• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: فما عذرهم
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    خطبة: وسائل السلامة في الحج وسبل الوقاية من ...
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    العشر من ذي الحجة وآفاق الروح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فضائل الأيام العشر (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    أحكام عشر ذي الحجة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    أدلة الأحكام المتفق عليها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأنثى كالذكر في الأحكام الشرعية
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    الإنفاق في سبيل الله من صفات المتقين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    النهي عن أكل ما نسي المسلم تذكيته
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الحج: آداب وأخلاق (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    يصلح القصد في أصل الحكم وليس في وصفه أو نتيجته
    ياسر جابر الجمال
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (11)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / تقارير وحوارات
علامة باركود

العلم والتعليم: الواقع والمستقبل

العلم والتعليم: الواقع والمستقبل
د. محمد مطيع الحافظ

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/8/2015 ميلادي - 25/10/1436 هجري

الزيارات: 8380

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العلم والتعليم: الواقع والمستقبل

حوار أجراه الأستاذ الكاتب محمد ماهر سقا أميني[1]

مع الدكتور محمد مطيع الحافظ


مقدمة المحاور:

عرفته متواضعًا، كريمًا، حليمًا، عركته الأيام فلم تزده إلا صبرًا وعزيمة، محتسبًا أجره عند الله تعالى، أحب دمشق وأحبته، كتب عن علمائها ومدارسها، ومساجدها وأنسابها، حتى صح أن يُوصف بأنه مؤرخ مدينة دمشق وما حولها في هذا العصر.

 

عمل في التحقيق فأجاد، وكتب في التراجم فأفاد، وكانت له تجارب فريدة في كتابة المشيخات، تعلَّم القرآن وعلمه، فاستحق أن يكون من أهله، سيما وأنه ما زال يمضي أكثر نهاره في التدقيق في قسم المصحف الشريف بدائرة الشؤون الإسلامية، والعمل الخيري بدبي.

 

كان من الرواد في تأسيس صرح (مركز جمعة الماجد الثقافي)، أجازه كثير من علماء دمشق والعالم الإسلامي إجازات عامة وخاصة، وما زال منكبًّا على التأليف، والتحقيق، والتدقيق، سيما وأنه يتمتع بأكبر ذاكرة بشرية تحاورت معها في حياتي فيما يخص التراجم والأنساب والمخطوطات.

 

كيف تشخصون الأمر وأنتم من جيل عُرف بأصالته وكمال هويته وانتمائه؟

الغزو الغربي الفكري للبلاد العربية والإسلامية بدأ بعد انتهاء الحروب الصليبية مباشرة، واستمر بشكل مخطط ومنظم ومدروس؛ فقد أدرك أعداء الأمة أنه لا جدوى من الصراع والعنف مع المسلمين وهم على دينهم والتزامهم، وأنه مهما طال هذا النوع من الصراع فإنه لن يؤتي ثماره، بل لعل ما أدهشهم هو أن المسلمين بعد الحروب الصليبية ظهروا وقد ازدادوا قوة وتماسكًا وقدرة على الإنجاز والعطاء، ودعوة إلى التمسك بهويتهم، في حين أنهم وهم أعداء هذه الأمة أخذوا كثيرًا منها ومن حضارتها الإنسانية والعلمية، هذه الهزيمة الحضارية جعلتهم يقررون أنه لا بد من زرع الفتن والشكوك، ونشر الشبهات؛ لزعزعة الإسلام والقضاء على المسلمين، وقد كان ضمن ما استعانوا به التبشير والاستشراق، وإذا وقفنا عند المستشرقين رأينا أن أكثرهم كانوا في خدمة أغراض معينة لجهات معينة لا تريد الخير للإسلام والمسلمين، ولم ينجُ منهم إلا القليل الذي وقف على عظمة الإسلام وعطاءاته الحضارية وقوته الذاتية.

 

أدرك أعداء الأمة أنه لا جدوى من الصراع مع المسلمين وهم على دينهم، وأنه مهما طال هذا الصراع، فلن يؤتي ثماره.


كان لا بد للمستشرقين الذين أرادوا خدمة أعداء الأمة أن يدرسوا تاريخها ولغتها وتراثها وأدبها ودينها وحضارتها، ثم إنهم بدؤوا يشيعون انطباعًا بأن الدين هو سبب هذا التدهور الذي أصاب الأمة في أواخر العهد العثماني، وأنه هو الذي حال بين الأمة وبين العلم والتقدم؛ لأنه ينتج عقولًا تعتمد الغيبيات بدلًا عن التفكير العقلي والعلمي الصحيح، وقد وُجد في الأمة فئة اتصلت بالغرب، وعادت بهذه الأفكار، وعملت على ترويجها.

 

ولكن واقع الحال في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كان مناسبًا جدًّا، بل يكاد يكون مصدقًا لهذه الدعوى، والغريب أن كثيرين من كتَّاب المسلمين ما يزالون مصرِّين على الدفاع عن تلك الفترة مع كل ما فيها من عزلة وانحطاط.


تخلُّفُ المسلمين في هذه الفترة لا يعود إلى دينهم، وإنما إلى أسباب كثيرة وعوامل متشابكة، ثلاث هجمات للتتار لم تترك مكتبة أو عالمًا، سياسة الدولة العثمانية التوسعية وأثرها في الانصراف عن تحقيق شروط وأسباب التقدم العلمي المادي، تدهور أحوال السلطنة العثمانية، وغرقها في البذخ والترف الملهيين في العقود الأخيرة.

 

وأين كان العلماء المسلمون في هذه الفترة؟! حتى الأزهر نفسه لم تكن أحواله تسُر؛ فقد وقف عند تفصيلات العلوم الشرعية في عزلة كاملة عن العالم وما فيه، فضلًا عن البيروقراطية التي أنهكته وشلت قواه، وهناك شهادات لعلماء أزهريين تثبت ما نقول.


الأزهر مؤسسة إسلامية عظيمة، شكَّلت حصنًا منيعًا للعلوم الشرعية وعلوم العربية عبر عدة قرون، وأكبر وأوضح مثال على ذلك سليمان الحلبي الذي كان أزهريًّا وقد قتل (كليبر) بيده، علماء الإسلام قرروا أن العلوم الدنيوية فرض كفاية قبل قرون من هذا، والأزهريون كانوا واعين تمامًا لدورهم في صد هجمات العدو؛ استعمارًا وفكرًا وشبهات، وكانوا يعلمون أن من واجب الأمة أن تأخذ بأسباب التقدم العلمي، ولكن هل تريد لعالم في الشريعة أو في علوم اللغة العربية أن يبدع نظرية في الفيزياء، أو أن يُصمم معملًا لإنتاج الأسلحة؟ السلطة الحاكمة عادة هي المسؤولة عن تنظيم التعليم المدني.

 

وبالفعل، فقد أرسل محمد علي الكبير طلابًا، على رأسهم رفاعة الطهطاوي، ليقوموا بهذا الدور.


الأمور ليست بهذه الصورة؛ فبعد هزيمة عكا اتفق (نابليون) و(كليبر) على إرسال مجموعات من الشباب إلى باريس؛ ليعودوا بأفكار جديدة إلى بلادهم، محمد علي كان أداة للغربيين لتنفيذ ما يريدون، ورفاعة الطهطاوي وزملاؤه بقُوا في باريس خمس سنوات، ثم عادوا مبهورين بقشور الحضارة الغربية وما فيها من حريات مُدَمرة، لم يأتوا بعلم نافع، ولم يدرسوا اختراعات القوم وعلومهم التقنية، وكل ما فعلوه أنهم أسسوا (دار الألسنة) لتعليم اللغات والجغرافيا والتاريخ، ثم إنهم - بقصد أو بغير قصد - مهدوا للدعوة إلى البُعد عن الدين والحجاب، إذًا فإن ما أراده محمد علي والطهطاوي - وغيره من زملائه - لم يكن تحويل الأمة إلى أمة مُنتجة في علوم تنقصها، وهي العلوم المادية، وإنما نقل قيم الغرب ونظرياته في الفلسفة والقوميات، وكل هذا قد استثمر في الطعن في الدين، ودفع الأمة إلى التغريب، بدلًا من الحفاظ على هويتها ودينها وانتمائها وتعويض ما ينقصها من أسباب التقدم العلمي المادي المنشود.

حارة بدمشق القديمة

حارة بدمشق القديمة


إذًا المسلمون لم يقصروا، وعلماء المسلمين كانوا على أحسن أداء، وكل ما في الأمر أننا غُلبنا على أمرنا، وما كان في الإمكان أحسن مما كان؟!


الهجمة كانت أعنف وأقوى من أن يستطيع أحد التصدي لها، لقد دب الضعف في الدولة العثمانية، وظهرت مطامع الغرب في إسقاط الدولة والسيطرة على أراضيها، ثم جاء الاستعمار الغربي الذي تقاسم بلاد العرب حسب (سايكس بيكو)، جاءت الجيوش بعددها وعتادها، وأفكارها وخططها، فمن ذا الذي كان قادرًا على الوقوف في وجهها؟! لقد ظهر لدينا كُتَّابٌ عظام وشعراء شعروا بحجم الخطر وطبيعة الصراع، وراحوا ينبهون الناس إلى ما هم مقبلون عليه، ومنهم شوقي وحافظ إبراهيم والمنفلوطي والرافعي، وهؤلاء جميعًا دعوا إلى التمسك بالإسلام وبالهوية والأصالة مع الاستفادة من الغرب فيما ينقصنا من العلوم المادية.

 

هذا يعني أنهم جاؤونا بعلومهم وجيوشهم وسلاحهم، وحتى بعلمائهم ومفكريهم ومستشرقيهم، ونحن جئنا بأشعار شوقي ومواعظ المنفلوطي وأدبيات الرافعي! هل هذا الحل هو ما قدر عليه المسلمون؟!


أولًا: الأمة لم تستسلم، وقد قوبل الغزو الغربي على الأرض بمقاومة ضحت بكل شيء، وبفكر رافض للتهجين والإلغاء، ثم لماذا لا نعود إلى أيام الحرب العالمية الأولى لنتذكر الفقر الذي كان الناس فيه؟ ألم تسمع عن أيام (السفر برلك) وما فيها من جوع وحرمان؟ الناس كانوا يبحثون عن اللقمة التي تسد الجوع، فهل نطالبهم بأن يدرِّسوا أولادهم الطب والهندسة والصيدلة؟ كثيرة هي الأُسر التي اضطرت لإخراج أولادها من المدارس؛ من أجل أن يعينوا ذويهم في تحصيل الحد الأدنى من الرزق، والناس، كل الناس، كانوا بين نارين: الفقر والحاجة، ونار مقاومة المستعمر وسيطرته على كل شيء، وابتلاعه لكل شيء.

 

لكن، أين كان علماء المسلمين؟ لنقل: إنهم - من واقع تحصيلهم العلمي - لم يكونوا قادرين على تدريس أو نشر العلم المادي الضروري للنهضة، أين كانوا في مواجهة الغزو الثقافي والإباحي، بل وحتى الغزو العسكري؟


لنبدأ بالغزو العسكري: أكثر حركات مقاومة المستعمر كان على رأسها رجال من علماء المسلمين: بدر الدين الحسني وعلي الدقر في دمشق، عبدالقادر الجزائري في الجزائر، عمر المختار في ليبيا، وغيرهم كثير.

 

الغزو الثقافي والإباحي: ألم يقف أمثال محمود شاكر وأنور الجندي ومحب الدين الخطيب وشكيب أرسلان ومحمد الخضر حسين في وجهه؟ ألم يقف الأزهر في وجه آراء علي عبدالرازق، وتغريب طه حسين، وتعميم العامية عند لطفي السيد؟ أما القيم، وما أسميته بالغزو الإباحي ومقاومته، فسأذكر لك على سبيل المثال: في دمشق قامت ثلاث جمعيات لمحاربة الفساد: جمعية رئاسة العلماء للمحافظة على الأخلاق برئاسة سليم البخاري في أوائل العشرينيات، جمعية العلماء برئاسة الشيخ محمد كامل القصاب في الثلاثينيات، وقد أخذت على عاتقها التعليم، وأسست المدرسة العثمانية، التي كانت مشعل نور بعد مكتب عنبر المعروف، وكانت هذه المدرسة تقوم بعرض المسرحيات التي تفضح واقع الأمة، كما كانت تدعو وتدرس العلوم المادية الحديثة، وتطالب الدولة بإيقاف وحظر الأمور الشاذة، وجمعية رابطة العلماء برئاسة الشيخ أبي الخير الميداني، وكان لها مواقف كثيرة في هذا الصدد، ماذا يملك العلماء أن يفعلوا أكثر من ذلك؟!

 

الوضع اليوم مؤلم، ولكن لا يأس؛ لأن قوة الإسلام ذاتية، وهذه العقيدة هي التي كانت دائمًا تنتشل المسلمين من كل حضيض وصلوا إليه، لتصل بهم إلى ذرى الحضارة!


أعود مرة أخرى لأقول: إن هجمة الاستعمار بكل أسلحته كانت أقوى من أن يُتصدى لها، كان من جملة شروط (غورو) التي طالب بها السوريين إلغاء التعامل بالذهب والفضة، واستخدام العملة الورقية، وهكذا سحبت الثروة الحقيقية من أيدي الناس، وحل محلها مجرد ورق، ثم إن فرنسا بدأت ترسل بعثات انتقائية من أشخاص لمست لديهم الاستعداد للعودة بأفكار الغرب، وأنصح هنا بقراءة كتاب: (حاضر اللغة العربية في بلاد الشام) للأستاذ سعيد الأفغاني، الذي تحدث عن دور العلماء في المحافظة على الوطن والأخلاق، والدين واللغة، ورسالة: (الطريق إلى ثقافتنا) لمحمود شاكر، الذي فضح المخططات من أيام (نابليون) إلى أيامه، وأيضًا كتاب: (مكتب عنبر) لظافر القاسمي، وأنت تعلم أن (مكتب عنبر) خَرَّج كبار الشخصيات الوطنية والعلمية، مثل: سعيد الأفغاني، وعلي الطنطاوي، وشكري فيصل، وغيرهم.

 

إذًا كانت الأمور قاهرة بهذا الشكل، ولم يكن بالإمكان السيطرة عليها؛ فهي الآن أخطر بكثير، بسبب تطور الاتصال، ووسائل الإعلام، ووجود الإنترنت، وهذا قد أوصلنا إلى أجيال فاقدة لهويتها، لا تعيش إلا للترفيه والتسلية وقتل الوقت، بينما الأمة تعيش أخطارًا تهدد وجودها بالكامل!


نعم، وأذكر لك مثالًا على ذلك، عندما دخل التلفزيون إلى سورية سنة 1960م كان صدمة لم يصمد أمامها إلا قلة، المرأة كانت تخلع سوارها وتعطيه لزوجها ليبيعه ويشتري بثمنه جهازًا، وأنت تعرف ماذا كان في أفلام الخمسينيات والستينيات، وربما بعد ذلك؛ من عُرْيٍ، وأفكار مريضة ومنحرفة، ثم تطورت الأمور نحو الأسوأ، كما تقول، في رأيي: أن الفقر أو القلة عندما أخرجا الأب والأم بعد ذلك من البيت للعمل لتأمين لقمة العيش، غاب المربي الحقيقي، حتى المساجد مرت فترة كانت فيها لكبار السن فقط، قبل أن يعود العلماء ويشتغلوا على الدعوة والتعليم الشرعي، ما ساهم في الصحوة الإسلامية وعودة الشباب إلى المساجد، الوضع اليوم مؤلم، ولكن لا يأس؛ لأن قوة الإسلام ذاتية في نفسه، والله قد تكفل بحفظه، وهذه العقيدة هي التي كانت دائمًا تنتشل المسلمين من كل حضيض وصلوا إليه عبر التاريخ، لتصل بهم إلى ذروة عالية من ذُرَى الحضارة.

مئذنة دار القرآن الصابونية

مئذنة دار القرآن الصابونية


عزف أكثر الناس عن القراءة والكِتاب والتأصيل العلمي والمعرفي، وحلَّ محل هذا ثقافةٌ تعتمد الترفيه والتسلية والاستهلاك وملاحقة الشهوات، إلى أي حد يُمَثِّلُ هذا خطرًا على الأمة؟ وما هو الحد الأدنى من العلوم والمعارف والثقافات التي يجب أن يمتلكها المسلم وهو يمارس حياته ويواجه صعوباتها ويؤدي عباداته التي يجب أن تكون صحيحة؟


تحدثت عن التلفزيون وما أحدثه من صدمة في بداية الستينيات، ودَعْنا نقوم بإحصاء ومسح لما عرض ويعرض عبر التلفزيون منذ تلك الفترة، ومن زمن الإعلام الرسمي الواحد إلى إعلام الفضائيات اليوم - وهو غير محدود، ولا يمكن السيطرة عليه.

 

حوالي خمسين سنة مرت وأكثر الذي يعرض هو الأفلام والمسلسلات، والأغاني والإعلانات التجارية، وأكثرها تحمل رسائل وأفكارًا وصورًا ومشاهد ومضامين منحرفة وغير أخلاقية، أضف إلى ذلك المجلات والروايات، والسينما والمسارح التجارية، ألا يكفي كل هذا لعملية غسل دماغ كاملة تعرضت لها الأجيال حتى وصلت إلى ما وصلت إليه.

 

وأعود لأقول: إن أكثر البعثات التي ذهبت إلى أوروبا منذ بدايات القرن العشرين وفي فترة الاستعمار وما بعدها - لم تؤدِّ الدور المطلوب في تقدم الأمة في العلوم؛ فللشرق تقاليده، وللغرب تقاليده، نحن هنا لا نتحدث عن مجرد تقاليد، ولكننا نتحدث عن قيم مستمدة من عقيدة الأمة، والأخلاق التي دعا إليها دينها من تاريخ طويل تكرَّسَت فيه هذه القيم في سلوك كل الناس، ربما وجد بعض الممارسات الخاطئة هنا وهناك، ولكن الأمر لا يستدعي أن ندخل في (لعبة) تحرير المرأة، التي عنَتْ بالنسبة إلينا سفورها واختلاطها بالرجال، وتبرجها، والتفاتها عن بيتها وتربية أطفالها، نحن لسنا ضد تعليم المرأة وتثقيفها، وأن يكون لها رأيها وأدوارها المتسقة مع طبيعتها، والإسلام عَظَّمَ المرأة وأعطاها من الحقوق ما لا يوجد حتى اليوم في كثير من بقاع الأرض، ولكن هذا شيء، وأن تتحول المرأة على غير طبيعتها التي فطرها الله عليها شيء آخر؛ فهذا ليس تحريرًا للمرأة بقدر ما هو انحراف عن الجادة.

 

خلال الخمسين سنة الأخيرة وصلت المرأة العربية إلى ما نراه اليوم عبر الفضائيات والإعلانات التجارية، وهُدمت ثقافة الأمة؛ لأن العقول مُلِئت بالشهوات وملاحقتها، بدلًا من الفضائل والسعي إلى البناء والنماء.

 

لماذا تدرَّس في بعض الجامعات العربية مناهج مؤلفة منذ أربعين أو خمسين عامًا، في حين أن عرض أزياء أو أغنية أو فيلم يصل إلينا من الغرب خلال دقائق؟! هل هذه هي الإفادة من الحضارة الغربية والانفتاح عليها؟

 

هم يقولون: إن مناهج العلم الحديثة تقوم على دراسات حديثة في التفكير الإيجابي، وحل المشكلات، وتكنيك التعليم عبر الحاسوب، بينما كان التعليم السابق يعتمد على الحفظ والتلقين؟!


انظر إلى ما آل إليه التعليم، تجد أن هذا الكلام غير صحيح، أولًا هناك نظام للنجاح في المرحلة الابتدائية في أكثر البلاد العربية يعتمد النجاح التلقائي بغض النظر عن تحصيل الطالب، تحت شعار: أن التعليم حق للجميع في المرحلة الابتدائية، عندما كنت طالبًا كان مستوى مناهج اللغة العربية في الشهادة الابتدائية يعادل ما يتعلمه الناس اليوم في المرحلة الثانوية، وفي المرحلة الإعدادية (نهاية الصف التاسع) كان منهاج مادة التشريح يتألف من حوالي 400 صفحة، وقد يفوق ما يتعلمه طلاب الصف الأول في كليات الطب والعلوم اليوم، يقول رئيس مجمع اللغة العربية في مصر د. شوقي ضيف في مذكراته: إنه لا يمكن أن نرقى بطالبنا إلى المستوى المطلوب دون عودة إلى المناهج السابقة، وطريقة التعليم السابقة، مع الاستفادة من الأساليب الحديثة.

 

صحن جامع التوبة بدمشق

صحن جامع التوبة بدمشق


هل تريد أن تعود بنا إلى عهد (الكتاتيب)؟

أنت تضحك، شوقي ضيف نفسه يقول: لا بد من العودة إلى مناهج الكتاتيب؛ للمحافظة على اللغة العربية، ولكن ما هو الكتَّاب؟ في مرحلة ما قبل المدرسة وحتى سن العاشرة كان الأطفال يتعلمون على يد شيخ القراءة بالعربية، ثم حفظ القرآن الكريم، كثيرون كانوا يحفظون القرآن كاملًا خلال هذه الفترة، وبغض النظر عن الجانب الديني والإيماني، هل تعرف ماذا يعني أن ينجز عقل في العاشرة من عمره حفظ القرآن الكريم، وأي تدريب مارسه هذا العقل، وأي مخزون لغوي وقيمي وأخلاقي استطاع أن يحصل عليه؟ المشكلة أن هؤلاء العباقرة الذين يدعون إلى تجاوز التعليم (التقليدي) إلى الأساليب الحديثة، هم أنفسهم أبناء هذه الكتاتيب والتعليم التقليدي، فكيف تفتَّقت عبقرياتهم وتحوَّلوا إلى مُنَظِّرين وموجهين ومخططين للتعليم، وهم أبناء ما يقولون: إنه يقتل التفكير الحر والإبداع؟!

 

ربما أنتم تتكلمون من واقع اختصاصكم في العلوم العربية والشرعية، ولكن الأمر مختلف بالنسبة للعلوم الحديثة، يعني ليس من الضروري أن نعرف من هو أبو تمام والمعري والبحتري، وما هي (رسالة الغفران) و(الأدب الكبير) و(عيون الأخبار) لنعيش في القرن الحادي والعشرين؟!


أولًا: لا تتكامل الحضارات بدون تكامل المعارف العلمية والأدبية، والتاريخية والفلسفية، وها هي أوروبا، واقعها يشهد بذلك.

ثانيًا: اللغة والتاريخ والأدب هو المخزن القيمي والحضاري للأمة وهويتها، شعوب العالم المتقدمة اليوم تحرص على تدريس لغتها وتاريخها، بل وتدريس حتى العلوم المادية بلغتها الأم، فلماذا لا نحذو حذوهم؟

 

نعود إلى العزوف عن القراءة والكتاب، هناك من يقول: إن الحاسوب والإنترنت قد حلَّا محل الكتاب الورقي، حتى المجلة والصحيفة صارت تقرأ عبر الإنترنت، ما رأيكم في هذا؟


العزوف عن القراءة والإقبال على الإنترنت: وجهان لعملة واحدة، هي الهروب من العلم والتعليم والثقافة الراقية، والإقبال على اللهو والتسلية والترفيه وقتل الوقت بالمؤذي والضار، ماذا يفيد الشباب اليوم من الإنترنت؟ المحادثة والمراسلة، وتبادل النكات والطرائف والصور، والاستماع إلى الأغاني وغيرها، بدلًا من الاستفادة العلمية والتوجيهية، ليست المشكلة في وسيلة التعليم، وإنما في الإقبال على التعليم، وهذا قد وُئِدَتْ حوافزه للأسباب سابقة الذِّكر.

 

وما الحل؟ يبدو أن لا مفر؟

الحل يبدأ من البيت، لا بد من إشراف الأب والأم المباشر والدائم على تربية الطفل، وتنشئة الفتى، وزرع قيم الالتزام، وحب التعلم والعمل والبناء، وسأقول كلمة لكل الآباء والأمهات، وأرجو أن ينتبهوا إليها ويذكروني بها: (من سيعتمد على المدرسة فقط، لن يربي أولاده)، المدرسة في حسن الأحوال تقدم العلم مع قليل من التوجيه، التربية السلوكية والأخلاقية والقيمية لا تكون إلا في البيت، وبإشراف الأب والأم، وعندما يكون هذان الأخيران قدوة محبوبة غير منفِّرة.

 

وما الحد الأدنى الذي يجب أن يحصِّله كل مسلم اليوم من معارف حتى يفوز بدنياه وآخرته؟

لنقل أولًا: إن هناك ما يسمى بالثقافة العامة، وهي الإحاطة من كل علم بطرف، لنسأل أحد خريجي الجامعات اليوم عن كلمات مثل: (أستراليا - البروتستانت - المعتزلة - محاكم التفتيش - الحرب العالمية الأولى والثانية - الجرثوم والفيروس - المجرات - الثقوب السوداء - النسبية - توقيت غرينتش - العصر الأموي والعباسي - هجمات التتار - حروب الفرنجة - المماليك - صلاح الدين - قطز - بسمارك - عمر المختار - السنوسية - أسباب النزول في القرآن - الناسخ والمنسوخ - الحديث الصحيح والضعيف - الحديث الموضوع - غزوة تبوك - موقعة حطين - بلاط الشهداء - طرق انتقال مرض الإيدز - التهاب الكبد الوبائي - الحموضة والقلوية في السوائل - الربع الخالي - البحر الأسود - مضيق جبل طارق - الأكراد - المشكلة اليهودية - ماركس وآنجلز - نظرية التطور - أفلاطون - الغزالي - ابن تيمية - شكسبير - ابن طفيل - الموجات الصوتية - طبيعة الضوء - تركيب الذرة - مفهوم المادة).

 

أنا لم أتوغل في أي اختصاص، ومن يعش اليوم وليس لديه أفكار قليلة عن كل كلمة وردت في السابق، فهو جاهل ومقصر في حق نفسه، وأمته، ودِينه.

 

الثقافة التخصصية: لا بد لكل منا أن يتخصص في فرع من فروع العلوم، وأن يتقنه ويجيد فيه، وهذا من فروض الكفايات، فتقصير الناس في هذا الصدد يأثم به جميع أفراد الأمة.

 

الثقافة الدينية أو الشرعية: هناك ما يسمى (المعلوم من الدين بالضرورة)؛ أي: ما لا تصلح حياة المسلم إلا به، وهو عقيدة صحيحة، وفِقْهُ ما يلزم من عبادات، والإلمام بفقه المعاملات، والحلال والحرام، ثم لا بد من الإلمام بقيم الإسلام وآدابه وأخلاقه، كَتَبَ ابن المقفع يومًا كتابين: (الأدب الصغير)، وهو يتحدث عن تعامل الناس فيما بينهم، و(الأدب الكبير) وهو يتحدث عن التعامل مع الحكام؛ فهما من الكتب الأدبية، وهما أعلى من المستوى المعرفي واللغوي الدارج، هناك كتاب (تعريف عام بدين الإسلام) لعلي الطنطاوي، و(خلق المسلم) لمحمد الغزالي، و(من أدب الإسلام) لعبدالفتاح أبو غدة، و(السيرة النبوية.. دروس وعبر) لمصطفى السباعي، هذه كلها كتب لطيفة ومعاصرة وملمة بكل التفاصيل الضرورية لكل مسلم، ولكن الأهم من الكتب: هو التعليم والتربية على يد الأب والأم والمربي، شروط الطهارة الكاملة يتعلمها الطفل في بيته، لا من الكتب، وأنا اليوم أخشى أن يكون كثيرون من المصلين يفتقرون لهذه الشروط، الأب عندما يأخذ ابنه ويزور أقرباءه يعلمه صلة الرحم، الأب عندما يتصدق ويزكي أمام ابنه يعلِّمه ويعوِّده على الصدقة والزكاة، كان آباؤنا يحرصون على تعليمنا وتعويدنا على التيامن في المأكل والمشرب والملبس، فلماذا لا يهتم الآباء بهذه المُثُل والأخلاق في تعليم أولادهم؟!

 

عرفتم في التأليف بكتب التراجم والمشيخات وتاريخ المدارس العلمية وتاريخ مدينة دمشق، بالإضافة إلى تحقيق بعض كتب التراث وفهرسة المخطوطات، وقد أنجزتم إنجازًا كبيرًا وضخمًا، لكم أن تحمدوا الله عليه، ما الذي يمكن أن تقوله للأجيال الحاضرة عن أهمية هذه المجالات؟ وما الذي يفيدونه من الاطلاع عليها؟

عرفتم في التأليف بكتب التراجم والمشيخات وتاريخ المدارس العلمية وتاريخ مدينة دمشق، بالإضافة إلى تحقيق بعض كتب التراث وفهرسة المخطوطات، وقد أنجزتم إنجازًا كبيرًا وضخمًا، لكم أن تحمدوا الله عليه، ما الذي يمكن أن تقوله للأجيال الحاضرة عن أهمية هذه المجالات؟ وما الذي يفيدونه من الاطلاع عليها؟


للأمة الإسلامية حضارة كبيرة، ذات خصائص، منها: أنها ذاتية نابعة من أصولها؛ أي: عن أصول الأمة العربية، ثم ما أضاف إليها الإسلام من معانٍ وأبعاد معرفية وسلوكية وقيمية خالدة.

 

لقد اختص الله عز وجل هذه الأمة: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110] بخصائص كثيرة، منها: حفظ القرآن الكريم؛ إذ لا نجد في أي أمة أخرى أو ديانة من الديانات، كتابًا يُحفظ بهذه الكثرة والجودة المتقنة، ولا نجد أمة يَحفظ فيها كتابَها الصغيرُ والشاب والكهل والشيخ والعجوز، وقد حفظت أمتنا القرآن الكريم سالمًا دون تحريف أو تبديل، ومنها: حفظ السنَّة الشريفة بالإسناد، وكذلك الإنتاج المعرفي من علوم الشريعة وغيرها، وذلك قبل انتشار الكتابة وبعدها، (أمثال ذلك تاريخ الطبري وصل إلينا مُسْنَدًا).

 

من هنا ظهرت المشيخات؛ ليتعرف كل طالب على ما أخذ شيخه من العلوم عن شيوخه، وهذا يعني أن المشيخات هي بمثابة التاريخ العلمي للأمة، وبها يمكن التعرف إلى العلوم المختلفة وتطورها، وكيف تم تلقيها وانتقالها من جيل إلى جيل، وهذا لا يقتصر فقط على القرآن الكريم، والسنَّة النبوية، بل يشمل كل العلوم والإنتاج المعرفي؛ من كتب التاريخ والأدب والنحو والصرف والفيزياء والرياضيات والفلَك؛ فكل هذه العلوم ومؤلفاتها انتقلت إلينا عبر طبقة بعد طبقة، وكل كتاب يمكن التعرف إلى تاريخه من خلال هذه المشيخات، وكذلك من خلال السماعات على الكتب المخطوطة التي قرأها الطلبة على شيوخهم.

 

ألا ترون أن هذا الموضوع متخصص جدًّا يكاد لا يفيد منه القارئ العادي؟!

ألا ترون أن هذا الموضوع متخصص جدًّا يكاد لا يفيد منه القارئ العادي؟!


يمكن للقارئ العادي أن يتعرف في كتب المشيخات على أعلام الرجال وأخلاقهم وسلوكهم وإصرارهم وحرصهم على طلب العلم، وبهذا يكتسب قدوات صالحة في حياته؛ فهؤلاء الأعلام هم صُنَّاع الحضارة التي ما زلنا نتفاخر بها حتى الآن.

 

شاركتم بصورة رئيسة في تأليف موسوعة (تاريخ علماء دمشق)، بالإضافة إلى تأليفكم لكتب هامة عن ضياء الدين المقدسي وابن عساكر وغيرهما، لا أسأل هنا عن القيمة العلمية لكتب التراجم للمتخصصين؛ فهذا أمره واضح وجلي، ولكنني أريد معرفة ما الذي يفيد القارئ العادي من هذه الكتب؟


أولًا وقبل الحديث عن فوائد كتب التراجم للقراء العاديين، يجب القول: إن كتب التراجم ذات قيمة كبيرة فيما يسمى بـ (علم الجرح والتعديل)، وهو العلم الذي يحدد مدى مصداقية الرجل الناقل للخبر، سواء أكان حديثًا نبويًّا أم خبرًا تاريخيًّا أم قصيدة شعرية أم غيرها، هنا لا بد من العلم بترجمة الرجل وأخباره، ومن اجتمع بهم، وعمن أخذ، ولمن أعطى، من هنا تمثِّل كتب التراجم قاعدة أساسية للحكم على صحة المنقول، ونحن نقول: إننا - أمة الإسلام - نفخر بأننا أمة إسناد؛ أي: أمة تأخذ علومها وتاريخها ودينها عبر طبقات وسلاسل من الرجال المعلومين بكل دقائق حياتهم، والتراجم: تراجم للرجال والنساء؛ فـ: ((النساء شقائق الرجال))؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شارك النساء في الرواية والنقل كما شارك الرجال، وفي هذا مفخرة للأمة الإسلامية التي اعترفت بالمرأة وقدرها ودورها قبل لوثة ما يسمى بـ: تحرير المرأة، الوافدة من الغرب بقرون.

 

أما الذي يفيد القراء من كتب التراجم، فالتراجم هي سير رجال ونساء الأمة العِظام، وبالتالي هي مناهج عظيمة في الحياة والسلوك والقيم والإنتاج، وجميعنا بحاجة إلى هذه المناهج، ثم إننا من خلال التراجم يمكن التعرف إلى التاريخ بأحداثه وأخباره كما عاشها الأشخاص المُترجَم لهم، والتعرف إلى نقاط القوة والضعف في كل عصر من العصور؛ علميًّا وسياسيًّا، واقتصاديًّا واجتماعيًّا، والتاريخ هو مجموع تجارب من سبقنا، وبالتالي يمكن فهم الواقع من خلال ما أدى إليه، ويمكن تجنب العثرات التي مر بها من سبقنا، والإفادة من التجارب الناجحة والمنتجة، وهذا لازم لكل إنسان.

 

العزوف عن القراءة والإقبال على الإنترنت: وجهان لعملة واحدة، هي: الهروب من العلم والتعليم والثقافة الراقية، والإقبال على اللهو والتسلية والترفيه وقتل الوقت.


هل لكم أن تحدثونا عن موسوعة (تاريخ علماء دمشق) وهي تقع في عدة مجلدات؟

عملت أنا والدكتور نزار أباظة على هذا المشروع الضخم الذي يغطي أربعة قرون هجرية، من الحادي عشر إلى الرابع عشر، والقرون الثلاثة الأولى منها تترجم لعلماء وأعيان دمشق، في حين أن القرن الرابع عشر يمثل الحياة الدينية في دمشق (أعلام العلوم الشرعية واللغوية العربية)، وقد استطعنا - بفضل الله - أن ندخُلَ إلى حياة هؤلاء، وما قدموه للأمة، والكتاب (الموسوعة) مرآة للحياة العلمية والاجتماعية في مدينة دمشق على امتداد أربعة قرون.

 

كتبتم في التراجم كتبًا أخرى، نذكر منها: (الحافظ ابن عساكر)، و(التنويه والتبيين في سيرة الحافظ ضياء الدين)، هل لكم أن تحدثونا عن سبب اختياركم لهذين الرجلين؟


ابن عساكر كان أكبرَ حافظ في عصره، وقد كتب عمله الضخم: (تاريخ ابن عساكر) في حوالي الثمانين مجلدًا على طريقة المحدثين؛ أي: بالسند، والحقيقة أن هذا التاريخ يُمثِّلُ الحضارة العربية والإسلامية حتى القرن السادس الهجري، ومع كثرة الدراسات التي تناولت ابن عساكر رأيت أن أضع كتابًا أجمع فيه كل ما يتصل بهذا الرجل العظيم: حياته - أسرته - شيوخه - تلاميذه - وما كتبه، وقائمة بمن كتب عنه؛ ليكون مرجعًا جامعًا ولطيفًا في الوقت نفسه حول هذا الرجل العظيم، يفيد منه المختص والقارئ العادي.

 

أما الضياء المقدسي فقد عاش في أواخر القرن السادس الهجري إلى حوالي منتصف القرن السابع الهجري، وهو يُعَدُّ من أهم حُفَّاظ القرن السابع، وهو يُمَثِّل (المقادسة) الذين هاجروا من بيت المقدس وما حولها إلى صالحية دمشق في أواخر القرن السادس، وحياتهم العلمية، وقد كان للضياء دور هام في حفظ العلوم في تلك المدة.

 

يمثل (التحقيق) مساحة هامة من اهتماكم، هل لكم أن تحدثونا عنه؟


كان للتوجيه الكبير من أساتذتي في الجامعة، ومنهم د. شكري فيصل والأستاذ سعيد الأفغاني والأستاذ أحمد راتب النفَّاخ، دور كبير في اندفاعي نحو التحقيق، وبناءً على الحقيقة التي تقول: إن التراث ليس مجرد تاريخ وانتهى، وإنما هو قاعدة لفهم الحاضر والإفادة منه للمستقبل، وهذا بالطبع لا ينطبق على كل التراث؛ فمنه ما هو هام، ولا بد من إحيائه والتفاعل معه، ومنه ما لا استفادة منه، أوروبا في نهضتها الحديثة أفادت من تراث العرب أكثر ما أفاد العرب أنفسهم من تراثهم في تلك الفترة، وما يزال مفكروهم يفيدون من كتابات ابن عربي وابن خلدون والرازي وغيرهم، وفي العصر العباسي نجد أن الحضارة الإسلامية قامت على تمثل كل الثقافات التي كانت موجودة لدى الأمم الأخرى بعد صهرها مع المعارف الإسلامية والعربية، وتطويرها بأدوات بحث وملاحظة وتجريب مرموقة، وهذا بشهادة الغربيين أنفسهم، خذ عندك مثلًا كتاب (الحيوان) للجاحظ؛ فقد اعتمد بصورة رئيسة على كتاب (أرسطو) في الحيوان، ثم أضاف إليه ما توصل العرب والمسلمون إليه من ملاحظات وخبرات تراكمت عن أنواع الحيوانات، بالإضافة إلى اللغة والأدب والتاريخ؛ ما جعل الكتاب موسوعة علمية وأدبية شاملة، وتمثل كل المنجز العلمي في هذا المجال لتلك الفترة.

 

التراث يُمثل تاريخ الأمة ومخزنها الحضاري والعلمي والقيمي، ولا يمكن لأمة أن تعيش دون هذا التاريخ والمخزون اللذين يمثلان روح الأصالة فيها، ولكننا اليوم نرى إعراضًا كبيرًا عن التراث بحيث لم يبقَ إلا للمتخصصين؟!


الإعراض ليس فقط عن التراث، وإنما عن القراءة الجادة بشكل عام، وهنا تظهر مشكلة اللغة العربية عند أكثر الناس، وهذا يحول دون اتصالهم بكتب التراث، ولكن يجب أن نؤكد هنا أن التراث يُمثل تاريخ الأمة ومخزونها الحضاري والعلمي والقيمي، ولا يمكن لأمة أن تعيش دون هذا التاريخ والمخزون اللذين يمثلان روح الأصالة فيها.

 

وعن عملكم في التحقيق؟

بدأت التحقيق مع تاريخ ابن عساكر عندما عملنا لتحقيق هذا العمل الضخم في مجمع اللغة العربية في دمشق بإشراف الدكتور شكري فيصل، ثم عملت في تحقيق بعض مجالس ابن عساكر التي أملاها في جامع دمشق، ثم انطلقت في مجالات أخرى؛ في الحديث النبوي، وفي الفقه الحنفي، وفي أصول الفقه، وفي الفلسفة الصوفية، ولم أخرج عن اختصاصي في اللغة العربية والعلوم الشرعية والتاريخ؛ حيث إنني أعتقد أنه لا يجوز لأحد أن يحقق عملًا إلا في دائرة اختصاصه.

 

كان لكم دور في فهرسة المخطوطات، هل لكم أن تحدثونا عنه؟

كنت قد تلقيت دورة موسَّعة في المخطوطات وفهرستها وجميع ما يتصل بها في معهد المخطوطات العربية، وقد أقيمت في بغداد، وحصلت على أول شهادة دبلوم في المخطوطات في سورية؛ فاشتغلت أولًا على فهرسة مخطوطات الفقه الحنفي في المكتبة الظاهرية (المكتبة الوطنية العامة في دمشق في تلك الفترة)، وصدرت هذه الفهرسة في جزأين عن مجمع اللغة العربية، ثم قمت مع الأستاذ صلاح الخيمي بفهرسة عامة لمخطوطات (الظاهرية)، التي تحوَّلت فيما بعد إلى مكتبة الأسد.

 

يتضح من مؤلفاتكم أنكم عنيتم عناية خاصة بتاريخ دمشق، هل لكم أن تحدثونا عن هذا الجانب؟

كل أعمالي تقريبًا في التراجم وتاريخ المدارس العلمية محصورة في مدينة دمشق، وفي الفترة الأخيرة ظهرت لي دراسة: (في ربوع دمشق)، وهي شاملة عن دمشق وفضائلها وتاريخها وتاريخ الجامع الأموي وفضائله وأهم الأحداث التي مرت على المدينة، بالإضافة إلى أعلامها الكبار، وصناعاتها، والحسبة فيها، وعاداتها وتقاليدها، وما إلى ذلك.

 

من هنا يمكن أن ندلف إلى تاريخ المدارس العلمية في مدينة دمشق، وقد استأثرت بقسم كبير من اهتمامكم، ما القيمة العلمية لمثل هذه الدراسات اليوم؟

كانت دمشق سبَّاقة في تأسيس المدارس العلمية، وهي كثيرة ومتنوعة، وكانت تغطي جميع أنواع العلوم والمعارف، كما أن طلابها كانوا من الكثرة بحيث قد تتعجب كيف كانت إدارتها تتم بشكل منسق ومنظم، كانت هناك دور للقرآن ودور للحديث، ومدارس للفقه ولغيره من العلوم الشرعية وغير العلوم الشرعية؛ كمدارس الطب، وكانت هناك (خانقاهات) التصوف والرُّبُط، ومنها للنساء، ومن أشهرها: (الرباط الناصري) في جبل قاسيون.

 

وكان لأهل دمشق - من أمراء وتجار وأعيان وأغنياء وعلماء - دور كبير في تأسيس هذه المدارس، وكان للمقادسة الذين استوطنوا الصالحية أيضًا دور كبير في تأسيسها، وأغلب مدارس المقادسة كانت محصورة في تعليم علوم القرآن والفقه الحنبلي، وكانت هذه المدارس مقصودة من شرق الأرض وغربها، وقد تحوَّل خريجوها إلى علماء كبار انتشروا في الأرض، ولا ننسَ أيضًا هنا مدارس النساء.

 

لذلك أردت أن أعطي دراسة شاملة عن بعض هذه المدارس، وهي تُقدر بالمئات، بدأت بالجامع الأموي، ثم المدرسة العمرية، ودار الحديث الأشرفية الجوانية، وجامع الحنابلة و(الخانقاة) السميساطية، ودار الحديث الضيائية، ودار الحديث النورية، ودار الحديث السكرية، وصدرت أيضًا دراستان عن دور القرآن في دمشق، ودور الحديث في دمشق، وتحت الإعداد دراسات أخرى، منها: دراسة عن جامع التوبة، ودراسة عن المدرسة البادرائية.

هل يمكن اعتبار هذه الدراسات خاصة بمدينة دمشق والدمشقيين؟

لم تكن دمشق معزولة عن العالم العربي الإسلامي، وكما أشرت، فقد تخرَّجَ في هذه المدارس علماء انتشروا في كل البلاد الإسلامية، والدراسات التي قمت بها موسعة، يزيد الكثير منها عن 400 صفحة، وأنا أقول هذا لأبين مدى شمولية هذه الدراسات التي كانت تتحدث عن المدارس وتاريخ بنائها ووقفياتها وترجمة واقفيها وشيوخها ومدرسيها، وكل ذلك معتمد على الوثائق والمخطوطات والسماعات التي تمت في هذه المدارس.

 

لذلك، فإن كل قارئ للعربية يمكن أن يفيد من هذه الدراسات بالاطلاع على تاريخ الحركات العلمية لهذه المدارس، وكيف أن المجتمع بقادته وأمرائه وأغنيائه كانوا يبذلون الغالي والنفيس من أجل قيام هذه المدارس؛ فالطلاب والأساتذة كانوا مكتفين تمامًا في كل حاجاتهم، والذي يدرس وقفية كل مدرسة من هذه المدارس يدهشه الاهتمام بكل صغيرة وكبيرة لإرضاء الطالب والشيخ.

 

كان المجتمع إذًا يقدر العلم والعلماء ماديًّا ومعنويًّا؟

نعم، وقد كان هذا سببًا لظهور الحضارة العلمية العظيمة للأمة الإسلامية، من هنا يجب القول: إن تاريخ هذه المدارس يُعَلمنا الكثير عن طرق استعادة تلك الذورة الحضارية، وما تجدر الإشارة إليه هنا تلك المعايشة بين التلميذ وأستاذه في تلك المدارس، ما يجعل التلميذ لا يأخذ العلم فقط عن شيخه، وإنما يأخذ معه القيم والصدق والوفاء والأمانة، من هنا كان التلميذ نسخة تابعة علميًّا وأخلاقيًّا لشيخه، مع كل إمكانات التطور والتطوير.

 

أيضًا أحب أن أشير إلى حقيقة أن القرون الأربعة من السادس إلى العاشر الهجري في دمشق لم تكن فيها طبقية تعزل الناس عن بعضها البعض، فعندما طلب نور الدين من العلماء بث روح الجهاد ضد الصليبيين كانت جميع الطبقات يدًا واحدة، كما خرج الآلاف من مدينة دمشق على اختلاف مستوياتهم ليقاتلوا مع قطز في عين جالوت، وباختصار فإن تاريخ هذه المدارس يعكس قصة حضارة الإسلام من كل وجوهها؛ العلمية والاقتصادية والاجتماعية.

 

شاركتم في إعداد (مصحف الشيخ مكتوم بن راشد) رحمه الله، هل لكم أن تحدثونا عن هذه المساهمة؟

عندما عُينت في دائرة الأوقاف في دبي التحقت بقسم المصحف الشريف، وكان المدير العام وبعض العلماء قد شكَّلوا لجنة لطباعة هذا المصحف، واخترت رئيسًا للجنة دبي في هذا المشروع، وقد امتازت هذه التجربة بأننا بدأنا حيث انتهى الآخرون، فعدنا إلى ما قام به الأزهر من طباعة (مصحف الملك فؤاد) وإلى (مصحف المدينة المنورة) الذي اعتمد على المصحف الصادر في دمشق عن الدار الشامية، وأضفنا المميزات التي تم اعتمادها من قبل اللجنة العليا لمشروع طباعة (مصحف الشيخ مكتوم)، وهي مؤلفة من كبار مشايخ القرَّاء في العالم الإسلامي من سوريا ومصر والمغرب والمدينة المنورة وموريتانيا، وهذه المميزات مذكورة في آخر المصحف لمن أراد أن يتعرف عليها، أما (لجنة دبي) فقد كانت مؤلفة من متخصصين في علوم القرآن والرسم والضبط، واستمر العمل لمدة 8 سنوات تقريبًا، ونحمد الله أنه قد خرج المصحف بحلة قشيبة، وطباعة أنيقة، وخط جميل يليق بكتاب الله، وصدر والحمد لله منذ الطبعة الأولى دون أي خطأ، وهذا قلما يحدث في طباعة المصاحف، والفضل لله.


 



[1] جرى الحوار في ذي الحجة 1431هـ/ ديسمبر 2009م، ونشر في جريدة البيان، ومجلة طيبة بدبي.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فضل العلم والعلماء
  • العربية لغة العلم
  • لا شيء بعد النبوة أفضل من نشر العلم
  • العلمانية ومشتقاتها
  • موت العلماء
  • الإيمان قبل العلم
  • تجارة العلماء
  • العلم والتعليم (1) فضل العلم والعلماء

مختارات من الشبكة

  • لماذا نكرر العلم؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • نصف العلم لطالب العلم: بحث في علم الفرائض يشتمل على فقه المواريث وحساب المواريث (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • طبيعة العلم من المنظور الإسلامي(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • نصائح مهمة للمبتدئين في طلب العلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في أهمية السؤال وآدابه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرف العلم وفضيلته في القرآن الكريم ودلالته الدينية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حث الطلاب على الجمع بين علم التفسير والحديث والفقه(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • العلم بالله تعالى (10) من آثار العلم بربوبية الله تعالى(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • ملخص كتاب: المجملات النافعات في مسائل العلم والتقليد والإفتاء والاختلافات - الثاني: العلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • انطلاق دورة (العلم قوة العلم نجاح) للطلاب المسلمين في زينيتسا(مقالة - المسلمون في العالم)

 


تعليقات الزوار
1- مقال رائع
د.براء حافظ - الإمارات 07-09-2015 08:11 PM

جزاكم الله عنا كل خير يا دكتورنا الفاضل على هذا البحث المفيد والاضاءات الرائعة

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/12/1446هـ - الساعة: 22:18
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب