• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (11)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الأسوة الحسنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    أحكام المغالبات
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    تفسير: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: الاستطابة
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    ثمرات الإيمان بالقدر
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    العشر وصلت... مستعد للتغيير؟
    محمد أبو عطية
  •  
    قصة موسى وملك الموت (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشاكر، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (12)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    تلك الوسائل!
    التجاني صلاح عبدالله المبارك
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تعوذوا بالله من أربع (خطبة)
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    حكم المبيت بالمخيمات بعد طواف الوداع
    د. محمد بن علي اليحيى
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

الكتابة العربية وقت الإسلام وبعده (1)

الكتابة العربية وقت الإسلام وبعده (1)
عبدالفتاح القاضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/2/2013 ميلادي - 29/3/1434 هجري

الزيارات: 50517

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الكتابة العربية وقت الإسلام وبعده (1)

كتابة القرآن في العهد النبوي

جمعه في عهد أبو بكر وعثمان


بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أمَّةٍ أُمِّيَّة لا تكتب ولا تحسب ولا تعرف عن الخط والكتابة شيئًا؛ اللهم إلا نزرًا يسيرًا في جزيرة العرب كلها، وبضعة عشر رجلا من قريش خاصة ونفرًا قليلا من أهل المدينة، ومجاوريهم من اليهود عرفوا الخط والكتابة قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بقليل.

 

فمن هؤلاء أبو بكر الصديق، وعمر ابن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وأبو سفيان بن حرب وابنه معاوية، وأبان بن سعيد، والعلاء بن الحضرمي؛ وهؤلاء من أهل مكة.

 

ومن أهل المدينة عمر بن سعيد، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، والمنذر بن عمرو، وكان بها يهودي يعلم الصبيان الكتابة ولقلة انتشار الكتابة في ربوع الجزيرة العربية وانحصارها في أفراد قلائل من أهلها صح التعبير عن الأمة العربية بأنها أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، وقد جاء الإسلام وسجل عليها الأمية بقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2].

 

والمشهور عن قدماء التاريخ أن أستاذ القرشيين في الكتابة والخط حرب بن أمية بن عبد شمس والد أبي سفيان الصحابي الجليل. لأنه كان رجلا كثير الأسفار إلى البلاد بالتجارة فتعلم الكتابة والخط على يد أهل هذه البلاد. وعلَّمَها القرشيين فبدء الخط بمكة كان على يديه. واختلف المؤرخون في تعيين من علم حرب بن أمية فقيل هو عبد الله بن جدعان وقيل بشر بن عبد الملك. وإليك ما ورد في هذا. ذكر الداني بسنده إلى زياد بن أنعم قال: قلت لعبد الله بن عباس.

معاشر قريش: هل كنتم تكتبون في الجاهلية بهذا الكتاب العربي تجمعون فيه ما اجتمع وتفرقون فيه ما افترق. هجاءا بالألف واللام والميم والقطع والوصل وما يكتب به اليوم قبل أن يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قال نعم. قلت فمن علمكم الكتابة؟ قال حرب بن أمية، قلت فمن علم حرب بن أمية؟ قال عبد الله ابن جدعان. قلت فمن علم عبد الله؟ قال أهل الأنبار. قلت فمن علم أهل الأنبار؟ قال طارئ طرأ عليهم من أهل اليمن من كندة. قلت فمن علم ذلك الطارئ؟ قال الخلجان بن الموهن كان كاتب هود نبي الله بالوحي عن الله عز وجل".

 

وروى الكلبي عن عوانة أول من كتب بخطنا هذا وهو الجزم مرامر بن مرة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة. وهم من عرب طيء تعلموه من كاتب الوحي لهود عليه السلام ثم علموه أهل الأنبار ومنهم انتشرت الكتابة في العراق الحيرة وغيرها فتعلمها بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل وكان له صحبة بحرب بن أمية لتجارته عندهم في بلاد العراق فتعلم حرب منه الكتابة وعلمها القرشيين ثم سافر معه بشر إلى مكة فتزوج الصهباء بنت حرب أخت أبي سفيان فتعلم منه الكتابة جماعة من أهل مكة فكثر سواد الكاتبين من قريش قبل الإسلام إلى حد ما. فأنت ترى أن الرواية الأولى تدل على أن أستاذ حرب بن أمية عبد الله بن جدعان والثانية تدل على أن أستاذه بشر بن عبدالملك.

 

بقيت الكتابة محصورة في أفراد قلائل في الجزيرة إلى أن هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة فشجع الكتابة وحث على تعليمها وتعلمها بجميع الوسائل ومما يدلنا على هذا أنه لما انتصر على قريش في غزوة بدر وأسر منهم سبعين رجلا من صناديد قريش وغيرهم جعل على كل واحد من الأسرى لفكاكه من الأسر فداء من المال وعلى كل من عجز عن الافتداء بالمال إن كان ذا دراية بالكتابة أن يعلمها عشرة من صبيان المدينة فلا يطلقونه إلا بعد تعليمهم وبذلك راجت سوق الكتابة بالمدينة وأخذت في الذيوع والانتشار في سائر الأنحاء. كلما اتسعت رقعة الإسلام وكثرت فتوحاته ولذلك لم يتم القرآن نزولا حتى كان للرسول - صلى الله عليه وسلم - أكثر من أربعين كاتبًا.

 

وكان أولو الأمر من المسلمين يعملون جاهدين على إذاعتها في سائر الأقطار الإسلامية ليعلم الناس جميعًا أن الإسلام والعلم قرينان لا يفترقان؛ وأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يعمل على رفع مستوى الإنسانية إلى أوج الرقي والكمال، قال العلماء كان الخط الذي تعلمه حرب وعلمه القرشيين هو الخط الأنباري الحبري المسمى بعد انتقاله إلى الحجاز بالحجازي. وكان هذا الخط هو المتداول على أيدي الكاتبين يكتبون به رسائلهم وأشعارهم وغيرها، إلى أن جاء الإسلام فكتبوا به الوحي ثم كتبوا به صحف أبي بكر التي جمع فيها القرآن ثم كتبوا به المصاحف العثمانية وغيرها.

 

واستمر تداوله بين الناس يكتبون به المصاحف وغيرها إلى أن فتح المسلمون الممالك ومصر والأمصار ونزلت طائفة من الكتاب الكوفة فعنيت بتجويد الخط العربي وتحسينه حتى صار خط أهل الكوفة متميزًا بشكله عن الخط الحجازي فحينئذ سمى الخط الكوفي وبه كانت تكتب المصاحف وغيرها. ثم أخذ الخط العربي يسمو ويرتقي على يد هؤلاء المهرة الذين كان لهم اليد الطولى في تجويده وتحسينه وهم: قطبة المجرر والضحاك بن عجلان وإسحق بن حماد وقد استطاع قطبة أن يخترع من الخط الكوفي والحجازي خطأ آخر هو مزيج من الخطين السابقين ويعتبر هذا الخط أساس الخط الذي يكتب به الآن.. وفي عهد الدولة العباسية بدأ الخط العربي يساير سائر العلوم نموًا وتقدمًا في هذا العصر الذهبي على يد الوزير العظيم أبي علي محمد بن مقلة الذي استطاع بعقليته الفذة ونبوغه النادر أن يتمم ما بدأ به قطبة من تحويل الكتابة العربية من صورتها الكوفية إلى الصورة التي هي عليها الآن. وقد اخترع أشكالا كثيرة للخط العربي وفروعًا متعددة وصورًا شتى لسنا بصدد الكلام عليها. ثم جاء بعده على بن هلال البغدادي المكنى بابن البواب فاقتفى أثر ابن مقلة وأخذ طريقته فهذبها ونقحها وأكمل قواعدها وكساها بهجة وطلاوة حتى أوفت على الغاية.

 

وما برح العلماء والكتاب في سائر الأعصار يعنون بالكتابة ويفتنون في تجميلها وتنويعها ويتبارون في إجادتها والنهوض بها نحو التقدم إلى أن بلغت الذروة في جمال التنسيق وكمال التنميق وبراعة التهذيب كما هو مشاهد الآن والله أعلم.

 

كتابة القرآن في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

اقتضت حكمة الله - تبارك وتعالى - ألا ينزل القرآن جملة واحدة كغيره من الكتب السماوية السالفة بل أنزله منجمًا موزعا على الحوادث مقسما على الأزمان. وذلك لحكم جلية ومصالح جمة منها انه كان ينزل بحسب الوقائع والحوادث التي كانت تحصل في المجتمع في عهد التشريع فتنزل الآيات مبينة حكم الله فيها وبحسب الأسئلة التي كانت توجه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين أو غيرهم فتنزل الآيات جوابا عنها وبحسب الشبه التي كانت تختلج في صدور أعداء الإسلام فتنزل الآيات لدحضها بالحجج الدامغة وبحسب ما كانت تقتضيه حال المسلمين من تقرير عقائد الدين وشرائعه وأحكامه وفضائله ومنها أنه نزل تدريجيا ليكون أبلغ في التحدي وأظهر في الإعجاز ومنها أنه نزل كذلك للتدريج في تربية الأمة العربية تربية دينية وخلقية وإعدادها لمنزلة الخلافة في الأرض ومنها تيسير حفظه وفهمه والعمل بمقتضاه ومنها تثبيت فؤاد النبي - صلى الله عليه وسلم - في مواطن الخصومة حتى لا يبرح به الحزن على عدم إسراع قومه إلى الهداية وليتفرغ لتبليغ الدعوة بعزيمة قوية وقلب مطمئن.

 

وكان القرآن ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيحفظه ويبلغه للناس ويأمر كتاب الوحي بكتابته ويدلهم على موضع المكتوب من سورته فيقول لهم ضعوا هذه السورة بجانب تلك السورة وضعوا هذه الآية في الموضع الذي يذكر في كذا وكذا ومن الصحابة من يكتفي بتلقيه من فيه - صلى الله عليه وسلم - فيحفظه ومنهم من كتب السورة أو الآيات أو السور ومنهم من كتبه كله وحفظه. وكانوا يكتبونه في العسب جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون على الطرف العريض واللخاف جمع لخفة بفتح اللام وسكون الخاء وهي الحجارة الرقاق والرقاع جمع رقعة وهي تكون من جلد أو ورق أو غير ذلك وقطع الأديم وهو الجلد وعظام الأكتاف جمع كتف وهو عظم عريض في كتف الحيوان كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم والأضلاع جمع ضلع وهو عظم الجنبين. والذين اشتهروا بكتابة القرآن بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان ابن عثمان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وأبان بن سعيد وخالد بن الوليد وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وثابت بن قيس وغير هؤلاء من أجلاء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. ولم ينقض عهده - صلى الله عليه وسلم - إلا والقرآن الكريم مكتوب كله بيد أنه لم يكن مجموعا في مكان واحد ولا مرتب السور، وإنما لم يأمر الرسول بجمع القرآن في مصحف واحد لأن اهتمام الصحابة إنما كان بحفظه واستظهاره. وأيضًا لما كان يترقبه من ورود زيادة أو ناسخ لبعض أحكامه، أو تلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته - صلى الله عليه وسلم - وأمن توقع النسخ ألهم الله الخلفاء الراشدين جمعه في مكان واحد، وفاءًا بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة.

 

فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر كما سيأتي. وكان الرسول يعارض جبريل بالقرآن مرة في شهر رمضان من كل عام فلما كان العام الذي قبض فيه رسول الله عارضه به مرتين.

 

وروى البخاري عن فاطمة رضي الله عنهما قالت: "أسر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلي أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة وأنه عارضني العام مرتين. ولا أراه إلا حضر أجلي".

 

والخلاصة أن القرآن كان مكتوبًا كله في العهد النبوي، ولكنه لم يكن مجموعا في مصحف واحد ولا مرتب السور بل كان مفرقا في العسب والرقاع وغيرها كما تقدم وكان محفوظا في صدور الصحابة إلا أن منهم من كان يحفظه كله لملازمته للرسول - صلى الله عليه وسلم - كالخلفاء الأربعة وغيرهم ومنهم من كان يحفظ معظمه ومنهم من كان يحفظ بعضه والله أعلم.

 

جمعه في عهد أبي بكر وسببه:

جمع القرآن تطلق هذه الكلمة على معنيين. الأول حفظه في الصدر. والثاني كتابته وتدوينه. وقد تحقق كلا المعنيين في عهده - صلى الله عليه وسلم -. أما المعنى الأول فقد تحقق بحفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صدره وانتقاشه على صفحات قلبه، وكذلك بحفظ كثير من الصحابة في حياته - صلى الله عليه وسلم - منهم الأربعة الخلفاء وطلحة وسعد وحذيفة ابن اليمان وسالم مولى أبي حذيفة وأبو هريرة وابن عمر وابن عباس وعمرو بن العاص وابنه عبد الله ومعاوية وابن الزبير وعبد الله بن السائب وعائشة وحفصة وأم سلمة وهؤلاء من المهاجرين.

 

وحفظه من الأنصار في حياته - عليه السلام - أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد ابن ثابت وأبو الدرداء ومجمع بن حارثه وأنس بن مالك وغيرهم. وأما المعنى الثاني فقد تحقق في حياته - صلى الله عليه وسلم - أيضًا بكتابته كله وتدوينه بين يديه وإن كان مبعثرًا في الأحجار والرقاع وغيرهما كما سبق، فلم ينتقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى إلا والقرآن كله محفوظ في صدور معظم أصحابه ومسجل فيما كتبوه فيه من العسب واللخاف وغيرهما. ثم قام بأمر المسلمين بعده أحق الناس به أبو بكر الصديق رضي الله عنه بمبايعة الصحابة له، فحدث في عهده ما نبهه إلى وجوب جمع القرآن الكريم في مصحف واحد خشية عليه من الضياع، فقد نشبت الحرب بينه وبين أهل الردة من أتباع مسيلمة الكذاب وغيرهم، وكان من أكبر الملاحم التي اشتبكت فيها جموع المسلمين بجموع المرتدين موقعة اليمامة المشهورة وفيها قتل كثير من قراء الصحابة، فلما وصل الخبر المدينة هال ذلك عمر بن الخطاب فدخل على أبي بكر فأخبره الخبر وبين له ما يخشاه من ضياع القرآن إذا كثر القتل في قراء الصحابة واقترح عليه جمع القرآن فتردد أبو بكر أولًا لأن ذلك أمر محدث لم تكن له سابقة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وكان أبو بكر أحرص الناس على اتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومجانبة كل ما لم يفعله ولكنه بعد نقاش طويل مع عمر رضي الله عنه اقتنع بصواب رأيه. وظهرت له المصلحة فيما يعرض عليه و علم أن ذلك الجمع وإن لم يفعله الرسول. من أكبر وسائل حفظ القرآن الكريم وصيانته من الضياع فأقدم على تنفيذ رأي عمر مراعاة لتلك المصلحة، وكان موفقًا غاية التوفيق فيها كما كان موفقا في غيرها من عظائم الأمور التي قام بها. فأرسل إلى زيد بن ثابت، بعد استشارة عمر يدعوه لكتابته وجمعه في مكان واحد.

 

وإنما آثر الصديق زيدًا بهذه المنقبة مع أن في الصحابة من هو أكبر منه سنا وأقدم إسلاما وأكثر فضلا لأنه كان من أشهر الصحابة إتقانًا لحفظ القرآن الكريم كله ووعيا لحروفه وأداءًا لقراءته وضبطًا لإِعرابه ولغاته وكان مداوما لكتابة الوحي للرسول - صلى الله عليه وسلم - وشهد العرضة الأخيرة للقرآن في حياته - صلى الله عليه وسلم - وكان مع ذلك كاملا ورعا مأمونا على القراءة غير متهم في دينه ولا خلقه، فاجتمع فيه من المزايا والخصائص ما لم يجتمع لغيره من أكابر الصحابة فلذلك اختاره أبو بكر للقيام بهذه المهمة العظمى، فلما عرض عليه أبو بكر فكرة جمع القرآن واقترح عليه أن يتولى تنفيذها فتردد زيد في ذلك وناقش أبا بكر وعمر في هذه الفكرة فما زال به أبو بكر حتى اقتنع بصوابها ووجوب تنفيذها وشرع في ذلك فكان يتتبع القرآن ويجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ويتحرى أن يكون جمعه مما كتب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحريًا دقيقًا حتى أتم جمعه في صحف، وإنما كان زيد يتتبع المكتوب في هذه الأشياء مع حفظه القرآن كله زيادة في الاحتياط ومبالغة في الضبط فتكون الكتابة معاضدة للحفظ مناصرة له.. وفي ذلك يروي البخاري عن زيد بن ثابت أنه قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإِذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر رضي الله عنه إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استمر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستمر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر كيف نفعل ما لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عمر هذا والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر قال زيد قال أبو بكر إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قلت كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره. لقد جاءكم رسول من أنفسكم. الآيتين. فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله. ثم عند عمر ثم عند حفصة بنت عمر. ا هـ.

 

فأنت ترى من هذا الحديث أن جمع القرآن في مكان واحد لأول مرة كان في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وكان قبل ذلك متفرقًا في العسب واللخاف وغيرها مما كانوا يكتبون فيه. وكان محفوظا في صدور الرجال. وقد ندب أبو بكر لجمعه زيد بن ثابت لأنه اجتمع فيه من المناقب ما أوجب تقديمه على غيره واختصاصه بهذا الأمر الجليل كما سبق. ولما شرع زيد في جمعه اعتمد على مصدرين. الأول ما كان مكتوبا في عهد الرسول الأعظم. والثاني ما كان محفوظا في صدور الحفاظ وكان يتوثق في الأخذ من المكتوب غاية التوثق حتى يتيقن أنه مما كتب بين يدي الرسول عليه السلام وأنه مما ثبت في العرضة الأخيرة ولم تنسخ تلاوته. ولذلك لم يكن يقبل شيئا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب أمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدلك على ذلك ما أخرجه ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال قدم عمر فقال من كان تلقى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا من القرآن فليأت به، وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان. قال السخاوي المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولم يعتمد زيد على الحفظ وحده. ولذلك قال في آخر سورة براءة أنه لم يجدها مكتوبة إلا معه مع أنه كان يحفظها وكان كثير من الصحابة يحفظونها ولكنه كان يريد أن يجمع بين الكتابة والحفظ زيادة في التوثق ومبالغة في الاحتياط.

 

وقد راعى زيد في كتابة هذه الصحف أن تكون مشتملة على ما يثبت قرآنيته متواترًا. واستقر في العرضة الأخيرة. ولم تنسخ تلاوته وأن تكون مرتبة الآية والسور جميعًا.

 

وتم جمع القرآن على هذا النحو من صدور الحفاظ ومما كتب بين يدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإِشراف أبي بكر وعمر وكان جمعه في عهد الصديق رضي الله عنه من أجل مناقبه وأفضل مزاياه لأنه ضمن للمسلمين حفظ كتابهم من التفرق والضياع. ولذلك قال رضي الله عنه. أعظم الناس في المصاحف أجرًا أبو بكر رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله تعالى.

 

وإذا أمعنت النظر في صنيع أبي بكر في كتابة القرآن وجمعه لا نستطيع الحكم عليه بأنه من الأمور المستحدثة ولا من البدع الضارة الممقوتة بل هو مستمد من القواعد التي وضعها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتشريع كتابة القرآن واتخاذ كُتَّاب يكتبون له الوحي المنزل، ولذلك قال الإِمام أبو عبدالله المحاسبي "كتابة القرآن ليست بمحدثة" فإِنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بكتابته ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف وغيرها فإِنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها القرآن منتشر فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء. ا هـ.

 

ظلت هذه الصحف التي جمع فيها القرآن في رعاية الخليفة الأول أبي بكر مدة خلافته. ثم انتقلت بعده إلى رعاية الخليفة الثانية عمر بن الخطاب مدة خلافته ثم عند حفصة بنت عمر بعد وفاة أبيها وبقيت عندها إلى أن ولي مروان المدينة فطلبها منها فأبت، فلما توفيت حضر جنازتها وطلبها من أخيها عبد الله فبعث بها إليه فأمر بإِحراقها وقال إنما فعلت هذا لأني خشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب. ا هـ.

 

ولم يأمر مروان بإِحراق هذه الصحف إلا بعد أمر عثمان رضي الله عنه بنسخ المصاحف العثمانية وإرسالها إلى الأمصار وأمره بإِحراق كل ما عداها من المصاحف والصحف والله أعلم.

 

يتبع،،


المصدر: مجلة كنوز الفرقان؛ العددان: (التاسع والعاشر)؛ السنة: (الرابعة)، رمضان وشوال 1371 هـ





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صدر حديثاً (جمع القرآن : دراسة تحليلية لمروياته) للدكتور أكرم الدليمي
  • ما يجب على كاتب المصحف وناشره
  • الكتابة العربية ونشأتها

مختارات من الشبكة

  • ماهية عمليات الكتابة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حلية الأطفال في الكتابة: الجزء الأخير (دروس مهمة للرقي بمستوى الكتابة بخط النسخ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أنواع الكتابة وأهدافها وأبعادها(مقالة - حضارة الكلمة)
  • صناعة الكتابة: فوائد مهمة وتوجيهات نافعة في كتابة الرسائل وتأليف الكتب (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كتابة في الكتابة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حلية الأطفال في الكتابة: الجزء الثاني (تعلم كتابة حروف الهجاء مركبة بخط النسخ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حلية الأطفال في الكتابة: الجزء الأول (تعلم كتابة حروف الهجاء مفردة) بخط النسخ (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الدعوة بالكتابة (وسيلة الكتابة الدعوية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الكتابة الكونية والكتابة الشرعية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التصالح مع الكتابة (نقد الكتابات الحداثية)(مقالة - موقع أ. حنافي جواد)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/11/1446هـ - الساعة: 21:31
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب