق طرقًا مختلفة؛ منها: ذلك الطريق عبر تركستان إلى بحر قزوين، ثم عن طريق الشمال إلى نهر الفولجا، فالبحر الأسود عند خرسون، أو عن طريق الجنوب عبر شمال إيران إلى نصيبين على الحدود الرومانية، أو عن طريق أرمينية إلى طرابزون، وقد تجتاز الهند وأفغانستان ووسط فارس إلى نصيبين أو إلى مصر، وربما انتقلت بحرًا عن طريق الخليج العربي ثم إلى سوريا، أو عن طريق البحر الأحمر إلى مصر، ولم يكن هناك إلا طريقان يتجنَّبان المرورَ بأرض فارس؛ أولهما: الشمالي الأقصى الذي يعتمد على قيام بادرة من الاستقرار بين أمم منطقة السهوب، أو الجنوبي الأقصى: وهو الطريق البحري الذي كان بحاجةٍ دائمةٍ إلى أسطول تجاريٍّ في شرق السويس[11].

وكانت فارس منطقة تهديد لتجارة الدولة الرومانية، ومن بعدها الدولة البيزنطية، فأحيانًا كانت تفرض عليها رسومًا جمركية عالية، وأحيانًا كانت تقطعها قطعًا تامًّا في أوقات الحروب، وكانت الدبلوماسية البيزنطيَّة طوال القرنين الخامس والسادس تبذل قصارى جهدها لضمان استمرار الطريقين البعيدين عن فارس، وذلك إما بالتفاوض مع الممالك الهندية والتركية الضاربة في السهوب، أو مع مملكة أكسوم الحبشية التي كانت تتحكَّم في تجارة البحر الأحمر[12].

فالتنافُس الشديد على التجارة الدولية وعلى طُرقها، كان من الأسباب المهمة للصراع بين الدولتين العظميين - وقتذاك - البيزنطية والفارسية، فمحاولةُ الاستحواذ على هذه التجارة، وتسهيلُ طرق تدفُّقها، ودوامُ رواجها، وعقدُ الصفقات والاتفاقيات لاستمرارها - كان مجالاً رحبًا للصراع بين الدولتين، وميدانًا واسعًا لاحتكاكهما.

4- الاختلاف الديني والثقافي:
دينيًّا: كان الرومان أصحاب ديانات وثنية متعددة، منها ما عُرِف بعبادة الإمبراطور؛ حيث كانوا يعتقدون - والعياذ بالله - أن أباطرتهم من نسْل الآلهة، كما أنهم دانوا بالولاء لآلهة وثنية تصوَّروها عن طرق التماثيل والأنصبة التي حفلت بها المعابدُ المختلفة؛ سواء في أثينا أم روما[13].

فلما ظهرت النصرانية حارَبَها الأباطرة الرومان، إلى أن كان الاعتراف بها رسميًّا في عهد الإمبراطور قسطنطين الأول، الذي أصدر ما سُمِّي بـ"مرسوم ميلان"، وذلك سنة (313م)، حين وجد نفسه - وهو يخوض حربًا مع المنافسين له - أنه قد يكون من الأفضل له اجتذاب النصارى - الذين كانوا يتكاثَرون في الإمبراطورية - إلى صفِّه.

وتضمن مرسوم ميلان الاعترافَ بالنصرانية كإحدى ديانات الإمبراطورية، وأعطى لرعاياها الحق في العبادة والظهور، بعد أن كانوا مُطارَدين، وتحت طائلة العقاب[14].

ونتيجةً لذلك؛ بدأت النصرانية تنتشر في أرجاء الإمبراطورية، حتى صارت هي ديانةَ الدولة، وبعد قُرابة قرنَيْن تقلَّصَت الوثنية، وأصبحت محل محاربة من قِبَل الدولة[15].

وفي الجانب الآخر كان الفرس معروفين بأنهم عبدة النار، ولهم معابدُهم وأفكارهم وطقوسهم الخاصة، كما كانت تنتشر بينهم ديانة أخرى، وهي الزرادشتية[16].

ثم جاءت المزدكية، وكانت في بدايتها حركة اجتماعية تستَند إلى فِكْر ديني معدل عن المانوية والزرادشتية، ونالت حظوة لدى ملك فارس، وكان مُؤسِّسها "مزدك" ينهى الناسَ عن التنازع والخصومة والمُباغضة والقتال، ولما كان أكثر ذلك إنما يقع بسبب النساء والأموال؛ أحلَّ النساء وأباح الأموال، وجعل الناسَ شركاءَ فيها كاشتراكهم في الماء والنار والكلأ[17]، وقد لاقَتْ هذه الأفكارُ رَوَاجًا بين الطبَقات الفقيرة والمسحوقة، كما قُوبِلت بحربٍ منَ الطبَقة الأرستقراطية.

وكما نلاحظ، فإن الطرفين المتصارعَيْن - الفرس والروم - كانا يدينان بديانتين مختلفتَيْن ومتعارضتين، ولكلٍّ منهما ثقافتُها وأدبياتها، كما كانت المناطق الحدودية بين الدولتين مجالاً رحبًا لاختبار هذا الصراع في مراحله المختلفة، فكثيرًا ما شنَّ الفرس حربًا لا هوادة فيها على هذه المناطق، التي كان سكانها أسبقَ إلى النصرانية، وضيَّقوا عليهم الخناق، ومنعوهم من تعمير الكنائس، ولكن هذا الموقف كان يتأثَّر بالوضع على جبهة القتال؛ فعندما يكون الفرس بحاجةٍ إلى السلام والمُهادنة مع البيزنطيين - كما حدث في عهد يزدجرد الأول - يعمدون إلى تخفيف حدة الصراع، ويسمحون للنصارى بحرية العمل والتبشير، وإقامة شعائرهم، وإعادة بناء كنائسهم الخربة؛ وذلك لتهْدِئة الجبْهة مع البيزنطيين؛ حتى يتفرَّغوا للشؤون الداخلية التي كانت تُعاني من بعض الاضطرابات[18].

وكان من طبيعة الأمور أن يقوم صراعٌ تغذيه المُعتقداتُ الدينية، خاصةً وأن كلتا الدولتين كانت لا تتورَّع عن حرق وتخريب الكنائس والمعابد وبيوت النار في أعقاب الانتصار في المعارك، ثم تقوم في عقب ذلك الثارات المُتكررة[19].

وهناك عامل ديني آخر، وهو العنصر اليهودي؛ حيث لم يتورَّع اليهود عن إضرام نار العداوة بين الطرفَيْن، وفي سبيل ذلك قدَّموا المساعدة والمشورة إلى كلٍّ من الطرفين المتحاربين؛ لأنَّ أي إضرار يقع في الجانبين سيكون في صالحهم[20].

5- ويبقى عامل أخير:
فإن الدولتين بالرغم من كونهما القوتين العظميين للعصور القديمة والوسطى، إلا أن كلتا الدولتين كانتا تتعرَّضان أحيانًا لعوامل التراجُع؛ حيث تُحيط بالواحدة منهما عواملُ الضعف، والصراعات والمشكلات الداخلية، بينما الدولة الأخرى تتربَّص انتظارًا للفرصة المواتية للهجوم والاكتساح، وتحقيق الانتصارات العسكرية على جبهة القتال، كما استغلَّت حقب السلام لكشْف عوْرات الدولة الأخرى، والاستعداد للجولة القادمة من الصراع الذي كان يحمل عوامل التجدُّد والاستمرار[21].

وانطلاقًا من هذه العوامل والمُعطيات وغيرها، فقد كان من الطبيعي أن يقوم هذا الصراعُ الدموي بين الأمتين والدولتين والحضارتين المختلفتين، وأن يمتدَّ طوال هذه القرون الكثيرة، لتكون نهايته بعد واحدةٍ من أخطر جولاته، في عهد الإمبراطور البيزنطي هرقل، والملك الفارسي كسرى الثاني أبرويز (المظفر).

ولكن كيف ابتدأ هذا الصراع؟ وكيف اندلعت الشرارة الأولى فيه؟

ترى بعضُ المصادر أن بداية الصراع تعود إلى سنة (550 ق.م)، عندما قام قورش ملك فارس (ت 529 ق.م) بغزو دولة ليديا في آسيا الصغرى، وكانت عاصمتها سارديس، وملكها يسمى كريسوس، فقد غزا قورش ليديا وأخضعها لحكْمه، وجعلها جزءًا من الإمبراطورية الفارسية، ولما مات أعقبه ابنُه قمبيز الذي حَكَمَ سبع سنوات، ثم جاء بعده دارا، الذي أصبح ملك فارس (521 - 486 ق.م)[22].

وبعد زمنٍ حافلٍ بالحروب والحروب المُضادة بين الفرس والمقدونيين واليونانيين والرومان، جاء زمن الإسكندر الأكبر، الذي كان من أهدافه قهرُ إمبراطورية الفرس، وملكها دارا الثالث (331 ق.م)؛ حيث هزمه أولاً في قواعده في الجزء الأوروبي، ثم أكمل انتصاراته بهزيمة دارا في عواصمه الشرقية الثلاث العظيمة: بابل، وشوشان، وبرسبولس[23].

وهذه الحروب كثيرًا ما كان يقودها كلٌّ من الإمبراطور الروماني أو البيزنطي والملك الفارسي، وقد حفظ لنا التاريخُ أسماءَ عددٍ من الأباطرة البيزنطيين وهم يقودون المعارك بأنفسهم، بالرغم من أنه كانت هناك اعتراضات على قيادة الأباطرة للجيوش بأنفسهم[24]، وقد فقد عدد من الأباطرة حياتَهم أثناء القتال، كما حدث للإمبراطور جوليان المرتد (361 - 363م [25] Juliane the Apostate).
 
ــــــــــــــــــــ
[1] دونالد دولي، "حضارة روما"، ترجمة: جميل يواقيم الذهبي، وفاروق فريد، القاهرة، دار نهضة مصر للطبع والنشر، 1979م، ص4.
[2] أسد رستم، "الروم"، ط2، بيروت، المكتبة البوليسية، 1988م، ج1، ص44.
[3] آرثر كريستنس، مرجع سابق، ص112.
[4] الباز العريني، "الدولة البيزنطية"، ص23، وهناك أسباب أخرى دعتْ إلى هذا الانتقال؛ منها: وفرة السكان والموارد في الشرق عمَّا كان عليه الوضع في الغرب في أعقاب أزمة القرن الثالث الميلادي التي أحاطت بالإمبراطورية الرومانية، كما أن روما لم تعُدْ تصلُح للحكم لوجود سلطة السناتو وبقايا عهد الجمهورية، كما أن النصرانية التي اعترفت بها الدولة في عهد قسطنطين الأول لم تجد مناخًا طيبًا في روما في تلك الحقبة؛ حيث كانت مركزًا من مراكز الوثنية، إلى غير ذلك من الأسباب.
[5] طه باقر، "تاريخ إيران القديم"، ص130.
[6] محمد فتحي الشاعر، "السياسة الشرقية للإمبراطورية البيزنطية في القرن السادس الميلادي"، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1989م، ص169، ولازيقا: هي إحدى مناطق بلاد القوقاز، والتي تمتد من بحر قزوين شرقًا إلى البحر الأسود غربًا، نفس المرجع ص188.
[7] ينتسب الضجاعمة إلى سليح بن حلوان بن ضجعم، وهم الذين دحرهم الغساسنة، وفرضوا سياستهم عليهم، انظر: ابن خلدون، مصدر سابق، ج2، ص58، أما الغساسنة فهم فرعٌ من أزد اليمن، نزحوا إلى بلاد الشام تحت قيادة عمر بن عامر، وعرفوا في التاريخ بـ"آل غسان"، وبـ"آل جفنة"، وبـ"الغساسنة"؛ المسعودي، "مروج الذهب ومعادن الجوهر"، بيروت، 1965م، ج2، ص83.
[8] محمد فتحي الشاعر، المرجع السابق، ص168.
[9] HALDON, op.cit. P.46.
[10] ستيفن رانسيمان، "الحضارة البيزنطية"، ترجمة: عبدالعزيز توفيق جاويد، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1961م، ص194.
والجدير بالذِّكر أن صناعة وتجارة الحرير حظيتْ بأهمية كبيرة في الإمبراطورية البيزنطية، فكان لها طوائفُ عديدة، فكان لمن يغزلون وينسجون الحرير طائفةٌ، ولمن يتاجرون في الحرير الخام طائفة، ولمن يعملون في صناعته طائفة، وكانت لها مكوس خاصة، وانتشرتْ مصانع الحرير في الدولة البيزنطية، وشكلت المنتجات الحريرية القسمَ الأكبر من الصادرات البيزنطية، وكانت صناعة الحرير احتكارًا حكوميًّا يدرُّ على الدولة ربحًا طائلاً، ولذلك شكل تأمين طرق استيراد صناعة الحرير من الشرق اهتمامًا خاصًّا لدى الحكومة البيزنطية، ومرتكزًا للصراع بين البيزنطيين والفرس.
لمزيد من التفاصيل عن هذه التجارة؛ انظر: هايد، "تاريخ التجارة في الشرق الأوسط في العصور الوسطى"، ترجمة: أحمد رضا، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1991م.
[11] ف. هايد، مرجع سابق، ج1، ص15.
[12] رانسيمان، مرجع سابق، ص196.
[13] بارو، "الرومان"، ترجمة: عبدالرزاق يسري، القاهرة، دار نهضة مصر، 1968م، ص149.
[14] هناك روايات عدة عن أسباب إصدار قسطنطين لهذا المرسوم، ومنها أنه رأى رؤيا في المنام، تتلخَّص في أنه كان يقود جيشه، وفجأة ظهر برق في السماء، وظهر صليب وعبارة: "بهذا تنتصر"، فأصبح من يومه وقد أصدر المرسوم، ولكن بعيدًا عن الأساطير والرؤى، فإن قسطنطين - وهو السياسي الماهر، ورجل الدولة الذكي - قد وجد في إعلان ذلك جذبًا لعدد من الحلفاء إلى صفِّه، خاصة إذا علمنا أنه لم يتنصَّر أو يعمد كما هي التقاليد النصرانية إلا وهو على فراش الموت بعد عدة سنوات من إعلانه مرسوم ميلان.
لمزيد من التفاصيل؛ انظر: الباز العريني، "الدولة البيزنطية"، ص35.
[15] أسد رستم، "الروم"، مرجع سابق، ج1، ص33.
[16] الزرادشتية ديانة قديمة تعود إلى ما قبل الميلاد بعدة قرون، وأصحابها كانوا يعتبرونها دينًا محافظًا يتحرَّك في حدود فارس فقط، وينظرون بريبة وازدراء إلى أصحاب الديانات الأخرى من اليهودية، والنصرانية، والمانوية؛ طه باقر، "تاريخ إيران القديم"، مرجع سابق، ص132.
[17] المرجع السابق، ص138.
[18] آرثر كريستنس، مرجع سابق، ص284.
[19] حدث ذلك مرارًا، وبالذات في أنطاكية والقدس وأجزاء من أرمينية، كما حدث في أماكن كثيرة من بيوت النار الفارسية في داستاجرد وغيرها من المدن الفارسية، وبالذات المدن الحدودية، وعلى حقب متعددة.
[20] ظهر ذلك واضحًا عندما اقتحم الفرس مدينةَ القدس للمرة الثانية بمساعدة يهودية سنة (614م)، وأحرقوا المدينة وقتلوا الآلاف، ولم ينجُ من القتل سوى اليهود الذين قدموا مساعدات مهمة للفرس، وسنعرض لاحقًا لتفاصيل هذه الموقعة المهمة وذات التأثير الكبير في الصراع بين الدولتين.
[21] HALDON, op.cit, P.325.
[22] ثيودور جيانا كوليس، "اليونان شعبها وأرضها"، ترجمة: محمد أمين رستم، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1966م، ص120.
[23] المرجع السابق، ص174.
[24] Ostrogorwski, op.cit, P.90.
[25] سُمِّي بالمرتد؛ لأنه حاول الارتداد عن النصرانية التي اتخذها قسطنطين الأول ديانةً للإمبراطورية، والعودة مرة ثانية إلى الوثنية، وقام بجهودٍ حثيثة في هذا المجال، ولكن مشروعه فشل؛ لأنه سرعان ما تُوفِّي في القتال مع الفرس، ولم يكتب له النجاح في تحقيق رغبته بعودة الوثنية للإمبراطورية Theophanes, op.cit, P.78.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بيزنطة وفارس (1/4)
  • بيزنطة وفارس (3/4)
  • بيزنطة وفارس (4/4)

مختارات من الشبكة

  • الرأي العام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الحديث: قد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت في الروم وفارس(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • أبو الدرداء رضي الله عنه: حكيم الأمة وسيد القراء وجامع القرآن وفارس من طراز خاص(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • رحل فارس الدعوة.. الشيخ أحمد الفارس(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • محمود محمد شاكر .. شيخ العربية وفارس الفصحى(مقالة - موقع د. حيدر الغدير)
  • الحروب الصليبية من فرسان الإسبتارية إلى دولة فرسان مالطا وبلاك ووتر(مقالة - ملفات خاصة)
  • تفسير: (الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وفاة الشيخ الداعية أحمد بن عبدالله الفارس -رحمه الله-(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • پندار درست در فهم توحید و یکتاپرستی نسخه فارسی (فارسي - PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • السير الحثيث في جمع علم فرسان الحديث (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- الأسباب التارخية أطوار الصراع البيزنطي الفارسي
rachid - algerien 04-10-2015 10:59 PM

رائع جدا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/11/1446هـ - الساعة: 12:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب