• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: اشتداد المحن بداية الفرج
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: إن الله لا يحب المسرفين
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    فضل عشر ذي الحجة (خطبة)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة (المروءة والخلق والحياء)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تساؤلات وإجابات حول السنة
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    الأيام المعلومات وذكر الله (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    من تجاوز عن المعسر تجاوز الله عنه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الدرس التاسع عشر: الشرك (2)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحذر من استبدال الأدنى بالذي هو خير
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    خطبة: اغتنام عشر ذي الحجة خير الأيام
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    إعلام النبلاء بفضل العلم والعلماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تفسير: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    التحذير من الإسراف والتبذير
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    استحباب أخذ يد الصاحب عند التعليم والكلام والمشي
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    مفهوم الخصائص لغة واصطلاحا وبيان أقسامها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

سيدة من بلدي (قصة طويلة جدًّا)

عبدالعزيز السباعي صالح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/6/2009 ميلادي - 8/6/1430 هجري

الزيارات: 56619

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سيدة من بلدي (قصة طويلة جدًّا)
(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)

 

خرج من إحدى محطات "المترو"، في طريقه نحو مؤسسة كبرى؛ لإنجاز عمل نيط به مؤخَّرًا بصفة مؤقتة، يتفادى سيول السيارات المتدافِعة، وأمواج البَشَر المتزاحمة، تغدو وتروح، أكثر الناس تبدو عليهم أمارات الخِبْرة المُسْبَقَة باتجاهات السير ومواقف السيارات والأماكن الشهيرة، فيما يضطر بعضهم للسؤال عن نقابة المحامين، أو دار القضاء العالي، أو عن واحدة من كبريات المؤسسات الصحفية التي يصل بينها هذا الميدان، البعض الآخر يسأل عن مستشفى الجلاء، أو مركز الإسعاف الطبي، ويتحمس كثيرون لإرشاد السائل؛ طَمَعًا في الثواب ودعوات المستفسرين، أو لاستعراض المعارف والخبرات أمام الآخرين.

• في خِضَمِّ هذا الزِّحام وسط عاصمة المعز، وأسفل كوبري "6 أكتوبر"، لمحت عيناه امرأة تفترش الرصيف، لا يظلُّها إلا الهيكل المعدني لذلك المَعْلَم الشهير، ويدل مظهرُها المتَّسخ على إقامتها في هذا المكان ليل نهار، تسمَّرت قدماه، وقد تجسدتْ أمامه أزمات "المحروسة" في هذه السيدة المهملة، دار في ذهنه ألف خاطر وخاطر، ريثما وجد نفسه مضطرًّا لمواصَلة سيره؛ حتى لا يتخلَّف عن موعدِه، فيتعرض للَّوْم من صاحب العمل.

• تمضي الساعات ويعود إلى "المترو"، وفي الطريق يجد تلك السيدة قابعة، ما زالت تفترش الرصيف، وتلتحف بتراكمات شتَّى، خلَّفتْها عجلات السيارات وأثارتها أقدام المارة، يتوقف هنيهة يفكر في أمر هذه المسكينة؛ لكنه يضطر لإسراع الخُطى ليلحق بعمل آخر أجبرته على البحث عنه ضرورات الحياة.

دارت الأيام وعاد صاحبنا إلى "وسط البلد" مراتٍ ومرات، وفي كل مرة يتمنى ألاَّ يرى هذه السيدة، راجيًا أن تمتدَّ يدٌ طيبة إليها فتتعهدها بالرعاية، أو أن يريحها الله من هذا العذاب المقيم؛ فلم يكن يتخيَّل كيف تقضي سيدتُه حاجتها مثل باقي البشر وسط عيون المارة، وأضواء المركبات؟! وكيف لم يقضِ عليها رصاص عوادم السيارات وغبارها؟! وكيف يمرُّ عليها الناس ولا يفكرون في انتشالها من هذا الواقع الأليم؟! غير أنه في كلِّ مرة يراها: مرة تَغُط في نوم عميق، رغم هدير السيارات، وهتافات سائقي الميكروباصات، ونداءات الباعة الجائلين، وأخرى يراها تُقَلِّبُ في بعض معلبات المأكولات الجاهزة، وزجاجات المياه المعدنية الفارغة، التي يلقيها أصحاب السيارات الفارهة، وثالثة يراها تقضم لُقَيْماتٍ يابسة بلا إدام، وفي كل حالات صحوها لا تكفُّ يداها عن حكِّ كل جزء تطوله من جسدها.

• يدور كوكبُنا العامر حول نجمه المتوهج، فتتوالى الأيام، وتَتَتَابَع الفُصُول، وتتبدَّل أحوال الناس، وتبقى هذه السيدة في مكانها لا تبرحه، في الصباح وفي المساء، في هجير الصيف تحت قيظ الشمس الحارقة، وفي زمهرير الشتاء تحت زخات المطر، وكأنها باتت من معالم العاصمة التي تستعصي على الزوال؛ كأبي الهول والأهرامات، (ولا نقول تمثال رمسيس، أشهر معالم العاصمة، فقد غادر الميدان الذي حمل اسمه لنصف قرن).

• يحاول في كل مرة أن يتقصَّى أوضاع هذه السيدة، أو يبحث لها عن حل، بيد أنه يجبر نفسه على إرجاء ذلك للمرة القادمة، فيمرُّ عليها مرور العَجول، يرمقها بعينه، ويحثُّ قدميه على نهب الطريق ليلحق بعمله الثاني.

والحال هكذا لا يستطيع صاحبنا أن يعرج إلى وسط البلد خصيصًا ليعالج أمر هذه السيدة؛ فمثل هذا بات من مظاهر الترَف والرفاهية، بل من قبيل المستحيلات؛ لأنه مطالب بأن يعمل ويعمل، وينتقل من عمل إلى عمل، ولا يمكنه التوقُّف أو النظر إلى الخلف.

• ذات مرَّة، وقد سافر رفاقه في المسكن إلى بلدانهم الأصلية، وبقي هو وحيدًا يوم العطلة الرسمية، قفز إلى ذهنه مشهد المرأة المهملة التي تقطن أسفل الكوبري على مرمى حجر من كبريات المؤسسات الصحفية في الشرق الأوسط، ولا يفصلها سوى خطوات معدودات عن نقابتي المحامين والصحافيين (معقل نشطاء حقوق الإنسان، وكوادر المعارضة، ونجوم السياسة والمجتمع المعنيين بهموم الوطن والمواطنين)، لم يجد صاحبنا غير تقديم الاعتذار، فلاذ بيراعه وقام إلى أوراقه وشرع -على حد تعبيره - يبكي مدادًا فوق سطورها:
"اعذِريني يا سيدتي، لا أستطيع تجاهل أمرك أو إنكار معرفتي بمأساتك، حقُّك أن أمد إليك يد المساعدة؛ فأنا حيٌّ أُرزَق، والحمد لله، أعمل في أكثر من مكان، وأتقاضى أكثر من راتب، وكلما مررت عليك هممتُ بالاقتراب منك، عكس كثيرين يبتعدون عنك خشية الميكروبات والحشرات التي ترتع في جسدك المتَّسخ، وملابسك القليلة، وأغطيتك الرثة، لا تفارق صورتك بؤرة شعوري، يشغلني مرور الموسرين والنافذين داخل عشرات السيارات الفارهة، ومواكب الحراسة والتشريفات من جوارك، دون أن تمتدَّ أيديهم لمواساتك، دون أن يكلف أحدهم نفسه مهاتفة أية جهة تنفيذية أو أهلية لانتشالك من الضياع".

يشغلني وجود مستشفى الجلاء التعليمي عن يمينك، ومركز الإسعاف الطبي عن يسارك، دون أن يلتفت فيهما أحد إليك.

تشغلني برامج منظمات المجتمع المدني، ومنظمات حقوق المرأة، وجمعيات رعاية الأرامل والمطلقات والمؤسسات الخيرية، التي لا تهدف إلى الرِّبح المادي، وكيف لم يصل أيٌّ من نشطائها إليك؟!

اعذريني فلستُ أملك من أمري الكثير؛ فأنا من ضحايا البطالة، وإن كنتُ مسؤولاً عن أكثر من عمل، في أكثر من مكان، لدى أكثر من شخْص، في اليوم الواحد؛ فالعمل الواحد بوتيرته الطبيعية لم يعد يكفي متطلبات الجسْم من مأكل يمنحه البقاء، وملبس يقيه حرارة الشمس وأمطار الشتاء، وقد أمست لوازم الروح عندنا من الكماليات؛ لأن أصحاب الأعمال أو القائمين عليها يُطَبِّقُون قانون العرْض والطلب، وطلاب الوظائف أكثر من الأعمال المتاحة، فيعقدون مناقَصات دائمة بين الراغبين في العمل؛ فيقبل الواحد منا بأقل القليل باعتباره أفضل من العدم، وقد هبطت إلى العاصمة، في بداية الألفية الجديدة، بعد أن ضاقت في وجهي الأقاليم، بحثت عن عمل وقبلت الشروط المجحفة عسى أن تتحسَّن الظروف، أو يلتفت واحد من أصحاب الأعمال إلى الاجتهاد والالتزام والمثابرة.

العمل الواحد يا سيدتي لا يكاد يكفي إيجار الغرفة - التي عثرتُ عليها بعد عناء ومساومات مع السماسرة، وأصحاب العقارات، ويشاركني فيها ثلاثة في مثل ظروفي - إلى جانب وجْبة إفطار على إحدى عربات الفول المنتشرة في الحواري والطرُقات، كل صباح، وأخرى مثلها بعد المساء، فبحثت عن عمل ثانٍ؛ لأتمكَّن من شراء حذاء يحل بديلاً للذي أكلتْه قدماي من مداوَمة المسير، وبعض الملابس لتستر جسدي الهزيل.

لست بليدًا ولا فاشلاً، فأنا أحمل من الشهادات الدراسية أعلاها، وأعمل بكامل طاقتي، بيد أنه لم يعدْ كافيًا، وربما ليس شرْطًا من الأساس أن يتمتعَ أحدُنا بمواهب فذة، أو أن يحوز مؤهلات موثقة؛ كي يحظى بفرصة عادلة لاستثمار هذه الإمكانيات، فهناك اختلافات جَليَّة بين المؤهلات الموضوعية والمواهب الحقيقية، وبين المتطلبات (الظرفية) اللازم توافرها، حتى يتبوأ الشخصُ موقعًا معينًا.

وثمة فارقٌ بالتأكيد بين التمتُّع بملكات جليلة، وبين مهارة الترويج لهذه الملكات، والقُدرة على تسويقها لدى الآخرين، في مثل هذه الحالات لا تؤدي الطرق المعهودة إلى شيء ذي قيمة، ويتحتَّم على كل صاحب غاية أن يسلك طرقًا بديلة؛ كأن يسير على الحبال، أو أن يتسلق خطوط المجاري، أو أن يبتاع حقه بالكرامة والكبرياء.

سنوات يا سيدتي قضيتها في عاصمة المعز، سمَّاها القاهرة؛ تفاؤُلاً بقهر الأعداء، فباتت تقهر أبناءها والوافدين إليها من أطراف البلاد.

اعذريني، حقُّك ليس في مقدوري، فلسْتُ مؤهلاًَ لإنقاذ نفسي من طاحونة أدور فيها كترس يتحرك في آلة، لا ينظر خلفه، ولا يتوقف إلا لزوم الصيانة الضرورية ليبقى قادرًا على الدوَران.

حقك في رقاب القادرين على الاختيار، ومن لديهم فضل مال، وفي رقاب أناس وظيفتهم العناية بشؤون الآخرين؛ لذلك يتقاضون رواتبَ، ويتمتَّعون بصلاحيات واسعة.

حقك لدى جهات آلتْ على نفسها رعاية المشرَّدين، والأيتام، والفقراء، والمحتاجين، والأرامل، والمطلقات؛ لهذا حصلوا على إعانات من الحكومة، وفاعلي الخير، والدول المانحة.

حقك في زكاة المال، وفي الصدَقات، وفي رقاب أولئك الذين تقدموا الصفوف بمحض إرادتهم للنيابة عني وعنك، وعن جموع الجماهير الكادحة المكافحة.

لا تلوميني، فأنا وأنت نعيش تحت خط الحياة؛ لأن أناسًا في هذه المدينة القاهرة آثروا حصد مكتسبات سريعة على الاكتفاء بما يحق لهم الحصول عليه، فكانت الزيادة في ثرواتهم على حساب نصيبنا العادل في حق الحياة.

أعرف أيتها البائسة المهمَلة أن تكلفة متر واحد من هيكل الكوبري الذي تقطنين تحته تكفي لتشييد بيت تعيشين فيه ما تبقَّى من حياتك، وأن ثمن إطار واحد من إطارات السيارات التي تقذف بغبارها فوق رأسك كل لحظة يكفي لحلِّ جميع مشاكلك، وتحقيق كل أحلامك حتى يأتيك اليقين، لكني لا أملك - كما لا تملكين - تحديد بنود الصرف.

وختامًا يا سيدتي:
لا أكتب هذا طمعًا في تخفيف معاناتك، ولا رغبة في استعراض هموم الناس لأستمد القوة منها على احتمال ظروفي؛ بل أحاول تبرير هزيمتي أمام منظرك البشع، ومظهرك الرث، ومأساتك التي تجسد أزمات الإنسان الفرد في مدينة من الإسمنت".

بعد سنوات وقد تقادم العهْد بصاحبنا في كنف العاصمة، وحَمَلَه ذلك العمل الذي لم يعد يقدر على غيره، ولا يستطيع الاستغناء عنه - على التردد على أغلب أحياء القاهرة، والسير في كثير من شوارعها، وارتياد العديد من مقاهيها، والتجوُّل في أشْهر ميادينها، وأصبحت عيناه - بحكم التكرار والاعتياد - ترى تفاصيل لم يكن بوسعه إدراكها أو الانتباه إليها في أيامه الأولى، وفي المقابل غابت تفاصيل أخرى عن ذهنه، كان أقلها كفيلاً بأن يقضَّ مضجعه ليالي وأيامًا.

عاد صاحبنا إلى غرفته ذات يوم، بعد لقاء عابر مع أحد زملاء الدراسة الجامعية، وأخذ يقلب في دفاتره القديمة وأوراقه المكدَّسة في أدراج مكتبه؛ علَّه يجد من بينها ما يذكّره بمشاريعه القديمة، وأفكاره التي انشغل عنها بمحاولات تلبية احتياجاته الضرورية.

كانت الأوراق مفعمة بالتفاؤل، تحمل العديد من الخطط والأحلام والتصوُّرات؛ ليس لمستقبل صاحبها، وإنما لأبناء جيله ولمن سيأتي بعدهم، ولأبناء طبقته وللذين من دونهم، ووجد بين هذه الأوراق ما كتبه عن تلك السيدة البائسة تحت ذلك الكوبري العتيق.

تداخلت الأمور وتشابكت أمام عينيه الخيوط، ولم يعدْ قادرًا على تحديد نقطة البداية الصحيحة لإنجاز ما وعد صديقه القديم بإنجازه بعد أن أخبره الأخير بنيّته خوض الانتخابات البرلمانية القادمة، وحاجته إلى المساعدة في صياغة "برنامج انتخابي" يستقطب به المواطنين، وخاصة الشبابَ الباحثين عن عمل، والأسر الفقيرة، أما أغنياء الدائرة وأعيانها، فهو أقدر على التعامل معهم وكسب تأييدهم.

لم تشغل صاحبنا كل تلك الأوراق والأفكار عمّا كتبه عن "سيدة الكوبري"، وراح يستعيد مشاعره الغضة تجاهها، ويسأل نفسه: هل بقيت سيدته في مكانها، أو انتقلت إلى غيره، أو خَلَفَها فيه غيرُها؟ ولماذا كتب عن هذه السيدة تحديدًا، ولم يكتب عن الآخرين من أمثالها؟ وماذا لو قرر الآن أن يكتب مثل هذه السطور، بعد أن رأى عشرات الآلاف من المتسوِّلين والمشرَّدين، وأبناء الشوارع وباعة السلع التافهة، المنتشرين في كلِّ الميادين والشوارع والأحياء، وفي كل وسائل المواصلات، وعلى كل الكباري وحولها وأسفلها، وعلى مرأى ومسمع وبعلم كل المسؤولين في البلد على كل المستويات، مع انتشار الجمعيات الخيرية بكثافة لافتة، وتحوُّل تكوينها وإشهارها إلى ظاهرة؟ وهل كان بإمكانه تذكُّر هذه السيدة لو لم يحتفظ بهذه الكلمات التي كتبها عنها؟

لقد عادت السيدة المعذبة لتشغل - وأمثالها - بؤرة شعوره من جديد، حتى إنه ضَمَّن (البرنامج الانتخابي) لصاحبه المرشح فقرة عن جمع (سكان الشوارع) - ولو بالقوة - ليقيموا في مجتمعات آدمية من حصيلة الضرائب التي تجمعها الحكومات المتعاقبة، كما فكَّر في السعي لدى المسؤولين في الصحف التي يعمل بها لنشْر ما كتبه عن أمثال هذه السيدة، كمقالات في صفحات الرأي مدفوعة الأجر، على أن يتبرع بالجزء الأكبر من العائد لواحدة من هؤلاء البائسات، بيد أنه اصطدم بقاعدة راسخة، ظن أن عمله مع هؤلاء المسؤولين كل هذه السنوات قد يشفع له في تخطيها، وهذه القاعدة هي أن الأجر لا يكون إلا للمشاهير أو لذوي النفوذ من الكتاب، ولا شأن لقيمة المكتوب بالدفع أو عدمه.

حتى النشر بلا أجر تقبَّله صاحبنا، ورضي من محاولاته بأن تصل صرخته لواحد من أصحاب الضمائر والمناصب فيوليها بعض اهتمامه، بيد أن هذه أيضًا ما زالت بعيدة المنال على شخص في مثل قامته بين أقرانه وزملائه في العمل.

وبالطبع لم يلجأ صاحبنا للوسيلة الثالثة لنشر كتاباته؛ فلم يكن لديه فضل مال يكفي ليستثمره في طلب الشهرة، أو "التلميع" بلغة ذلك الوسط المهني.

في لقائه الثاني بالسيد المرشح، اختلفا على أغلب فقرات البرنامج وصياغتها؛ فقد طلب صاحبنا من صاحبه أن يستثمر جزءًا من الأموال، التي رصدها للدعاية، في إنشاء مشروع كثيف العمالة لاستيعاب بعض العاطلين من فقراء "الدائرة"، بيد أن إستراتيجية حصد الأصوات كانت مبنيَّة على تركيز الخدمات الشخصية على أبناء العائلات الكبيرة، باعتبار أنهم ذوو ثقل وأصحاب تأثير، وقادرون على حشْد الكثير من الناخبين، أما الفقير فلا يملك إلا صوته، وقد تحُول ظروف عمله أو أحواله المعيشية دون الذهاب إلى لجان الانتخابات من الأساس؛ لذلك فهو لا يستحق منه إلا تلك الوعود الواردة في (البرنامج الانتخابي).

عاد صاحبنا إلى عمله الرتيب بوتيرته القديمة، وترك السيد المرشح يمضي في سبيله؛ فهو أدرى بشعابها.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مكافحة الفقر فريضة اسلامية غائبة
  • الزكاة وعلاج الفقر في الإسلام
  • العالم يتجه إلى منهج الإسلام لمواجهة الفقر
  • المسلمون... وثلاثية الفقر والجهل والمرض
  • فقه منازعة الفقر بالإبداع
  • حكمة العجوز (قصة قصيرة)
  • الحذاء البني (قصة قصيرة)
  • ليته يحذو حذوه (قصة قصيرة)

مختارات من الشبكة

  • سيدة من سيدات العرب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حكم الصائم المسافر الذي أمسك في بلده، وأراد أن يفطر في بلد آخر عند غروب الشمس(مقالة - ملفات خاصة)
  • السفر أم البقاء في بلدي(استشارة - الاستشارات)
  • الهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الهجرة هي: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام..(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بلدي (قصيدة للأطفال)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • هل أسافر إلى بلدي وأتركه؟(استشارة - الاستشارات)
  • محتار بين السفر للخارج والبقاء في بلدي(استشارة - الاستشارات)
  • لا أريد الزواج من أبناء بلدي(استشارة - الاستشارات)
  • كيف أعود إلى بلدي بالنقاب؟(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)

 


تعليقات الزوار
5- القصة جميلة
رنين - الاردن 08-04-2014 05:03 AM

هذه القصة جميلة و لها الكثير من العبر لقد تأثرت بهذه القصة وحزنت على الامرأة التي كانت تحت الكبري

4- ما هو المنطق؟؟
مرسي الزناتي - مصر 25-06-2009 04:05 PM

ما هو المنطق الذي يستند إليه كاتب هذه الحكاية؟
منطق الواقع يقول بوضوح أن مصر دولة رأسمالية منزوعة البعد الاجتماعي تطبق القاعدة "دعه يعمل دعه يمر ولو على رقاب الآخرين".
أما المنطق الأخلاقي فلابد له من قوة تطبقه؛ فالفساد في بر المحروسة قد وصل -باعتراف رئيس ديوان رئيس الجمهورية منذ سنوات- إلى الركب، وليس بالأماني وحدها ولا بالكتابات البريئة تنصلح الأحوال.
على كل حال نتمنى أن يصبح كاتب هذه السطور من الموسرين ميسوري الحال ولننظر ساعتها هل يلتفت لمثل هذه الأفكار أم سيتصرف كما يتصرف الأغنياء والقادرين الذين يلومهم على تقصيرهم تجاه سكان الشوارع حاليا؟؟؟

3- تعدد الإطارات
د.محمود النجار - مصر 05-06-2009 11:09 PM

قبل التعليق هذا الموضوع أود أن أسأل بداية هل هو مقال أم قصة؟
يبدو أنه من تلك الكتابات التي تتخذ من القصة الصحفية إطارا للدخول من خلاله إلى الموضوع المقصود وهو في هذه الحالة يكون محاولة إثبات جملة من الأفكار والآراء حول الواقع المعيش والسياسات المتبعة بطرق غير مباشرة.
الموضوع إذن يمكن تصنيفه في المسافة مابين المقال الصحفي المباشر ويأخذ من القصة بعض أدواتها.. ومايلفت النظر هنا هو تعدد الإطارات الفكرية التي يحيط بها الكاتب موقفه حتى لايتحمل تبعات الجهر برأيه في مجتمع أبعد ما يكون عن الموضوعية والمنطق في الحكم على المواقف والآراء. فقد بدأ الموضوع بلقطة عابرة أومشهد متكرر قد لايتوقف عنده الكثيرون ثم بدأ بعد ذلك في التكثيف والبناء في تداخل يحسب للكاتب الانتقال السلس غير المفاجئ بين حلقاته.. المشهد الأول بين شاب بائس وسيدة أكثر بؤسا .... ثم ينتقل بعد ذلك إلى إطارات أخرى مابين المكان والزمان و الفكر والممارسات العامة. ومع ذلك تدور المشكلة بدون أمل في الحل على أرض الواقع مع أن الحلول النظرية التي يقترحها الكاتب لاحصر لها. أما الفقرات التي عرض فيها لواقع الصحافة والسياسة و مؤسسات المجتمع المدني فهى مجرد إشارات لم تصل إلى محاكاة الواقع السيئ الذى وصلت إليه هذه الأوساط.. وهذا راجع بالتأكيد إلى خشية الكاتب من المساءلة.

2- كلام جميل وكلام معقول
مفلح البليدي - Egypt 05-06-2009 09:49 PM

حكاية طويلة جدا ولكنها معقولة ويبقى السؤال: أين الرمز وأين المباشرة في هذه القصة.. هل هي قصة من خيال كاتبها أم أن لها أساس من الواقع وأكمل هو عليه؟
نعلم أن الصحافة فى مصر ليست منبرا للمبادئ والقيم والمناداة بحقوق الضعفاء وكذلك الأحزاب والجمعيات والمجالس المنتخبة وغير المنتخبة.
وقد لفت نظرى أن الكاتب وضعنا فى دائرة ولم يخرج منها ونحن نحتاج إلى حل عملى ولايكفينا هذا التشخيص.. أين الحل إذا كان كل المعنيين وأصحاب السلطة والصلاحية قد باعوا أدوارهم المفترضة بما نعلم أو لانعلم.
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

1- معادلة
سامح الخضيري - سوريا 04-06-2009 01:24 PM

هذه القصة تضعنا أمام معادلة عويصة جدا؛ إذ إن الذي يملك القدرة على الحل ليست لديه النية لتطبيق هذا الحل بينما من يريد أن يعمل على حل المشاكل ليست لديه القدرة على تنفيذ هذه الحلول.
هذه القصة -أو الحكاية- دليل فشل المؤسسات الرسمية والمدنية في مجتمعاتنا العربية وقد قلص الكاتب دلالتها حين حصرها جغرافيا في مكان محدد، فهي موجودة في أكثر من مكان على طول بلادنا وعرضها.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/11/1446هـ - الساعة: 8:19
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب