• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أهمية التعلم وفضل طلب العلم
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    حديث: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حقوق المسنين (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة النصر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    المرأة في الإسلام: حقوقها ودورها في بناء المجتمع
    محمد أبو عطية
  •  
    مفهوم الفضيلة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (7)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    خطبة أحداث الحياة
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    {هماز مشاء بنميم}
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    الإيمان بالقرآن أصل من أصول الإيمان
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أسباب اختلاف نسخ «صحيح البخاري»
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    خطبة: اشتداد المحن بداية الفرج
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: إن الله لا يحب المسرفين
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    فضل عشر ذي الحجة (خطبة)
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    فصلٌ: فيما إذا جُهل حاله هل ذُكر عليه اسم الله أم ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة (المروءة والخلق والحياء)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

فقه الفرح في الكتاب والسنة

فقه الفرح في الكتاب والسنة
أ. أمين نعمان الصلاحي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/8/2013 ميلادي - 10/10/1434 هجري

الزيارات: 124119

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فقه الفرح في الكتاب والسنة


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فلقد أفاض القرآن في حديثه عن المشاعر القلبية كالحب والكره، والرجاء والخوف، والفرح والحزن، ولفت الأنظار إلى أن خلق تلك الانفعالات المتضادة في النفس يدل على طلاقة القدرة الإلهية كما في قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾[ النجم:43].

 

والمتأمل في غايات ومقاصد القرآن الكريم يجد أن توجيه المشاعر القلبية توجيهًا صحيحًا، وتنظيمها على أساس من التوازن والفاعلية المثمرة هو واحد من المقاصد الجليلة والغايات الكبيرة التي يتوخاها القرآن الكريم.

 

ولأن الفرح هو واحد من تلك العواطف والمشاعر القلبية، ولأنه - أيضاً - لازم من لوازم الطبيعة الإنسانية فقد اعتنى القرآن ببيان أحواله، واعتنى بتوجيهه وضبط مساره، بل إن القرآن قد ارتقى به إلى مصاف الأعمال القلبية المطلوبة من أهل الإيمان، وهذه المعاني الهامة هي ما سنحاول بيانه من خلال هذا التناول لـ ((فقه الفرح في الكتاب والسنة)) ولتكن البداية لذلك من التعريف بالفرح.

 

تعريف الفرح:

قال ابن فارس: ((فرح: الفاء والراء والحاء: أصلانِ: يدلُّ أحدهما على خلاف الحُزْن، والآخر: الإثْقال.

 

فالأوَّل الفَرَح، يقال فَرِحَ يَفرَحُ فَرَحًا، فهو فَرِح... والمِفراح: نقيض المِحْزان.

 

وأمَّا الأصل الآخر فالإفراح، وهو الإثقال... قال الشاعر:

إذا أنت لم تَبْرحْ تؤدِّي أمانةً
وتَحمِلُ أخرى أفرحتكَ الودائعُ)).[1]

 

 

وحديثنا هنا عن (الفرح) بمعناه الأول الدال على خلاف الحزن، وقد عرفه بعضهم بأنه: ((السرور وانبساط النفس ولذة القلب بنيل ما يشتهي))[2].

 

أنواع الفرح في القرآن الكريم:

وقد ذكر القرآن الكريم أنواعاً من الفرح منها ما هو عام لكل بني الإنسان بحكم الفطرة، ومنها ما يختلف باختلاف النفسيات والتوجهات، ومن خلال الاستقراء يمكن القول إن أنواع الفرح المذكورة في القرآن هي سبعة أنواع وذلك على النحو الآتي:

النوع الأول: الفرح بالنعم الدنيوية كالغنى والصحة:

قال تعالى:﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ [الروم: 36]. وقال سبحانه: ﴿ اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ ﴾ [الرعد: 26].

 

ومع أن هذا النوع من الفرح هو فرح فطري جبل عليه الإنسان، لكن القرآن يكبح جماحه حتى لا يتحول إلى أشر وبطر، كما يجمح عاطفة الحزن حتى لا تتحول إلى كآبة وضجر، فالقرآن يُذكر المؤمنين أن كل ما يصيبهم في هذه الحياة الدنيا من خير أو شر إنما هو بقضاء الله وقدره، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22-23].

 

وإذا رسخ في قلب المسلم الاعتقاد الذي تقرره هذه الآية الكريمة والآيات الأخرى التي في معناها فلن يفرح فرح أشر وبطر بحصول النعمة ولكن فرح شكر وامتنان واعتراف بالفضل لمن أسداها وهو المولى سبحانه وتعالى، ولن يأسى على فوات أو زوال النعمة أسىً يذهب به كل مذهب، ويجعل الدنيا تضيق عليه بما رحبت، ولكنه سوف يسلم لله ويرضى بما قضاه، ولنفسه العزاء الأكبر في قوله تعالى: ﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:216].

 

النوع الثاني: فرح الكافرين والمشركين بما لديهم من العقائد والأفكار والشبهات المخالفة لما بعث الله به الرسل:

وهذا فرح مذموم، وأهله هم المعاندون للرسل عليهم الصلاة والسلام، وفي هذا النوع من الفرح يقول تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ﴾ [غافر:83].

 

ويقول سبحانه: ﴿  فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [المؤمنون:53].

 

ويقول سبحانه:﴿ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم:31 -32].

 

وفي هذه الآيات يخبر المولى عز وجل عن المعاندين لرسله، وكيف أنهم أعرضوا عما جاءت به الرسل من الحق فرحين بما عندهم من العلم الذي هو في حقيقته جهل، وبما لديهم من شبهات وأباطيل يعارضون بها دعوة الحق التي جاء بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام[3].

 

النوع الثالث: فرح المنافقين بالمعصية:

وهذا نوع آخر من الفرح المذموم، وهو أحد العلامات الدالة على النفاق، قال تعالى: ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ ﴾ [التوبة: 81].

 

وقال سبحانه: ﴿ لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [ آل عمران:188].

 

وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا إذا خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغزو تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت ﴿ لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ))[4].

 

النوع الرابع: فرح الكافرين والمنافقين بما يصيب المؤمنين من مصائب الدنيا:

قال تعالى: ﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا ﴾ [آل عمران:120].

 

وقال سبحانه: ﴿ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ ﴾ [التوبة:50].

 

النوع الخامس: فرح المؤمنين بنصر الله:

قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [الروم:4].

 

النوع السادس: فرح المؤمنين بما من الله عليهم من الهداية ومعرفة الحق:

قال تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس:58].

 

وقال سبحانه:﴿ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ﴾ [ الرعد:36].

 

النوع السابع: فرح المؤمنين في الجنة بما أكرمهم الله به من الرضوان والنعيم المقيم:

قال تعالى: ﴿ فرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ َيحْزَنُونَ ﴾ [ أل عمران: 170].

 

وقال سبحانه: ﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ﴾ [ الزخرف: 70].

 

وقال سبحانه: ﴿ فأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ﴾ [الروم: 15].

 

الفرح الإيماني ومكانته بين أعمال القلوب:

الفرح الإيماني هو فرح أهل الإيمان بما بعث الله به رسوله من الهدى والحق، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ﴾ [ الرعد: 36].وهذا الفرح يعد من أعمال القلوب المطلوبة، ومن أعظم مقامات الإيمان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ((أَرفع درجاتِ القلوب فرحها التام بما جاء بِهِ الرَّسولُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، وابتِهَاجُهَا وَسُرُورُهَا، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ﴾ [ الرعد: 36] وقال تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].

 

ففضلُ اللَّهِ ورحمتُهُ: القرآنُ والإِيمانُ، مَن فَرِحَ بِهِ فقد فَرِحَ بأَعظمِ مَفرُوحٍ بِهِ، ومن فَرِحَ بغيرهِ فقد ظلمَ نفسَهُ، ووضعَ الفرحَ في غير موضعهِ))[5].

 

ومما يدخل في هذا الفرح فرح المؤمن بالطاعة إذا عملها، وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا سرتك حسنتك، وساءتك سيئتك، فأنت مؤمن))[6]. والمتأمل في الشريعة يرى أنها ربطت الفرح بالطاعات، فكان عيد الفطر بعد الفراغ من صيام رمضان وقيامه، وكان عيد الأضحى عقب أداء مناسك الحج.

 

ويقول الإمام ابن القيم - رحمه الله - عن هذا الفرح: ((وهذا فرح محمود غير مذموم، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس:58].

 

ففضله: الإسلام والإيمان، ورحمته: العلم والقرآن. وهو يحب من عبده أن يفرح بذلك ويسر به، بل يحب من عبده أن يفرح بالحسنة إذا عملها، وأن يسر بها، وهو في الحقيقة فرح بفضل الله حيث وفقه الله لها، وأعانه عليها، ويسرها له. ففي الحقيقة إنما يفرح العبد بفضل الله وبرحمته.

 

ومن أعظم مقامات الإيمان الفرح بالله، والسرور به، فيفرح به إذ هو عبده ومحبه، ويفرح به سبحانه ربًا وإلهًا ومنعمًا ومربيًا))[7].

 

وهذا الفرح متى ما رسخت في القلب جذوره فإن عواصف البأساء ورياح الضراء لا تقوَ على اقتلاعه من القلب مهما اشتدت: ((ما يصنع أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة))[8].

 

النهي عن الحزن في الكتاب والسنة:

والحديث عن الفرح لا يكتمل إلا بالحديث عن نقيضه وهو الحزن، وقد مر معنا أن الفرح أنواع مختلفة، وأن منها ما هو مذموم وما هو محمود، وأن أفضلها وأجلها: الفرح بما بعث الله به رسوله من الهدى والحق، وأن هذا لنوع من الفرح هو من أرفع أعمال القلوب، ومن أجل مقامات الإيمان، وليس للحزن شيء من هذا، بل قد نهى الله عنه في أكثر من موضع في كتابه؛ ذلك أن الحزن لا نفع فيه ولا فائدة منه، بل مضرته ظاهرة في إضعاف القلب، وتوهين قوى النفس، ومن هنا نعلم خطأ وضلال من جعلوا التحزن عبادة، كما هو حال الرافضة وأشباههم، فالله تعالى لم يتعبدنا بالحزن أبداً، بل نهى عنه نهياً عاماً مطلقاً، وحتى الحزن من أجل الدين نهى الله عنه في كتابه.

 

وقد أخطأ الإمام الهروي - رحمه الله - حين جعل الحزن منزلة من منازل السائرين إلى الله رب العالمين، وتعقبه الإمام ابن القيم - رحمه الله - بقوله: ((منزلة الحزن ليست من المنازل المطلوبة، ولا المأمور بنزولها، وإن كان لا بد للسالك من نزولها، ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيًا عنه أو منفيًا، فالمنهي عنه: كقوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا ﴾ [آل عمران: 139]. وقوله: ﴿ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 127]. في غير موضع، وقوله: ﴿ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]. والمنفي كقوله: ﴿ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38] وسر ذلك: أن الحزن موقف غير مُسَيِّر، ولا مصلحة فيه للقلب، وأحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره، ويوقفه عن سلوكه قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [المجادله:10]. ونهى النبي الثلاثة أن يتناجى اثنان منهم دون الثالث لأن ذلك يحزنه[9].

 

فالحزن ليس بمطلوب، ولا مقصود، ولا فيه فائدة، وقد استعاذ منه النبي فقال: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن))[10]. فهو قرين الهم، والفرق بينهما: أن المكروه الذي يرد على القلب إن كان لما يُستقبل: أورثه الهم، وإن كان لما مضى: أورثه الحزن، وكلاهما مضعف للقلب عن السير، مُفتِّر للعزم.

 

ولكن نزول منزلته ضروري بحسب الواقع ولهذا يقول أهل الجنة إذا دخلوها: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾ [فاطر: 34]. فهذا يدل على أنهم كان يصيبهم في الدنيا الحزن كما يصيبهم سائر المصائب التي تجري عليهم بغير اختيارهم، وأما قوله تعالى: ﴿ وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ﴾ [التوبة: 92]. فلم يمدحوا على نفس الحزن، وإنما مدحوا على ما دل عليه الحزن من قوة إيمانهم حيث تخلفوا عن رسول الله لعجزهم عن النفقة، ففيه تعريض بالمنافقين الذين لم يحزنوا على تخلفهم بل غبطوا نفوسهم به.

 

وأما قوله في الحديث الصحيح: ((ما يصيب المؤمن من همٍ ولا نصبٍ ولا حزنٍ إلا كفر الله به من خطاياه))[11] فهذا يدل على أنه مصيبة من الله يصيب بها العبد، يكفر بها من سيئاته، لا يدل على أنه مقام ينبغي طلبه واستيطانه))[12].

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ((وأَما الحزنُ فلم يأمُر اللَّهُ بِهِ ولا رَسُولهُ، بَل قد نَهَى عنهُ في مواضِعَ وإِن تَعَلَّقَ بأَمرِ الدِّينِ كقولهِ تعالى: ﴿ وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139] وقولُهُ: ﴿ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النمل:70]. وقولهُ: ﴿ إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة:40] وقولهُ:﴿ وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ﴾ [يونس: 65]. وقولهُ: ﴿ لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ﴾ [الحديد:23] وأَمثالُ ذلكَ كثيرٌ. وذلكَ لأنَّهُ لا يجلِبُ مَنفعَةً وَلا يدفعُ مضرَّةً، فلا فائدةَ فيه، وما لا فائدةَ فيهِ لا يَأمُرُ اللَّهُ بِهِ.

 

نَعَمْ لا يأثمُ صاحِبُهُ إذا لم يقترِنْ بحُزنهِ مُحرَّمٌ، كما يحزَنُ على المصائبِ، كما قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ: ((إنَّ اللَّهَ لا يُؤَاخِذُ على دَمعِ العَينِ، وَلا على حُزْنِ القَلبِ، وَلَكِنْ يُؤَاخِذُ عَلَى هَذَا أَوْ يَرْحَمُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى لِسَانِهِ))[13]. وقالَ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ: ((تَدمَعُ العَينُ، وَيَحْزَنُ القَلْبُ،وَلا نَقُولُ إلا مَا يُرْضِي الرَّبَّ))[14]. ومِنهُ قولهُ تعالى: ﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف:84].

 

وقد يَقترِنُ بالحُزنِ مَا يُثَابُ صاحِبُهُ عليهِ، ويُحمدُ عليهِ، فَيكُونُ مَحمُودًا مِن تلكَ الْجِهَةِ لا مِن جهةِ الحُزنِ، كَالحَزِينِ على مُصِيبةٍ في دينهِ، وعلى مصَائِبِ المُسلمِينَ عُمومًا، فهذا يُثَابُ على ما في قلبهِ مِن حبِّ الخيرِ وبُغضِ الشَّرِّ وتَوابعِ ذلك، ولكِنَّ الحُزنَ على ذلك إذا أَفضَى إلى تركِ مَأمُورٍ مِن الصَّبرِ والجهادِ، وجلبِ مَنفعَةٍ، ودَفعِ مَضَرَّةٍ، نُهِيَ عنهُ. وإِلا كانَ حَسبُ صاحبهِ رفع الإثم عنهُ مِن جهةِ الحُزنِ، وأَمَّا إنْ أَفضَى إلى ضَعفِ القَلبِ واشتِغَالهِ بِهِ عن فِعلِ ما أَمرَ اللَّهُ ورسولُهُ بِهِ، كان مذمُومًا عليهِ مِن تِلكَ الجِهةِ، وإِنْ كانَ مَحمُودًا مِن جهةٍ أُخرَى))[15].

 

الخلاصة:

ومن خلال ما سبق نخلص إلى ما يلي:

1- الفرح عاطفة إنسانية فطرية، ثم هو بعد ذلك يختلف بحسب هدف كل إنسان وغايته ومسلكه في هذه الحياة.

 

2- اعتنى القرآن بتوجيه وتهذيب عاطفة الفرح عنايته بسائر العواطف والمشاعر القلبية الأخرى حتى تكون نافعة ومثمرة.

 

3- الفرح بالقرآن والإيمان والأعمال الصالحة عمل من أرفع أعمال القلوب، ومقام من أجل مقامات الإيمان، وقد أمر الله به في كتابه فقال سبحانه: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].

 

4- لا يظفر بالفرح الحقيقي والسرور التام إلا أولئك الذين جعلوا فرحه وسرورهم في إيمانهم وطاعتهم لربهم، وقد أخبر القرآن عن فرحهم في الدنيا وفي الآخرة، فهم أصحاب الفرح الكامل والسرور الدائم.

 

5- لم يأمرنا الله بالحزن، ولا تعبدنا به، بل نهى عنه في كتابه حتى ولو كان من أجل الدين؛ لأنه لا فائدة فيه ولا نفع من ورائه.

 

6- الحزن لا يحمد بذاته، وأثره على النفس سلبي، ولكن الله لا يؤاخذنا عليه ما لم يقترن بمحرم.

 

7- قد يقترن بالحزن أمر محمود، وحينها يثاب صاحبه ويمدح من تلك الجهة المحمودة لا من جهة الحزن، شرط أن لا يفضي الحزن إلى ترك مأمور، أو فعل منهي.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



[1] معجم مقاييس اللغة لابن فارس، مادة: (فرح).

[2] سلسلة المناهج: في ضوابط السلوك والمنجيات، لهاشم محمد هاشم، ط مكتبة دار البيان، الكويت، 1410هـ، (1/112).

[3] انظر في تفسير تلك الآيات ما ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره، والعلامة عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي في ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان))، وغيرهم من المفسرين.

[4] متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبدالباقي: (1770).

[5] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (16/49).

[6] حديث صحيح: رواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه.

[7] مدارج السالكين للإمام ابن القيم، ط دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، د.ت (3/111).

[8] مقولة شهيرة لشيخ الإسلام ابن تيمية حكاها عنه تلميذه ابن القيم. انظر: الوابل الصيب لابن القيم، ط مكتبة دار البيان، دمشق 1408هـ، ص63.

[9] الحديث متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: ((إِذَا كَانُوا ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ)) ومن حديث عبد الله ابن مسعود قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً، فَلاَ يَتَنَاجى رَجُلاَنٍ دُونَ الآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ أَجْلَ أَنْ يُحْزِنَهُ)). اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان:(1409، 1410).

[10] رواه البخاري:(2736).

[11] متفق عليه من حديث أبي سعيد وأبي هريرة: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان(1664).

[12] مدارج السالكين (1/542 - 543).

[13] الحديث متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ولفظه: ((إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم)) انظر: اللؤلؤ والمرجان: (532).

[14] رواه البخاري (1241) ومسلم (6167).

[15] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (10/16- 17).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الفرح: دراسة قرآنية تربوية
  • من موانع محبة الله عبدا (الفرح المحرّم والبؤس والتباؤس)
  • من أخطائنا في رمضان .. عدم الفرح بقدوم رمضان
  • البشارة بالفرح بالنصر قبل سبع سنين من ميقات معركة بدر
  • الفرح يكون مذموما وغير مذموم
  • الفرح بطاعة الله (خطبة)
  • خطبة: الاعتصام بالكتاب والسنة
  • الفرح: حقيقته وأسبابه وأنواعه (خطبة)
  • خطبة: آداب الفرح في الإسلام
  • الفرح في الحياة وأحكامه

مختارات من الشبكة

  • فقه الفرح برمضان (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • الفقهاء والأخذ بالسنة (رسالة موجزة في بيان مكانة السنة عند الفقهاء وأعذارهم في ترك العمل ببعضها)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفرح المؤقت والفرح الدائم وأسبابه(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • نظرية البدائل بين فقه الأولويات وفقه الضرورة(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • المقدمات في أصول الفقه: دراسة تأصيلية لمبادئ علم أصول الفقه (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (3) علم أصول الفقه علم إسلامي خالص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (1) علم أصول الفقه يجمع بين العقل والنقل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فقه الدعوة وفقه الرفق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العالم بالفقه دون أصوله، والعالم بأصول الفقه دون فروعه: هل يعتد بقولهما في الإجماع؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقيقة مفهوم الفقه وأثرها في تدريس علم الفقه(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/11/1446هـ - الساعة: 8:19
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب