(الدرر الكامنة) في الظاهرية بخط السخاوي لا البقاعي

(الدررالكامنة) في الظاهرية بخط السخاوي

لا البقاعي

مِنْ مؤلَّفات الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت: 852): (الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة).

وفي دار الكتب الظاهرية بدمشق نسخةٌ من هذا الكتاب، بخطِّ أحد تلاميذ المؤلِّف، كتبها بعد وفاة شيخهِ بسنواتٍ قليلة، مِنْ نسخةٍ كتبها أولاً، فقد قال في الختام:

"آخرُ الكتاب المُسمّى بالدرر الكامنة... قال شيخُنا شيخ الإسلام والحفّاظ مصنّفه - ومِنْ خطِّه نقلتُ النسخة التي نَقلتُ منها هذه -:....

قلتُ: وكانتْ كتابتي فيه للنسخة الأولى في ربيع الآخر سنة (855)، وعَسُر عليَّ قراءةُ كثيرٍ من النظم الذي في التراجم، وغيرِ ذلك، ثم نَقَلْتُه كذلك إلى هنا، والمرجوّ من فَضْل الله تعالى تحرير ذلك، ومقابلته جميعه على الأصل المنقول منه إن تيسّر، أو تحرير ذلك من أصوله إن شاء الله تعالى، وكان فراغي من هذه في (17) شوال سنة (859) بمنزلي، بحارة بهاء الدين من القاهرة".

ولم يُصَرِّحْ باسمه.

وهي بخطِّ التعليق، قليلة الإعجام، صَغيرة الحرف، تقع في 547 صَفحة[1].

••••

وقد آلتْ هذه النسخة إلى دمشق، ولا ندري متى، ولكن من المُحتمل أنَّ ذلك كان في القرن التاسع، فإنَّ عليها اسم "إبراهيم البقاعي" وتحته تاريخ هو 865، فكأنه تاريخ تملُّك النسخة، ولعله جاء بها إلى دمشق حين عاد إليها سنة (880هـ) قبل وفاته، وكانت وفاته سنة 885هـ.

وهذه النسخة كانتْ في مكتبة الشيخ سعيد بن حسن الحلَبي شيخ علماء دمشق (ت: 1259)، وقد وقفها سنة (1234هـ) على الطَّلبة، وكانتْ في حُجرته المجاورة لباب الكلاسة من أبواب الجامع الأموي.

••••

وقد ظنَّ أحدُ الناظرين في هذه النسخة أنها بخطِّ البقاعي توهمًا منه، فكتَبَ على ظهرها: (وهذا الكتاب خط الشيخ إبراهيم البقاعي مِن تلامذة ابن حجر -أعني المؤلِّف- والبقاعي من الفضلاء المشهورين، ألف التناسب بين الآي والسور، وهو كتاب لطيف، لكنه يَطعن في ابن عربي وابن الفارض، ويَجتهد في ذلك غاية الاجتهاد).

ولم أعرف هذا الكاتب مَنْ هو، ولا متى كتبَ هذا، والخطُّ ليس حديثًا.

وقد اغترَّ بهذا القول عددٌ من العلماء:

منهم: الشيخ محمد راغب الطبّاخ مؤرِّخُ حلب ومسندُها:

ففي سنة (1338هـ) سافر الشيخُ محمد راغب الطبَّاخ إلى دمشق، واجتمع بحفيد الشيخ سعيد الحلبي: الشيخ حمدي، القيِّم على الجامع الأموي، وأَطلعه هذا على مكتبة جدِّه، فرأى النسخةَ المذكورة من (الدُّرر الكامنة)، ونقل منها تراجمَ أعيان حلَب الشهباء في القرن الثامن، وأودعها تاريخَه: (إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء).

وقد ذكرها في ترجمة الشيخ سعيد الحلبي، وذَكَرَ أنها بخط البقاعي[2].

ومنهم: الدكتور يوسف العش، فقد قال في كتابه "فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية: التاريخ وملحقاته": "علقه إبراهيم البقاعي سنة 859 بمنزله بحارة بهاء الدين من القاهرة (وذكر أنه خط البقاعي في أسفل صفحة العنوان)"[3].

والواقع أنَّ اسم البقاعي لم يرِدْ في الختام إطلاقًا.

ومنهم: الأستاذ عبدالله مخلص (ت: 1367هـ) في مقالٍ له بعنوان: "الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة"[4].

ومِنْ قبلهم الأستاذ محمد كرد علي -كما ذَكَرَ الأستاذُ عبدالله مخلص-.

••••

وكنتُ تابعتُ الشيخَ الطبّاخ والدكتور يوسف العش في قولهما في كلمةٍ كتبتُها عن تلك النسخة بعنوان: (نسخة البقاعي من الدرر الكامنة)، ولم أكن رأيتُها.

وأطلعني أخٌ كريمٌ هو الباحثُ النابهُ محمد كلاب - من غزة - على مقالِ الأستاذ عبد الله المخلص، فازددتُ وثوقًا بذلك.

وقد كَتَبَ إليَّ بعد ذلك الأخُ الفاضلُ الباحثُ وائل محفوظ - من مصر - يُخبرني أنَّ النسخة بخطِّ السخاوي لا البقاعي، إذ وَقَفَ عليها، وعرَفَ الخطَّ.

فراجعتُ نسخة مصورة منها في مركز جمعة الماجد بدبي، وتأكد عندي ذلك، فهي بخط السخاوي قولاً واحدًا، واكتشفتُ فيها نصًّا فيه التصريحُ بذلك، ذلك أنني وجدتُ في آخر صفحةٍ منها ضمن كلامٍ ما يأتي:

(وفي عصر يوم السبت الخامس من جمادى الأولى سنة 855 وُلِدَ الولد المبارك أبو الفضل أحمد ابن كاتبه أنشأه الله نشأة صالحة، وجعله من العلماء العاملين الورعين الزاهدين بمنِّه وكرمه).

و(أحمد) هذا هو ابن السخاوي، وقد ترجمه في كتابه "الضوء اللامع"، وذَكَرَ مثل هذا التاريخ.

ويُضافُ إلى هذا أمورٌ:

• أنَّ السخاوي ذَكَرَ في ترجمته لشيخه أنه بيَّضَ "الدرر الكامنة"[5].

وذكر في ترجمته لنفسه "إرشاد الغاوي" كتبًا لشيخه انفردَ هو بتبييضها، ومنها: "الدرر الكامنة"[6].

• جاء في آخر النسخة أنه عسُر عليه قراءة كثيرٍ من النظم الذي في التراجم، وغير ذلك، وهذا أنسب بالسخاوي، أما البقاعي فقد كان شاعرًا ممارسًا، وله كتاب في العروض والقوافي اسمه "رفع اللثام عن عرائس النظام"، وله ديوان سمّاه "إشعار الواعي بأشعار البقاعي"، ويبعدُ أنْ يصعب عليه قراءة الشعر.

• حارةُ بهاء الدين هي حارة السخاوي وأهلهِ، كما يُستفاد مِنْ "إرشاد الغاوي"[7]، و"الضوء اللامع"[8].

• لم يَذكر البقاعي في ترجمة شيخه ابن حجر في كتابه "عنوان الزمان"[9] "الدررَ الكامنة" أصلاً.

••••

والنسخةُ اليوم بين مخطوطات دار الكتب الظَّاهرية بدمشق، وعمرها (577) سنة.

وذَكَرَ الدكتور يوسف العش أنَّ فيها اختلافات عن النُّسخة المطبوعة في حيدر آباد الهند.

وقد طُبِعَ (الدرر الكامنة) في الهند ومصر، وما زالَت فيه حاجةٌ إلى خِدمة متقنَة جديدة، يسَّر الله له بعضَ المحقِّقين الصبورين المتقنين.

••••

فائدة:

للجلال السيوطي (منتقًى) من (الدُّرر الكامنة) ذكره لنفسه في "فهرس مؤلَّفاته".

ورأيتُ منه نسختين.

ولم يُطبَعْ بعد.

ويمكنُ الاستفادة منه في الخِدمة المُقترَحة المُرْتجاة.