شوارد وفوائد: من كتاب قيد الصيد (43)

شوارد وفوائد

من كتاب قيد الصيد (43)

فبُهِت الذي كفر:

قال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - في تعليقه على قدوم وَفْد نَجْران إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وذِكره ما في فقهِ هذه القصة، ومنها:

جواز مجادلة أهل الكتاب:

"... ودار بيني وبين بعض علمائهم مناظرة في ذلك، فقلت له في أثناء الكلام: ولا يتمُّ لكم القدح في نبوَّة نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلا بالطعن في الربِّ - تعالى - والقدح فيه... وبيان ذلك: أنه إذا كان محمدٌ عندكم ليس بنبيٍّ صادق... فقد تهيأ له أن يفتري على الله... وهو مستمرٌّ في الافتراء عليه ثلاثًا وعشرين سنة، وهو مع ذلك كله يؤيِّده وينصره، ويُعلِي أمره... (وذكر - رحمه الله كلامًا طويلاً في ذلك).

فلما سمع منِّي هذا الكلام قال: معاذ الله أن نقول: إنه ظالم أو كاذب، بل كل مُنْصفٍ من أهل الكتاب يقرُّ بأن مَن سلك طريقه واقتفى أثره، فهو من أهل النجاة والسعادة في الأخرى.

قلت له: فكيف يكون سالك طريق الكذَّاب، ومقتفي أثره بزعمكم من أهل النجاة والسعادة؟ فلم يجدْ بُدًّا من الاعتراف برسالته، ولكن لم يُرسَل إليهم، قلت: فقد لزمك تصديقُه ولا بد، وهو قد تواترت عنه الأخبار بأنه رسول ربِّ العالمين إلى الناس أجمعين، كِتابِيِّهم وأُميِّهم... فبُهت الكافر، ونهض من فوره"[1].

هل رأيتَ النيل؟

في ترجمة القاضي أبي عبيد بن حَرْبويه علي بن الحسين قاضي مصر (ت 319):

"... وكان إذا رَكِب لا يلتفتُ ولا يتحدَّث مع أحد... ورَكب مرَّة إلى أمير مصر... وهو بالجيزة، في كاينة اتفقت له، فقيل له: قد رأى القاضي النِّيل؟ فقال: قد سمعتُ خرير الماء، قلتُ (السبكي): فللهِ دَرُّ قاضٍ أقام بمصر ثماني عشرة سنة، لم يُبصر النيل!"[2].

• وفي ترجمة أبي طاهر السِّلفي أحمد بن محمد (ت576) قوله: "لي ستون سنة بالإسكندرية، ما رأيت منارتها إلا من هذه الطاقة، وأشار إلى غرفة يجلس فيها"[3].

• ولا يُفهَم من هذا أن يَحْرم الإنسان نفسَه من الفسحة والنزهة، بل هو أمرٌ مطلوب في هذا الزمن خاصة، وذلك في حدود الشرع؛ وإنما المراد بيان عناية بعض السلف الشديدة بأوقاتهم.

ورحم الله الوزير ابن هبيرة، وما أحسن قوله[4]:

والوقتُ أنفسُ ما عُنِيتَ بحفظِه وأَرَاه أسهلَ ما عليك يضيعُ

شهادة التاريخ:

قال الحافظ السخاوي - رحمه الله تعالى - في حديثه عن فوائد دراسة التاريخ:

"... ومنها أن الملوك ومَن إليهم الأمر والنهي، إذا وقفوا على ما فيها من سيرة أهل الجَوْر والعدوان، ورأوها مدوَّنة في الكتب يتناقلها الناس، فيَرْوِيها خلفٌ عن سلف، ونظروا إلى ما أعقبت من سُوء الذِّكر، وقُبح الأحدوثة، وخراب البلاد، وهلاك العباد، وذهاب الأموال، وفساد الأحوال، استقبحوها، وأعرضوا عنها، واطَّرحوها، فإذا رأوا سيرة الولاة والعارفين(؟)[5] وحُسنها، وما يتبعُهم من الذكر الجميل بعد ذهابهم... استحسنوا ذلك، ورغبوا فيه، وثابروا عليه، وتركوا ما ينافيه... ولو لم يكن منها غير هذا، لكفى به فخرًا..."[6].