• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة (المروءة والخلق والحياء)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تساؤلات وإجابات حول السنة
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأيام المعلومات وذكر الله (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    من تجاوز عن المعسر تجاوز الله عنه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الدرس التاسع عشر: الشرك (2)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحذر من استبدال الأدنى بالذي هو خير
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    خطبة: اغتنام عشر ذي الحجة خير الأيام
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    إعلام النبلاء بفضل العلم والعلماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تفسير: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    التحذير من الإسراف والتبذير
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    استحباب أخذ يد الصاحب عند التعليم والكلام والمشي
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    مفهوم الخصائص لغة واصطلاحا وبيان أقسامها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    خطبة: عشر ذي الحجة فضائل وأعمال
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    علام يقتل أحدكم أخاه؟! خطورة العين وسبل الوقاية ...
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أحكام القذف - دراسة فقهية - (WORD)
    شهد بنت علي بن صالح الذييب
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

الشباب المسلم والدراسات الإنسانية

الشباب المسلم والدراسات الإنسانية
د. محمد كمال الدين

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/3/2014 ميلادي - 7/5/1435 هجري

الزيارات: 9090

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشباب المسلم والدراسات الإنسانية


قد لفت انتباهي ما كتبه الشيخ محمد الغزالي في كتابيه "كتاب الأمة" و"مشكلات في طريق الحياة الإسلامية"، من أفكار وملاحظات، تَميَّز أكثرها بأنه عملي تطبيقي، مفيد على النحو الذي تَحتاج إليه الدعوة إلى الله في هذه المرحلة.

 

لفت انتباهي ما جاء تحت عنوان: "صور جديدة وعديدة للأعمال الصالحة" من دعوة الشباب المسلم إلى تحصيل علوم العصر والتفوق فيها، وتركيز كلِّ شابٍّ على الجانب الذي يَدرُسه ويعمل فيه، وألا يُضيِّع وقتَه في ما لا يُجديه في البحث في قضايا إسلامية خلافيَّة أو تفصيلية، تُتْرك في الأصل لأهل الاختصاص.

 

وقد انطلق الشيخ الغزالي في دعوتِه هذه من إحساسه بقيمة العلوم والفنون في بناء الحضارة الإسلاميَّة المنشودة، وفي انتصار الدعوة الإسلامية على غيرها من دعوات الباطل، حتى إنه قال في الصفحة (28):

"كثير من الشباب يَظنُّون التقوى بذْل وقت أكبر في القراءات الدينية، والأخذ بقَدْر يسير في شؤون الدنيا وعلوم الحياة، ولعمري إن الإسلام لا يكسب خيرًا من هذا المَسلك ولا تَنتصِر عقائده إذا كان أهله في بلاهة الهنود الحمر، وكان أعداؤه يَملِكون "مكوك الفضاء"، ثم نقَل عن ابن الجوزي - رحمه الله - قوله: "ينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يُمكِنه، فلو كان يتصوَّر للآدمي صعود السموات، لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض، ولو كانت النبوَّة تُحصَّل بالاجتهاد، رأيت المُقصِّر في تحصيلِها في حضيض".

 

ويُعلِّق الشيخ الغزالي بعد ذلك قائلاً:

"وابن الجوزي من علماء القرن السادي الهجري، لو رأى المسلمين الآن في عصر الفضاء ينظرون إلى غزاة الجوِّ ببلاهة، لحمل السوط وجلَد به الظهور، ولبرَّأ الإسلام من هذا الانتماء المخزي"، ثم نقل عن إمام الحرمين - رحمه الله - قوله: "فيمن يَسُد ثغرةً من ثغور المسلمين - ولو فُرض تعطيل فرض من فروض الكفايات - لعمَّ المأثمُ الكافة على اختلاف الرُّتبِ والدرجات، فالقائم به كافٍ نفسه وكافة المخاطَبين الحرج والعقاب، وآمل أفضل الثواب، ولا يهون قَدْرَ مَن يَحِل محلَّ المسلمين أجمعين في القيام لمهم من مهمات الدين".

 

تذكير بأهمية العلوم الإنسانيَّة:

والذي أريده في هذه السطور هو التأكيدُ على صواب ما دعا إليه الشيخ الغزالي، ثم التذكير بالعلوم الإنسانية وأهميَّتها للدعوة الإسلامية، وإن كان شيخنا رحمه الله، ما نسيها في كتابه، بل أشار اليها في الفصل الثاني منه، ومما قاله فيها:

والذي أقصِده هنا بالعلوم الإنسانيَّة هو كل الدراسات والعلوم التي تدرس الإنسان من حيث إنسانيَّته، وما يَنتُج عنها من آثار، وما يَكتنِفها من ظروف وبيئات، والتي تبني أمورها العملية التطبيقية على معرفة الإنسان وخصائصه وفعاليَّاته، وهكذا ينضوي تحت هذا العُنوان الكثير من العلوم والدراسات، والاقتصاد والإعلام والإدارة والسياسة، والجغرافيا والتاريخ والأديان واللغات والدراسات النقدية والأدبية، وعِلْم الأخلاق والقانون والفلسفة والصحافة، إلى غير ذلك مما لا نهدف إلى حصْره وإحصائه؛ كما نُلحِق بها الفنون: كالشعر، والقصة، والمقالة والمسرحية، وأدب الأطفال.. وذلك لاشتراك هذه الفنون مع تلك العلوم في موضوعها وغايتها الذي هو الإنسان، واتقاء للخلاف حول ما يُعتَبر منها عِلمًا، وما لا يعتبر؛ سوف تشير إلى كلِّ ما ذكرناه منها بقولنا "الدراسات الإنسانية".

 

والدارسات الإنسانيَّة نضعها هنا مقابل العلوم التي تبحث في الجوانب المادية، كالطب والهندسة والكيمياء والفيزياء والرياضيات والكهرباء والذرة والفضاء... إلخ.

 

دورها الخطير في عالم الأفكار:

وللدراسات الإنسانيَّة والسيطرة عليها دور خطير في نشْر أيَّة دعوة، وفي التثبيت لها، وكسْب الغَلَبة في المُعترَك البشري، والذي يُقنِعنا بدورها الخطير في نشْر الدعوات وانتصارها هو فَهْمنا لطَبيعتها ومادتها وغايتها، وما يمكن أن يَنبي عليها من أمور عمليَّة تطبيقيَّة على درجة عالية من الأهمية، ويؤكِّد قناعتنا هذه ما يَعرِفه الكثير منا عن الأهمية التي توليها للدعوات المُنتشِرة في العالم لهذه الدراسات الإنسانيَّة، وللجهود الكبيرة التي تبذُلها من أجل السيطرة على تلك الدراسات والقبض على مفاتيحها ودقَّة توجيهها؛ لأن مَن يُمسِك بها فكأنما هو مُمسِك بزِمام المسيرة الحضارية والتاريخية للبشر.

 

الحركة الصهيونية والدراسات التاريخية:

ولا يفوتنا أن نضرب مثلاً لذلك الحركة اليهوديَّة ودعوتها الصهيونية، فلقد أقنع اليهود العالم بما يَزعُمون لهم من حقٍّ في فلسطين، عندما سيطروا على الدراسات التاريخيَّة في الغرب، فكتبوا التاريخ وزوَّروا فيه ما اشتهوا، ثم حكَّموا التاريخ الذي كتبوه بأيديهم، فرأى الناسُ هناك أن التاريخَ مع اليهود، وملكوا زِمام تدريس التاريخ في جامعات الغرب، وعرفوا كيف يَغرِسون ما أرادوا في أذهان النُّخبة المثقَّفة ذات التأثير في المجتمع الغربي.

 

ولما رأى اليهود أن إفساد الناس في صالحهم، شجَّعوا كتابَهم وصنائعهم فأتوا بالأدب المُفسِد، وجاء أحدهم (فرويد) ففسَّر للناس كلَّ دوافعهم في ضوء الجنس والشهوة، ونفخت فيه أبواق دعايتهم، حتى امتدَّ أثرُه المفسد إلى الأدب والفنون فضلاً عن الدراسات النفسيَّة والتربوية، وغيرها مما تقوم عليه ثقافات الأمم، وتمَّ لليهود صَبْغ الحضارة الغربية بقذارة الجنس الهابط والشهوة الحيوانيَّة التي لا تُميِّز، وقادوا الناس من أنوفهم بعد أن جعلوا همَّهم في فروجهم.

 

الغزو الصليبي يعتمد الدراسات الإنسانية:

إن الدراسات الإنسانية التي نجح يهود - إلى حد كبير - من خلالها في الإمساك بزِمام الغرب وصُنْع آرائه ومواقفه من القضايا المطروحة في العالم بما يَخدُم مصالحهم، هذه الدراسات الإنسانية نفسها تُحاوِل الصليبية عن طريقها غزو عالمنا الإسلامي، فمنذ جلاء جيوش الصليب عن أرض الإسلام، اتَّجه الصليبيون إلى الدراسات الاستشراقية، حتى إنهم كتبوا لنا تاريخنا وبثُّوا فينا سمومَهم مستفيدين من معرفتهم بالثَّغرات القائمة في بُنياننا النفسي والفكري، وقادوا حملاتهم من خلال معرفتهم لنقاط الضَّعف والقوة فينا.

 

الدراسات الإنسانية تربي الشعوب وتَصوغ القناعات:

إن الدراسات الإنسانيَّة تسعى إلى فَهْم كلِّ شيء عن الإنسان، وآفاقها العمليَّة التطبيقية لا تُقدَّر قيمتُها بثمن، إنها تعلّم الإنسان كيف يُربِّي.. كيف يربي طفله، وكيف يربي شعبه، بل كيف تُربَّى البشرية كلها على ما يريد؟ إنها تُدرِّبه كيف يُحارِب أعداءه، وكيف ينشر الاضطراب فيهم، وكيف يُهيئ شعبًا كاملاً لقَبُول ما يريده هو لهذا الشعب، إن لم يكن لجعل هذا الشعب يرى في المصير الذي يُخطِّط له مطلبًا وأمنية، حتى ولو كان فيه موت هذا الشعب بأكمله بصورة من الصور.

 

والحق أن سطورًا معدودة كهذه لا تستطيع أن تُبيِّن خطرَ الدراسات الإنسانية وأهميتها للدعوة الإسلاميَّة، وقيمة تطبيقاتها في نشْر الدعوة والذود عنها غلبتها على ما سواها، والدعوة موجَّهة إلى المسلمين الذين آتاهم الله عِلمًا في هذه الدراسات أن يُبيِّن كل منهم آفاقَ العلم أو الفن الذي يُتقِنه للشباب المسلم، حتى يعرف هذا الشباب هذه الدراسات الإنسانية، ويُدرِك قدْرَها فلا يَعزِف عنها إلى ما هو أقل منها وزنًا وأهمية.

 

ما نطمح إليه:

نفوسنا تَطمَح إلى أن ترى دُعاةَ الحق وقد صاغوا الدراسات الإنسانية مُنطلِقين مما لديهم من حق أنزله الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم- ومستفيدين من الجهود البشريَّة الكبيرة التي قدّمت في الغرب والشرق، ونتَج عنها ما يعرف الآن بالعلوم الإنسانية، ثم مضيفين إليها من جُهْدهم وكدِّهم ومكملين لمسيرتها بأسلوبهم ونهجهم؛ ليتم لهم ما يُمكن تسميته بعلم النَّفْس الإسلامي، وعِلم التربية الإسلامية، والتاريخ الإسلامي، والاقتصاد الإسلامي، والإعلام الإسلامي إلى آخر هذه السلسلة، والحق أن العلوم الإنسانيَّة هي المجموعة من العلوم التي يُمكِن لها أن تكون إسلامية أو نصرانيَّة أو يهودية أو وثنيَّة، فهي مختلفة عن العلوم المادية حيث لا مجال في هذه الأخيرة لصبْغها بصبغة معيَّنة تؤثِّر في جوهرها.

 

وما دُمنا لا نَملِك حصوننا الثقافية، فإن أمتَنا ستبقى مُستباحة أمام الغزو الثقافي الجاهلي بكل أنواعه واتجاهاته، ولن يقوم مجتمعٌ مسلم دون ثقافة إسلاميَّة، ولن تَنشَط دعوة الإسلام وهي محرومة من خير الدراسات الإنسانية، بينما هذه الدراسات أسلحة فتَّاكة بأيدي أعدائها.

 

افتقار أمتنا إلى الماهرين في الدراسات الإنسانية:

أما المشكلة فتَظهر في افتقار أمتنا إلى الماهرين المُبدِعين في تلك العلوم والدراسات، وفي وجود ثغراتٍ في الدعوة الإسلامية ناجمة عن ذلك الافتقار.

 

وافتقارنا إلى علماء التاريخ المسلمين مثلاً ناجم عن أن شبابنا لا يَدرس التاريخ، وإن درسه فعن غير رغبة، ومَن رغب فيه فليمتَهِنه مهنة تدريسيَّة يَكسِب منها رزقه لا أكثر.

 

وفِقدان علم النفس الإسلامي والإعلام والاقتصاد الإسلامي وغيرها من الدراسات الإنسانية فِقدانًا شبه تامٍّ؛ يعود إلى صورة مماثِلة في موقف شبابنا المسلم تُجاه تلك العلوم والدراسات.

 

فالملاحظ أن شبابَنا المسلم عندما يَصِل أحدهم إلى عتبةِ الجامعة، وتَحين لحظة الاختيار فإنه يقول "الطب"، ومن لم يكن "فالهندسة" أو "الصيدلة" أو على الأقل "العلوم والفيزياء والرياضيات"، فهو يُعطي للعلوم والفروع المهنيَّة أهميتها المُتدرِّجة، كما يتدرَّج سُلَّم العلامات الذي تَطرَحه الجامعات كشرط لدخول هذا الفرع أو ذاك.

 

وهكذا تفوز كليات الطب والهندسة وما شابهها بكل من له تحصيل دراسي عالٍ، ويُتوقَّع له السير قُدُمًا في تحصيل العلم والشهادات لتَوفُّر الرغبة لديه في العلم والقدرة على الدرس والتحصيل، ولتَوفُّر الظروف العائلية والمعاشيَّة المساعدة على ذلك، أما الكليات التي تعتني بالدراسات الإنسانيَّة والأدبيَّة، فإنها تفوز بدورها بطلاب، الكثير منهم قد فرَّ إلى الآداب هربًا من الرياضيات أو الفيزياء أو غيرهما؛ أي إنهم في الأصل أناس يميلون إلى السهل الميسَّر الذي لا يحتاج إلى جُهْد شديد لبلوغه، وأحسن ما يُقال في وضْعهم: إن فيهم القليل الجاد القادر والراغب في إتقان ما يتعلَّمه، ومن هذا القليل أتى بعض مَن يُثلِج صدورَنا وجودهم من كتَّاب ومؤرِّخين وباحثين نفسيين واجتماعيين مسلمين على قلَّتهم، ومنهم أتى أساتذة ذوو مكانة وفضل.

 

والوجه الآخر للقضيَّة هو أن الكليات العلميَّة والمهنية كالطب والهندسة وغيرهما تَستقطِب الأغلبيةَ الساحقة من ذوي التحصيل الدراسي العالي، بمن فيهم من الشباب المسلم ذوي المواهب الخاصَّة التي تَلزَم للدراسات الإنسانية، فنرى طالب طب يهوى التاريخَ، وطالب هندسة يُحب الشعرَ وكتابته، وطالب صيدلة يَعشَق الفقه الإسلامي والتعمق فيه، وطالب كيمياء تَميل نفسه إلى الدراسات النفسيَّة.. وهكذا.

 

ومما يجدر بنا الانتباه إليه أن تلك الفئة من الشباب التي تجمع بين القدرة على التحصيل الدراسي العالي، والتمتع بمواهب وهوايات تدخل في إطار الدراسات الإنسانية هي الفئة التي يستطيع المرء أن يأمل منها أن تُقدِّم في هذا المجال شيئًا جديدًا نافعًا، إن درس كل منهم ما تهوى نفسه، وهؤلاء الشباب لا يُتوقَّع منهم أن يكونوا مدرسين في المدارس فحسب، بل ربما كان منهم المؤرخ المسلم، والأديب العالم باللغة العربية المسلم، والكاتب المجيد المسلم في القصة أو غيرها، ومنهم الشاعر المسلم المرموق، وعالم الاجتماع المسلم إلى غير ذلك مما تحتاجه أمَّة المسلمين في هذا العصر أشد الاحتياج.

 

فنحن لا نريد مدرسين للدراسات الإنسانية في المدارس الإعدادية والثانوية فحسب، فعمل هؤلاء وإن كان جوهريًّا وهامًّا لكنه لا يكفي؛ لأنه لا يجتاز بالأمة أكثر من مرحلة محو أمية في الدراسات الإنسانية، نحن نريد علماء كبارًا ومتخصصين على مستوى رفيع، وهذا لن يأتي إلا من موهوب آتاه الله القدرةَ على التحصيل العِلمي في كفاءة عالية يدرس ويتعلَّم في مجال موهبتِه، فيكون منه الإبداع الذي ما بعده إبداع.

 

الاتجاه إلى الدراسات العلميَّة التطبيقية دون مراعاة للمواهب والميول:

أما عندما يذهب الطلبةُ الموهوبون موفورو الذكاء إلى كليتي الطب والهندسة وما شابههما دون اعتبار لمواهبهم ورغبات نفوسهم، منساقين وراء الجانب المْهني الأكثر إغراء في هذه الفروع، عندها يصبح أحدهم مشتَّتًا بين واجباته الدراسيَّة في كليته ومقتضيات النجاح فيها من درس وتحصيل من جِهة، وموهبته التي يسعى لإرضائها بمطالعاته ونشاطاته الخاصة الفرديَّة من جِهة أخرى، وكلما تقدَّم في دراستِه الجامعية تبيَّن له أكثر أن الفرع الذي يَدرُسه يتطلَّب منه جُلَّ وقته إذا ما أراد الإتقان، لكنه إن أعطى وقتَه كله له ضاعت موهبتُه، وحُرِم متعة ممارستها، وإن أصرَّ على قسمةِ وقته بين كليَّته وهوايته (بقي لا هنا ولا هناك)، فالطبيب الذي يهوى التاريخ - مثلاً - سوف يستحيل عليه أن يكون طبيبًا ماهرًا ومؤرخًا بارعًا في آن واحد؛ إذ إن مطالعةَ بعض كتب التاريخ لا تصنع وحدها مؤرخًا وباحثًا، وهكذا تَخسر الأمة ذكاء هذا الشاب وموهبتَه وقدراتِه الإبداعية إلى حد كبير، فلا هو طبيب على المستوى لمطلوب، ولا هو مؤرخ يُحقِّق لدعوته ما تريد، بل هو ضائع ممزَّق بين هذا وذاك.

 

وعلى النحو السابق تَخسر الأمة الكثير من الموهوبين في المجالات الأخرى، ولعل من نافلة القول:

التأكيد على أن العصر الذي يجمع فيه إنسانٌ واحد بين الطب والفقه واللغة والفلسفة والتاريخ، فيكون عالمًا فيها جميعًا كما كان الأقدمون، إن ذلك العصر قد انتهى، وعصرنا الحالي عصر التخصص الفائق بسبب ضخامة العلوم وضيق الوقت، فيتوجَّب على الشاب المسلم أن يكون واعيًا لحاجات أمَّتِه، وأن يسعى إلى سدِّ ثغورها ما أمكنه بأن يتنبَّه لقدراتِه ومواهبه الخاصة ولنقاط ضعْفه ونقاط قوَّته، فيعمل على الوصول إلى الفرع الجامعي الذي يُحقِّق لمواهبه أن تظهر، وعندها يتمكَّن من الإبداع وسدِّ حاجة من حاجات الأمة.

 

ولسنا ندعو الشبابَ المسلم إلى العزوف عن الطب والهندسة والعلوم الكونيَّة، بل ندعوه ألا يَحرِم الأمة من موهبته ويَدفِنها هناك، وإلى أن يُدرِك أن كلاًّ مُيسَّر لما خُلِق له، والموهوبون على أية حال ليسوا أكثريَّة، وبالتالي فعدد من سيَعزِف عن المهن الطبية والهندسية وغيرهما لن يكون كبيرًا إذا ما وُفِّق شبابنا بين مواهبهم ومِهنهم، والملاحظ أنه على قدْر ما تفتقد أمتنا إلى المتخصصين في الدراسات الإنسانيَّة، فإنها تُعاني من الأعداد الكبيرة من الأطباء والمهندسين والصيادلة وغيرهم، الذين لولا الهجرة لجلس أكثرهم عاطلاً أو شبه عاطل عن العمل.

 

توجيه الشباب:

والواجب أيضًا يقع على المربِّين من آباء وأمهات ومعلمين في الحَذَر من أن يَغرِسوا في نفوس أطفال المسلمين منذ الصغر حُلْم أن يَكبَر أحدهم ليصبح طبيبًا أو مهندسًا، فلا يعود بعدها قادرًا على احترام أي مهنة غيرهما، وعلى المربين الاهتمام بتوجيه شباب الإسلام توجيهًا علميًّا ومِهنيًّا على أساس سليم، يَنطلِق من مصلحة الأمة وقدرات الشباب، لا من أي قيمة أخرى.

 

وفي الخِتام:

هناك ملاحظة حول اهتمام الشباب المسلم بالعلوم عامَّة كما دعا إلى ذلك الشيخ الغزالي، وهي أنه على الشباب المسلمين وهم يسعون إلى التخصُّصات العالية أن يكونوا حذرين؛ فلا تستهويهم التخصصات دون الانتباه إلى ما بعدها، هل سيُفرَض عليهم الاختصاص في مجال ما أن يبقوا في الغرب بمثابة لَبِنات في بنيانه؛ لأن تخصُّصهم ليس من النوع الذي يتوفَّر المجال له في واقع المسلمين الآن أم لا؟ أي على الشباب ألا ينسى واجبه بعد تخصُّصه نحو أمته ودعوته، والله من وراء القصد.

 

نشرت في: مجلة الأمة العدد التاسع والأربعون السنة الخامسة المحرم 1405هــ تشرين الأول (أكتوبر) 1984م





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشباب الذي نريده اليوم؟
  • داء التفاهة عند بعض الشباب
  • النهضة المرجوة... ودور الشباب
  • الشباب مستعد يعترف!!
  • رسالة للشباب المسلم
  • نصائح للشباب المسلم
  • المسلم والظواهر الكونية من استلهام قوانين التسخير إلى تفعيل آليات التسيير

مختارات من الشبكة

  • الشباب أمل الأمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مرحلة الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ماذا يصنع سن الشباب؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الشباب بين الطموح والواقع: كيف يواجه الجيل الجديد تحديات العصر؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • لقاءات دورية لحماية الشباب من المخاطر وتكريم حفظة القرآن بشبه جزيرة القرم(مقالة - المسلمون في العالم)
  • حوار مع الناقد الشاب محمد حماني، بعنوان: "تنمية النقد البناء لدى الشباب وأثره في تحصيلهم المعرفي"(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • شباب بدر وشبابنا (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • شبابنا وشبابهم(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي في البرازيل - ساوباولو - لجنة شباب الأمريكتين(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • أنشطة إسلامية في فعاليات كأس الندوة العالمية للشباب الإسلامي في البرازيل ( شباب مجتمعون للإسلام )(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب