العامل العلمي وأثره في فكر الإمام ابن مفلح

العامل العلمي وأثره في فكر الإمام ابن مفلح

إن حروبًا استمرت قرنين من الزمن - هما القرنان السادس والسابع - وغزوًا استيطانيًّا مريعًا قد دمَّر دونما شك الكثير من الموروث الأدبي والعلمي والحضاري، ومع إطلالة القرن الثامن الهجري أدرك الأدباء والعلماء والمؤرِّخون العرب المسلمون أهمية الحفاظ على هذا التراث العلمي الإسلامي العظيم، فنهَدوا إلى تصنيف موسوعات كبرى وفنون علمية، حفاظًا عليه من الضياع والتبدُّد، وهكذا بدأ عصر الموسوعات والمتون العلمية والشروح على المتون، وهي السمات البارزة في النتاج الأدبي والعلمي خلال القرن الثامن الهجري، فأصبح هذا القرن قرنًا زاخرًا بالمؤلفات والتصانيف التي لا مثيلَ لها.

ونُورِد طرفًا من تلك المؤلفات:

أولاً: الموسوعات الكبرى، ومنها:

1- موسوعة "نهاية الأرب في فنون الأدب" لأحمد بن عبدالوهاب النويري القريشي (ت733هـ).

2- موسوعة "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" لأحمد بن يحيى بن فضل العمري (ت749هـ)، وقد طبعها بالتصوير المستعربُ التركي العلامة فؤاد سزكين في بضعة وعشرين مجلدًا.

ثانيًا: المتون العلمية المتخصصة، ومنها:

1- منظومة "الكافية البديعية في علوم البلاغة ومحاسب البديع" لصفي الدين الحلي (ت750هـ)، وهي منظومة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، تضم مائة وخمسة وأربعين بيتًا في البحر البسيط، وتشتمل على مائة وواحد وخمسين نوعًا من محاسن البديع.

2- منظومة "لوامع الأنوار في نظم غريب الموطأ وصحيح مسلم" لابن رضوان الموصلي محمد بن محمد بن عبدالكريم (ت 774هـ).

3- منظومة "نهج الرشاد في نظم الاعتقاد" ليوسف بن محمد العبادي العقيلي السرمري (ت 776هـ)، وهي أرجوزة في الفقه الحنبلي.

4- منظومة "أنيس الغريب وجليس الأريب"، وهي في غريب القرآن، نظمها: نصر الله أحمد بن محمد التستري البغدادي المعروف بالجلال البغدادي (733 - 812 هـ).

5- ألفية في الخط والكتابة، عنوانها: "العناية الربانية في الطريقة الشعبانية"، وألفية في النحو، عنوانها: "كفاية الغلام في إعراب الكلام"، وألفية في العَروض والقوافي، عنوانها: "الوجه الجميل في علم الخليل"، هذه الألفيات الثلاث نظمها زين الدين شعبان بن محمد الآثاري القرشي الموصلي مولدًا المصري مدفنًا (765 - 828هـ).

6- منظومة "إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد" لمحمد بن إبراهيم الأنصاري السنجاري الشهير بابن الأكفاني (ت 749 هـ)، نشرها الشيخ طاهر الجزائري - بيروت 1904.

7- ومن المتون المتخصصة في العربية:

"مغني اللبيب عن كتب الأعاريب"، و"أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك"، و"موقد الأذهان وموقظ الوسنان"، و"شذور الذهب في معرفة كلام العرب"، و"الإعراب عن قواعد الإعراب"، و"قطر الندى وبل والصدى"، و"اعتراض الشرط على الشرط"، و"إقامة الدليل على صحة التمثيل وفساد التأويل"، و"تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد"، و"الجامع الصغير في النحو"، و"شرح قصيدة بانت سعاد"، و"شرح اللمحة البدرية في علم اللغة العربية"، و"فوح الشذا بمسألة كذا"، و"مسألة الحكمة في تذكير قريب في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾" و"المسائل السفرية في النحو" و"مسائل في إعراب القرآن"، وكلها من تأليف الإمام العلامة: عبدالله بن يوسف بن أحمد الشهير بابن هشام (708 - 761هـ)، ومولده ووفاته بمصر.

8- "شرح ألفية ابن مالك" لابن عقيل عبدالله بن عبدالرحمن (ت 769 هـ)، وكان إمامًا في النحو والبلاغة، واشتهر - رحمه الله - بهذا الشرح.

ثالثًا: الموسوعات والتراجم والسير، ومنها:

1- "الوافي بالوفَيَات" لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (ت 776هـ).

2- "سير أعلام النبلاء" للإمام محمد بن أحمد الذهَبي (ت 748هـ).

3- "فوات الوفَيَات" لمحمد بن شاكر الكتبي (ت 764هـ).

4- "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" صنفها الحافظ يوسف المزي (ت742هـ) في أسماء رجال الحديث.

5- "البداية والنهاية" للإمام المفسر ابن كثير (ت774هـ).

6- "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر" لابن خلدون (732 - 808هـ).

رابعًا: كتب الطبقات:

1- طبقات الشافعية الكبرى لعبدالوهاب بن علي السبكي (ت771هـ).

2- طبقات الشافعية الصغرى للأسنوي (ت772هـ).

3- الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب لابن فرحون المالكي (ت799هـ) في تراجم المالكية.

4- الجواهر المضية في طبقات الحنفية لعبدالقادر بن أبي الوفاء القرشي الحنفي (ت775هـ).

5- الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب عبدالرحمن بن أحمد البغدادي (ت795هـ).

خامسًا: معاجم اللغة العربية:

1- "لسان العرب" لابن منظور الإفريقي التونسي (ت711هـ)، وهو من أضخم معاجم العربية، وملأه بالشواهد الشعرية مما لا مثيلَ له في بقية المعاجم السابقة.

2- "المصباح المنير" لأحمد بن محمد الفيومي (ت770هـ).

3- "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ت817هـ).

أثر هذا العامل على فكر الإمام ابن مفلح رحمه الله:

كل ما سبق من الموسوعات والمصنَّفات والمؤلَّفات وكتب التراجم وكتب اللغة، التي قام الباحث بسرد بعضها، جميعها أُلِّفت في القرن الثامن الهجري، مما يدل دلالةً واضحةً على الحركة العلمية والنشاط الذي ليس له مثيل، مما له الأثر الفعلي على تكوين الخلفية العلمية القوية لدى مؤلف الكتاب الإمام ابن مفلح - رحمه الله - فقد كان له العديد من المؤلفات النافعة، والمصنفات الجامعة، ذكر ابن كثير في تاريخه أن له شرحًا على المقنع في نحو ثلاثين مجلدًا، وعلى المحرر نحوًا من مجلدين، وله كتاب الفروع الذي اشتهر في الآفاق، وهو من أجلِّ كتب الحنابلة وأنفَسِها وأجمعها للفوائد، أورَد فيه من الفروع الغريبة ما بهر به العلماء[1]، وله كتاب في أصول الفقه، وهو كتاب جليل حذا حذو ابن الحاجب في مختصره، وفيه من النقول والفوائد ما لا يوجد في غيره، وليس للحنابلة أحسن منه[2]، والكتاب الذي بين أيدينا، وهو الآداب الشرعية والمنح المرعية، الذي طبع مؤخرًا في أربع مجلدات، كل هذه المصنفات تبين تأثر الإمام ابن مفلح - رحمه الله - بالحركة العلمية القوية التي كتب لها الازدهار في ذلك الزمن، بعد الحروب التترية التي تسبَّبت في فقدان كثير من العلوم الإسلامية بعد الهجمة التترية الهمجية على العراق وبلاد الشام.